أحكام المحكمة الدستورية العليا - الجزء الثامن
من أول يوليو 1996 حتى آخر يونيو 1998 - صـ 1091

جلسة 3 يناير 1998

برئاسة السيد المستشار الدكتور/ عوض محمد عوض المر - رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: نهاد عبد الحميد خلاف وحمدي محمد علي والدكتور عبد المجيد فياض وماهر البحيري ومحمد علي سيف الدين وعدلي منصور، وحضور السيد المستشار الدكتور/ حنفي علي جبالي - رئيس هيئة المفوضين، وحضور السيد/ حمدي أنور صابر - أمين السر.

قاعدة رقم (76)
القضية رقم 114 لسنة 19 قضائية "دستورية"

1 - دعوى دستورية "تكييف".
المحكمة الدستورية العليا بما لها من هيمنة على الدعوى هي التي تعطيها تكييفها القانوني الصحيح.
2 - دستور "رقابة قضائية" - المحكمة الدستورية العليا "اختصاصها".
اختصاص المحكمة الدستورية العليا دون غيرها - وفقاً للدستور - بتولي الرقابة القضائية على دستورية القوانين واللوائح على الوجه المبين في القانون - اختصاصها وارد حصراً في قانونها.
3 - اختصاص "المحكمة الدستورية العليا" - رقابة قضائية "محلها".
انحصار اختصاص هذه المحكمة في مجال مباشرتها الرقابة القضائية على الدستورية في النصوص التشريعية أياً كانت - عدم انبساط ولايتها هذه إلا على القانون بمعناه الموضوعي باعتباره منصرفاً إلى النصوص القانونية التي تتولد عنها مراكز عامة مجردة - سواء وردت هذه النصوص في تشريعات أصلية أم فرعية.
4 - عاملون "بنك مصر: قواعد صرف حوافر الإنتاج للعاملين بالبنك - عدم اختصاص".
هذا البنك غدا شركة مساهمة تتم إدارتها وفقاً للقواعد السارية في المنشآت المصرفية العادية - مزاولته جميع العمليات المصرفية بالشروط وفي الحدود ذاتها التي تخضع لها البنوك التجارية - اعتباره من أشخاص القانون الخاص ولا تربطه بالعاملين علاقة تنظيمية - القرار الصادر منه بقواعد صرف حوافز الإنتاج للعاملين به لا يعتبر قراراً لائحياً - عدم استنهاضه ولاية المحكمة الدستورية العليا للبت في دستوريته.
1 - إن المحكمة الدستورية العليا؛ بما لها من هيمنة على الدعوى، هي التي تعطيها وصفها الحق، وتكييفها القانوني الصحيح؛ وذلك على ضوء طلبات الخصوم فيها؛ وبعد استظهار حقيقة أبعادها ومراميها، واستلهام معاني عباراتها دون التقيد بمبانيها.
2، 3 - إن الدستور قد عهد بنص المادة 175 - إلى المحكمة الدستورية العليا دون غيرها بتولي الرقابة القضائية على دستورية القوانين واللوائح على الوجه المبين في القانون. وبناء على هذا التفويض أصدر المشرع قانون هذه المحكمة مبيناً اختصاصاتها؛ محدداً ما يدخل في ولايتها حصراً، مستبعداً من مهامها ما لا يندرج تحتها، فخولها اختصاصاً منفرداً بالرقابة على دستورية القوانين واللوائح؛ مانعاً أي جهة من مزاحمتها فيه، مفصلاً طرائق هذه الرقابة وكيفيتها، وذلك ضماناً منه لمركزية الرقابة على المشروعية الدستورية، وتأميناً لاتساق ضوابطها وتناغم معاييرها، وصولاً من بعد إلى بناء الوحدة العضوية لأحكام الدستور، بما يكفل تكاملها وتجانسها. وهو ما نحاه قانون المحكمة الدستورية العليا، مؤكداً أن اختصاص هذه المحكمة - في مجال مباشرتها الرقابة القضائية على الدستورية - ينحصر في النصوص التشريعية أياً كان موضوعها أو نطاق تطبيقها أو الجهة التي أقرتها أو أصدرتها، فلا تنبسط ولايتها في شأن الرقابة القضائية على الدستورية، إلا على القانون بمعناه الموضوعي باعتباره منصرفاً إلى النصوص القانونية التي تتولد عنها مراكز عامة مجردة، سواء وردت هذه النصوص بالتشريعات الأصلية التي أقرتها السلطة التشريعية، أم تضمنتها التشريعات الفرعية التي تصدرها السلطة التنفيذية في حدود صلاحياتها التي ناطها الدستور بها؛ وأن تنقبض عما سواها.
4 - إذ كان القرار المطعون فيه صادراً عن أحد أشخاص القانون الخاص التي تتولى - في نطاق أغراضها - إدارة الشئون المصرفية بوسائل ليس لها من صلة بوسائل السلطة العامة أو وشيجة بامتيازاتها؛ وبما يتلاءم وطبيعة المشروع الخاص؛ ولا تربطها بالتالي بالمتعاملين معها، أو العاملين بها علاقة تنظيمية تحكمها القوانين واللوائح؛ بل مرد شئون هؤلاء إلى قواعد قانون عقد العمل، وما يكملها من قواعد خاصة، ولو تدخل المشرع لتنظيم بعض جوانبها بقواعد قانونية آمرة؛ وكان القرار المطعون فيه - وباعتباره واقعاً في مجال تنظيم علاقة العمل بين البنك والعاملين به، وعلى الأخص فيما يتعلق بموانع استحقاق حوافزهم - لا يعد قراراً لائحياً، بل يتحمض نظاماً متصلاً بالضوابط التي حددها البنك في مجال تأديب العاملين لديه؛ فإن هذا القرار لا يستنهض ولاية هذه المحكمة للبت في دستوريته.


الإجراءات

بتاريخ الحادي عشر من يونيه سنة 1997، أودع المدعي صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة، طلباً للحكم بعدم دستورية البند ثانياً من المنشور الدوري رقم 3088 لسنة 1987 بشأن قواعد صرف حوافز الإنتاج للعاملين ببنك مصر.
قدمت هيئة قضايا الدولة، مذكرة طلبت في ختامها الحكم بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى أو برفضها.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق والمداولة.
حيث إن الوقائع - على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - تتحصل في أن المدعي كان قد أقام الدعوى رقم 1324 لسنة 1990 عمال كلي جنوب القاهرة ضد المدعى عليه الثالث ابتغاء القضاء بإلزامه بأن يدفع للمدعي - فضلاً عن التعويض المؤقت - الحوافز المستحقة له منذ 9/ 3/ 1989 - والتي أرجئ صرفها إليه حتى تصدر النيابة العامة قرارها في الاتهام المنسوب له. وأثناء نظرها دفع المدعي بعدم دستورية نص البند ثانياً من المنشور الدوري رقم 3088 لسنة 1987 الصادر تطبيقاً للمادة 36 من اللائحة العامة للعاملين ببنك مصر السارية منذ 1/ 7/ 1977 - والمنطبق على واقعة تلك الدعوى. وبعد تقديرها لجدية دفعه، صرحت محكمة الموضوع للمدعي بإقامة دعواه الدستورية، فأقامها.
وحيث إن من المقرر قانوناً؛ أن المحكمة الدستورية العليا؛ بما لها من هيمنة على الدعوى، هي التي تعطيها وصفها الحق، وتكييفها القانوني الصحيح؛ وذلك على ضوء طلبات الخصوم فيها؛ وبعد استظهار حقيقة أبعادها ومراميها، واستلهام معاني عباراتها دون التقيد بمبانيها؛ وكان البين من الأوراق، أن طلبات المدعي تتمثل في الحكم بعدم دستورية قرار صدر من بنك مصر - في إطار علاقته بالعاملين لديه - بإرجاء صرف الحوافز الدورية للعاملين المحالين إلى إحدى سلطات التحقيق، وذلك حتى صدور قرارها النهائي في المخالفات المنسوبة إليهم، تأسيساً على مخالفة هذا القرار لأحكام المواد 8، 23، 36، 40، 66، 67 من الدستور؛ فإن دعواه - في هذا النطاق - تنحل إلى طعن بعدم دستورية ذلك القرار.
وحيث إن المدعى عليهم دفعوا بعدم اختصاص المحكمة الدستورية العليا ولائياً بنظر الدعوى؛ تأسيساً على أن القرار المطعون فيه، لا يعد من قبيل القوانين واللوائح المقصودة بنص المادة 25 من قانون هذه المحكمة؛ ومن ثم يخرج عن اختصاصها.
وحيث إن الدستور قد عهد بنص المادة 175 - إلى المحكمة الدستورية العليا دون غيرها بتولي الرقابة القضائية على دستورية القوانين واللوائح على الوجه المبين في القانون. وبناء على هذا التفويض، أصدر المشرع قانون هذه المحكمة مبيناً اختصاصاتها؛ محدداً ما يدخل في ولايتها حصراً، مستبعداً من مهامها ما لا يندرج تحتها، فخولها اختصاصاً منفرداً بالرقابة على دستورية القوانين واللوائح؛ مانعاً أي جهة من مزاحمتها فيه، مفصلاً طرائق هذه الرقابة وكيفيتها، وذلك ضماناً منه لمركزية الرقابة على المشروعية الدستورية، وتأميناً لاتساق ضوابطها وتناغم معاييرها، وصولاً من بعد إلى بناء الوحدة العضوية لأحكام الدستور، بما يكفل تكاملها وتجانسها. وهو ما نحاه قانون المحكمة الدستورية العليا، مؤكداً أن اختصاص هذه المحكمة - في مجال مباشرتها الرقابة القضائية على الدستورية - ينحصر في النصوص التشريعية أياً كان موضوعها أو نطاق تطبيقها أو الجهة التي أقرتها أو أصدرتها، تنبسط ولايتها في شأن الرقابة القضائية على الدستورية، إلا على القانون بمعناه الموضوعي باعتباره منصرفاً إلى النصوص القانونية التي تتولد عنها مراكز عامة مجردة، سواء وردت هذه النصوص بالتشريعات الأصلية التي أقرتها السلطة التشريعية، أم تضمنتها التشريعات الفرعية التي تصدرها السلطة التنفيذية في حدود صلاحياتها التي ناطها الدستور بها؛ وأن تنقبض عما سواها.
وحيث إن التنظيم التشريعي لبنك مصر - على ضوء أحكام المادتين الأولى والثانية من قرار رئيس الجمهورية رقم 872 لسنة 1965 في شأن بعض الأحكام الخاصة بالبنوك - يدل على أن ذلك البنك قد غدا شركة مساهمة يضع مجلس إدارة البنك المركزي المصري نظامها الأساسي؛ وتتم إدارتها وفقاً للقواعد السارية في المنشآت المصرفية العادية، دون تقيد بالنظم والقواعد الإدارية المعمول بها في مصالح الحكومة ومؤسساتها العامة، وهي تزاول دون أي قيد جميع العمليات العادية، وذلك بالشروط، وفي الحدود ذاتها التي تخضع لها البنوك التجارية وفقاً لأحكام القانون رقم 163 لسنة 1957 بإصدار قانون البنوك والائتمان. ثم صدر قرار رئيس الجمهورية رقم 2422 لسنة 1971 بتطوير النظام المصرفي، واختص بنك مصر - وقد أدمج فيه بنك بور سعيد - بشئون التجارة الداخلية، ومباشرة جميع الخدمات المصرفية لوحدات التجارة الداخلية إلى جانب تمويل الحاصلات الزراعية. ومن بعد ذلك صدر القانون رقم 120 لسنة 1975 في شأن البنك المركزي المصري والجهاز المصرفي. وعملاً بالمادة 15 منه، يقصد بالبنوك التجارية، تلك التي تقوم بصفة معتادة بقبول ودائع تدفع عند الطلب أو لآجال محددة، وتزاول عمليات التمويل الداخلي والخارجي، بما يحقق أهداف خطة التنمية وسياسة الدولة ودعم الاقتصاد القومي. كما تباشر عمليات تنمية الادخار والاستثمار المالي في الداخل والخارج، بما في ذلك المساهمة في إنشاء المشروعات وما تتطلبه من عمليات مصرفية وتجارية ومالية، وذلك وفقاً للأوضاع التي يقررها البنك المركزي. كما أسند البند ح من المادة 19 من هذا القانون إلى مجلس إدارة كل من البنوك التجارية، وضع اللوائح المتعلقة بنظم العاملين ومرتباتهم وأجورهم والمزايا والبدلات الخاصة بهم، غير مقيد في ذلك بالقواعد والنظم المعمول بها في شأن العاملين بالدولة أو القطاع العام.
وحيث إنه متى كان ذلك، وكان القرار المطعون فيه صادراً عن أحد أشخاص القانون الخاص التي تتولى - في نطاق أغراضها - إدارة الشئون المصرفية بوسائل ليس لها من صلة بوسائل السلطة العامة أو وشيجة بامتيازاتها؛ وبما يتلاءم وطبيعة المشروع الخاص؛ ولا تربطها بالتالي بالمتعاملين معها، أو العاملين بها علاقة تنظيمية تحكمها القوانين واللوائح؛ بل مرد شئون هؤلاء إلى قواعد قانون عقد العمل، وما يكملها من قواعد خاصة، ولو تدخل المشرع لتنظيم بعض جوانبها بقواعد قانونية آمرة؛ وكان القرار المطعون فيه - وباعتباره واقعاً في مجال تنظيم علاقة العمل بين البنك والعاملين به، وعلى الأخص فيما يتعلق بموانع استحقاق حوافزهم - لا يعد قراراً لائحياً، بل يتحمض نظاماً متصلاً بالضوابط التي حددها البنك في مجال تأديب العاملين لديه؛ فإن هذا القرار لا يستنهض ولاية هذه المحكمة للبت في دستوريته. ولا ينال مما تقدم، أن يكون سارياً في شأن العاملين جميعهم؛ إذ لا تتولد عن مثله، أية قاعدة قانونية مما تتناولها الرقابة القضائية على الدستورية، بل يعتبر منبت الصلة بالأعمال التشريعية التي ينحصر فيها الاختصاص الولائي لهذه المحكمة.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بعدم اختصاصها بنظر الدعوى؛ وبمصادرة الكفالة، وألزمت المدعي المصروفات ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة.