أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الأول - السنة الثانية - صـ 51

جلسة 16 من أكتوبر سنة 1950
(22)
القضية رقم 471 سنة 20 القضائية

برياسة حضرة صاحب السعادة أحمد محمد حسن باشا رئيس المحكمة, وبحضور حضرات أصحاب العزة: أحمد فهمي إبراهيم بك وكيل المحكمة, وأحمد حسنى بك, وفهيم إبراهيم عوض بك, وإبراهيم خليل بك المستشارين.
(أ) نقض. طعن يدور على تقدير الأدلة. لا يقبل.
(ب) دفاع. عدم طلب المتهم ندب الطبيب الشرعي لمناقشته في سبب الإصابة. لا يجوز له أن ينعى على المحكمة أنها لم تندبه.
(ج) إخفاء أدلة الجريمة. لا فرق بين الأدلة المادية وغير المادية. متى تتوافر هذه الجريمة؟.
(د) إعفاء المتهم من العقاب. أسبابه. ليست المحكمة ملزمة بتقصيها في حكمها ما لم ثبت أنه تمسك أمامها بقيام سبب من أسباب الإعفاء.
(هـ) إثبات. الأخذ بأقوال الشاهد واطراح قول آخر له. سواء ما كان في التحقيقات الأولية أم في جلسة المحاكمة. جوازه.
(و) تعد على موظف. المادة 137ع لا تشترط في الإصابة جسامة معينة. النعي على الحكم أنه لم يبين ما وقع على الموظف من إصابات. لا محل له.
1 - ما دام الحكم قد بين واقعة الدعوى وأورد الأدلة التي أقام عليها قضاءه بإدانة المتهم وكانت هذه الأدلة من شأنها أن تؤدى إلى ما رتب عليها, فإن ما ينعاه المتهم على الحكم مما هو متعلق بتقدير هذه الأدلة لا يكون إلا مجادلة موضوعية فيما يستقل به قاضى الموضوع ولا شأن لمحكمة النقض به.
2 - ما دام المتهم لم يطلب إلى المحكمة ندب الطبيب الشرعي لمناقشته في سبب الإصابة فلا يكون له أن ينعى عليها أنها لم تستدعه.
3 - إن المادة 145 من قانون العقوبات إذ نصت على أن "كل من علم بوقوع جناية أو جنحة أو كان لديه ما يحمله على الاعتقاد بوقوعها وأعان الجاني بأي طريقة كانت على الفرار من وجه القضاء إما بإيواء الجاني المذكور وإما بإخفاء أدلة الجريمة وإما بتقديم معلومات تتعلق بالجريمة وهو يعلم بعدم صحتها أو كان لديه ما يحمله على الاعتقاد بذلك يعاقب" الخ الخ. ثم أوردت بعد ذلك العقوبات التي رتبها الشارع جزاء على الصور المختلفة لتلك الجريمة - إذ نصت على ذلك لم تفرق في تحدثها عن أدلة الجريمة بين أنواعها من مادية أو غير مادية, بل جاءت مطلقة. فمتى ثبت في حق المتهم أنه أخفى دليلا من أدلة الجريمة وكان يعلم بوقوعها قاصدا من ذلك إعانة الجاني على الفرار من وجه القضاء فقد توافرت أركان الجريمة واستحق العقاب.
4 - ليست المحكمة ملزمة بتقصي أسباب إعفاء المتهم من العقاب في حكمها إلا إذا دفع بذلك أمامها, فإذا هو لم يتمسك أمام المحكمة بقيام سبب من تلك الأسباب فلا يكون له أن ينعى على حكمها إغفاله التحدث عن ذلك.
5 - لا تثريب على المحكمة في أن تأخذ بأقوال الشاهد وتطرح قولا آخر له سواء أكان هذا أو ذاك في التحقيقات الأولية أو في جلسة المحاكمة.
6 - إن المادة 137/1 من قانون العقوبات لا تشترط جسامة معينة في الإصابة بل يكفى لتحققها أن يصحب التعدي ضرب أو ينشأ عنه أي جرح, وإذن فالنعي على المحكمة أنها لم تبين في الحكم ما أثبته الكشف الطبي من إصابات وقعت على المجني عليه لا محل له.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعنين المذكورين في قضية الجناية رقم 1474 المحلة سنة 1947 بالجدول الكلى برقم 162 سنة 1948 بأنهم في يوم 22 من يونيه سنة 1947 الموافق 3 من شعبان سنة 1366 بناحية كفر محلة حسن مركز المحلة مديرية الغربية, الأول: ضرب الكونستابل محمود لطفي عبد الرحمن بقطعة من الخشب على الجهة اليمنى من رأسه فأحدث بها جرحا رضيا موصوفا بالتقرير الطبي نشأت عنه عاهة مستديمة هي فقد جزء من العظام في مسحة 3 × 3سم يجعل المجني عليه أكثر تعرضا للإصابات البسيطة والتغيرات الجوية والمضاعفات الخطرة مستقبلا مما لا يمكن تقدير مداه, والأول أيضا: ضرب الكونستابل المذكور بقطعة من الخشب على الجهة اليسرى من وجهه فأحدث به الإصابات الموصوفة بالتقرير الطبي والتي عولج من أجلها مدة تزيد على العشرين يوما. والثاني والثالث: علما بوقوع جنحة إحراز مواد مخدرة بدون مسوغ قانوني فأعانا الجاني على الفرار من وجه القضاء بإخفاء أدلة الجريمة, وذلك بأن أمسكا الكونستابل المذكور وأخذا كمية الحشيش التي ضبطت بدكان إسماعيل على الشيخه وأخفياها. والثاني والثالث أيضا: تعديا على الكونستابل المذكور بأن قاوماه بالقوة والعنف وكان ذلك أثناء تأدية وظيفته وهى ضبط مواد مخدرة بسببها بأن أمسكا به وأخذا ما ضبطه من مواد مخدرة. والثاني والثالث أيضا: تعديا على المخبر يوسف إبراهيم الشرقاوي وكان ذلك أثناء تأدية وظيفته وهى ضبط مواد مخدرة وبسببها بأن ضرباه فأحدثا به الإصابات الموصوفة بالكشف الطبي. وطلبت من قاضى الإحالة إحالتهم إلى محكمة الجنايات لمحاكمتهم بالمواد 240 و241/1 من قانون العقوبات للأول و4145 و136 و137/1 للثاني والثالث. فقرر إحالتهم إليها لمحاكمتهم بالمواد المذكورة. ومحكمة جنايات طنطا عملا بمادتي الاتهام مع تطبيق المادة 32/2 من قانون العقوبات بالنسبة للأول والمواد 136 و137/1 و145 مع تطبيق المادة 32/1 من قانون العقوبات للثاني والثالث بمعاقبة عدلي إسماعيل الشيخه بالسجن لمدة خمس سنين وبمعاقبة كل من عبد الفتاح أحمد الشيخه ومحمد موسى شلبية بالحبس مع الشغل لمدة سنتين. فطعن المحكوم عليهم في هذا الحكم بطريق النقض... الخ.


المحكمة

... وحيث إن مبنى الوجه الأول من الطعن المقدم من الطاعن الأول هو أن الحكم المطعون فيه أخطأ حين دانه بجريمة إحداثه العاهة بالمجني عليه الأول وحصر التهمة فيه بالذات مع أن الثابت من التحقيقات وأقوال الشهود والمعاينة أن تجمهرا كبيرا وقع عند حصول التفتيش الذي أجراه الكونستابل المجني عليه ألقى فيه مقدار كبير من الحجارة من أناس عديدين وقد وقع الحادث ليلا مما تتعذر معه الرؤية وتحديد المعتدى. ويضيف الطاعن في الوجه الثاني من طعنه أن المحكمة أخلت بحقه في الدفاع إذ قال المدافع عنه إن إصابة المجني عليه الأول حدثت من الحجارة التي كانت تلقى في الحادث وإن الكشف الطبي الابتدائي اختلف عن تقرير الطبيب الشرعي إذ قال الأول بأن الإصابة نتيجة ضرب بآلة حادة بينما جاء بالتالي أنها رضية ويجوز حدوثها من المصادمة الشديدة بجسم صلب راض "كناف النورج". وإزاء هذا الاختلاف وما تمسك به الدفاع عن الطاعن من أنها نتيجة القذف بالحجارة كان ينبغي على المحكمة أن تستدعى الطبيب الشرعي لمناقشته في ذلك تحقيقا لهذا الدفاع.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بعد أن بين واقعة الدعوى قد أورد الأدلة التي أقام عليها قضاءه بإدانة الطاعن وهى أدلة من شأنها أن تؤدى إلى ما رتب عليها. وإذن فإن ما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه بصدد سبب الإصابة أو تعذر الرؤية وشيوع التهمة بسبب ذلك لا يكون سوى مجادلة في موضوع الدعوى وتقدير الأدلة فيها مما يستقل به قاضى الموضوع, كما أنه لا محل لما يزعمه الطاعن من إخلال بحقه في الدفاع إذ مادام أنه لم يطلب إلى المحكمة ندب الطبيب الشرعي فليس له أن ينعى عليها إغفال ذلك طالما أنها لم تر هي من جانبها ما يدعو إلى الاستعانة بالخبير الفني.
وحيث إن الوجه الأول من وجهي الطعن المقدمين من الثاني والثالث يتحصل في القول بأن المحكمة أخطأت في تطبيق القانون على الواقعة - أولا: لأن المادة 145 من قانون العقوبات لا تنطبق إذ يجب لتطبيقها أن يكون المتهم قد أخفى الدليل المادي في الدعوى إخفاء تاما بحيث يصبح ولا أثر له, أما إذا بين أن الدليل ما يزال قائما ولو جزئيا بصرف النظر عن الشطر الذي أخفى من الأدلة كما هو الحال في هذه الدعوى فلا عقاب. ثانيا: إن الحكم المطعون فيه وقد قضى بالحبس مع الشغل لمدة سنتين قد جاوز الحد الأقصى الذي يصح القضاء به, ذلك لأن واقعة الدعوى إن صحت فإنها تنطبق على الفقرة الثانية من المادة 145 من قانون العقوبات. وهى تنص على أنه "وفى الأحوال الأخرى (ومنها واقعة الدعوى المطروحة) تكون العقوبة الحبس مدة لا تتجاوز ستة أشهر أو غرامة لا تتجاوز عشرين جنيها", ثالثا: إن الحكم لم يعرض لصلة الطاعنين بالمتهم المنسوب إليهما أنهما أعاناه على الفرار من وجه القضاء وأخفيا أدلة الجريمة المنسوبة إليه, وكان يتعين على المحكمة أن تستظهر هذه الصلة لأن المادة سالفة الذكر تنص على حالات إعفاء من العقوبة بسبب القربى أو الزوجية.
وحيث إن المادة 145 من قانون العقوبات ونصها الآتي "كل من علم بوقوع جناية أو جنحة أو كان لديه ما يحمله على اعتقاد بوقوعها وأعان الجاني بأي طريقة كانت على الفرار من وجه القضاء إما بإيواء الجاني المذكور وإما بإخفاء أدلة الجريمة وإما بتقديم معلومات تتعلق بالجريمة وهو يعلم بعدم صحتها أو كان لديه ما يحمله على الاعتقاد بذلك يعاقب طبقا للأحكام الآتية" ثم أوردت المادة بعد ذلك العقوبات التي رتبها الشارع على الصور المختلفة لتلك الجريمة. هذه المادة حين تحدثت عن أدلة الجريمة لم تفرق بين أنواعها من مادية أو غير مادية, بل جاءت مطلقة, فمتى ثبت في حق المتهم - وهو ما أثبته الحكم - أنه أخفى دليلا ما من أدلة الجريمة وكان يعلم بوقوعها وقصد من وراء ذلك إعانة الجاني على الفرار من وجه القضاء فقد توافرت أركان الجريمة واستحق العقاب. أما ما يثيره الطاعنان بصدد تجاوز الحكم المطعون فيه الحد الأقصى المقرر للعقوبة فمردود بأن الطاعنين قد أدينا عن جرائم ثلاث وقد وقعت المحكمة عليهما العقوبة الأشد لتلك الجرائم وهى المنصوص عليها في المادة 137/1 من قانون العقوبات تطبيقا للمادة 32 من ذلك القانون. أما ما أشار إليه الطاعنان من عدم تحدث الحكم عن الصلة بينهما وبين المتهم الأصلي لتقصى ما عسى أن يكون هناك من توفر حالة من حالات الإعفاء التي نصت عليها المادة 145 من قانون العقوبات, فمردود بأن المحكمة لا تلزم بتقصي أسباب الإعفاء في حكمها إلا إذا دفع بذلك أمامها, ومادام أن الطاعنين لم يدفعا أمام محكمة الموضوع بقيام سبب من تلك الأسباب فليس لهما أن ينعيا على حكمها إغفاله التحدث عن ذلك.
وحيث إن الوجه الآخر من وجهي الطعن يتحصل في القول بأن الحكم أخطأ حين دان الطاعنين بتهمة الاعتداء على المخبر يوسف إبراهيم مع أنه إذ سئل أمام المحكمة لم ينسب إليهما أي اعتداء, ولم يبين الحكم أيضا فحوى الكشف الطبي وما أثبته من إصابات حدثت بالمجني عليه المذكور حتى يعرف منه نوع هذه الإصابات. كذلك أخطأ في إدانتهما بالاعتداء على الكونستابل بمقاومته أثناء ضبطه المخدر في حين أن المستفاد من أقواله بجلسة المحاكمة أن مقاومة ما لم تحصل منهما وأنهما كانا بداخل المنزل بينما كانت الجموع الحاشدة بخارجه تلقى عليهم الحجارة.
وحيث إن هذا الوجه مردود أيضا بأن الحكم المطعون فيه قد بين واقعة التعدي المصحوب بالضرب التي دان بها الطاعنين وأورد الأدلة على ثبوتها في حقهما؛ ولذا لا تقبل إثارة الجدل في تقدير هذه الأدلة أمام محكمة النقض, ولا تثريب على المحكمة في أن تأخذ بأقوال للشاهد وأن تطرح قولا آخر له سواء أكان هذا أو ذاك في التحقيقات الأولية أو في جلسة المحاكمة, أما ما يثيره الطاعنان من عدم إيراد فحوى الكشف الطبي لتعرف نوع الإصابات فلا وجه له, لأن المادة 137/1 من قانون العقوبات لا تشترط جسامة معينة حتى يستعان في إثباتها بالكشف الطبي بل يكفى لتحققها أن يصحب التعدي ضرب أو ينشأ عنه أي جرح وهو ما قال الحكم بأنه ثابت من شهادة الشهود والكشف الطبي.
وحيث إنه لما تقدم يكون الطعن على غير أساس ويتعين رفضه موضوعا.