أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثالث - السنة 20 - صـ 1003

جلسة 6 من أكتوبر سنة 1969

برياسة السيد المستشار/ محمد عبد الوهاب خليل نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: نصر الدين حسن عزام، وسعد الدين عطيه، وأنور أحمد خلف، والدكتور أحمد محمد إبراهيم.

(195)
الطعن رقم 779 لسنة 39 القضائية

( أ ) غش. جريمة."أركانها". إثبات. "إثبات بوجه عام". "قرائن". قصد جنائي. "القصد المفترض".
كفاية ارتكاب فعل الغش أو العلم به. لتحقق جريمة الغش.
القرينة التي افترض بها الشارع العلم بالغش بالنسبة للمشتغلين بالتجارة. قابليتها للنفي بطرق الإثبات كافة. عدم مساس هذه القرينة بالركن المعنوي في جنحة الغش.
(ب) حكم. "تسبيبه. تسبيب معيب". إثبات. "إثبات بوجه عام". دفاع. "الإخلال بحق الدفاع. ما يوفره". غش.
إدانة المتهم بقالة إنه المنتج للبن المغشوش وأن أعمال مركز حلب الأبقار تتم تحت إشرافه المباشر وعلمه اليقيني. دون بيان مصدر ذلك. خطأ.
دفاع المتهم بنفي إشرافه على حلب الألبان المغشوشة وإن إشرافه على مركز تربية الأبقار إشراف إداري فحسب. دفاع جوهري. وجوب تحقيقه أو الرد عليه بما يفنده.
1- إنه يتعين لإدانة المتهم في جريمة الغش المؤثمة بالقانون رقم 48 لسنة 1941، أن يثبت أنه هو الذي ارتكب فعل الغش أو أنه يعلم بالغش الذي وقع، أما القرينة المنشأة بالتعديل المدخل بالقانونين الرقيمين 522 لسنة 1955 و80 لسنة 1961 على المادة الثانية من القانون رقم 48 لسنة 1941 والتي افترض بها الشارع العلم بالغش إذا كان المخالف من المشتغلين بالتجارة فقد رفع بها عبء إثبات العلم عن كاهل النيابة العامة دون أن ينال من قابليتها لإثبات العكس وبغير اشتراط نوع من الأدلة لدحضها ودون أن يمس الركن المعنوي في جنحة الغش والذي يلزم توافره حتماً للعقاب.
2 - إذا كان الطاعن قد نفى علمه بالغش وقرر أنه لم يكن المشرف على حلب الأبقار المغشوشة وأن إشرافه على مركز تربية الأبقار هو إشراف إداري فقط، وحدد المشرف على حلب هذه الألبان وطلب في مذكرته التي قدمها إلى محكمة الموضوع ضم سجل المركز تحقيقاً لدفاعه، وذلك على ما يبين من المفردات المضمومة، وكان الحكم قد قضى بإدانته تأسيساً على أن علمه بالغش ثابت من كونه المنتج للبن المغشوش, وأن أعمال المركز تتم تحت إشرافه المباشر وعلمه اليقيني, دون أن يبين المصدر الذي استقى منه تحديد اختصاص الطاعن ومدى إشرافه على أعمال المركز, وهو ما ليس له أصل ثابت بالأوراق، ودون أن يجيبه إلى طلب ضم سجل المركز تحقيقاً لدفاعه, وهو دفاع جوهري مؤثر في مصير الدعوى مما كان يقتضي من المحكمة أن تمحصه لتقف على مبلغ صحته أو ترد عليه بما يبرر رفضه، أما وهي لم تفعل, فإن حكمها يكون مشوباً بالإخلال بحق الدفاع والقصور في التسبيب.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة (الطاعن) وآخر. بأنهما في يوم 24 أكتوبر سنة 1964 بدائرة مصر القديمة: (1) عرضاً للبيع لبناً غير محتفظ بخواصه الطبيعية بأن أضيف إليه ما لا يقل عن 12% ماء. (2) عرضاً للبيع شيئاً من أغذية الإنسان "لبناً مغشوشاً" مع علمهما بذلك. وطلبت عقابهما بالمواد 2 و12/ 1 من القانون رقم 132 لسنة 1950, 2 و7 و8 و9 من القانون 48 لسنة 1941 المعدل بالقوانين 89 لسنة 1948 و153 لسنة 1949 و552 لسنة 1955. ومحكمة مصر القديمة الجزئية قضت حضورياً بالنسبة إلى المتهم الثاني وغيابياً بالنسبة إلى المتهم الأول عملاً بمواد الاتهام مع تطبيق المادة 304/ 1 من قانون الإجراءات الجنائية بالنسبة إلى المتهم الثاني ببراءته وتغريم المتهم الأول مائة جنيه وألزمته بالمصاريف. عارض المحكوم عليه، وقضى في معارضته بقبولها شكلاً وفي الموضوع برفضها وبتأييد الحكم المعارض فيه بلا مصروفات جنائية. فاستأنفت النيابة العامة هذا الحكم بالنسبة إلى المتهم الثاني كما استأنفه المتهم الأول. ومحكمة القاهرة الابتدائية (بهيئة استئنافية) قضت حضورياً بقبول الاستئنافين شكلاً وفي الموضوع بتعديل الحكم المستأنف بالنسبة للمتهم الأول إلى تغريم المتهم عشرين جنيهاً مع المصادرة وبالنسبة للمتهم الثاني برفض الاستئناف وتأييد الحكم المستأنف بلا مصروفات جنائية. فطعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض.


المحكمة

حيث إن مما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه عن جريمتي عرضه للبيع لبناً غير محتفظ بخواصه الطبيعية بإضافة الماء إليه وعرضه للبيع لبناً مغشوشاً مع علمه بذلك جاء مشوباً بالخطأ في القانون والقصور في التسبيب ذلك بأنه دفع التهمتين المسندتين إليه بأنه مدير لمركز تربية أبقار الفريزيان وله عليه الإشراف الإداري فقط وليست له صلة بعملية حلب الألبان إذ يقوم بها عمال مختصون تحت إشراف مهندسين زراعيين وأن الذي أشرف على حلب الألبان موضوع هاتين التهمتين هو المهندس محمد الرفاعي والملاحظ سليمان إبراهيم على ما هو ثابت من سجل المركز بتاريخ 23/ 10/ 1964 وطلب من المحكمة ضم هذا السجل تحقيقاً لدفاعه ولكن الحكم المطعون فيه انتهى إلى أنه بصفته مدير للمركز يعتبر عالماً بالغش ومسئولاً عنه باعتباره بائعاً للبن، كما لم تستجب المحكمة لطلب ضم السجل ولم ترد عليه مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
وحيث إن النيابة العامة اتهمت الطاعن وآخر بأنهما: (1) عرضا للبيع لبناً غير محتفظ بخواصه الطبيعية بأن أضيف إليه ما لا يقل عن 12% ماء. (2) عرضا للبيع شيئاً من أغذية الإنسان (لبناً مغشوشاً) مع علمهما بذلك. وقد دفع الطاعن التهمتين بأنه مدير لمركز تربية أبقار الفريزيان وله الإشراف الإداري عليه فقط، وصلته منقطعة عن عملية حلب الألبان التي يباشرها عمال مختصون بها تحت إشراف مهندسين زراعيين، كما أن الألبان موضوع هاتين التهمتين أشرف على حلبها المهندس الزراعي محمد محمد الرفاعي والملاحظ سليمان إبراهيم وطلب ضم السجلات المؤيدة لذلك، وقد عرض حكم محكمة الدرجة الأولى الصادر في المعارضة - والذي أخذ بأسبابه الحكم المطعون فيه - لدفاع الطاعن ورد عليه في قوله "يقول المعارض إنه لم يكن المشرف على حلب اللبن المورد للمستشفى يوم 24/ 10/ 1964 وإنما وقع على الأوراق بوصفه مديراً لمركز الفريزيان ليس إلا، ومن ثم فهو لا يعلم شيئاً عن الألبان المغشوشة، والرد على ذلك أن عمل المتهم مديراً لمركز الفريزيان، بأن ذلك المركز الذي لا يختص إلا بحلب الألبان وتوريدها للجهات المختلفة تجعل منه ذا صلة مباشرة بعمل المركز وبيده وبعلمه يتم نشاط المركز فهو منصب يختلف عن منصب مدير المصلحة أو الوزير حتى يمكن أن يقال أن إشرافه إدارياً فقط أو إنه يوقع على أوراق بحكم منصبه فالصحيح هنا أنه إنما يوقع على أعمال محددة تحت إشرافه المباشر وعلمه اليقيني بما تضمنته.... ولما كان علم المتهم بالغش ثابتاً في حقه من كونه هو المنتج للبن المغشوش فإن ما ينعيه المتهم في هذا الخصوص يكون غير سديد". لما كان ذلك، وكان يتعين لإدانة المتهم في جريمة الغش المؤثمة بالقانون رقم 48 لسنة 1941 أن يثبت أنه هو الذي ارتكب فعل الغش أو أنه يعلم بالغش الذي وقع، أما القرينة المنشأة بالتعديل المدخل بالقانونين الرقيمين 522 لسنة 1955 و80 لسنة 1961 على المادة الثانية من القانون رقم 48 لسنة 1941 والتي افترض بها الشارع العلم بالغش إذا كان المخالف من المشتغلين بالتجارة فقد رفع بها عبء إثبات العلم عن كاهل النيابة العامة دون أن ينال من قابليتها لإثبات العكس وبغير اشتراط نوع من الأدلة لدحضها ودون أن يمس الركن المعنوي في جنحة الغش والذي يلزم توافره حتماً للعقاب، وكان الطاعن قد نفى علمه بالغش وقرر أنه لم يكن المشرف على حلب الألبان وأن إشرافه على مركز تربية الأبقار هو إشراف إداري فقط وحدد المشرف على حلب هذه الألبان وطلب في مذكرته التي قدمها إلى محكمة الموضوع ضم سجل المركز تحقيقاً لدفاعه وذلك على ما يبين من المفردات المضمومة، وكان الحكم قد قضى بإدانته تأسيساً على أن علمه بالغش ثابت من كونه هو المنتج للبن المغشوش وأن أعمال المركز تتم تحت إشرافه المباشر وعلمه اليقيني دون أن يبين المصدر الذي استقى منه تحديد اختصاص الطاعن ومدى إشرافه على أعمال المركز وهو ما ليس له أصل ثابت بالأوراق ودون أن يجيبه إلى طلب ضم سجل المركز تحقيقاً لدفاعه وهو دفاع جوهري ومؤثر في مصير الدعوى مما كان يقتضي من المحكمة أن تمحصه لتقف على مبلغ صحته أو ترد عليه بما يبرر رفضه، أما وهي لم تفعل، فإن حكمها يكون مشوباً بالإخلال بحق الدفاع والقصور في التسبيب. لما كان ذلك، فإنه يتعين نقض الحكم المطعون فيه والإحالة دون حاجة إلى بحث باقي أوجه الطعن.