أحكام المحكمة الدستورية العليا - الجزء الثامن
من أول يوليو 1996 حتى آخر يونيو 1998 - صـ 1149

جلسة 7 فبراير 1998

برئاسة السيد المستشار الدكتور/ عوض محمد عوض المر - رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: سامي فرج يوسف والدكتور عبد المجيد فياض وماهر البحيري ومحمد علي سيف الدين وعدلي محمود منصور ومحمد عبد القادر عبد الله، وحضور السيد المستشار الدكتور/ حنفي علي جبالي - رئيس هيئة المفوضين، وحضور السيد/ حمدي أنور صابر - أمين السر.

قاعدة رقم (82)
القضية رقم 98 لسنة 19 ق "دستورية"

اختصاص - المحكمة الدستورية العليا
تقرير المحكمة الدستورية العليا اختصاصها ولائياً بنظر دعوى بذاتها سابق بالضرورة على تثبتها من توافر شروط اتصالها بها طبقاً للأوضاع المقررة أمامه
2 - رقابة قضائية: "محلها" - المحكمة الدستورية العليا.
الرقابة القضائية على الشرعية الدستورية التي تنفرد بها هذه المحكمة يتحدد محلها بالنصوص القانونية أياً كانت - تعلق رقابتها بالقانون بمعناه الموضوعي الأعم محدداً على ضوء كل قاعدة قانونية تضمنها تنظيم تشريعي، أصلياً كان أم فرعياً.
3 - عاملون "شركات قطاع الأعمال العام".
الشركة القابضة للصناعات الغذائية من شركات قطاع الأعمال العام - مباشرتها نشاطها في محيط القانون الخاص - ارتباط عمالها بها بعلاقة عقدية ينظمها قانون العمل. القرار الصادر من هذه الشركة بتنظيم المكافأة التعويضية التي يستحقها العاملون بها وبالشركات التابعة لها عند خروجهم للمعاش المبكر لا يعتبر تشريعاً - عدم امتداد الرقابة القضائية في شأن الشرعية الدستورية عليه.
1 - قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن تقرير اختصاصها ولائياً بنظر دعوى بذاتها، سابق بالضرورة على تثبتها من توافر شروط اتصال الخصومة القضائية بها وفقاً للأوضاع المنصوص عليها في قانونها. كذلك فإن حكمها باختصاصها بنظر خصومة بذاتها، لا يمنعها من الفصل في توافر الشرائط التي تطلبها القانون لقبولها، بحسبانها مدخلها للخوض في موضوعها.
2 - الرقابة على الشرعية الدستورية التي تباشرها هذه المحكمة دون غيرها وفقاً لنص المادة 175 من الدستور، إنما يتحدد محلها بالنصوص القانونية أياً كان موضعها أو مضمونها أو نطاق سريانها أو الجهة التي أقرتها أو أصدرتها. وهي تباشر رقابتها هذه في شأن النصوص المطعون عليها أمامها تحرياً لتطابقها أو اختلافها مع الدستور، ضماناً لعلوه على ما سواه، فلا تكون السيادة التي يفرضها إلا واقعاً حياً لا تصوراً نظرياً، بما مؤداه غلبة القيم التي يحتضنها، وتعلق رقابتها بالقانون بمعناه الموضوعي الأعم محدداً على ضوء كل قاعدة قانونية تضمنها تنظيم تشريعي، أصلياً كان أم فرعياً.
3 - الشركة القابضة للصناعات الغذائية، وكذلك شركة أدفينا للأغذية المحفوظة التي تتبعها، تعتبران كلتاهما من شركات قطاع الأعمال العام، تباشران نشاطهما في محيط القانون الخاص بوصفهما من شركات المساهمة، فلا ينتهجان إلا الوسائل التي ينتظمها هذا القانون، ومن ثم لا يرتبط عمالها بها بعلاقة تنظيمية، وإنما تكون علاقتهم بها عقدية بطبيعتها ينظمها قانون العمل أصلاً، ولو كان المشرع قد تدخل بقواعد آمرة لتحديد بعض جوانبها.
وإذ كان النزاع الراهن يتعلق بقرار أصدره مجلس إدارة الشركة القابضة للصناعات الغذائية، منظماً به المكافأة التعويضية التي يستحقها العاملون بهذه الشركة والشركات التابعة لها عند خروجهم للمعاش المبكر، وكذلك أسس حسابها، فإن أحكام هذا القرار لا تعتبر تشريعاً بالمعنى الموضوعي، ولا تمتد إليها بالتالي الرقابة التي تتولاها هذه المحكمة في شأن الشرعية الدستورية.


الإجراءات

بتاريخ 21 مايو سنة 1997، أودعت المدعيتان صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة طالبتين الحكم بعدم دستورية قرار الشركة القابضة للصناعات الغذائية الصادر بتاريخ 12/ 6/ 1996 في شأن مقدار التعويض المستحق لهما في شأن إحالتهما - بناء على طلبيهما - إلى المعاش المبكر.
قدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم بعدم اختصاص المحكمة ولائياً بنظر الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع - على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - تتحصل في أن المدعيتين كانتا تعملان بشركة أدفينا للأغذية المحفوظة - المدعى عليها الخامسة - إلى أن أحيلتا إلى التقاعد بناء على طلبيهما حيث طبقت في شأنهما القواعد التي تنظم الخروج على المعاش المبكر الصادر بها قرار مجلس إدارة الشركة القابضة للصناعات الغذائية في 26/ 1/ 1995. وإذ أصدرت الشركة القابضة في 12/ 6/ 1996 قراراً حل محل القرار الأول يمنح مزايا أفضل للعاملين الذين يطلبون إحالتهم إلى المعاش قبل بلوغهم سن التقاعد المحددة قانوناً، وعلى أن يسري هذا القرار اعتباراً من 15/ 6/ 1996، فقد أقامت المدعيتان أمام محكمة الإسكندرية الابتدائية الدعوى رقم 1105 لسنة 1996 عمال بطلب إعمال القرار اللاحق في شأنهما وتعويضهما وفقاً لقواعده، ثم دفعتا - أثناء نظر دعواهما الموضوعية - بعدم دستورية هذا القرار. وإذ قدرت محكمة الموضوع جدية الدفع، فقد خولتهما إقامة دعواهما الدستورية، فرفعتا الدعوى الماثلة.
وحيث إن المدعيتين تنعيان على القرار المطعون فيه مخالفته حكم المادة 40 من الدستور التي تقرر مبدأ مساواة المواطنين في الحقوق والواجبات العامة، تأسيساً على أن ثمة تفرقة في المعاملة أحدثها هذا القرار بين فريقي العاملين الذين أحيلوا إلى المعاش المبكر قبل وبعد سريانه، في حين يجب معاملة هؤلاء جميعاً - من حيث قدر التعويض المستحق - على أساس تساويهم بالنظر إلى تماثل ظروفهم.
وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن تقرير اختصاصها ولائياً بنظر دعوى بذاتها، سابق بالضرورة على تثبتها من توافر شروط اتصال الخصومة القضائية بها وفقاً للأوضاع المنصوص عليها في قانونها. كذلك فإن حكمها باختصاصها بنظر خصومة بذاتها، لا يمنعها من الفصل في توافر الشرائط التي تطلبها القانون لقبولها، بحسبانها مدخلها للخوض في موضوعها.
وحيث إن الرقابة على الشرعية الدستورية التي تباشرها هذه المحكمة دون غيرها وفقاً لنص المادة 175 من الدستور، إنما يتحدد محلها بالنصوص القانونية أياً كان موضعها أو مضمونها أو نطاق سريانها أو الجهة التي أقرتها أو أصدرتها. وهي تباشر رقابتها هذه في شأن النصوص المطعون عليها أمامها تحرياً لتطابقها أو اختلافها مع الدستور، ضماناً لعلوه على ما سواه، فلا تكون السيادة التي يفرضها إلا واقعاً حياً لا تصوراً نظرياً، بما مؤداه غلبة القيم التي يحتضنها، وتعلق رقابتها بالقانون بمعناه الموضوعي الأعم محدداً على ضوء كل قاعدة قانونية تضمنها تنظيم تشريعي، أصلياً كان أم فرعياً.
وحيث إن المادة الأولى من قانون إصدار قانون شركات قطاع الأعمال العام الصادر بالقانون رقم 203 لسنة 1991، تقضي بأن يقصد بقطاع الأعمال العام، الشركات القابضة والشركات التابعة لها الخاضعة لأحكام هذا القانون، وتتخذ هذه الشركات بنوعيها شكل شركات المساهمة، ويسري عليها - فيما لم يرد بشأنه نص خاص في ذلك القانون، وبما لا يتعارض مع أحكامه - نصوص قانون شركات المساهمة وشركات التوصية بالأسهم والشركات ذات المسئولية المحدودة الصادرة بالقانون رقم 159 لسنة 1981.
ولا تسري أحكام قانون هيئات القطاع العام وشركاته الصادر بالقانون رقم 97 لسنة 1983 على الشركات المشار إليها.
وعملاً بنص المادة الثانية من قانون الإصدار، تحل الشركات القابضة محل هيئات القطاع العام الخاضعة لأحكام القانون رقم 97 لسنة 1983، كما تحل الشركات التابعة محل الشركات التي تشرف عليها هذه الهيئات، وذلك اعتباراً من تاريخ العمل بالقانون رقم 203 لسنة 1991، ودون حاجة إلى أي إجراء آخر.
وبمقتضى نص المادة الأولى من قانون شركات قطاع الأعمال العام تعتبر الشركة القابضة من أشخاص القانون الخاص. وتتخذ الشركة التابعة - وفقاً للفقرة الثالثة من المادة 16 من هذا القانون - شكل شركة المساهمة، وتثبت لها الشخصية الاعتبارية من تاريخ قيدها في السجل التجاري.
وحيث إن الشركة القابضة للصناعات الغذائية، وكذلك أدفينا للأغذية المحفوظة التي تتبعها، تعتبران كلتاهما من شركات قطاع الأعمال العام، تباشران نشاطهما في محيط القانون الخاص بوصفهما من شركات المساهمة، فلا ينتهجان إلا الوسائل التي ينتظمها هذا القانون، ومن ثم لا يرتبط عمالها بها بعلاقة تنظيمية، وإنما تكون علاقتهم بها عقدية بطبيعتها ينظمها قانون العمل أصلاً، ولو كان المشرع قد تدخل بقواعد آمرة لتحديد بعض جوانبها.
وحيث إن متى كان ما تقدم، وكان النزاع الراهن يتعلق بقرار أصدره مجلس إدارة الشركة القابضة للصناعات الغذائية، منظماً به المكافأة التعويضية التي يستحقها العاملون بهذه الشركة والشركات التابعة لها عند خروجهم للمعاش المبكر، وكذلك أسس حسابها، فإن أحكام هذا القرار لا تعتبر تشريعاً بالمعنى الموضوعي، ولا تمتد إليها بالتالي الرقابة التي تتولاها هذه المحكمة في شأن الشرعية الدستورية.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بعدم اختصاصها بنظر الدعوى، وبمصادرة الكفالة، وألزمت المدعي المصروفات ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة.