أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الأول - السنة الثانية - صـ 160

جلسة 20 من نوفمبر سنة 1950
(64)
القضية رقم 192 سنة 20 القضائية

برياسة حضرة صاحب العزة: أحمد فهمي إبراهيم بك وكيل المحكمة, وحضور حضرات أصحاب العزة: أحمد حسنى بك, وفهيم إبراهيم عوض بك, وإبراهيم خليل بك, ومحمد أحمد غنيم بك المستشارين.
صيدلة. إغلاق الصيدلية لجريمة ارتكبها موظف فيها. يصح. لا يشترط للحكم بإغلاق المحل الذي وقعت فيه المخالفة أن يكون مملوكا لمن وقعت منه المخالفة.
إن القانون إذ نص على إغلاق المحل الذي وقعت فيه المخالفة لم يشترط أن يكون مملوكا لمن تجب معاقبته على الفعل الذي ارتكب فيه. ولا يعترض على ذلك بأن العقاب شخصي, لأن الإغلاق ليس عقوبة مما يجب توقيعها على من ارتكب الجريمة دون غيره وإنما هو في حقيقته من التدابير الوقائية التي لا يحول دون توقيعها أن تكون آثارها متعدية إلى الغير. ولا يجب اختصام المالك في الدعوى عند الحكم بالإغلاق متى كان هذا الحكم قد صدر على أساس أن مرتكب الجريمة في المحل المحكوم بإغلاقه إنما كان يباشر أعماله فيه بتكليف من صاحبه. وإذن فالحكم بإغلاق الصيدلية من أجل أن موظفا لدى صاحب الصيدلية قد زاول فيها مهنة الصيدلة دون حق هو حكم صحيح.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة ناجى عطا الله في قضية الجنحة رقم 1011 سنة 1945 بأنه في يوم 22 من نوفمبر سنة 1944 بدائرة قسم عابدين. (أولا) زاول مهنة الصيدلة بدون أن يكون حائزا على بكالوريوس من كلية الطب المصرية ومقيدا اسمه بوزارة الصحة. (ثانيا) قام ببيع مستحضرات جاهزة. وطلبت عقابه بالمواد 1 و2 و4 و108 من القانون رقم 5 سنة 1941 ومحكمة جنح عابدين الجزئية قضت بتاريخ 11 مارس سنة 1946 عملا بالمادة 172 من قانون تحقيق الجنايات ببراءة المتهم. فاستأنفت النيابة. ومحكمة مصر الابتدائية قضت عملا بمواد الاتهام بقبول الاستئناف شكلا وفى الموضوع بإلغاء الحكم المستأنف وبتغريم المتهم عشرين جنيها ومصادرة الدواء المضبوط وإغلاق الصيدلية على مصروفاته وأعفته من المصروفات الجنائية. فاستشكل أديب قلادة أفندي (الطاعن) في هذا الحكم الصادر ضد ناجى عطا الله وقضت محكمة مصر الابتدائية بقبول إشكاله شكلا وفى الموضوع برفضه وألزمت رافعه بمصروفاته. فطعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض. الخ.


المحكمة

... وحيث إن محصل الطعن هو أن الحكم المطعون فيه قد أخطأ إذ قضى برفض الإشكال المرفوع من الطاعن في تنفيذ الحكم الصادر بإغلاق صيدليته؛ ذلك أن الطاعن قد تمسك أمام محكمة الإشكال بأن عقوبة الإغلاق قد صدرت على موظف الصيدلية, ومن ثم فإن الحكم الصادر بها لا يجوز أن يمتد أثره إلى الطاعن باعتباره صاحب هذه الصيدلية, لأن النيابة لم تدخله في الدعوى ليبدى دفاعه فيها, وبخاصة وهو لم يكن بإمكانه أن يتدخل فيها من تلقاء نفسه, كما تمسك بأن الحكم المستشكل فيه قد صدر غامضا بالنسبة لوصف الإغلاق وكان من مقتضى سلامته أو يوصف الإغلاق بكونه نهائيا أو مؤقتا, ذلك أن واقعة الدعوى الأصلية لم تكن مما يقضى فيها بالإغلاق النهائي أو المؤقت إلا بتوافر شروط لم تتحقق, هذا إلى أن الثابت من مراجعة الحكم الذي أراد المحضر تنفيذ الإغلاق به أنه خال من الأسباب فلا يجوز التنفيذ به لأن صيغة التنفيذ لا توضع إلا على الأحكام الصحيحة المسببة.
وحيث إن واقعة الحال تتحصل في أن الدعوى العمومية رفعت على موظف لدى الطاعن بأنه زاول مهنة الصيدلة دون أن يحوز درجة علمية تؤهله لذلك ودون أن يقيد بوزارة الصحة, وبأنه قام ببيع مستحضرات طبية جاهزة, فقضى انتهائيا من محكمة جنح مصر الاستئنافية بتغريمه عشرين جنيها مع إغلاق الصيدلية على مصروفاته, وذلك تطبيقا لنص المواد 1 و2 و4 و108 من القانون رقم 5 لسنة 1941 الخاص بتنظيم مهنة الصيدلة, وقد طعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض فقبل الطعن شكلا ورفض موضوعا, ولدى تنفيذ الحكم بالإغلاق رفع عنه الطاعن بصفته صاحب الصيدلية إشكالا استند فيه بصفة أساسية إلى أن الأحكام شخصية لا يتعدى تنفيذها شخص المحكوم عليه ذلك الذي ترك العمل بالصيدلية, كما استند إلى الأوجه الأخرى المبينة بوجه طعنه الحالي فقضت محكمة جنح مصر الاستئنافية سالفة الذكر بقبول الإشكال شكلا وفى الموضوع برفضه وبإلزام رافعه بالمصاريف, فقرر الطاعن بالنقض في هذا الحكم واستند فيه إلى الأوجه المتقدمة.
وحيث إنه لما كان الحكم المطعون فيه إذ قضى برفض إشكال الطاعن قد عرض لدفاعه المبين بأوجه طعنه ورد عليه بما يفنده, وكان مما قاله في ذلك "وحيث إنه من المبادئ المقررة في القانون الجنائي شخصية العقوبة بمعنى عدم تجاوزها شخص المحكوم عليه وممتلكاته إلا بالنسبة للعقوبات التكميلية فانه يجرى تنفيذها في مواجهة الغير أيضا متى كان موضوع الدعوى ماسا بالأمن أو النظام العام أو بمصلحة المجموع إذ يكون للعقوبة التكميلية هنا صفة عينية لا شخصية ولا تعد عقوبة يقضى بها على شخص المحكوم عليه بل تدبيرا وقائيا يتخذ ضد شخص بعينه, والمثال الواضح للعقوبات التكميلية هو المصادرة وأبرز أمثلة لها الجريمتان المنصوص عليهما في المادة 352 ع والمادة 19 من القانون رقم 38 لسنة 1941 إذ تصادر النقود والأشياء المستعملة في لعب الميسر رغم أن الحكم يصدر ضد صاحب المحل لا ضد أصحاب النقود وتلك الأشياء, فالمشرع رأى بهذا إمكان تجاوز العقوبة شخص المحكوم عليه إذا هي أنصبت على عين لوثتها الجريمة, وهو استثناء من الأصل العام قرره المشرع وأقره الشراح حرصا على الصالح العام. وحيث إن ورود نص المادة 109 من القانون رقم 5 لسنة 1941 يفيد أن المشرع رأى بصدد الجرائم المنصوص عليها فيه التي يحكم فيها بالإغلاق أن تكون العقوبة عينية منصبة على الصيدلية التي وقعت فيها مخالفة القانون, وذلك لما في مخالفته من تهديد للصحة العامة والحياة والمرضى, والمشرع إنما أراد بهذا أن يفرض على أصحاب الصيدليات رقابة عمالهم وأن يهتموا شخصيا بأعمالهم, كما يهددهم بعقوبة عينية منصبة على محالهم إذا هم توانوا وتركوا الجرائم ترتكب فيها بعلمهم أو بإهمالهم. وحيث إن نص المادة 108 من القانون آنف الذكر والتي طبقتها المحكمة بصدد الدعوى الموضوعية صريح في وجوب الحكم بإغلاق الصيدلية التي تقع فيها مخالفة القانون, وبالتالي يكون ما ينعاه المستشكل على الحكم المستشكل فيه لا سند له من القانون. وحيث إنه مما يؤيد هذا النظر أن موضوع الإغلاق بالذات وشخصية العقاب طرح بصدد هذه الدعوى أمام محكمة النقض عند الطعن في الحكم الصادر فيها وكان وجها من الأوجه التي تقدم بها المحكوم عليه فيها, وردته محكمة النقض غير آخذة به وقالت في حكمها: إن القانون إذ نص على إغلاق المحل الذي وقعت فيه المخالفة لم يشترط أن يكون مملوكا لمن تجب معاقبته على الفعل الذي ارتكب فيه. ولا يعترض على ذلك بأن العقاب شخصي لأن الإغلاق ليس عقوبة مما يجب توقيعه على من ارتكب الجريمة دون غيره وإنما هو في حقيقته من التدابير الوقائية التي لا يحول دون توقيعها أن تكون آثارها قد تتعدى إلى الغير ولا يوجب اختصام المالك في الدعوى عند الحكم الإغلاق متى كان هذا الحكم قد صدر على أساس أن مرتكب الجريمة في المحل المحكوم بإغلاقه إنما كان يباشر أعماله فيه بتكليف من صاحبه وقد اعتبرت محكمة النقض الحكم سليما ورفضت الطعن".
"وحيث إن الدفاع عن المستشكل أثار - بعد هذا - التكييف القانوني" للواقعة قائلا إنه يخالف ما حكم بمقتضاه ولا يجوز معه الحكم بالإغلاق وهو يريد بهذا فتح باب مناقشة حكم نهائي حائز لحجية الشئ المحكوم فيه وهو ما لا يجوز الاعتراض به على الحكم. ومن ثم فهذا البحث غير جائز قانونا, ولا محل بالتالي لمناقشة تكييف التهمة موضوع الدعوى الأصلية وهل تقتضى الحكم بالإغلاق أم لا. وحيث إن الدفاع أثار أخيرا مسألة أن مدة الإغلاق لم تحدد في الحكم وهى مسألة لا محل لإثارتها,. إذ القانون بصدد الجريمة التي حكم فيها نص على الإغلاق إطلاقا ولم يحدده بمدة مما تفيد أن المشرع ارتأى أن يكون الإغلاق نهائيا في هذه الحالة, وهو ما يفيده عبارة الإغلاق وحدها مطلقة من القيد بأجل, ويكون نص الحكم على الإغلاق بغير قيد يفيد بذاته ألا محل لقيده بمدة وأنه إغلاق نهائي غير موقوت وفقا لحكم القانون". لما كان ذلك, وكان هذا الذي قاله الحكم واستند إليه في رفض إشكال الطاعن صحيحا في القانون, ولم يكن صحيحا ما نعاه الطاعن من أن الحكم الذي أراد المحضر تنفيذ عقوبة الإغلاق بموجبه كان خاليا من الأسباب, لما تبين من مراجعة مفردات الإشكال التي أمرت المحكمة بضمها - تحقيقا لهذا الوجه - من أن الصورة المشمولة بصيغة التنفيذ كانت مرفقة بها مسودة الحكم بأسبابه الكاملة, فإن ما قاله الحكم المطعون فيه في هذا الشأن صحيح في القانون, ولا يكون هناك محل لكافة ما يثيره الطاعن بأوجه طعنه الذي لا يعدو في واقعه أن يكون ترديدا لما سبق القضاء فيه موضوعا بحكم نهائي صدر من محكمة النقض وقضى برفض طعن قام على ذات هذه الأوجه..
وحيث إنه لما تقدم يكون الطعن على غير أساس متعينا رفضه موضوعا.