أحكام النقض – المكتب الفني - جنائي
العدد الأول - السنة 14 - صـ 53

جلسة 29 يناير سنة 1963

برياسة السيد المستشار عادل يونس، وبحضور السادة المستشارين: توفيق الخشن، وأديب نصر، وحسين السركي، ومحمد صبري.

(12)
الطعن رقم 2167 لسنة 32 قضائية

( أ ) استيقاف. مأمورو الضبط القضائي. تفتيش. إثبات. "بوجه عام".
الاستيقاف. ما يبرره: أن يضع المتهم نفسه طواعية واختياراً موضع شبهة أو ريبة ظاهرة، بما يستلزم تدخل رجال السلطة للكشف عن حقيقة أمره.
اقتياد المتهم بعد استيقافه – على النحو المتقدم – إلى وكيل النيابة الذي تولى بنفسه تفتيشه. ضبط مخدر معه أثناء التفتيش. صحة تلك الإجراءات. متى أقرتها محكمة الموضوع. استناد الحكم إلى الدليل المستمد من هذه الإجراءات، صحيح في القانون.
(ب) محكمة الموضوع. حكم. "تسبيبه. ما لا يعيبه".
لمحكمة الموضوع أن تكون عقيدتها بما تطمئن إليه من أدلة وعناصر في الدعوى.
لها أن تتبين الواقعة على حقيقتها وأن ترد الحادث لصورته الصحيحة من جماع تلك الأدلة ولو كان ذلك بطريق الاستنتاج. شرط ذلك: أن يكون ما حصله الحكم من هذه الأدلة لا يخرج عن الاقتضاء العقلي والمنطقي.
1- متى كانت الواقعة – كما استخلصها الحكم من العناصر السائغة التي أوردها – تتوافر بها مبررات الاستيقاف الذي يتحقق بوضع المتهم نفسه طواعية واختياراً موضع شبهة أو ريبة ظاهرة بما يستلزم تدخل رجال السلطة للكشف عن حقيقة أمره، وكان التعرض المادي الذي قام به الضابط له ما يبرره بعد أن ثارت شبهته في الطاعن وزميله نتيجة الموقف الذي سلكاه، وازدادت شبهته حين أنهى إليه أحد المخبرين المرافقين له أن الطاعن وزميله من تجار المواد المخدرة، وكان ما أعقب ذلك من إجراءات تولاها وكيل النيابة – المخول قانوناً سلطة التحقيق – بعد أن وجد فيما أدلى به رجال الشرطة عن الواقعة الدلائل الكافية على اتهام المتهمين بجناية إحراز مخدر فأجرى القبض عليهما وتفتيشهما ووجد معهما المخدر، قد تمت صحيحة وأقرته محكمة الموضوع على ذلك، فإن استناد الحكم إلى الدليل المستمد من هذه الإجراءات يكون سليماً ولا مطعن عليه.
2 - من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تكون عقيدتها مما تطمئن إليه من أدلة وعناصر في الدعوى ولها أن تتبين الواقعة على حقيقتها وأن ترد الحادث لصورته الصحيحة من جماع تلك الأدلة ولو كان ذلك بطريق الاستنتاج متى كان ما حصله من هذه الأدلة لا يخرج عن الاقتضاء العقلي والمنطقي. ولما كان الحكم المطعون فيه لم يخطئ في تقديره حينما نعت مظهر المتهمين بالارتباك الشديد – وإن لم يرد وصف الشدة على لسان الشهود – فإنه لا يصح مصادرة المحكمة فيما اطمأنت إليه من أدلة.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة كلاً من الطاعن وآخر بأنهما في يوم 28/ 11/ 1960 بدائرة مركز فاقوس شرقية: أحرزا جواهر مخدرة "حشيشاً وأفيوناً" بقصد الاتجار فيها في غير الأحوال المصرح بها قانوناً. وطلبت من غرفة الاتهام إحالتهما إلى محكمة الجنايات لمحاكمتهما قانوناً بالمواد 1 و2 و34/ 1 - جـ و42 من القانون رقم 182 سنة 1960 بشأن مكافحة المخدرات وتنظيم استعمالها والاتجار فيها وبندى 1 و12 من الجدول المرفق. وأثناء نظر الدعوى أمام محكمة جنايات الزقازيق دفع الحاضر مع المتهمين ببطلان القبض وما تلاه من إجراءات. ثم قضت المحكمة حضورياً بتاريخ 3 مايو سنة 1961 عملاً بالمواد 1 و2 و34/ 1 - جـ و42 من القانون رقم 182 لسنة 1960 والبندين رقمي 1 و12 من الجدول رقم 1 المرافق بالنسبة إلى المتهم الأول والمواد 1 و2 و37/ 1 و42 من القانون رقم 182 لسنة 1960 والبندين 1 و12 من الجدول رقم 1 المرفق بالنسبة إلى المتهم الثاني: أولاً – بمعاقبة المتهم الأول "الطاعن" بالأشغال الشاقة لمدة عشر سنوات وتغريمه ثلاثة آلاف جنيه وبمعاقبة المتهم الثاني بالحبس مع الشغل لمدة سنة واحدة وتغريمه خمسمائة جنيه ومصادرة المواد المخدرة المضبوطة مع المتهمين. فطعن المحكوم عليه الأول في هذا الحكم بطريق النقض ... إلخ.


المحكمة

حيث إن مبنى وجهي الطعن الخطأ في تطبيق القانون ومخالفة الثابت في الأوراق، ذلك بأن الحكم المطعون فيه حين قضى برفض الدفع ببطلان القبض على الطاعن وتفتيشه بمعرفة رجل الضبط القضائي لحصوله في غير الأحوال التي يبيحه فيها القانون قد أسس قضاءه على ما شهد به ضابط المباحث من أن المتهمين "وأحدهما الطاعن" وقفاً ووضعاً أيديهما على صدريهما بمجرد أن شاهداه يصعد السيارة العامة التي كانا بها - مع أن هذا التصوير لا يسقط الحماية التي يفرضها القانون. وقد أدرك الضابط ذلك ولم يهتم بالقبض على المتهمين إلا بعد أن اخبره أحد المخبرين المرافقين لها بأنهما من تجار المخدرات، فجاء القبض عليهما لمجرد اتهام المخبر لهما مما دعا الضابط أنه يضيف إلى أقواله بجلسة المحاكمة – على خلاف الحقيقة – أنه لاحظ ارتباك المتهمين. كما أن الحكم إذ عول في قضائه هذا على ما ذكره في تحصيل الواقعة من أن المتهمين بدت عليهما علامات الارتباك الشديد، وهو ما لم يشهد به أحد من الشهود، بل إن أقوال شاهدين بجلسة المحاكمة تنفيه، وإذ عول الحكم على ذلك، فإن استدلاله يكون معيباً بما يبطله ويوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه حصل واقعة الدعوى في قوله "إنها تخلص في أن الملازم أول عطية محمود أحمد ضابط مباحث مركز فاقوس والمخبرين إبراهيم الغنام وعبد البديع عبد البديع عبد العظيم كانوا في مأمورية سرية انتهت في منتصف الساعة السادسة مساء فوقفوا عند بلدة الديدامون ينتظرون مرور إحدى السيارات العامة لركوبها إلى فاقوس فجاءت سيارة متجهة إلى فاقوس فركبوا فيها. وعندما صعدوا إليها بدا الارتباك على المتهمين وهما واقفان فأراب ذلك الضابط فأخبره المخبر إبراهيم الغنام بعلمه أنهما من تجار المخدرات ووجدوهما الضابط يضعان أيديهما على جيوبهما من الخارج فزاد ذلك في ريبته وأمر المخبرين بالتحفظ عليهما واقتيادهما إلى المركز ثم أبقاهما تحت التحفظ وأخطر النيابة فجاء وكيل النيابة وفتشهما فعثر على المخدرات مع كل منهما.
وتبين من التحليل أن ما وجد مع كل من المتهمين هو حشيش وأفيون" ثم أورد الحكم على ثبوت هذه الواقعة في حق المتهمين "وأحدهما الطاعن" أدلة من شأنها أن تؤدى إلى ما رتبه عليها – وعرض الحكم إلى الدفع ببطلان القبض والتفتيش في قوله "ومن حيث إن الدفاع عن المتهمين دفع ببطلان القبض وما تلاه من إجراءات على أساس أن المتهمين لم يكونا في حالة من الحالات التي يجيز فيها القانون لرجل الضبط القضائي القبض عليهما. وهذا الدفع مردود بما قرره الضابط والمخبران من أن المتهمين عرفا إياهم وبدت عليهما علامات الارتباك الشديد وهما واقفان ووضع كل منهما يده على صدره أو جيبه وكان المتهم الأول (الطاعن) مجاوراً لنافذة السيارة فهذه الحركات التي أتاها المتهمان إنما جعلتهما في وضع محوط بالشبهات والريب وقد وضع المتهمان نفسيهما فيه طواعية واختياراً بمجرد رؤيتهما لرجال المباحث. وقد عزز هذه الشبهات والريب علم أحد المخبرين اللذين كانا يرافقان ضابط المباحث بأنهما من تجار المخدرات – كل ذلك يعطى لضابط المباحث حق استيقاف هذين المتهمين ليعرف حقيقة أمرهما واقتيادهما إلى المركز تحت التحفظ ليقدمهما إلى مأمور الضبط القضائي الذي خوله القانون سلطة التفتيش وهو وكيل النيابة. فهذا الذي فعله ضابط المباحث لم يكن قبضاً وإنما هو استيقاف من حقه أن يأتيه قبل المتهمين اللذين وضعا نفسيهما في موضع الشبهات والريب ويكون الدفع المبدي من المتهمين ببطلان القبض في غير محله ويتعين رفضه – وحيث إنه متى صح الاستيقاف فإنه يصح ما تلاه من تفتيش وكيل النيابة وما أسفر عنه هذا التفتيش من ضبط المخدرات مع المتهمين ويعتبر الدليل المستمد من هذا التفتيش صحيحاً وتأخذ به المحكمة". لما كان ذلك، وكانت الواقعة – كما استخلصها الحكم من العناصر السائغة التي أوردها – تتوافر بها مبررات الاستيقاف الذي يتحقق بوضع المتهم نفسه طواعية واختياراً موضع شبهة أو ريبة ظاهرة بما يستلزم تدخل رجال السلطة للكشف عن حقيقة أمره، وكان هذا التعرض المادي الذي قام به الضابط له ما يبرره بعد أن ثارت شبهته في الطاعن وزميله المتهم الآخر في الدعوى نتيجة ذلك الموقف الذي سلكاه وازدادت شبهته حين أنهى إليه أحد المخبرين المرافقين له أن الطاعن وزميله من تجار المواد المخدرة، وكان ما أعقب ذلك من إجراءات تولاها مأمور الضبط القضائي "وكيل النيابة" – المخول قانوناً سلطة التحقيق – بعد أن وجد فيما أدلى به رجال الشرطة عن الواقعة الدلائل الكافية على اتهام المتهمين بجناية إحراز مخدر فأجرى القبض عليهما وتفتيشهما ووجد معهما المخدر، قد تمت صحيحة وأقرته محكمة الموضوع على ذلك فيكون استناد الحكم إلى الدليل المستمد من هذه الإجراءات سليماً ولا مطعن عليه – أما ما يثيره الطاعن من قالة الخطأ في الاستدلال فمردود بما يبين من مطالعة محضر جلسة المحاكمة من أن الضابط شهد برؤيته للمتهمين في حالة ارتباك إثر مشاهدتهما له والمخبرين يصعدون إلى السيارة وأن أحدهما حاول الهرب حين رأى الضابط متجهاً ناحية الدرجة الأولى. وقد شهد المخبر إبراهيم عبد الله الغنام أيضاً برؤيته المتهمين مرتبكين وبتخبطهما ووضع أيديهما على جنبيهما إثر مشاهدتهما إياهم كما شهد المخبر عبد البديع عبد العظيم زغلول بأن المتهمين وضعا أيديهما على جنبيهما بمجرد رؤيتهما، ومن ثم يكون ما استخلصه الحكم من ظهور علامات الارتباك على المتهمين على إثر مشاهدتهما الضابط له مأخذه من الأوراق. ولا يقدح في هذا أن يكون الحكم قد نعت مظهر المتهمين بالارتباك الشديد – وإن لم يرد وصف الشدة على لسان الشهود – ذلك بأنه من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تكون عقيدتها مما تطمئن إليه من أدلة وعناصر في الدعوى ولها أن تتبين الواقعة على حقيقتها وأن ترد الحادث لصورته الصحيحة من جماع تلك الأدلة ولو كان ذلك بطريق الاستنتاج متى كان ما حصله الحكم من هذه الأدلة لا يخرج عن الاقتضاء العقلي والمنطقي – وهو ما لم يخطئ الحكم في تقديره – ومن ثم لا يصح مصادرتها فيما اطمأنت إليه.
وحيث إنه لما تقدم يكون الطعن برمته على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.