أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثالث - السنة 20 - صـ 1050

جلسة 13 من أكتوبر سنة 1969

برياسة السيد المستشار/ محمد أبو الفضل حفني، وعضوية السادة المستشارين: إبراهيم أحمد الديواني، ومحمد السيد الرفاعي، وطه الصديق دنانة، ومحمد ماهر محمد.

(207)
الطعن رقم 964 لسنة 39 القضائية

(أ, ب) إثبات. "خبرة". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب". طب شرعي. نقض. "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
( أ ) تقدير آراء الخبراء والفصل فيما يوجه إلى تقاريرهم من مطاعن. موضوعي. عدم جواز المجادلة في هذا التقدير أمام محكمة النقض.
(ب) عدم التزام المحكمة بإعادة الأوراق إلى كبير الأطباء الشرعيين. ما دام أن الواقعة قد وضحت لديها.
صدور التقرير الطبي من مكتب كبير الأطباء الشرعيين. اعتباره منسوباً إليه ولو وقعه أحد معاونيه. أياً كانت درجته.
(ج، د) إثبات. "إثبات بوجه عام". "قرائن". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب". ضرب. "ضرب أفضى إلى موت".
(ج) تحريات الشرطة. قرينة معززة للأدلة الأساسية في الدعوى.
(د) إنذار المتهم لاعتياده على ارتكاب جرائم التعدي على النفس. اتخاذه قرينة على ارتكابه جريمة الضرب المفضي إلى الموت المسندة إليه. لا عيب. ولو كان الإنذار لاحقاً. ما دام عن جرائم سابقة على الجريمة موضوع المحاكمة.
(هـ) إثبات. "إثبات بوجه عام". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض. "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
استخلاص الحكم لواقعة الدعوى استناداً إلى أدلة سائغة. عدم جواز مجادلته في ذلك أمام محكمة النقض.
1 - من المقرر أن تقدير آراء الخبراء والفصل فيما يوجه إلى تقاريرهم من مطاعن مرجعه إلى محكمة الموضوع التي لها كامل الحرية في تقدير القوة التدليلية لتقرير الخبير، شأنه في هذا شأن سائر الأدلة، فلها مطلق الحرية في الأخذ بما تطمئن إليه منها والالتفات عما عداه، ولا تقبل مصادرة المحكمة في هذا التقدير. وإذ كان ذلك، وكانت المحكمة قد اطمأنت إلى تقرير الصفة التشريحية وتقرير مكتب كبير الأطباء الشرعيين واستندت إلى رأيهما الفني فيما استخلصته واطمأنت إليه وأطرحت في حدود سلطتها التقديرية، التقريرين الاستشاريين، فإنه لا يجوز مجادلة المحكمة في ذلك أمام محكمة النقض.
2 - المحكمة غير ملزمة بإجابة الدفاع إلى ما يطلبه من إعادة الأوراق إلى كبير الأطباء الشرعيين ما دام أن الواقعة قد وضحت لديها ولم تر هي من جانبها حاجة لاتخاذ هذا الإجراء لا سيما وأن التقرير المقدم في الدعوى صادر من مكتب كبير الأطباء الشرعيين منسوب إليه وإن وقعه أحد معاونيه أياً كانت درجته في سلم الوظيفة.
3 - للمحكمة أن تعول في تكوين عقيدتها على ما جاء بتحريات الشرطة باعتبارها قرينة معززة لما ساقته من أدلة أساسية.
4 - لا يعيب الحكم في نطاق التدليل استناده إلى القرينة المستفادة من إنذار الطاعن لاعتياده على ارتكاب جرائم التعدي على النفس يعزز بها أدلة الإثبات على مقارفة الطاعن لجناية الضرب المفضي إلى الموت ولو كان الإنذار لاحقاً لها ما دامت تشهد بقيام حالة إجرامية خطرة سابقة على وقوعها.
5 - متى كان الحكم قد أثبت أن الحادث لم يقع أصلاً من مصادمة دابة على نحو ما صور الطاعن في دفاعه، بل وقع نتيجة اعتدائه على المجني عليه حسبما استخلصه الحكم المطعون فيه استخلاصاً سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق، وهو أمر تستقل محكمة الموضوع بتقديره، فإنه لا يقبل من الطاعن العود للمجادلة في ذلك أمام محكمة النقض.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه في يوم 8 مايو سنة 1964 بدائرة مركز قويسنا محافظة المنوفية: ضرب مصيلحي محمود مصطفى فأحدث به الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية ولم يقصد من ذلك قتله ولكن الضرب أفضى إلى موته. وطلبت إلى مستشار الإحالة إحالته إلى محكمة الجنايات لمعاقبته بالمادة 236/ 1 من قانون العقوبات. فقرر بذلك وادعى مدنياً كل من زوجة المجني عليه ووالدته قبل المتهم بمبلغ 2000 ج على سبيل التعويض. ومحكمة جنايات شبين الكوم قضت في الدعوى حضورياً عملاً بالمادة 236/ 1 من قانون العقوبات مع تطبيق المادة 17 منه بمعاقبة المتهم بالحبس مع الشغل مدة سنتين وإلزامه بأن يدفع للمدعيتين بالحقوق المدنية مبلغ خمسمائة جنيه والمصروفات المدنية. فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض.... إلخ.


المحكمة

حيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعن بجريمة الضرب المفضي إلى الموت قد شابه القصور في التسبيب والفساد في الاستدلال وبني على الإخلال بحق الدفاع ومخالفة الثابت في الأوراق ذلك بأن المحكمة بعد أن اطلعت على تقرير الصفة التشريحية والتقرير الاستشاري وناقشت واضعه ارتأت إرسال الأوراق إلى كبير الأطباء الشرعيين لبيان ما إذا كانت وفاة المجني عليه إصابية أو بسبب أمراض قديمة وما إذا كانت قد أسهمت عوامل أخرى في الوفاة ومدى قدرته على الكلام بتعقل عقب الإصابة، وهل تحدث إصاباته من الضرب أم من نطح دابة فجاء التقرير واتضح أن واضعه غير كبير الأطباء الشرعيين فطلب الدفاع إعادة القضية إلى كبير الأطباء الشرعيين ليضع تقريره أو ندب أحد كبار الأطباء الشرعيين على الأقل لحسم الخلاف ولكن المحكمة التفتت عن هذا الطلب دون أن تعرض له بالرد رغم جوهريته، واستبعد الحكم المطعون فيه بالتقرير الاستشاري مع ما احتواه من المسائل الفنية الدقيقة - كما تأثرت في قضائها بالإدانة بمحضر تحريات قدمه ضابط المباحث دون أن يعرض الحكم لما تمسك الدفاع به من وجود خصومة بين المتهم وبين هذا الضابط واتخذ من إنذار الطاعن بأن يسلك سلوكاً مستقيماً لاعتياده مقارفة جرائم التعدي على النفس قرينة على مقارفته للحادث مع كون الثابت من الأوراق أن الإنذار لاحق للواقعة التي دين بها، وأطرح دفاع الطاعن بأن إصابة المجني عليه حدثت من مصادمته بدابة كانت تقودها ابنة شخص عينه استناداً إلى ما قاله من أنه ليس لهذا الشخص ابنة في سن يؤهلها لقيادة الدواب مع كون الثابت من الشهادة الرسمية المقدمة أن له ابنة تبلغ من العمر تسع سنوات ومن ثم يكون الحكم معيباً بما يبطله ويوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه حصل واقعة الدعوى بما مؤداه أن المجني عليه مصيلحي محمود مصطفى كان يسير في الشارع الذي يفتح عليه باب منزل المتهم في الساعة 10 و45 دقيقة من صباح يوم 8/ 5/ 1964 وهاجمه كلاب هذا الأخير، وإذ حاول زجرها خرج عليه المتهم - الطاعن - من منزله واعتدى عليه بعصا على مؤخرة رأسه وعلى زراعيه الأيمن والأيسر كما ركله في جنبه الأيسر من بطنه ونقل المجني عليه على دابة إلى نقطة شبرا نجوم حيث أبلغ بالحادث وفتح محضر التحقيق الساعة 11 صباحاً، وأدلى المجني عليه بأقواله ووقع عليها ببصمة إصبعه ثم نقل إلى المستشفى وظل بها حتى توفى في 10/ 5/ 1964 وأورد الحكم على ثبوت الواقعة على هذا النحو في حق الطاعن أدلة سائغة مستمدة من أقوال المجني عليه في تحقيقات الشرطة وأقوال محمد حسين الشايب صراف ناحية شبرا نجوم ومن تحريات الشرطة ومن التقرير الطبي عن إصابات المجني عليه لدى دخوله مستشفى قويسنا ومن تقرير الصفة التشريحية الذي حصل فحواه بما يفيد أن الآثار الإصابية المشاهدة بجثمان المجني عليه جميعاً ذات طبيعة راضة تحدث نتيجة الاعتداء بالضرب بعصا على الرأس والذراع والركل بالقدم على البطن وقد حدثت الوفاة نتيجة ما أحدثته هذه الإصابات من نزيف دموي متجلط فوق سطح المخ وتكدم الأحشاء البطنية وما صحب ذلك من نزيف دموي داخلي وأنه لا يوجد فنياً ما يتعارض وإمكان المجني عليه الكلام بتعقل لفترة قد تكفي للإدلاء بأقواله في محضر ضبط الواقعة وبعد أن حصل الحكم فحوى التقريرين الاستشاريين المقدمين من المتهم أشار إلى أن المحكمة أحالت ملف الدعوى إلى السيد كبير الأطباء الشرعيين لبيان (1) ما إذا كانت وفاة المجني عليه نتيجة إصابات خارجية أم نتيجة مباشرة لأمراض قديمة (2) ما إذا كانت هناك عوامل خارجية أسهمت في وفاة المجني عليه (3) ما إذا كانت إصابات المجني عليه الثابتة بالتقارير الطبية والصفة التشريحية تحدث من الضرب بالعصا والركل بالقدم كما قرر الشهود أو تحدث نتيجة تصادم المجني عليه بدابة نطحته ومدى قدرة المجني عليه على النطق والكلام بعد إصابته. ثم أورد الحكم فحوى التقرير الذي قدمه مكتب كبير الأطباء الشرعيين وأنه يتفق في الرأي مع تقرير الصفة التشريحية وقال "إن المحكمة لا تعول على إنكار المتهم اعتدائه على المجني عليه وعلى أقوال شاهديه عبد العزيز أحمد قنصوة وعبد اللطيف أحمد رضوان كما لا تعول على ما جاء بالتقريرين الاستشاريين المقدمين منه لعدم اطمئنانها إليها ولمجافاتها للحقيقة والواقع ولما اعتورها من تناقض يوهن الثقة فيها وذلك للأسباب الآتية: (أولاً) أن المحكمة تطمئن اطمئناناً راسخاً وجاداً إلى أن المجني عليه قد أبدى أقواله التي تطمئن إليها المحكمة وتعتقد بها في محضر ضبط الواقعة وكان في حالة من التعقل قبل أن يدخل في مرحلة الإغماء الكامل التي لازمته بعد دخوله مستشفى قويسنا، يؤيد ذلك التقارير الطبية الشرعية المقدمة من الطب الشرعي المشرح ومن مكتب كبير الأطباء الشرعيين وهي التقارير الفنية التي اطمأنت إليها المحكمة واتخذتها سنداً فيما انتهت إليه.... إلخ". لما كان ذلك, وكان من المقرر أن تقدير آراء الخبراء والفصل فيما يوجه إلى تقاريرهم من مطاعن مرجعه إلى محكمة الموضوع التي لها كامل الحرية في تقدير القوة التدليلية لتقرير الخبير شأنه في هذا شأن سائر الأدلة فلها مطلق الحرية في الأخذ بما تطمئن إليه منها والالتفات عما عداه ولا يقبل مصادرة المحكمة في هذا التقدير، وكانت المحكمة قد اطمأنت إلى تقرير الصفة التشريحية وتقرير مكتب كبير الأطباء الشرعيين واستندت إلى رأيهما الفني فيما استخلصته واطمأنت إليه وأطرحت في حدود سلطتها التقديرية التقريرين الاستشاريين، فإنه لا يجوز مجادلة المحكمة في ذلك أمام محكمة النقض ما دام استنادها إلى التقريرين المار ذكرهما سليماً لا يشوبه خطأ، وهي غير ملزمة من بعد بإجابة الدفاع إلى ما يطلبه من إعادة الأوراق إلى كبير الأطباء الشرعيين ما دام أن الواقعة قد وضحت لديها ولم تر هي من جانبها حاجة لاتخاذ هذا الإجراء لا سيما وأن التقرير المقدم في الدعوى صادر من مكتب كبير الأطباء الشرعيين منسوب إليه وإن وقعه أحد معاونيه أياً كانت درجته في سلم الوظيفة، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد لا يكون له محل. لما كان ذلك، وكان للمحكمة أن تعول في تكوين عقيدتها على ما جاء بتحريات الشرطة باعتبارها قرينة معززة لما ساقته من أدلة أساسية وكان لا يعيب الحكم في نطاق التدليل استناده إلى القرينة المستفادة من إنذار الطاعن لاعتياده ارتكاب جرائم التعدي على النفس يعزز بها أدلة الإثبات على مقارفة الطاعن لجناية الضرب المفضي إلى الموت، ولو كان الإنذار لاحقاً لها ما دامت تشهد بقيام حالة إجرامية خطرة سابقة على وقوعها، أما سائر الطعن فلا وجه له لأنه من الموضوع الذي يستقل به قاضيه وليس من شأنه أن ينال من الحقيقة التي أثبتها الحكم على وجه اليقين وهي أن الحادث لم يقع أصلاً من مصادمة دابة على نحو ما صور الطاعن في دفاعه بل وقع نتيجة اعتدائه على المجني عليه حسبما استخلصه الحكم المطعون فيه استخلاصاً سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق وهو أمر تستقل محكمة الموضوع بتقديره ولا يقبل من الطاعن العود للمجادلة في ذلك أمام محكمة النقض. ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد لا يكون له محل، لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً