أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الأول - السنة الثانية - صـ 211

جلسة 27 من نوفمبر سنة 1950
(82)
القضية رقم 980 سنة 20 القضائية

برياسة حضرة صاحب السعادة أحمد محمد حسن باشا رئيس المحكمة, وبحضور حضرات أصحاب العزة: أحمد فهمي إبراهيم بك وكيل المحكمة, وأحمد حسنى بك, وإبراهيم خليل بك, ومحمد أحمد غنيم بك المستشارين.
نصب. ركن الطرق الاحتيالية. رهن تمثال من النحاس على أنه من الذهب والحصول على مبلغ أعلى من قيمته بكثير. اقتصار الأمر على عرض المتهم وقول المجني عليه. ركن الطرق الاحتيالية لا يكون متوافرا. تدخل شخص آخر لتأييده. توافر ركن الاحتيال.
إذا رهن المتهم تمثالا من النحاس على أنه من الذهب وحصل من المرتهن على مبلغ أعلى من قيمة التمثال بكثير, فركن الطرق الاحتيالية لا يتوافر في هذه الحالة إذا كان الأمر في ذلك لم يتجاوز عرضاً من المتهم الراهن وقبولا من المجني عليه المرتهن. أما إذا كان العرض قد تعزز من جانب المتهم بتدخل شخص آخر أيد مدعاة. فإن ذلك يكفى لعده من الطرق الاحتيالية التي تكون ركن جريمة النصب. ولا يؤثر في الأمر إذا كان الاثنان فاعلين في الجريمة ما دام الأمر قد تم بتدبير سابق بينهما واتفاق عليه [(1)].


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعنين المذكورين في قضية الجنحة رقم 2066 سنة 1948 بأنهما في خلال شهرين سابقين على تاريخ تحرير المحضر يوم 12 من سبتمبر سنة 1948 بدائرة قسم الزيتون: توصلا للاستيلاء على مبلغ ألف وعشرة قروش من بديعة محمد على وعبد الحميد بكر على وكان ذلك بطريق الاحتيال لسلب بعض ثروة الغير باستعمال طرق احتيالية من شأنها إحداث الأمل بتسديد المبلغ الذي أخذ بطريق الاحتيال وذلك بأن قدما للمجني عليهما تمثالين من النحاس الأصفر وادعيا كذبا أنهما من الذهب الخالص وأيد كل منهما الآخر في هذا الادعاء الكاذب وأودعا التمثالين على هذا الاعتبار لدى المجني عليهما كرهيتة عن المبلغ سالف الذكر وتمكنا بذلك من الاستيلاء عليه, وطلبت عقابهما بالمادة 336 من قانون العقوبات. ومحكمة الزيتون الجزئية قضت عملا بالمادة 172 من قانون تحقيق الجنايات ببراءة المتهمين. فاستأنفت النيابة. ومحكمة مصر الابتدائية (بهيئة استئنافية) قضت عملا بمادة الاتهام بإلغاء الحكم المستأنف وبحبس كل من المتهمين ثلاثة أشهر مع الشغل. فطعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض في 21 من ديسمبر سنة 1949 الخ.


المحكمة

... وحيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه حين دان الطاعنين بالنصب جاء مشوباً بما يبطله وذلك لخطئه في تطبيق القانون وتأويله فقد استندت المحكمة إلى أقوال المجني عليهما إلا أنه لم يثبت أن الطاعنين استعملا طرقاً احتيالية من شأنها الإيهام بوجود مشروع كاذب أو واقعة مزورة فقد كان التمثالان يزنان رطلا وكان مظهرهما يدل على أنهما ليسا من الذهب لما يعلوهما من الصدأ مما لا يتصور معه حدوث الواقعة على النحو الذي يقول به الشاهدان ويكون ما وقع إنما هو نوع من الكذب لا يرقى إلى مرتبة الطرق الاحتيالية وتكون المحكمة حين دانتهما قد أخطأت القانون إذ لا بد للعقاب من توافر الطرق الاحتيالية.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى في قوله: "إن رواية المجني عليهما عبد الحميد بكر على ووالدته بديعة محمد في محضر ضبط الواقعة وقد شهدا بها أمام محكمة أول درجة تجمل في أن أولهما قابل المتهمين معاً في ميدان محطة مصر وقد سألاه عن بلدته فقال إنه من أسيوط فتظاهرا له أنهما من نفس البلدة وفى حاجة إلى مبلغ من المال على استعداد لأن يرهنا ضمانا له تمثالين من الذهب عرضاهما عليه مدعيين أنهما سيردان له دينه في اليوم التالي. ولما كان المجني عليه لا يحمل نقوداً معه فقد صاحبهما إلى منزله بضاحية سراي القبة حيث عرض الأمر على والدته المجني عليها وعرض عليها المتهم الأول التمثالين فلما أظهرت ريبتها وعدم تأكدها من معدنهما خرج مبراة حك بها أحدهما فظهر بريقه وكان المتهم الثاني وقت ذاك واقفاً خارج المنزل يؤيد أقوال زميله فاقتنعت بذلك وسلمت المتهم الثاني العشرة جنيهات ولما تخلف المتهمان عن الحضور في اليوم التالي لاسترداد التمثالين وسداد ما عليهما ارتاب المجني عليهما في الأمر وعرضا التمثالين فظهر أنهما من النحاس فأخذا في البحث عن المتهمين إلى أن صادفتهما المجني عليها في ميدان محطة مصر فساقتهما إلى القسم" ثم تعرضت المحكمة للتكييف القانوني فقالت "إن مؤدى ذلك أن يكون العقد الذي تم بين الطرفين هو عقد رهن حيازى رهن المتهمان بمقتضاه التمثالين لقاء عشرة جنيهات ثم ظهر بعد ذلك أن قيمتهما لا تذكر بجانب الدين. وبما أن الرأي الراجح أن ركن الطرق الاحتيالية لا يمكن أن يتوافر في هذه الحالة إذ لم يتجاوز الأمر عرضاً من جانب المتهم الراهن وقبولا من جانب المجني عليه المرتهن أما إذا تعزز العرض من جانب المتهم بتدخل شخص آخر يؤيد مزاعمه أو بأفعال مادية يأتيها من جانبه أو بظروف خارجية تساعد على تصديق ادعائه فلا جدال في أن ذلك يكفى لعده من الطرق الاحتيالية التي تكون ركن جريمة النصب (راجع شرح قانون العقوبات في جرائم الأموال للدكتور مصطفى القللي بك ص 192 وما بعدها ومذكرة لجنة المراقبة القضائية في 24 من ابريل سنة 1909). وبما أن استعانة المتهم الأول بزميله المتهم الثاني على تأييد مزاعمه يرفع كذبه إلى مصاف الطرق الاحتيالية الواجب تحقيقها في جريمة النصب, ولا يغير من ذلك أن يكونا فاعلين أصليين في الجريمة ما دام الأمر قد تم بتدبير واتفاق سابق بينهما (نقض 14 من مارس سنة 1938 المجموعة الرسمية السنة الأربعون العدد العاشر رقم 202). وبما أنه فوق تعاون المتهمين على تأييد ادعائهما فقد صدر من أولهما فعل مادي لتأييد ذلك هو محاولته إظهار بريق معدن التمثالين بحكه أحدهما وقد كان هناك من مظهر التمثالين والقول بأنهما من العاديات الثمينة ما يؤيد كذب المتهمين؛ ولا شك أن كل ذلك كاف لتكوين ركن الطرق الاحتيالية المطلوب". ولما كان ما ذكرته المحكمة صحيحاً في القانون, إذ أن الواقعة كما أوردتها بالحكم تتوافر فيها جميع العناصر القانونية لجريمة النصب فإن ما يثيره الطاعنان لا يكون له محل وتكون المحكمة حين قضت بإدانتهما لم تخالف القانون في شيء.
وحيث إنه لما تقدم يكون الطعن على غير أساس ويتعين رفضه موضوعاً.


[(1)] هذه هي قاعدة الحكم المطعون فيه, وقد أيدتها محكمة النقض.