أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثالث - السنة 20 - صـ 1069

جلسة 13 من أكتوبر سنة 1969

برياسة السيد المستشار/ محمد أبو الفضل حفني، وعضوية السادة المستشارين: إبراهيم أحمد الديواني، ومحمد السيد الرفاعي، ومصطفى محمود الأسيوطي، ومحمد ماهر محمد حسن.

(210)
الطعن رقم 1391 لسنة 39 القضائية

(أ، ب، ج، د، هـ) إثبات. "إثبات بوجه عام". "شهادة". إجراءات المحاكمة. دفاع. "الإخلال بحق الدفاع. ما يوفره" إنابة قضائية. حكم. "تسبيبه. تسبيب معيب".
( أ ) وجوب بناء المحاكمة الجنائية على التحقيق الشفوي الذي تجريه المحكمة وتسمع فيه الشهود. ما دام سماعهم ممكناً. المادة 289 إجراءات.
متى تصح تلاوة أقوال الشاهد؟
مخالفة المادة 289 إجراءات رغم تمسك الدفاع بسماع الشاهد. عدم تحقق المعنى الذي قصده الشارع في المادة المذكورة.
(ب) إقامة الشاهد في الخارج. لا تمنع من سماعه. ولو عن طريق الإنابة القضائية.
(ج) إبداء المحكمة رأيها في الشهادة. مشروط بسؤال الشاهد أولاً. علة ذلك؟
(د) القضاء المسبق على دليل لم يطرح. غير صحيح في أصول الاستدلال.
(هـ) حق الدفاع في سماع الشاهد. تعلقه بما قد يبديه الشاهد في الجلسة ويسع الدفاع مناقشته. عدم جواز مصادرته في ذلك الحق بدعوى إسقاط الشهادة من عناصر الإثبات. حق الدفاع سابق في وجوده وترتيبه وأثره على مداولة القاضي وحكمه.
احتمال تأثر وجدان القاضي عند الموازنة بين الأدلة إثباتاً ونفياً. بما يبدو أنه أطرحه في غير رقبة من نفسه.
1 - إن الأصل المقرر بالمادة 289 من قانون الإجراءات الجنائية أن المحاكمة الجنائية يجب أن تبنى على التحقيق الشفوي الذي تجريه المحكمة في الجلسة، وتسمع فيه الشهود ما دام سماعهم ممكناً، وإنما يصح لها أن تقرر تلاوة شهادة الشاهد إذا تعذر سماع شهادته أو إذا قبل المدفع عنه ذلك، ولا يجوز الافتئات على هذا الأصل الذي افترضه الشارع في قواعد المحاكمة لأية علة مهما كانت إلا بتنازل الخصوم صراحة أو ضمناً - وهو ما لم يحصل في الدعوى المطروحة - ومن ثم فإن سير المحاكمة على النحو الذي جرت عليه، ومصادرة الدفاع فيما تمسك به من سماع الشاهدة دون تلاوة أقوالها أو سماع أي من شهود الإثبات أو تلاوة أقوالهم في حضرة المتهمين، لا يتحقق به المعنى الذي قصد إليه الشارع في المادة سالفة الذكر.
2 - لا يقدح في ضرورة سماع الشاهدة أن تكون مقيمة في لبنان ما دام لم يثبت للمحكمة أنه امتنع عليها ذلك بعد إعلانها قانوناً، خصوصاً أنه كان يسع المحكمة سماعها عن طريق الإنابة القضائية.
3 - يوجب القانون سؤال الشاهد أولاً، وبعد ذلك يحق للمحكمة أن تبدي ما تراه في شهادته، وذلك لاحتمال أن تجئ الشهادة التي تسمعها أو يتاح للدفاع مناقشتها بما يقنعها بحقيقة قد يتغير بها وجه الرأي في الدعوى.
4 - لا يصح في أصول الاستدلال القضاء المسبق على دليل لم يطرح.
5 - إن حق الدفاع في سماع الشاهد لا يتعلق بما أبداه في التحقيقات الأولى، مما يطابق أو يخالف غيره من الشهود، بل بما قد يبديه في جلسة المحاكمة، ويسع الدفاع مناقشته إظهاراً لوجه الحقيقة، ولا تصح مصادرته في ذلك بدعوى أن المحكمة قد أسقطت في حكمها شهادته من عناصر الإثبات لعدم استطاعة الدفاع أن يتنبأ سلفاً بما قد يدور في وجدان قاضيه عندما يخلو إلى مداولته، ولأن حق الدفاع سابق في وجوده وترتيبه وأثره على مداولة القاضي وحكمه، ولأن وجدان القاضي قد يتأثر - في غير رقبة من نفسه - بما يبدو له أنه أطرحه في تقديره عند الموازنة بين الأدلة إثباتاً ونفياً.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعنين وآخرين بأنهم في يوم 10 مارس سنة 1966 بدائرة قسم الدقي محافظة الجيزة: اغتصبوا بالقوة والتهديد من ميشيل الخيال متري أوراقاً تثبت وجود حالة قانونية هي إقرار بأن يترك الشقة التي يقطنها خلال سبعة أيام وشيكاً بمبلغ مائتي جنيه على بنك القاهرة فرع السيدة زينب، وذلك بأن استدرجه المتهم الأول وكان يرافقه المتهم الثاني إلى الشقة الأولى بالطابق السفلي من المنزل الذي يقطنه حيث فاجأه المتهمان الثالث والرابع وقام الأخير بالاعتداء عليه بالضرب وهدده بالقتل بمسدس كان يحمله بينما التف حوله بقية المتهمين بقصد إرهابه وطلب منه المتهم الأخير تحرير الورقتين سالفتى الذكر والتوقيع عليهما وتمكنوا بهذه الوسيلة من التهديد من الاستيلاء على هاتين الورقتين. وطلبت إلى مستشار الإحالة إحالتهم إلى محكمة الجنايات لمحاكمتهم بالقيد والوصف الواردين بقرار الاتهام، فقرر بذلك. ومحكمة جنايات الجيزة قضت في الدعوى حضورياً عملاً بالمادة 325 من قانون العقوبات مع تطبيق المادة 17 من القانون نفسه بالنسبة للأول والثاني أولاً: بمعاقبة كل منهما بالحبس مع الشغل مدة سنة واحدة وبراءة كل من الثالث والرابع مما أسند إليهما. فطعن المحكوم عليهما في هذا الحكم بطريق النقض...إلخ.


المحكمة

حيث إن مما ينعاه الطاعنان على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانهما بتهمة اغتصاب سند مثبت لتصرف وشيك بمبلغ مائتي جنيه قد بني على البطلان في الإجراءات، وشابه الفساد في الاستدلال، ذلك بأن المحكمة لم تحقق شفوية المرافعة طبقاً لما توجيه المادة 289 من قانون الإجراءات الجنائية من سماع الإثبات أو تلاوة أقوالهم على الأقل. وقد تمسك الدفاع بضرورة سماع الشاهدة ميلاني الخال جرجس شقيقة المجني عليه الذي توفى - وهو شاهد الرؤية الوحيد في الدعوى - إلا أن المحكمة لم تحفل بما تمسك به وأمرت باستمرار السير في إجراءات المحاكمة وردت في حكمها على الطلب بما لا ينفي لزومه بل افترضت مقدماً أن أقوالها ستجئ مطابقة لأقوال أخيها ولا يغير من الأمر شيئاً أن تكون الشاهدة مقيمة في لبنان لأن هذا يدل على استحالة حضورها، بل كان الواجب إعلانها أولاً في محل إقامتها حتى إذا تعذر حضورها، صح القول بقيام العذر المانع من سماعها، ومن ثم فإن الحكم يكون قد وقع باطلاً متعيناً نقضه.
وحيث إنه يبين من الاطلاع على محضر جلسة 27/ 5/ 1969 التي سمعت فيها الدعوى، أن الدفاع عن الطاعنين تمسك ابتداء بضرورة سماع الشاهدة الرابعة، فقررت المحكمة السير في الإجراءات، فترافع الدفاع مصراً في ختام مرافعته على ما تمسك به في مستهلها، والحكم المطعون فيه بعد أن أورد شهادة الشاهدة المذكورة من أنها سمعت بالواقعة من شقيقها المجني عليه على التفصيل الوارد بشهادته عرض لطلب الدفاع ورد عليه بقوله "وحيث إن الدفاع طلب سماع أقوال ميلاني الخال جرجس والغير مقيمة حالياً بالجمهورية العربية المتحدة. ولما كانت شهادتها كما سبق بيانها في صدر هذا الحكم جاءت ترديداً وسماعاً عن شقيقها المجني عليه ميشيل الخال متري، فهي ناقلة لأقواله التي سمعتها النيابة العامة في تحقيقها مفصلة، أضف إلى ذلك أن واقعة استئجار هذه السيدة للشقة موضوع النزاع، وأن عقد الإيجار كان باسمها ثم قامت منازعة بسبب دخول شقيقتها إلى مسكنها وعرض الأمر على النيابة. تلك الوقائع التي وردت على لسان الشاهدة بتحقيقات النيابة لم يجحدها مالك المسكن أو ينكرها المتهمان، ومن ثم فلا مجال بعدئذ لإجابة طلب الدفاع لسماع أقوال هذه الشاهدة خاصة وأن المحكمة كما سيجيء في موضعه من أسباب هذا الحكم لم تعول في قضائها على تلك الشهادة والتي هي في جوهرها ترديد لأقوال المجني عليه، كما أن واقعة استئجارها الشقة وقيام النزاع هي من الأمور المسلمة التي يسلم بها الدفاع" وهذا الذي أورده الحكم ينطوي على البطلان في الإجراءات والفساد في الاستدلال. ذلك بأن الأصل المقرر بالمادة 289 من قانون الإجراءات الجنائية أن المحاكمة الجنائية يجب أن تبنى على التحقيق الشفوي الذي تجريه المحكمة في الجلسة، وتسمع فيه الشهود ما دام سماعهم ممكناً، وإنما يصح لها أن تقرر تلاوة شهادة الشاهد إذا تعذر سماع شهادته، أو إذا قبل المدافع عنه ذلك. ولا يجوز الافتئات على هذا الأصل الذي افترضه الشارع في قواعد المحاكمة لأية علة مهما كانت إلا بتنازل الخصوم صراحة أو ضمناً - وهو ما لم يحصل - ومن ثم فإن سير المحاكمة على النحو الذي جرت عليه ومصادرة الدفاع فيما تمسك به من سماع الشاهدة الرابعة دون تلاوة أقوالها أو سماع أي من شهود الإثبات أو تلاوة أقوالهم في حضرة المتهمين لا يتحقق به المعنى الذي قصد إليه الشارع في المادة سالفة الذكر. ولا يقدح في ضرورة سماع الشاهدة أن تكون مقيمة في لبنان ما دام لم يثبت للمحكمة أنه امتنع عليها ذلك بعد إعلانها قانوناً خصوصاً أنه كان يسع المحكمة سماعها عن طريق الإنابة القضائية. هذا إلى أن القانون يوجب سؤال الشاهد أولاً، وبعد ذلك يحق للمحكمة أن تبدي ما تراه في شهادته، وذلك لاحتمال أن تجئ الشهادة التي تسمعها ويتاح للدفاع مناقشتها بما يقنعها بحقيقة قد يتغير بها وجه الرأي في الدعوى، ولا يصح في أصول الاستدلال القضاء المسبق على دليل لم يطرح. ولما كان حق الدفاع في سماع الشاهد لا يتعلق بما أبداه في التحقيقات الأولى، مما يطابق أو يخالف غيره من الشهود، بل بما قد يبديه في جلسة المحاكمة، ويسع الدفاع مناقشته إظهاراً لوجه الحقيقة، ولا تصح مصادرته في ذلك بدعوى أن المحكمة أسقطت في حكمها شهادته من عناصر الإثبات لعدم استطاعة الدفاع أن يتنبأ سلفاً بما قد يدور في وجدان قاضيه عندما يخلو إلى مداولته، ولأن حق الدفاع سابق في وجوده وترتيبه وأثره على مداولة القاضي وحكمه، ولأن وجدان القاضي قد يتأثر - في غير رقبة من نفسه - بما يبدو له أنه أطرحه في تقديره عند الموازنة بين الأدلة إثباتاً ونفياً. لما كان ما تقدم، فإن الحكم المطعون فيه يكون معيباً بما يبطله ويوجب نقضه.