أحكام المحكمة الدستورية العليا - الجزء الثامن
من أول يوليو 1996 حتى آخر يونيو 1998 - صـ 1203

جلسة 7 مارس 1998

برئاسة السيد المستشار الدكتور/ عوض محمد عوض المر - رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: سامي فرج يوسف والدكتور عبد المجيد فياض وماهر البحيري ومحمد علي سيف الدين وعدلي محمود منصور ومحمد عبد القادر عبد الله، وحضور السيد المستشار الدكتور/ حنفي علي جبالي - رئيس هيئة المفوضين، وحضور السيد/ حمدي أنور صابر - أمين السر.

قاعدة رقم (87)
القضية رقم 10 لسنة 19 قضائية "دستورية"

1 - دعوى دستورية "المصلحة الشخصية المباشرة: مناطها".
مناط المصلحة الشخصية المباشرة - وهي شرط لقبول الدعوى الدستورية - ارتباطها عقلاً بالمصلحة التي يقوم بها النزاع الموضوعي، ذلك بأن يكون الفصل في المسائل الدستورية لازماً للفصل في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها - اتصال هذا الشرط - من ثم - بالحق في الدعوى وارتباطه بالخصم الذي أثار المسألة الدستورية.
2 - قانون الإجراءات الجنائية "ادعاء مباشر: تنظيم - موازنة" - وظيفة أو خدمة عامة.
موازنة هذا القانون في تنظيمه للحق في الادعاء المباشر بين إطلاق الحق فيه من جهة، وضرورة تقييده من جهة أخرى بما يكفل للقائمين على شئون الوظيفة أو الخدمة العامة عدم ترددهم في اتخاذ القرار الملائم من شأن الأعمال التي يتولونها.
1 - المصلحة الشخصية المباشرة - وهي شرط لقبول الدعوى الدستورية - مناطها ارتباطها عقلاً بالمصلحة التي يقوم بها النزاع الموضوعي، وذلك بأن يكون الفصل في المسائل الدستورية التي تثيرها الخصومة الدستورية، لازماً للفصل في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها؛ وكان شرط المصلحة الشخصية المباشرة - محدداً بهذا المعنى - يتصل بالحق في الدعوى، ويرتبط بالخصم الذي أثار المسألة الدستورية، وليس بهذه المسألة في ذاتها منظوراً إليها بصفة مجردة؛ فإن هذا الشرط يكون مبلوراً فكرة الخصومة في الدعوى الدستورية، كاشفاً عن حدة التناقض بين مصالح أطرافها؛ محدداً نطاق المسائل الدستورية التي تُدعى هذه المحكمة للفصل فيها، مقتضياً ارتباطها بالمسائل الكلية أو الفرعية التي تدور حولها الخصومة الموضوعية.
2 - قانون الإجراءات الجنائية، في تنظيمه للحق في الإدعاء المباشر - وهو حق ورد على خلاف الأصل المقرر بنص المادة 70 من الدستور التي لا تجيز رفع الدعوى الجنائية إلا بأمر من جهة قضائية فيما عدا الأحوال التي يحددها القانون - قد وازن بين إطلاق الحق في هذا الإدعاء من جهة، وضرورة تقييده من جهة أخرى بما يكفل للقائمين على شئون الوظيفة أو الخدمة العامة أداء الأعمال التي تتصل بها دون تردد يقعد بهم عن النهوض بتبعاتها، أو يحملهم على التراخي فيها أو التنصل منها، فلا يقابلون بالعزيمة مسئولياتها، بما يعطل قدرتهم على اتخاذ القرار الملائم في شأن الأعمال التي يتولونها. ومن ثم أقر المشرع - وفي إطار هذه الموازنة - نص المادة 232 من قانون الإجراءات الجنائية مستبعداً بموجبها الإدعاء المباشر في مجال الجرائم التي يرتكبها القائمون بالعمل العام أثناء تأديتهم لوظائفهم أو بسببها عدا تلك التي تنص عليها المادة 123 من قانون العقوبات.
مؤدى ذلك، أن ضمان الحق في الإدعاء المباشر للرجوع على القائمين بالعمل العام لتعويض الأضرار الناجمة عما ارتكبوه من جرائم أثناء تأدية وظائفهم أو بسببها، قد يثير مخاوفهم من المسئولية الشخصية عنها، وعلى الأخص كلما كان تجريحهم تخرصاً بقصد التطاول على سمعتهم بين ذويهم؛ أو عائداً إلى شهوة الانتقام التي بعثتها ضغائن شخصية مستعرة لا تطفئها موازين الاعتدال؛ أو جموحاً لا تبصر فيه يكون به الإدعاء المباشر تشهياً منفصلاً عن التقييم الموضوعي للعمل العام، بما يوهن عزائم القائمين عليه، ويلحق بنفوسهم خوراً يميد بأقدامهم، فلا تخلص للوظيفة العامة مقوماتها التي تكفل انتظامها وحسن أدائها، بل يكون ترديها مؤثراً في بنيانها، مؤذناً بانقضاض دعائمها؛ وكان حق المدعي بالحقوق المدنية في الإدعاء المباشر. وكذلك نطاق القيود التي فرضها المشرع على هذا الحق، منظماً بنص المادة 232 من قانون الإجراءات الجنائية؛ فإن المصلحة الشخصية المباشرة للمدعي - وعلى ضوء ارتباطها بالنزاع الموضوعي - لا تتحقق إلا بالطعن عليها.


الإجراءات

بتاريخ 11 من يناير سنة 1997، أودع المدعي صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة، طالباً الحكم بعدم دستورية نص الفقرة الثالثة من المادة 63 من قانون الإجراءات الجنائية.
قدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع - على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - تتحصل في أن المدعي كان قد أقام - بطريق الإدعاء المباشر - الدعوى رقم 5071 لسنة 1996 جنح اللبان الجزئية، مختصماً فيها نائب مدير أمن الإسكندرية "قطاع غرب" ومدير عام منطقة غرب الدلتا بالهيئة العامة للطرق والكباري، ناسباً إليهما إتلافهما عمداً أموالاً يملكها أثناء تنفيذهما للقرار رقم 183/ 1995 المتضمن إزالة تعدية على حرم الطريق العام، طالباً عقابهما بعقوبة الحبس المقررة بمقتضى المادة 361 من قانون العقوبات مع إلزامهما بتعويض مؤقت مقداره 501 جنيهاً. وأثناء نظر دعواه هذه، دفع المدعي بعدم دستورية الفقرة الثالثة من المادة 63 من قانون الإجراءات الجنائية. وإذ قدرت محكمة الموضوع جدية الدفع مع تصريحها بإقامة دعواه الدستورية؛ فقد رفعها.
وحيث إن المدعي ينعي على الفقرة الثالثة من المادة 63 من قانون الإجراءات الجنائية إضفاءها حصانة على أعمال الموظفين العامين تحول دون تعقبهم من قبل المضرورين من الجرائم التي ارتكبوها من خلال الإدعاء المباشر بعد أن حظره قانون الإجراءات الجنائية في شأن الجرائم التي يأتيها موظفون أو مستخدمون عامون أو أحد رجال الضبط أثناء تأدية وظائفهم أو بسببها ما لم تكن من الجرائم المشار إليها في المادة 123 من قانون العقوبات. وقد أهدر المشرع بذلك حق هؤلاء المضرورين قد اللجوء مباشرة إلى قاضيهم الطبيعي، وأخل بتساويهم مع غيرهم أمام القانون.
وحيث إن المادة 63 من قانون الإجراءات الجنائية المطعون عليها تنص على أنه "إذا رأت النيابة العامة في مواد المخالفات والجنح، أن الدعوى صالحة لرفعها بناء على الاستدلالات التي جمعت، تكلف المتهم بالحضور مباشرة أمام المحكمة المختصة.
وللنيابة العامة في مواد الجنح والجنايات، أن تطلب ندب قاض للتحقيق طبقاً للمادة 64 من هذا القانون، أو أن تتولى هي التحقيق طبقاً للمادة 199 وما بعدها من هذا القانون.
وفيما عدا الجرائم المشار إليها في المادة 123 من قانون العقوبات لا يجوز لغير النائب العام أو المحامي العام أو رئيس النيابة العامة رفع الدعوى الجنائية ضد موظف أو مستخدم عام أو أحد رجال الضبط لجناية أو جنحة وقعت منه أثناء تأدية وظيفته أو بسببها.
واستثناء من حكم المادة 237 من هذا القانون، يجوز للمتهم في الجرائم المشار إليها في المادة 123 عقوبات عند رفع الدعوى عليه مباشرة، أن ينيب عنه وكيلاً لتقديم دفاعه مع عدم الإخلال بما للمحكمة من حق في أن تأمر بحضوره شخصياً".
وحيث إن المادة 232 من قانون الإجراءات الجنائية تقضي بأنه "تحال الدعوى إلى محكمة الجنح والمخالفات بناء على أمر يصدر من قاضي التحقيق أو محكمة الجنح المستأنفة منعقدة في غرفة المشورة أو بناء على تكليف المتهم مباشرة بالحضور من قبل أحد أعضاء النيابة أو من المدعي بالحقوق المدنية.
ويجوز الاستغناء عن تكليف المتهم بالحضور إذا حضر الجلسة ووجهت إليه التهمة من النيابة العامة وقبل المحاكمة.
ومع ذلك فلا يجوز للمدعي بالحقوق المدنية أن يرفع الدعوى إلى المحكمة بتكليف خصمه مباشرة بالحضور أمامها في الحالتين الآتيتين:
(أولاً) إذا صدر أمر قاضي التحقيق أو النيابة العامة بأن لا وجه لإقامة الدعوى ولم يستأنف المدعي بالحقوق المدنية هذا الأمر في الميعاد، أو استأنفه فأيدته محكمة الجنح المستأنفة منعقدة في غرفة المشورة.
(ثانياً) إذا كانت الدعوى موجهة ضد موظف أو مستخدم عام أو أحد رجال الضبط لجريمة وقعت منه أثناء تأدية وظيفته أو بسببها ما لم تكن من الجرائم المشار إليها في المادة 123 من قانون العقوبات".
وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة - وهي شرط لقبول الدعوى الدستورية - مناطها ارتباطها عقلاً بالمصلحة التي يقوم بها النزاع الموضوعي، وذلك بأن يكون الفصل في المسائل الدستورية التي تثيرها الخصومة الدستورية، لازماً للفصل في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها؛ وكان شرط المصلحة الشخصية المباشرة - محدداً بهذا المعنى - يتصل بالحق في الدعوى، ويرتبط بالخصم الذي أثار المسألة الدستورية، وليس بهذه المسألة في ذاتها منظوراً إليها بصفة مجردة؛ فإن هذا الشرط يكون مبلوراً فكرة الخصومة في الدعوى الدستورية، كاشفاً عن حدة التناقض بين مصالح أطرافها؛ محدداً نطاق المسائل الدستورية التي تُدعى هذه المحكمة للفصل فيها، مقتضياً ارتباطها بالمسائل الكلية أو الفرعية التي تدور حولها الخصومة الموضوعية.
وحيث إن قانون الإجراءات الجنائية، في تنظيمه للحق في الإدعاء المباشر - وهو حق ورد على خلاف الأصل المقرر بنص المادة 70 من الدستور التي لا تجيز رفع الدعوى الجنائية إلا بأمر من جهة قضائية فيما عدا الأحوال التي يحددها القانون - قد وازن بين إطلاق الحق في هذا الإدعاء من جهة، وضرورة تقييده من جهة أخرى بما يكفل القائمين على شئون الوظيفة أو الخدمة العامة أداء الأعمال التي تتصل بها دون تردد يقعد بهم عن النهوض بتبعاتها، أو يحملهم على التراخي فيها أو التنصل منها، فلا يقابلون بالعزيمة مسئولياتها، بما يعطل قدرتهم على اتخاذ القرار الملائم في شأن الأعمال التي يتولونها. ومن ثم أقر المشرع - وفي إطار هذه الموازنة - نص المادة 232 من قانون الإجراءات الجنائية مستبعداً بموجبها الإدعاء المباشر في مجال الجرائم التي يرتكبها القائمون بالعمل العام أثناء تأديتهم لوظائفهم أو بسببها عدا تلك التي تنص عليها المادة 123 من قانون العقوبات.
وحيث إن ذلك مؤداه، أن ضمان الحق في الإدعاء المباشر للرجوع على القائمين بالعمل العام لتعويض الأضرار الناجمة عما ارتكبوه من جرائم أثناء تأدية وظائفهم أو بسببها، قد يثير مخاوفهم من المسئولية الشخصية عنها، وعلى الأخص كلما كان تجريحهم تخرصاً بقصد التطاول على سمعتهم بين ذويهم؛ أو عائداً إلى شهوة الانتقام التي بعثتها ضغائن شخصية مستعرة لا تطفئها موازين الاعتدال؛ أو جموحاً لا تبصر فيه يكون به الإدعاء المباشر تشهياً منفصلاً عن التقييم الموضوعي للعمل العام، بما يوهن عزائم القائمين عليه، ويلحق بنفوسهم خوراً يميد بأقدامهم، فلا تخلص للوظيفة العامة مقوماتها التي تكفل انتظامها وحسن أدائها، بل يكون ترديها مؤثراً في بنيانها، مؤذناً بانقضاض دعائمها؛ وكان حق المدعي بالحقوق المدنية في الإدعاء المباشر. وكذلك نطاق القيود التي فرضها المشرع على هذا الحق، منظماً بنص المادة 232 من قانون الإجراءات الجنائية؛ فإن المصلحة الشخصية المباشرة للمدعي - وعلى ضوء ارتباطها بالنزاع الموضوعي - لا تتحقق إلا بالطعن عليها.
ولا كذلك نص المادة 63 من هذا القانون التي تبلور نطاق الحقوق التي تملكها سلطة الاتهام في جنحة أو مخالفة، وتقديرها لصلاحية رفع الدعوى الجنائية عنها على ضوء عناصر الاستدلال التي تم جمعها في شأنها. وهي بذلك لا تعتبر بمضمونها استثناء من اختصاصها الأصيل في مجال رفع الدعوى الجنائية؛ ولا صورة من صور الرقابة التي يفرضها المدعي بالحقوق المدنية عليها في مجال مباشرتها للحق في تحريكها؛ أو خروجاً على الاختصاص الثابت أصلاً للقضاء المدني في مجال نظر الدعوى المدنية والفصل فيها؛ أو ارتباطاً بين دعويين إحداهما مدنية وأخراهما عمومية تضمهم إليها محكمة جنائية لتصدر فيهما معاً حكماً واحداً.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بعدم قبول الدعوى، وبمصادرة الكفالة، وألزمت المدعي المصروفات ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة.