أحكام المحكمة الدستورية العليا - الجزء الثامن
من أول يوليو 1996 حتى آخر يونيو 1998 - صـ 1210

جلسة 7 مارس 1998

برئاسة السيد المستشار الدكتور/ عوض محمد عوض المر - رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: حمدي محمد علي والدكتور عبد المجيد فياض وماهر البحيري ومحمد علي سيف الدين وعدلي محمود منصور ومحمد عبد القادر عبد الله، وحضور السيد المستشار الدكتور/ حنفي علي جبالي - رئيس هيئة المفوضين، وحضور السيد/ حمدي أنور صابر - أمين السر.

قاعدة رقم (88)
القضية رقم 19 لسنة 19 قضائية "دستورية"

1 - دعوى دستورية "نطاقها".
نطاق الخصومة الدستورية يتحدد بنطاق الدفع بعدم الدستورية المبدي أمام محكمة الموضوع وفي الحدود التي تقدر فيها جديته.
2 - تصدي "المحكمة الدستورية العليا".
تصدي هذه المحكمة لدستورية النصوص المتصلة بنزاع معروض عليها يفترض استظهارها شبهة مخالفتها للدستور.
3 - دستور "مبدأ مساواة المواطنين أمام القانون".
وحدة المراكز القانونية تفترض تماثل مكوناتها - عدم حيلولة هذا المبدأ دون التمييز بين المواطنين على أسس موضوعية - مبنى هذه الأسس هو العلاقة المنطقية بين النصوص القانونية والأغراض التي قصدها المشرع منها.
4 - تشريع "الفقرة الأخيرة من المادة 16 من قانون السلطة القضائية الصادر بالقرار بقانون رقم 46 لسنة 1972: انتفاء التمييز".
الفقرة المذكورة لا تقيم تمييزاً بين المخاطبين بأحكامها - نقل المعينين في النيابة العامة من أعضاء الإدارات القانونية بدرجاتهم الموجودة بجهات عملهم الأصلية إنما يقتصر على اتخاذها مورداً مالياً يوفر لأعباء تعيينهم مناهلها - دلالة هذه الفقرة على عدم استصحاب هؤلاء مرتباتهم وغيرها من المزايا التي كانوا يتقاضونها قبل نقلهم.
5 - رقابة قضائية على الدستورية "سياسة تشريعية".
الرقابة القضائية على الدستورية المعهودة بها إلى المحكمة الدستورية العليا لا شأن لها بالسياسة التشريعية التي ينتهجها المشرع كلما كان تنفيذها من خلال النصوص القانونية لا يصادم أحكام الدستور.
1 - قضاء هذه المحكمة مطرد على أن نطاق الخصومة الدستورية إنما يتحدد بنطاق الدفع بعدم الدستورية المبدي أمام محكمة الموضوع، وفي الحدود التي تقدر فيها جديته؛ وكان قرار دائرة رجال القضاء بالترخيص للمدعي برفع دعواه الدستورية، قد انصب على الفقرة الأخيرة من المادة 116 من قانون السلطة القضائية باعتبار أن تقديرها لجدية دفعه بعدم الدستورية قد تعلق بها، فإن الخصومة الدستورية الماثلة يتحدد نطاقها بهذه الفقرة دون غيرها من أحكام هذا القانون.
2 - تصدي المحكمة الدستورية العليا لدستورية النصوص القانونية التي تتصل بنزاع معروض عليها وفقاً لنص المادة 27 من قانونها، يفترض أن تثير هذه النصوص لديها - ومن وجهة نظر مبدئية - شبهة مخالفتها للدستور؛ لتحيلها بعدئذ إلى هيئة المفوضين بها لتحضير المسائل الدستورية التي تثيرها. ولا كذلك نص المادة 83 من قانون السلطة القضائية، ذلك أن قصر التقاضي في المسائل التي فصل فيها الحكم على درجة واحدة - وعلى ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة - يدخل في إطار السلطة التقديرية التي يملكها المشرع في مجال تنظيم الحقوق، ولا يناقض الدستور.
3 - الإخلال بمبدأ مساواة المواطنين أمام القانون المنصوص عليه في المادة 40 من الدستور، يفترض أن يكون المشرع قد تدخل من خلال النصوص القانونية التي أحدثها، ليعدل بها من الحقوق التي أنشأتها مراكز قانونية تتحد في العناصر التي تقوم عليها. ذلك أن وحدة المراكز القانونية تفترض تماثل مكوناتها، وبقدر ما بينها من تغاير، تفقد هذه المراكز تعادلها، فلا تجمعها تلك الوحدة التي تقتضي تساويها في الآثار التي ترتبها.
إن إعمال حكم المادة 40 من الدستور، يعتبر - وبالنظر إلى محتواه - قرين العدل والحرية والسلام الاجتماعي، فلا يكفل أغراضاً تقتضيها موازين المساواة المطلقة بين المواطنين جميعهم على ما بين ظروفهم وأوضاعهم من فوارق. وهو بذلك لا يردهم جميعاً إلى قاعدة صماء تضمهم إليها، فلا ينفلتون منها؛ ولا يحول دون التمييز بينهم على أسس موضوعية يكون مبناها تلك العلاقة المنطقية بين النصوص القانونية - وباعتبارها وسائل ينتقيها المشرع لينظم بها موضوعاً محدداً - والأغراض التي قصد إليها من إجراء هذا التنظيم.
وبقدر اتصال هذه النصوص بأهدافها وارتباطها عقلاً بها، بقدر ما يكون التمييز المقرر بها موافقاً للدستور. فإذا كان التمييز المقارن لها، متضمناً - دون مسوغ - تفريقاً أو تقييداً أو تفضيلاً أو استبعاداً منبئاً عن التحكم، ومنحياً ما بين النظائر من توافق، مفترضاً تخالفها فيما بينها، فإن هذا التمييز يكون تشهياً مناقضاً لنص المادة 40 من الدستور.
4 - الفقرة المطعون عليها، لا تقيم تمييزاً بين المخاطبين بأحكامها، ولكنها تعاملهم جميعاً وفق مقاييس موحدة تنتظمهم دون تفريق بين فئاتهم؛ ذلك أن ما قصد إليه المشرع بالفقرة المطعون عليها، هو أن ينقل إلى النيابة العامة من اجتاز امتحانها من أعضاء الإدارات القانونية التي حددتها، بدرجاتهم المرصودة بجهات عملهم الأصلية، فلا تنوء وزارة العدل بعسر تدبير مصارفها.
ومن ثم يكون نقل درجاتهم بحالتها مقصوراً على اتخاذها مورداً مالياً يوفر لأعباء تعيينهم مناهلها، ولا يستصحب - بغير نص خاص - مرتباتهم وغيرها من المزايا التي كانوا يتقاضونها قبل نقلهم.
5 - الرقابة على الدستورية التي عهد بها الدستور إلى هذه المحكمة، لا شأن لها بالسياسة التشريعية التي يستنسبها المشرع لتنظيم أوضاع بعينها، كلما كان تنفيذها - من خلال النصوص القانونية - لا يناقض حكماً في الدستور.


الإجراءات

بتاريخ 30 يناير سنة 1997، أودع المدعي صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة، طالباً الحكم بعدم دستورية الفقرة الأخيرة من المادة 116 من قانون السلطة القضائية الصادر بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 46 لسنة 1972.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع - على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - تتحصل في أن المدعي كان قد أقام الطلب رقم 199 لسنة 1994 قضائية أمام دائرة طلبات رجال القضاء بمحكمة النقض ضد السيد وزير العدل طالباً الحكم بأن يكون راتبه الأساسي بوظيفة مساعد نيابة التي عين فيها نقلاً من هيئة الشرطة مساوياً للراتب الأساسي الذي كان يتقاضاه منها قبل النقل إلى النيابة العامة، مع ما يترتب على ذلك من آثار وفروق مالية.
وأثناء نظر الطلب، دفع بعدم دستورية الفقرة الأخيرة من المادة 116 من قانون السلطة القضائية الصادر بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 46 لسنة 1972. وإذ قدرت محكمة الموضوع جدية دفعه، وخولته رفع الدعوى الدستورية، فقد أقامها.
وحيث إن الفقرة الأخيرة من المادة 116 من قانون السلطة القضائية - المطعون عليها - تقضي بما يأتي: "فإذا كان من اجتاز الامتحان من أعضاء الإدارات القانونية بالحكومة أو الهيئات أو المؤسسات العامة أو الوحدات الاقتصادية التابعة لها، تنقل درجته عند تعيينه بالنيابة العامة باعتمادها المالي المدرج لها في ميزانية الجهة التي كان يعمل بها إلى ميزانية وزارة العدل".
وحيث إن المدعي ينعي على الفقرة المطعون عليها، إحداثها تمييزاً مخالفاً لنص المادة 40 من الدستور بين أعضاء الإدارات القانونية بالجهات التي حددتها هذه الفقرة حصراً، وبين غيرهم ممن يماثلونهم في المركز القانوني، ويعينون في النيابة العامة نقلاً إليها من جهاتها الأصلية.
وحيث إن قضاء هذه المحكمة مطرد على أن نطاق الخصومة الدستورية إنما يتحدد بنطاق الدفع بعدم الدستورية المبدي أمام محكمة الموضوع، وفي الحدود التي تقدر فيها جديته؛ وكان قرار دائرة رجال القضاء بالترخيص للمدعي برفع دعواه الدستورية، قد انصب على الفقرة الأخيرة من المادة 116 من قانون السلطة القضائية باعتبار أن تقديرها لجدية دفعه بعدم الدستورية قد تعلق بها، فإن الخصومة الدستورية الماثلة يتحدد نطاقها بهذه الفقرة دون غيرها من أحكام هذا القانون.
وحيث إن المدعي عرض في صحيفة دعواه الدستورية لنص المادة 83 من قانون السلطة القضائية، ناعياً عليها مخالفتها للدستور، لقصرها التقاضي في شأن المسائل التي تدخل في اختصاص دوائر المواد المدنية والتجارية بمحكمة النقض - ويندرج تحتها طلب أعضاء النيابة العامة إلغاء القرارات الإدارية النهائية الصادرة في شأن من شئونهم وكذلك الفصل في كل نزاع يتعلق بمرتباتهم - على درجة واحدة؛ وداعياً المحكمة الدستورية العليا للفصل في دستورية المادة 83 المشار إليها إعمالاً لنص المادة 27 من قانونها، وكان من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن تصديها لدستورية النصوص القانونية التي تتصل بنزاع معروض عليها وفقاً لنص المادة 27 المشار إليها، يفترض أن تثير هذه النصوص لديها - ومن وجهة نظر مبدئية - شبهة مخالفتها للدستور؛ لتحيلها بعدئذ إلى هيئة المفوضين بها لتحضير المسائل الدستورية التي تثيرها. ولا كذلك نص المادة 83 من قانون السلطة القضائية، ذلك أن قصر التقاضي في المسائل التي فصل فيها الحكم على درجة واحدة - وعلى ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة - يدخل في إطار السلطة التقديرية التي يملكها المشرع في مجال تنظيم الحقوق، ولا يناقض الدستور.
وحيث إن الإخلال بمبدأ مساواة المواطنين أمام القانون المنصوص عليه في المادة 40 من الدستور، يفترض أن يكون المشرع قد تدخل من خلال النصوص القانونية التي أحدثها، ليعدل بها من الحقوق التي أنشأتها مراكز قانونية تتحد في العناصر التي تقوم عليها. ذلك أن وحدة المراكز القانونية تفترض تماثل مكوناتها، وبقدر ما بينها من تغاير، تفقد هذه المراكز تعادلها، فلا تجمعها تلك الوحدة التي تقتضي تساويها في الآثار التي ترتبها.
وحيث إن إعمال حكم المادة 40 من الدستور، يعتبر كذلك - وبالنظر إلى محتواه - قرين العدل والحرية والسلام الاجتماعي، فلا يكفل أغراضاً تقتضيها موازين المساواة المطلقة بين المواطنين جميعهم على ما بين ظروفهم وأوضاعهم من فوارق. وهو بذلك لا يردهم جميعاً إلى قاعدة صماء تضمهم إليها، فلا ينفلتون منها؛ ولا يحول دون التمييز بينهم على أسس موضوعية يكون مبناها تلك العلاقة المنطقية بين النصوص القانونية - وباعتبارها وسائل ينتقيها المشرع لينظم بها موضوعاً محدداً - والأغراض التي قصد إليها من إجراء هذا التنظيم.
وبقدر اتصال هذه النصوص بأهدافها وارتباطها عقلاً بها، بقدر ما يكون التمييز المقرر بها موافقاً للدستور. فإذا كان التمييز المقارن لها، متضمناً - دون مسوغ - تفريقاً أو تقييداً أو تفضيلاً أو استبعاداً منبئاً عن التحكم، ومنحياً ما بين النظائر من توافق، مفترضاً تخالفها فيها بينها، فإن هذا التمييز يكون تشهياً مناقضاً لنص المادة 40 من الدستور.
وحيث إن الفقرة المطعون عليها، لا تقيم تمييزاً بين المخاطبين بأحكامها، ولكنها تعاملهم جميعاً وفق مقاييس موحدة تنتظمهم دون تفريق بين فئاتهم؛ ذلك أن ما قصد إليه المشرع بالفقرة المطعون عليها، هو أن ينقل إلى النيابة العامة من اجتاز امتحانها من أعضاء الإدارات القانونية التي حددتها، بدرجاتهم المرصودة بجهات عملهم الأصلية، فلا تنوء وزارة العدل بعسر تدبير مصارفها.
ومن ثم يكون نقل درجاتهم بحالتها - مقصوراً على اتخاذها مورداً مالياً يوفر لأعباء تعيينهم مناهلها، ولا يستصحب - بغير نص خاص - مرتباتهم وغيرها من المزايا التي كانوا يتقاضونها قبل نقلهم. وهو ما تدل عليه الفقرة المطعون عليها ذاتها التي تقرر بالمفهوم المباشر لعبارتها وبصريح دلالتها، أن نقل الدرجة التي كان عضو الإدارة القانونية مربوطاً عليها، إلى ميزانية وزارة العدل، لا يتناول إلا اعتمادها المالي المدرج لها في ميزانية الجهة التي كان يعمل بها.
وحيث إن المواطنين في تساويهم أمام القانون، لا تعامل فئاتهم - وبفرض تماثل مراكزها القانونية - إلا وفق مقاييس موحدة تكون بذاتها نافية لكل تمييز غير مبرر في شأن الحقوق التي كفلها الدستور، وكذلك تلك التي ضمنها المشرع؛ وكانت الفقرة المطعون عليها - بالشروط التي حددتها - لا تقرر غير نقل أعضاء الإدارات القانونية بدرجاتهم إلى وزارة العدل؛ ولا شأن لها باحتفاظهم بصفة شخصية بمرتباتهم وغيرها من الحقوق المالية التي كانوا يتقاضونها بالجهة التي كان يعملون بها قبل نقلهم، وكانت مناعي المدعي في شأن هذه الفقرة مبناها تصور ضمانها لتلك الحقوق، وأن المشرع حجبها عن نظرائهم، ومن بينهم المدعي؛ وكانت تلك الفقرة لا تفيد هذا المعنى بصريح نصها وبفحواها، فإن مصلحة المدعي في الطعن عليها، تكون منتفية.
وحيث إن ما قرره المدعي من أن المشرع، كان ينبغي أن يؤمن لضباط الشرطة - وباعتبار أن عملهم نظير للعمل القضائي - استصحابهم لمرتباتهم وغيرها من المزايا التي كانوا يحصلون عليها من جهتهم الأصلية قبل نقلهم منها إلى النيابة العامة، مردود بأن الرقابة على الدستورية التي عهد بها الدستور إلى هذه المحكمة، لا شأن لها بالسياسة التشريعية التي يستنسبها المشرع لتنظيم أوضاع بعينها، كلما كان تنفيذها - من خلال النصوص القانونية - لا يناقض حكماً في الدستور.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بعدم قبول الدعوى وبمصادرة الكفالة، وألزمت المدعي المصروفات ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة.