أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثالث - السنة 20 - صـ 1090

جلسة 20 من أكتوبر سنة 1969

برياسة السيد المستشار/ محمد أبو الفضل حفني، وعضوية السادة المستشارين: إبراهيم أحمد الديواني، ومحمد السيد الرفاعي، وطه الصديق دنانة، ومحمد ماهر محمد حسن.

(214)
الطعن رقم 832 لسنة 39 القضائية

(أ، ب، ج، د) دخان. تبغ. تهريب جمركي. جريمة. "أركانها". إثبات. "بوجه عام". "قرائن". "خبرة" حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب". رسوم. "رسوم جمركية". نقض. "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها". دعوى مدنية.
( أ ) حالات تهريب التبغ. اقتصارها على الأحوال التي عددتها حصراً المادة 2 من القانون رقم 92 لسنة 1964. نفي المحكمة أن الدخان المضبوط من النوع المزروع محلياً. النعي عليها بأنه قد استقر في ذهنها أن حيازة الدخان المزروع محلياً لا جريمة فيه. نعي خاطئ. أساس ذلك؟
(ب) حيازة السلعة وراء الدائرة الجمركية من غير المهرب لها فاعلاً أو شريكاً. لا تهريب. إلا إذا توافرت إحدى حالات التهريب الحكمي المنصوص عليها في المادة 2 من القانون رقم 92 لسنة 1964.
(ج) قيام الطعن في الحكم على أساس ماهية الدخان المضبوط وهل هو من المنزرع محلياً فتعد حيازته تهريباً، أو هو من النوع المستورد فلا جريمة في حيازته. قطع الحكم في هذه المسألة بالاستناد إلى دليل فني يحمله وليس بعلم القاضي. عدم جواز المنازعة في كفاية هذا الدليل أمام النقض.
(د) البضائع الموجودة وراء الدائرة الجمركية. الأصل أنها تعتبر خالصة الرسوم الجمركية. على مدعي خلاف ذلك إثباته. قيام الحكم على هذا النظر. صحته.
(هـ) إثبات. "إثبات بوجه عام". محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير الدليل". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
كفاية الشك في صحة إسناد التهمة. للقضاء بالبراءة. ما دام أن المحكمة ألمت بعناصر الدعوى.
(و) محكمة استئنافية. "الإجراءات أمامها". "نظرها الدعوى والحكم فيها". دعوى مدنية. "نظرها والحكم فيها". إثبات. "إثبات بوجه عام". "خبرة". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب". دفاع. "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره".
المحكمة الاستئنافية. تقضي في الأصل من واقع الأوراق. عدم التزامها بإجراء تحقيق إلا ما ترى هي لزوماً له. عدم التزامها كذلك بإعادة الدعوى للمرافعة لإجراء المزيد من تحقيق المسألة الفنية المطروحة. ما دامت قد وضحت لديها.
1 - حصر الشارع حالات تهريب التبغ وقصرها على الأحوال التي عددها في المادة الثانية من القانون 92 لسنة 1964 في شأن تهريب التبغ التي تنص على أنه "يعد تهريباً (1) استنبات التبغ أو زراعته محلياً (2) إدخال التبغ السوداني أو التبغ الليبي المعروف بالطرابلسي أو بذور التبغ بكافة أنواعه إلى البلاد (3) غش التبغ أو استيراده مغشوشاً (4) تداول التبغ المنصوص عليه في الفقرات السابقة أو حيازته أو نقله أو خلطه على غير ما يسمح به القانون وكذلك تداول البذور أو حيازتها أو نقلها". وإذ كان ما تقدم، وكان الحكم المطعون فيه قد نفى في غير لبس أن يكون الدخان المضبوط من النوع المستنبت أو المزروع محلياً - وهو مدار الاتهام - فلا محل إلى ما أثارته الطاعنة من أن المحكمة وقر في خاطرها أن حيازة الدخان المزروع محلياً لا جريمة فيه، لأن العبرة أولاً هي بنوع الدخان الذي ترد عليه الحيازة أو الإحراز وأنه ليس من تلك الأدخنة التي حظر الشارع حيازتها أو إحرازها بإطلاق.
2 - جرى قضاء محكمة النقض في تفسير قوانين التهريب الجمركي بعامة والقانون رقم 92 لسنة 1964 في شأن تهريب التبغ بخاصة على أنه لا تعد حيازة السلع من غير المهرب لها فاعلاً كان أو شريكاً وراء الدائرة الجمركية، تهريباً إلا إذا توافر فيما يختص بتهريب التبغ إحدى حالات التهريب الحكمي المنصوص عليها في المادة الثانية من القانون المذكور.
3 - إذا كانت المحكمة قد اطمأنت إلى شهادة المحلل الكيماوي الذي سمعته محكمة أول درجة ورأت فيها كفاء وغناء، وكانت شهادته نصاً صريحاً في نفي أن الدخان المضبوط من النوع المزروع محلياً بغير اضطراب في مساق شهادته أو خطأ، وكان الطعن في حقيقته يقوم على مسألة أساسية هي ماهية الدخان المضبوط وهل هو من النوع المزروع محلياً فتعد حيازته تهريباً، أو هو من النوع المستورد ومن ثم فلا جريمة في حيازته وراء الدائرة الجمركية من غير المهرب له، وكان قاضي الموضوع قد قطع في أصل المسألة بالاستناد إلى دليل فني يحمله، ولم يقض فيها بعمله كما قالت الطاعنة، وكانت الطاعنة إنما تنازع في كفاية هذا الدليل، فإن ذلك مما لا يثار لدى محكمة النقض.
4 - لما كان الأصل هو أن البضائع الموجودة فيما وراء الدائرة الجمركية تعتبر خالصة الرسوم الجمركية وأن مدعي خلاف ذلك هو المكلف قانوناً بإثباته، وكان الحكم المطعون فيه قد ردد هذا النظر القانوني، ورتب عليه قضاءه، فإنه يكون قد طبق القانون على واقعة الدعوى تطبيقاً صحيحاً.
5 - من المقرر أنه يكفي أن يتشكك القاضي في صحة إسناد التهمة إلى المتهم كي يقضي له بالبراءة ما دام الظاهر أنه ألم بعناصر الدعوى، إذ أن مرجع الأمر في ذلك هو ما يطمئن إليه في تقدير الدليل.
6 - إن المحكمة الاستئنافية تقضي في الأصل من واقع الأوراق، وهي لا تلزم بإجراء تحقيق إلا ما ترى لزوماً له، وكذلك هي غير ملزمة بإعادة الدعوى إلى المرافعة لإجراء المزيد من تحقيق المسألة الفنية المطروحة، إذا كانت قد وضحت لديها خصوصاً إذا كان الخصم لم يسق طلبه مساق الجازم.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة المطعون ضده بأنه في يوم 19 فبراير سنة 1966 بدائرة قسم أول المنصورة (أولاً) حاز أدخنة مهربة من الرسوم الجمركية على الوجه المبين بالمحضر (ثانياً) أنتج دخان معسل غير مطابق للشروط والمواصفات المقررة (ثالثاً) صنع أدخنة قبل إخطار مصلحة الإنتاج. وطلبت عقابه بالمواد 1، 2، 3، 4 من القانون رقم 92 لسنة 1964 و1 و2 و3 و4 و5 و6 و7 من القانون رقم 74 لسنة 1933 والقرار الملحق. وادعى مدنياً وزير الخزانة بصفته الرئيس الأعلى لمصلحة الجمارك وطلب القضاء له قبل المتهم بمبلغ 8125 ج على سبيل التعويض. ومحكمة بندر أول المنصورة الجزئية قضت حضورياً عملاً بمواد الاتهام مع تطبيق المادة 32 من قانون العقوبات بتغريم المتهم 100 ج مائة جنيه وإلزامه أن يدفع إلى المدعي بالحق المدني بصفته مبلغ 8125 ج ثمانية آلاف ومائة وخمسة وعشرين جنيهاً والمصروفات المدنية ومبلغ 500 قرش خمسمائة قرش مقابل أتعاب المحاماه. فاستأنف كل من المتهم والنيابة العامة هذا الحكم. ومحكمة المنصورة الابتدائية - بهيئة استئنافية - قضت حضورياً بقبول استئناف النيابة والمتهم شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المستأنف وبراءة المتهم مما أسند إليه ورفض الدعوى المدنية وألزمت رافعها المصاريف. فطعنت إدارة قضايا الحكومة نائبة عن المدعى المدني في هذا الحكم بطريق النقض..... إلخ.


المحكمة

حيث إن مصلحة الجمارك - المدعية بالحقوق المدنية - تنعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ قضى برفض دعواها قبل المطعون ضده تأسيساً على براءته من تهم تهريب التبغ، وإنتاج دخان معسل غير مطابق للمواصفات، وصنعه دون إخطار مصلحة الإنتاج، قد بني على الخطأ في القانون، وشابه القصور في التسبيب والفساد في الاستدلال ذلك بأن القضاء بالبراءة قد بني على سند من تشكك المحكمة في استنبات المتهم للدخان، مع أن مجرد حيازة الدخان المزروع محلياً يعتبر تهريباً في حكم المادة الثانية من القانون رقم 92 لسنة 1964 ولا يشترط أن يكون المتهم قد استنبته بنفسه. كما استدل على انتفاء واقعتي التهريب والغش بما ذكره من أن اللون الأخضر في الدخان لا يدل حتماً على أنه مزروع محلياً وهو قضاء من القاضي بعلمه في مسألة فنية بحت، كما قال بأن وجود الدخان خارج الدائرة الجمركية يستفاد منه أن الرسوم الجمركية قد سددت مع أن السداد لا يستفاد إلا من القائمة المثبتة له، وأخذ بأقوال المتهم بأن اختلاف العينة الثانية مرجعه إلى أنها أخذت من بقايا العملية السابقة رقم 19 التي ثبت من تحليلها أنها مطابقة للمواصفات وهو ما لم يقل به أحد، هذا إلى أن الحكم لم يرد على دفاع الطاعنة من أن ما ورد عرضاً في شهادة المحلل الكيماوي أمام محكمة أول درجة من أن بعض الأدخنة المستوردة لونه أخضر خطأ مادي كما يدل على ذلك سياق شهادته. وأنه يمكن الاستشهاد في إثبات أن الدخان الأخضر من الأنواع التي تزرع محلياً بمراقب معمل الدخان بالقاهرة والإسكندرية للقطع في هذه المسألة الفنية إلا أن الحكم المطعون فيه لم يرد على هذا الطلب بما ينفي لزومه و مما يعيبه بما يبطله ويستوجب نقضه.
وحيث إنه يبين من الاطلاع على الحكم الابتدائي الذي أحال إليه الحكم المطعون عليه في شأن بيان الواقعة أنه أخذت عينة من عملية التعسيل رقم 19 التي قام بها المطعون ضده في 15/ 2/ 1966 تبين من تحليلها أنها مطابقة للمواصفات ثم أخذت عينة أخرى من ذات العملية في 19/ 2/ 1966 تبين كذلك أنها مطابقة للمواصفات إلا أنها تحتوي على كمية كبيرة من الدخان الأخضر، وأنه بمقارنة هذه العينة الثانية بالعينة الأصلية المأخوذة من مشمول عملية التعسيل المذكورة تبين أنهما يختلفان من حيث نوع الدخان وطريقة الفرم ونتائج التحليل. والحكم المطعون فيه أثبت استناداً إلى دفاع المتهم المؤيد بقسائم السداد، وإلى شهادة المحلل الكيماوي الذي سمعته محكمة أول درجة أن هذا الدخان الأخضر مستورد، وأن بعض الأدخنة المستوردة لونه كذلك، وأن وقائع الدعوى ليس فيها ما يكفي لإقناع المحكمة بأن العينة أخذت من دخان خلط دون إخطار مصلحة الإنتاج، وأن المتهم قرر بأن العينة أخذت من العملية رقم 19 بذاتها وأن سبب الاختلاف بين العينتين يرجع إلى أن العينة أخذت من بقايا العملية رقم 19 التي باع الدخان الناتج عنها كله. ولما كانت المادة الثانية من القانون رقم 92 لسنة 1964 في شأن تهريب التبغ قد نصت على أنه "يعد تهريباً (1) استنبات التبغ أو زراعته محلياً (2) إدخال التبغ السوداني أو التبغ الليبي المعروف بالطرابلسي أو بذور التبغ بكافة أنواعه إلى البلاد. (3) غش التبغ أو استيراده مغشوشاً. (4) تداول التبغ المنصوص عليه في الفقرات السابقة أو حيازته أو نقله أو خلطه على غير ما يسمح به القانون، وكذلك تداول البذور أو حيازتها أو نقلها" إذ نصت على ذلك فقد دلت على أن الشارع قد حصر حالات تهريب التبغ وقصرها على الأحوال التي عددها في هذه المادة. لما كان ذلك، وكان الحكم قد نفى في غير لبس أن يكون الدخان المضبوط من النوع المستنبت أو المزروع محلياً - وهو في مواد الاتهام - فلا محل إلى ما أثارته الطاعنة من أن المحكمة وقر في خاطرها أن حيازة الدخان المزروع محلياً لا جريمة فيه، لأن العبرة أولاً هي بنوع الدخان الذي ترد عليه الحيازة أو الإحراز وأنه ليس من تلك الأدخنة التي حظر الشارع حيازتها أو إحرازها بإطلاق. ولما كان قضاء هذه المحكمة - محكمة النقض - قد جرى في تفسير قوانين التهريب الجمركي بعامه، والقانون رقم 92 لسنة 1964 في شأن تهريب التبغ بخاصة على أنه لا تعد حيازة السلعة من غير المهرب لها فاعلاً كان أو شريكاًً وراء الدائرة الجمركية تهريباً إلا إذا توافر فيما يختص بتهريب التبغ إحدى حالات التهريب الحكمي المنصوص عليها في المادة الثانية من القانون المذكور، وأن الأصل هو أن البضائع الموجودة فيما وراء الدائرة الجمركية تعتبر خالصة الرسوم الجمركية وأن مدعي خلاف ذلك هو المكلف قانوناً بإثباته وكان الحكم المطعون فيه قد ردد هذا النظر القانوني، ورتب عليه قضاءه، فإنه يكون قد طبق القانون على واقعة الدعوى تطبيقاً صحيحاً. ولما كان من المقرر أنه يكفي أن يتشكك القاضي في صحة إسناد التهمة إلى المتهم كي يقضي له بالبراءة ما دام الظاهر أنه ألم بعناصر الدعوى، إذ أن مرجع الأمر في ذلك هو ما يطمئن إليه في تقدير الدليل، وكانت المحكمة الاستئنافية إنما تقضي في الأصل من واقع الأوراق، ولا تلزم بإجراء تحقيق إلا ما ترى هي لزوماً له. وكانت كذلك غير ملزمة بإعادة الدعوى إلى المرافعة لإجراء المزيد من تحقيق المسألة الفنية المطروحة إذا كانت قد وضحت لديها، خصوصاً إذا كان الخصم لم يسق طلبه مساق الطلب الجازم - كما هو الحاصل - وكانت هي قد اطمأنت إلى شهادة المحلل الكيماوي الذي سمعته محكمة أول درجة ورأت فيها كفاء وغناء، وكانت شهادته نصاً صريحاً في نفي أن الدخان المضبوط من النوع المزروع محلياً بغير اضطراب في مساق شهادته أو خطأ لما كان ما تقدم، وكان الطعن في حقيقته يقوم على مسألة أساسية هي ماهية الدخان المضبوط وهل هو من النوع المزروع محلياً فتعد حيازته تهريباً أو هو من النوع المستورد ومن ثم فلا جريمة في حيازته وراء الدائرة الجمركية من غير المهرب له. وكان قاضي الموضوع قد قطع بحكمه في أصل هذه المسألة بالاستناد إلى دليل فني يحمله. ولم يقض فيها بعلمه كما قالت الطاعنة. وكانت الطاعنة إنما تنازع في كفاية هذا الدليل مما لا يثار لدى محكمة النقض، فإن طعنها يكون على غير أساس متعين الرفض.