أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الأول - السنة 14 - صـ 162

جلسة 5 من مارس سنة 1963

برياسة السيد/ محمد متولي عتلم نائب رئيس المحكمة وبحضور السادة المستشارين: عادل يونس، وتوفيق الخشن، وأديب نصر، وحسين السركي.

(35)
الطعن رقم 2123 لسنة 32 قضائية

تسول. تشرد. ارتباط. عقوبة.
( أ ) فعل التسول لا يترتب عليه وحده نتائج قانونية متعددة الأوصاف. اقترانه بجريمة التشرد. هما يكونان معاً جريمتين متميزتين، ولكنها مرتبطتان ببعضهما ارتباطاً لا يقبل التجزئة مما يوجب اعتبارهما معاً جريمة واحدة والحكم بالعقوبة المقررة لأشدهما. المادة 32/ 2 عقوبات.
(ب) جسامة العقوبة في حكم المادة 32 عقوبات. العبرة في ذلك هي بالنظر إلى نوعها بحسب ترتيب العقوبات الأصلية الوارد في المواد من 10 إلى 12 عقوبات.
عقوبة الوضع تحت المراقبة طبقا لأحكام المرسوم بقانون 98 لسنة 1954. هي مماثلة لعقوبة الحبس فيما يتعلق بأحكام قانون العقوبات أو أي قانون آخر. المادة 10 من المرسوم بقانون.
عقوبة التشرد أشد من العقوبة المقررة لجريمة العود للتسول. وجوب إعمالها متى تحققت شروط المادة 32 عقوبات.
(ج) الإنذار المنصوص عليه بالمادة 3/ 1 من المرسوم بقانون 98 سنة 1954 لا يعد عقوبة أصلية، بل هو من التدابير الوقائية. لا وجه لمقارنته بالعقوبات الأصلية في نطاق تطبيق المادة 32 عقوبات.
1- فعل التسول في ذاته لا يترتب عليه وحده نتائج قانونية متعددة الأوصاف بما يجعله يندرج تحت حكم التعدد المعنوي الناشئ عن النشاط الإجرامي الواحد الذي عنته الفقرة الأولى من المادة 32 عقوبات بل إنه إذا اقترن بجريمة التشرد يكونان معاً جريمتين وإن تميزت كل منهما عن الأخرى إلا أنهما يرتبطان ببعضهما البعض ارتباطاً لا يقبل التجزئة مما يوجب اعتبارهما معاً جريمة واحدة والحكم بالعقوبة المقررة لأشدهما عملاً بالفقرة الثانية من المادة 32 عقوبات.
2- العبرة في جسامة العقوبة في حكم المادة 32 عقوبات هي بالنظر إلى نوعها بحسب ترتيب العقوبات الأصلية الذي درج الشارع عليه في المواد من 10 إلى 12 من قانون العقوبات. ولما كانت العقوبة المقررة للعود للتسول هي بحسب المادة السابعة من القانون رقم 49 لسنة 1933 الحبس مدة لا تجاوز سنة، وكانت العقوبة المقررة لجريمة التشرد هي طبقاً للفقرة الأولى من المادة الثانية من المرسوم بقانون رقم 98 لسنة 1945 الوضع تحت مراقبة "البوليس" مدة لا تقل عن ستة أشهر ولا تزيد على خمس سنوات، وكانت عقوبة الوضع تحت المراقبة التي يحكم بها طبقاً لأحكام هذا المرسوم بقانون مماثلة لعقوبة الحبس فيما يتعلق بتطبيق أحكام قانون العقوبات وقانون "تحقيق الجنايات" أو أي قانون آخر طبقاً لما جرى به نص المادة العاشرة منه، ومن ثم تكون عقوبة جريمة التشرد بالمقارنة إلى العقوبة المقررة لجريمة العود للتسول هي الأشد مما يقتضى إعمالها متى تحققت شروط المادة 32.
3- الإنذار المنصوص عليه بالفقرة الأولى من المادة الثالثة من المرسوم بقانون رقم 98 لسنة 1945 لا يعد عقوبة أصلية بل هو من التدابير الوقائية التي يقصد بها حث المحكوم عليه به على الإقلاع عن حالة التشرد عن طريق تهديده بتوقيع العقاب عليه إذا تمادى في غيه وذلك بغير تقييد لحريته أو فرض أية قيود عليه، ومن ثم فلا وجه لمقارنته بالعقوبات الأصلية أو إعماله بوصفه بديلاً عن العقوبة المقررة أصلاً للجريمة في نطاق تطبيق المادة 32 عقوبات.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة المطعون ضده بأنه في يوم 7/ 12/ 1960 بدائرة بندر الفيوم: أولاً - وجد متسولاً في الطريق العام حالة كونه صحيح البنية وسبق الحكم عليه بالحبس في ثلاث جنح تسول. ثانياً - عد متشرداً بأن لم تكن له وسيلة مشروعة للتعيش حالة كون سنه تزيد على خمس عشرة سنة ميلادية. وطلبت عقابه بالمواد 1 و7 و9 من القانون رقم 49 سنة 1933 والمواد 1/ 1 و2/ 1 و4 و8 و9 و10 من المرسوم بقانون رقم 98 لسنة 1945. ومحكمة جنح بندر الفيوم قضت حضورياً بتاريخ 11 ديسمبر سنة 1960 عملاً بمواد الاتهام بحبس المتهم أسبوعين مع الشغل والنفاذ عن التهمة الأولى وبإنذاره بأن يغير من أحوال معيشته التي تجعله في حالة تشرد عن التهمة الثانية وذلك بلا مصروفات. استأنفت النيابة هذا الحكم. ومحكمة الفيوم الابتدائية - بهيئة استئنافية - قضت غيابياً بتاريخ 15/ 2/ 1961 بقبول الاستئناف شكلاً وفى الموضوع بإلغاء الحكم المستأنف وحبس المتهم أسبوعين مع الشغل عن التهمتين وذلك عملاً بمواد الاتهام مع تطبيق المادة 32/ 2 من قانون العقوبات وقد أعلن هذا الحكم للمتهم بتاريخ 27/ 4/ 1961 ولم يعارض فيه. فطعنت النيابة في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.


المحكمة

حيث إن النيابة العامة تنعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ قضى بإلغاء الحكم المستأنف وإنزال عقوبة واحدة على المطعون ضده عن جريمتي التسول والتشرد اللتين دانه بهما بالتطبيق للمادة 32 من قانون العقوبات قد أخطأ في تطبيق القانون ذلك بأن هاتين الجريمتين لم تنشأ عن فعل واحد أو تقعاً تنفيذاً لغرض واحد مما يجعلهما غير قابلتين للتجزئة وهما الحالتان اللتان تناولتهما المادة 32 وأوجبت فيهما الحكم بعقوبة الجريمة الأشد، بل إن جريمة التسول تنشأ عن فعل الاستجداء من الغير بالشروط التي أوردها القانون رقم 49 لسنة 1933 بتحريم التسول بينما تقوم جريمة التشرد في حالة عدم اتخاذ الشخص وسيلة مشروعة للتعيش كما أنه لا تلازم بين الجريمتين، مما كان يقتضى من المحكمة إنزال عقوبة مستقلة عن كل منها.
وحيث إنه يبين من الأوراق أن الدعوى الجنائية أقيمت على المطعون ضده بوصف أنه: أولاً - وجد متسولاً في الطريق العام حالة كونه صحيح البنية وسبق الحكم عليه بالحبس في ثلاث جنح تسول. ثانياً - عد متشرداً بأن لم تكن له وسيلة مشروعة للتعيش حالة كون سنه تزيد على عشرين سنة ميلادية. وطلبت النيابة العامة عقابه طبقاً للمواد 1 و7 و9 من القانون رقم 49 لسنة 1933 و1/ 1 و2/ 1 و4 و 8 و 9 و11 من المرسوم بقانون رقم 98 لسنة 1945 الخاص بالمتشردين والمشتبه فيهم. ومحكمة أول درجة قضت حضورياً - عملاً بمواد الاتهام - بحبس المتهم أسبوعين مع الشغل والنفاذ عن التهمة الأولى وبإنذاره بأن يغير من أحوال معيشته التي تجعله في حالة تشرد عن التهمة الثانية وذلك بلا مصروفات. فاستأنفت النيابة العامة، وقضى في استئنافها غيابياً بقبوله شكلاً وفى الموضوع بإلغاء الحكم المستأنف وحبس المتهم أسبوعين مع الشغل عن التهمتين وذلك بالتطبيق للفقرة الأولى من المادة 32 من قانون العقوبات. ولما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد بين واقعة الدعوى بما محصله أن شرطياً من قوة مكتب الآداب بالفيوم ضبط المطعون ضده يتسول في الطريق العام ولدى سؤاله قرر أنه فقير مسكين وأن هذه هي المرة الخامسة التي يضبط فيها وهو يتسول وتبين من الكشف عليه طبياً أنه قادر على العمل ودلت صحيفة الحالة الجنائية له على سابقة الحكم عليه ثلاث مرات لارتكابه جريمة التسول. وبعد أن أورد الحكم على ثبوت الواقعة لديه على هذا النحو أدلة مستمدة من أقوال الشاهد ومن عدم إنكار المطعون ضده التهمة خلص إلى ثبوت جريمة العود للتسول في حقه طبقاً للمادة السابعة من القانون رقم 49 لسنة 1933 استناداً إلى ما أوردته صحيفة الحالة الجنائية ثم استطرد إلى قوله: "وحيث إن الفعل الواحد الذي قارفه المتهم كون جريمة التسول وجريمة التشرد إذ التشرد ومعناه القعود عن العمل وعدم السعي لاكتساب الرزق بطريقة مشروعة والتسول صورة من صور التشرد". وبعد أن خاض الحكم في بحث الصلة بين جريمة العود للتسول وبين جريمة العود للتشرد انتهى إلى عدم تلازمهما واستبعد أعمال عقوبة الجريمة الأخيرة في حقه ثم خلص إلى قوله: "وحيث إن جريمة العود إلى التسول أشد عقوبة من جريمة التشرد ومن ثم ينبغي توقيع عقوبة الجريمة الأولى" ودانه بها عملاً بحكم الفقرة الأولى من المادة 32 من قانون العقوبات وأوقع عليه عقوبة الحبس أسبوعين مع الشغل. وما انتهى إليه الحكم المطعون فيه من إعمال حكم المادة 32 من قانون العقوبات في حق المطعون ضده يتفق في النتيجة وصحيح القانون بصرف النظر عما تردى فيه من تقريرات قانونية خاطئة في خصوص إنزال حكم الفقرة الأولى من هذه المادة بدلاً من الفقرة الثانية وفى صدد تقريره أن العقوبة المقررة لجريمة العود للتسول أشد من تلك المقررة لجريمة التشرد، ذلك بأن الأصل هو أن التشرد في حكم المادة الأولى من المرسوم بقانون رقم 98 لسنة 1954 هو حالة واقعية تثبت للشخص كلما وجد مادياً بحالة ظاهرة للحس والعيان في وضع يستدل منه على انتفاء الوسيلة المشروعة للتعيش وتتحقق بقعود الشخص عن العمل اختياراً وانصراف رغبته عن أبواب السعي الجائز لاكتساب الرزق أو باحترافه وسيلة غير مشروعة للتعيش - مع انتفاء أي مورد مالي مشروع يفي بحاجياته الضرورية في الحالين كلتيهما - فهو حالة توجد وتنقطع بوجود موجبها المادي وانقطاعه، وكلما وجدت تحتم بطبيعة الحال على حفظه الأمن إثباتها توصلاً إلى إقلاع مرتكبها عنها تحقيقاً لمراد الشارع من تجريمها وهو مكافحة هذه الآفة الاجتماعية عن طريق دفع الفرد إلى العمل الشريف وعدم ركونه إلى التبطل الاختياري وهو بغير مورد شريف للتكسب. وإذ ما كان التسول يعد في ذاته وسيلة غير مشروعة للتعيش فضلاً عن أنه جريمة يعاقب عليها القانون، فان تعاطي هذه الوسيلة المحرمة واتخاذها مورداً للرزق تثبت به حالة التشرد. غير أن هذه الجريمة في صورتها القائمة على التعويل في كسب الرزق على التسول لا تتم من مجرد ضبط الشخص وهو يرتكب فعل الاستجداء من الغير الذي يكون جريمة التسول بل أنها تستلزم - بالإضافة إلى توافر شرطي السن والجنس الذي يتطلبه القانون فيمن يوجد في هذه الحالة - أن تنصرف إرادة الجاني إلى احتراف تلك المهنة غير المشروعة وممارستها بالفعل على وجه يتحقق به هذا المعنى. ومؤدى ما تقدم أن فعل التسول في ذاته لا يترتب عليه وحده نتائج قانونية متعددة الأوصاف بما يجعله يندرج تحت حكم التعدد المعنوي الناشئ عن النشاط الإجرامي الواحد الذي عنته الفقرة الأولى من المادة 32 من قانون العقوبات - كما ذهب إلى ذلك خطأ الحكم المطعون فيه - بل انه إذا اقترن بجريمة التشرد في نطاق الفهم سالف البيان يكونان معاً جريمتين وإن تميزت كل منهما عن الأخرى إلا أنهما يرتبطان ببعضهما البعض ارتباطاً لا يقبل التجزئة مما يوجب اعتبارهما معاً جريمة واحدة والحكم بالعقوبة المقررة لأشدهما عملاً بالفقرة الثانية من المادة 32. لما كان ذلك، وكان ما انتهى إليه الحكم من أن العقوبة المقررة لجريمة العود إلى التسول أشد من تلك المقررة لجريمة التشرد يجافى التطبيق الصحيح للقانون، ذلك بأن العبرة في جسامة العقوبة في حكم المادة 32، هي بالنظر إلى نوعها بحسب ترتيب العقوبات الأصلية الذي درج الشارع عليه في المواد من 10 إلى 12 من قانون العقوبات. ولما كانت العقوبة المقررة للعود للتسول هي بحسب المادة السابعة من القانون رقم 49 لسنة 1933 الحبس مدة لا تجاوز سنة، وكانت العقوبة المقررة لجريمة التشرد هي طبقاً للفقرة الأولى من المادة الثانية من المرسوم بقانون رقم 98 لسنة 1945 الوضع تحت مراقبة "البوليس" مدة لا تقل عن ستة أشهر ولا تزيد على خمس سنوات، وكانت عقوبة الوضع تحت المراقبة التي يحكم بها طبقاً لأحكام هذا المرسوم بقانون مماثلة لعقوبة الحبس فيما يتعلق بتطبيق أحكام قانون العقوبات وقانون "تحقيق الجنايات" أو أي قانون آخر طبقاً لما جرى به نص المادة العاشرة منه، ومن ثم تكون عقوبة جريمة التشرد بالمقارنة إلى العقوبة المقررة لجريمة العود للتسول هي الأشد مما كان يقتضى إعمالها متى تحققت شروط المادة 32. ولا يقدح في هذا النظر أن الفقرة الأولى من المادة الثالثة من المرسوم بقانون رقم 98 لسنة 1945 قد خولت القاضي بدلاً من توقيع العقوبة المنصوص عليها في الفقرة الأولى من المادة الثانية منه أن يصدر حكماً غير قابل للطعن بإنذار المتشرد بأن يغير أحوال معيشته التي تجعله في حالة تشرد، ذلك بأن إجراء المقارنة بين العقوبات لاختيار أشدها مقصور على العقوبات الأصلية وحدها. ولما كان الإنذار المنصوص عليه في المادة الثالثة سالفة الذكر لا يعد عقوبة أصلية بل هو من قبيل التدابير الوقائية التي يقصد بها حث المحكوم عليه به على الإقلاع من حالة التشرد عن طريق تهديده بتوقيع العقاب عليه إذا تمادى في غيه وذلك بغير تقييد لحريته أو فرض أية قيود عليه ومن ثم فلا وجه لمقارنته بالعقوبات الأصلية أو إعماله بوصفه بديلاً عن العقوبة المقررة أصلاً للجريمة في نطاق تطبيق المادة 32 من قانون العقوبات. لما كان ذلك، وكان هذا الخطأ القانوني - الذي يتسع له وجه الطعن - يقتضى تصحيحه بإنزال حكم القانون الصحيح على الواقعة، غير أنه لما كان الحكم المطعون فيه لم يعرض لجريمة التشرد من حيث توافر أركانها في حق المطعون ضده ولم يحل في شأنها إلى الحكم الابتدائي الذي تناولها، بل اقتصر على بحث جريمة العود للتسول الأمر الذي يعجز محكمة النقض عن مراقبة سلامة تطبيق القانون على الواقعة كما صار إثباتها في الحكم مما يقتضى أن يكون مع نقض الحكم الإحالة.