أحكام المحكمة الدستورية العليا - الجزء الثامن
من أول يوليو 1996 حتى آخر يونيو 1998 - صـ 1218

جلسة 7 مارس 1998

برئاسة السيد المستشار الدكتور/ عوض محمد عوض المر - رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: محمد ولي الدين جلال ونهاد عبد الحميد خلاف وفاروق عبد الرحيم غنيم وحمدي محمد علي وعبد الرحمن نصير وعدلي محمود منصور، وحضور السيد المستشار الدكتور/ حنفي علي جبالي - رئيس هيئة المفوضين، وحضور السيد/ حمدي أنور صابر - أمين السر.

قاعدة رقم (89)
القضية رقم 121 لسنة 18 قضائية "دستورية"

1 - اختصاص محكمة الإفلاس "تحقيق ديون".
اختصاص هذه المحكمة بالفصل في كل نزاع يدور حول جدية الديون التي يُدَّعَى بأن المدين توقف عن دفعها بعد حلول أجلها، وكذلك بالتحقق من صحتها.
2 - دستور - حق الدفاع - خصومة قضائية.
حق الدفاع المقرر بنص المادة 69 من الدستور وثيق الصلة بالخصومة القضائية في كل جوانبها.
3 - خصومة الإفلاس "تزوير".
الطعن من جانب المدين التاجر بتزوير سند الدين فرع من خصومة الإفلاس الأصلية - اختصاص محكمة الإفلاس بالتحقيق فيه.
4 - نصوص قانونية "دستوريتها".
مرد اتفاق النصوص القانونية المطعون عليها مع الدستور أو خروجها عليه هو إلى الضوابط التي فرضها على الأعمال التشريعية جميعها.
5 - سوء استعمال السلطة "عيب قصدي".
سوء استعمال السلطة التشريعية لوظائفها عيب قصدي يلزم إثباته.
6 - دستور - مبدأ تكافؤ الفرص - تشريع (المادة 195 من قانون التجارة).
الفرص التي يعنيها نص المادة 8 من الدستور هي تلك التي تتعهد الدولة بتقديمها متوخية فض التزاحم عليها بين من يطلبونها من خلال شروط موضوعية يتم على ضوئها تحديد الأجدر بالحصول عليها - نص المادة 195 المشار إليه لا شأن له بمثل هذه الفرص.
7 - دستور "مساواة المواطنين أمام القانون" - تشريع "المادة 195 من قانون التجارة".
مساواة المواطنين أمام القانون تفترض وحدة القاعدة القانونية التي ضبط بها المشرع المراكز القانونية المتماثلة - عدم انطواء النص المشار إليه على تمييز غير مبرر بين المدينين في خصومة الإفلاس.
1 - اختصاص محكمة الإفلاس بالفصل في شروطه الموضوعية - ويندرج تحتها أن يكون المدين التاجر متوقفاً عن إيفاء ديونه التي حل ميعاد استحقاقها - يخولها تقدير كل نزاع يتعلق بثبوتها، سواء بإنكار نشوئها صحيحة من مصادرها المعتبرة قانوناً؛ أو بإدعاء أن وجودها لا زال متراخياً إلى أجل أو معلقاً على وقوع شرط؛ أو بأن مصيرها قد آل إلى زوال تبعاً لانقضائها. وإلى عقيدتها يعود أمر اطمئنانها إلى حقيقة النزاع حول الديون المدعى استحقاقها، وما إذا كان جاداً قائماً على سند أو مفتعلاً. وحسبها أن يكون حكمها في ذلك محمولاً على دعائم يستقيم بها؛ وموافقاً للقانون في النتائج التي استخلصها. وعليها أن تفصل كذلك فيما إذا كان تراخي المدين في إيفاء الديون التي قام الدليل لديها على ثبوتها واستحقاقها، لا زال قائماً عند الفصل في طلب الإفلاس، أم صار منتهياً بعد أن بادر إلى تسويتها.
وذلك مؤداه أن محكمة الإفلاس لا يسعها التخلي عن ولايتها التي تقتضيها التحقق من صحة الديون التي يُدَّعَى بأن المدين التاجر صار متوقفاً عن دفعها بعد حلول أجلها. وعليها بالتالي أن تفصل في كل نزاع يدور حول جديتها، وإلا كان حكمها مشوباً بالقصور.
2 - حق الدفاع المقرر بنص المادة 69 من الدستور، وثيق الصلة بالخصومة القضائية من زاوية تجلية جوانبها، وتصحيح إجراءاتها ومتابعتها، وعرض المسائل الواقعية والقانونية التي تتصل بموضوعها، ودحض ما يناهضها توكيداً لوجه الحق فيما يكون هاماً من نقاطها، وعلى الأخص من خلال المفاضلة بين بدائل متعددة تعتبر جميعها من وسائل الدفاع، وإن كان بعضها أعمق اتصالاً بموضوع الخصومة القضائية، وأرجحها احتمالاً في مجال كسبها.
3 - إن خصومة الإفلاس، هي الخصومة الأصلية التي يتحدد موضوعها على ضوء عجز المدين عن إيفاء ديون حل ميعاد استحقاقها، فلا يكون الحكم باعتباره مفلساً منفصلاً عن ثبوتها، وبافتراض أن صحتها غير متنازع عليها. فإذا كان المدين التاجر قد جحدها من خلال الطعن على مستنداتها بالتزوير؛ كان هذا الطعن من أوجه الدفاع التي تؤثر في الخصومة الأصلية، والتي لا يجوز لمحكمة الإفلاس أن تتجنبها باعتباره متصلاً بتوافر الشروط الموضوعية لشهره، وهي شروط يقتضيها قانون التجارة، وعليها أن تحققها فصلاً في خصومة الإفلاس ذاتها التي يجهضها أن تكون الديون المرفوعة بها، مفتقرة إلى حجيتها؛ بما مؤداه أن إعمالها لرقابتها الموضوعية في شأن توافر شروط الإفلاس يلزمها بأن تفصل في كل نزاع يثير شكوكاً جادة حولها، وعلى تقدير أن الطعن بتزوير سند الدين محل التداعي، فرع من خصومة الإفلاس الأصلية، فلا ينفصل عنها.
4 - إن الفصل في دستورية النصوص القانونية المدعى مخالفتها للدستور، لا يتصل بكيفية تطبيقها عملاً؛ ولا بالصورة التي فهمها بها القائمون على تنفيذها؛ وإنما مرد اتفاقها مع الدستور أو خروجها عليه، إلى الضوابط التي فرضها على الأعمال التشريعية جميعها.
5 - إن سوء استعمال السلطة التشريعية لوظائفها، ليس بمبدأ يفترض في عملها، بل يعتبر مثلباً احتياطياً، وعيباً قصدياً يتعين أن يكون الدليل عليه واشياً بتنكبها الأغراض المقصودة من تأسيسها؛ واستتارها بالتالي وراء سلطتها في مجال تنظيم الحقوق، لتصرفها إلى غير وجهتها، فلا يكون عملها إلا انحرافاً عنها.
6 - إن الفرص التي يعنيها نص المادة 8 من الدستور، هي تلك التي تتعهد الدولة بتقديمها، متوخية - من خلال الشروط الموضوعية التي تنظمها - فض التزاحم عليها بين من يطلبونها؛ وترتيبهم فيما بينهم على ضوء شروط استحقاقها التي تحدد أجدرهم بالحصول عليها. ويفترض ذلك أن تكون هذه الفرص محدود عددها، وأن من تسابقوا لنيلها يربونها. ولا كذلك نص المادة 195 المطعون عليها التي لا شأن لها بمثل هذه الفرص، وإنما يقتصر مضمونها على بيان الشروط الموضوعية التي يكون بها المدين التاجر مفلساً.
7 - مساواة المواطنين أمام القانون وفقاً لنص المادة 40 من الدستور تفترض وحدة القاعدة القانونية التي ضبط بها المشرع المراكز القانونية التي تتماثل في العناصر التي تكونها. ولا يقيم النص المطعون فيه بين المدينين في خصومة الإفلاس تمييزاً غير مبرر، سواء في نطاق القواعد الإجرائية أو الموضوعية التي تنظمها؛ أو على ضوء ضمانة الدفاع التي يكفلها الدستور للحقوق التي يدعونها.


الإجراءات

بتاريخ 29 أكتوبر سنة 1996، أودع المدعي صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة، طالباً الحكم بعدم دستورية نص المادة 195 من قانون التجارة فيما تضمنه من غل يد محكمة الإفلاس عن تحقيق الطعن بالتزوير.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع - على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - تتحصل في أن المدعى عليها الثالثة - نادية عباس راشد - كانت قد أقامت أمام محكمة إفلاس أسيوط دعواها رقم 165 لسنة 1995 ضد المدعي، طالبة الحكم بصفة مستعجلة بوضع الأختام على محله التجاري وأمواله ومخازنه، ومنعه من مغادرة البلاد مع التحفظ عليه في مكان أمين، وفي الموضوع الحكم بإشهار إفلاسه، واعتباره متوقفاً عن الدفع في 8/ 7/ 1995 مع تعيين أحد قضاة المحكمة مأموراً للتفليسة.
وأثناء تداول دعواها هذه، قررت المحكمة أن تضم لها دعاوى أخرى رفعتها المدعية ضد خصمها، هي الدعاوى أرقام 166 و168 و169 و170 لسنة 1995، وكذلك الدعويين رقمي 74 و75 لسنة 1996.
وقد قرر المدعي - في الدعوى الراهنة - وأثناء نظر الدعوى الموضوعية وغيرها مما ضم إليها. وجميعها مرفوعة ضده من السيدة نادية عباس راشد، أن سنداتها المثبتة للديون التي تدعيها مزورة ومدخولة عليه، وأنه أقام ضدها الدعوى رقم 626 لسنة 1996 مدني كلي أسيوط بطلب الحكم بردها وبطلانها مع وقف دعاوى المدعية إلى أن تفصل المحكمة في طلب الرد والبطلان، إلا أنها لم تستجب لطلبه، ورفضت كذلك التصريح له بالتقرير بالطعن بالتزوير أمام محكمة الإفلاس مما حمل المدعي على الطعن بعدم دستورية نص المادة 195 من قانون التجارة فيما تضمنه من غل يد محكمة الإفلاس عن تحقيق الطعن بالتزوير. وإذ قدرت المحكمة جدية الدفع، وصرحت له بالطعن بعدم الدستورية، فقد أقام الدعوى الماثلة.
وحيث إن المادة 195 من قانون التجارة تقضي بأن "كل تاجر وقف عن دفع ديونه، ويعتبر في حالة إفلاس، ويلزم إشهار إفلاسه بحكم يصدر بذلك".
وحيث إن المدعي ينعي على النص المطعون فيه، مخالفته أحكام المواد 8 و40 و68 و69 من الدستور على أوجه متعددة: أولها: أن الأصل في كل دين يقتضي شهر الإفلاس، أن يكون تجارياً، حال الأداء، معلوم المقدار، وخالياً من النزاع، وعلى محكمة الموضوع عند فصلها في طلب شهر الإفلاس، أن تحقق هذه الشروط جميعها، وأن تقدر ما إذا كان النزاع حول تخلفها جدياً، على أن تقيم قضاءها في ذلك على أسباب سائغة تكفي لحمله.
ثانيتها: أن الطعن بالتزوير أمام محكمة الإفلاس يمثل نزاعاً في الدين يتصل بصحته واستحقاقه. بيد أن قضاة الإفلاس مختلفون فيما بينهم في شأن قبول الطعن بالتزوير أمام محكمة الإفلاس، فمنهم من يقدره من ظاهر الأوراق، ومنهم من يرفض قبول هذا الطعن، وإن أجازه آخرون، وتتعلل المحاكم جميعها بغل يدها تشريعياً عن تحقيق الطعن بالتزوير، وهو ما يخل بحق الدفاع كضمانة مبدئية كفلها الدستور لصون الحق والحرية، ولضمان إجراء محاكمة منصفه تقتضيها موازين العدل بين المواطنين، وتصون تساويهم أمام القانون.
ثالثها: أن الدعوى التي يقيمها المدين برد وبطلان سند الدين، استقلالاً عن خصومة الإفلاس ذاتها، لازمها أن تتربص محكمة الإفلاس الحكم الصادر في دعواه هذه، وأن تتقيد بهذا الحكم بعد صدوره، ولكنها لا تفعل، مما يمثل انحرافاً من السلطة التشريعية في مباشرتها لاختصاصها المنصوص عليه في المادة 86 من الدستور.
رابعها: أن محكمة الإفلاس - إذا ما طعن أمامها في سند الدين بالتزوير - يكفيها أن تقول كلمتها من ظاهر الأوراق، ولا يلزمها النص المطعون فيه بالرجوع إلى أهل الخبرة.
وحيث إن من المقرر أن الإفلاس طريق للتنفيذ الجماعي على أموال المدين التاجر، إذا قضي باعتباره متوقفاً عن سداد ديونه التجارية في مواعيد استحقاقها، بما يزعزع ائتمانه، ويعرض حقوق دائنيه لخطر محقق، أو لنذر تتهددها بالضياع.
وليس الإفلاس المشهر إلا حالة لا تتجزأ تقوم بالتاجر المفلس تبعاً للحكم الصادر بها، ليكون سارياً في شأن الدائنين جميعاً، ولو لم يكونوا أطرافاً في خصومة الإفلاس، منصرفاً إلى ذمة التاجر بأكملها، ومنشئاً لمركز جديد من أثره غل يد التاجر المفلس، فلا يدير الأموال التي يملكها، أو يباشر تصرفاً في شأنها، توقياً لتهريبها أو إتلافها أو اختلاسها، إضراراً بدائنيه، وصوناً لجوهر مصالحهم التي ينافيها تزاحمهم فيما بينهم من خلال التسابق لتحصيل حقوقهم التي لا يكفلها إلا حشدهم في جماعة واحدة، توحد جهودهم، وتقيم فيما بينهم - وما لم يكن لأيهم أفضلية على غيره وفقاً للقانون - مساواة يتقاسمون على ضوئها أموال المدين غارمين، فلا تكون حقاً لبعضهم من دون الآخرين، بل تباع لحسابهم أجمعين، وتوزع عليهم حصيلتها كل بنسبة دينه.
وحيث إن من المقرر أن شهر إفلاس التاجر لا يجوز قانوناً كلما كان مثابراً على الوفاء بديونه في مواعيد استحقاقها passif exigible، ولو كان معسراً، فإذا عجز عن إيفائها - كلها أو بعضها - عند حلول أجلها، جاز تفليسه ولو كان موسراً دالاً بمطله على انهيار الثقة فيه. بما مؤداه أنه سواء أكان المدين معسراً أو موسراً، فإن واقعة توقفه عن إيفاء ديونه في مواعيد استحقاقها، هي التي يعتد بها في شهر إفلاسه، وعلى الأخص كلما كان سببها غير عارض، بل منبئاً عن حالة مالية اتصل اضطرابها، وتزعزع معها ائتمان التاجر.
والأصل أن يتعلق شهر الإفلاس بدين يكون تجارياً، حالاً، ومحققاً، وخالياً من النزاع؛ وأن يدل الحكم الصادر به على أن ديون التاجر غير المتنازع عليها، هي التي نكل عن إيفائها في مواعيد استحقاقها ليهضمها؛ فلا يحصل دائنوه على مبالغها التي يواجهون بها ما عليهم من الديون لآخرين، مما ينال من استقرار معاملاتهم التجارية ويصيبها بصدع خطير؛ قد تفوق الأضرار التي يحدثها تلك التي تنجم عن ضياع حقوقهم بصفة نهائية.
وحيث إن اختصاص محكمة الإفلاس بالفصل في شروطه الموضوعية - ويندرج تحتها أن يكون المدين التاجر متوقفاً عن إيفاء ديونه التي حل ميعاد استحقاقها - يخولها تقدير كل نزاع يتعلق بثبوتها، سواء بإنكار نشوئها صحيحة من مصادرها المعتبرة قانوناً؛ أو بإدعاء أن وجودها لا زال متراخياً إلى أجل أو معلقاً على وقوع شرط؛ أو بأن مصيرها قد آل إلى زوال تبعاً لانقضائها. وإلى عقيدتها يعود أمر اطمئنانها إلى حقيقة النزاع حول الديون المدعى استحقاقها، وما إذا كان جاداً قائماً على سند أو مفتعلاً. وحسبها أن يكون حكمها في ذلك محمولاً على دعائم يستقيم بها؛ وموافقاً للقانون في النتائج التي استخلصها. وعليها أن تفصل كذلك فيما إذا كان تراخي المدين في إيفاء الديون التي قام الدليل لديها على ثبوتها واستحقاقها، لا زال قائماً عند الفصل في طلب الإفلاس، أم صار منتهياً بعد أن بادر إلى تسويتها.
وحيث إن ذلك مؤداه أن محكمة الإفلاس لا يسعها التخلي عن ولايتها التي تقتضيها التحقق من صحة الديون التي يُدَّعَى بأن المدين التاجر صار متوقفاً عن دفعها بعد حلول أجلها. وعليها بالتالي أن تفصل في كل نزاع يدور حول جديتها، وإلا كان حكمها مشوباً بالقصور.
وحيث إن حق الدفاع المقرر بنص المادة 69 من الدستور، وثيق الصلة بالخصومة القضائية من زاوية تجلية جوانبها، وتصحيح إجراءاتها ومتابعتها، وعرض المسائل الواقعية والقانونية التي تتصل بموضوعها، ودحض ما يناهضها توكيداً لوجه الحق فيما يكون هاماً من نقاطها، وعلى الأخص من خلال المفاضلة بين بدائل متعددة تعتبر جميعها من وسائل الدفاع، وإن كان بعضها أعمق اتصالاً بموضوع الخصومة القضائية، وأرجحها احتمالاً في مجال كسبها.
وحيث إن خصومة الإفلاس، هي الخصومة الأصلية التي يتحدد موضوعها على ضوء عجز المدين عن إيفاء ديون حل ميعاد استحقاقها، فلا يكون الحكم باعتباره مفلساً منفصلاً عن ثبوتها، وبافتراض أن صحتها غير متنازع عليها. فإذا كان المدين التاجر قد جحدها من خلال الطعن على مستنداتها بالتزوير؛ كان هذا الطعن من أوجه الدفاع التي تؤثر في الخصومة الأصلية، والتي لا يجوز لمحكمة الإفلاس أن تتجنبها باعتباره متصلاً بتوافر الشروط الموضوعية لشهره، وهي شروط يقتضيها قانون التجارة، وعليها أن تحققها فصلاً في خصومة الإفلاس ذاتها التي يجهضها أن تكون الديون المرفوعة بها، مفتقرة إلى حجيتها؛ بما مؤداه أن إعمالها لرقابتها الموضوعية في شأن توافر شروط الإفلاس، يلزمها بأن تفصل في كل نزاع يثير شكوكاً جادة حولها، وعلى تقدير أن الطعن بتزوير سند الدين محل التداعي، فرع من خصومة الإفلاس الأصلية، فلا ينفصل عنها.
وحيث إن ما ينعاه المدعي كذلك من أن قضاة الإفلاس لا يتربصون الحكم برد وبطلان سند الدين المطعون بتزويره، ولا يتقيدون بهذا الحكم بعد صدوره مما يمثل انحرافاً من السلطة التشريعية في استعمال سلطتها، مردود أولاً: بأن الفصل في دستورية النصوص القانونية المدعى مخالفتها للدستور، لا يتصل بكيفية تطبيقها عملاً؛ ولا بالصورة التي فهمها بها القائمون على تنفيذها؛ وإنما مرد اتفاقها مع الدستور أو خروجها عليه، إلى الضوابط التي فرضها على الأعمال التشريعية جميعها.
ومردود ثانياً: بأن سوء استعمال السلطة التشريعية لوظائفها، ليس بمبدأ يفترض في عملها، بل يعتبر مثلباً احتياطياً، وعيباً قصدياً يتعين أن يكون الدليل عليه واشياً بتنكبها الأغراض المقصودة من تأسيسها؛ واستتارها بالتالي وراء سلطتها في مجال تنظيم الحقوق، لتصرفها إلى غير وجهتها، فلا يكون عملها إلا انحرافاً عنها.
وحيث إن ما ينعاه المدعي من مخالفة نص المادة 195 من قانون التجارة لمبدأ تكافؤ المواطنين في فرصهم وتساويهم أمام القانون، مردود أولاً: بأن الفرص التي يعنيها نص المادة 8 من الدستور، هي تلك التي تتعهد الدولة بتقديمها، متوخية - من خلال الشروط الموضوعية التي تنظمها - فض التزاحم عليها بين من يطلبونها؛ وترتيبهم فيما بينهم على ضوء شروط استحقاقها التي تحدد أجدرهم بالحصول عليها. ويفترض ذلك أن تكون هذه الفرص محدود عددها، وأن من تسابقوا لنيلها يربونها. ولا كذلك نص المادة 195 المطعون عليها التي لا شأن لها بمثل هذه الفرص، وإنما يقتصر مضمونها على بيان الشروط الموضوعية التي يكون بها المدين التاجر مفلساً.
ومردود ثانياً: بأن مساواة المواطنين أمام القانون وفقاً لنص المادة 40 من الدستور، تفترض وحدة القاعدة القانونية التي ضبط بها المشرع المراكز القانونية التي تتماثل في العناصر التي تكونها. ولا يقيم النص المطعون فيه بين المدينين في خصومة الإفلاس تمييزاً غير مبرر، سواء في نطاق القواعد الإجرائية أو الموضوعية التي تنظمها؛ أو على ضوء ضمانة الدفاع التي يكفلها الدستور للحقوق التي يدعونها.
وحيث إنه متى كان ذلك، وكان نص المادة 195 من قانون التجارة؛ لا يحول دون مباشرة محكمة الإفلاس لرقابتها التي تستظهر بها ما إذا كان النزاع حول تزوير سند الدين جدياً ومنتجاً في الخصومة الأصلية، أو مقحماً عليها متوخياً تعطيلها؛ فإن ما ينعاه المدعي من انطواء نص المادة 195 المشار إليها على غل يد محكمة الإفلاس عن تحقيق الطعن بالتزوير، يكون لغواً تنتفي به مصلحته الشخصية المباشرة في الخصومة الدستورية التي أقامها، فلا يجوز قبولها.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بعدم قبول الدعوى، وبمصادرة الكفالة، وألزمت المدعي المصروفات ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة