أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثالث - السنة 20 - صـ 1097

جلسة 20 من أكتوبر سنة 1969

برياسة السيد المستشار/ محمد عبد الوهاب خليل، نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين. نصر الدين عزام، وسعد الدين عطية، والدكتور أحمد محمد إبراهيم، والدكتور محمد محمد حسنين.

(215)
الطعن رقم 833 لسنة 39 القضائية

( أ ) دخان. تبغ. تهريب جمركي. قانون. "تفسيره".
حصر المادة الثانية من القانون 92 لسنة 1964 حالات تهريب التبغ.
(ب، ج) حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب". إثبات. "إثبات بوجه عام".
"خبرة". "محكمة الموضوع". "سلطتها في تقدير الدليل". دعوى جنائية. دعوى مدنية. دخان.
(ب) كفاية الشك في إسناد التهمة للقضاء بالبراءة ورفض الدعوى المدنية. ما دام أن المحكمة محصت الدعوى وأحاطت بظروفها، أو داخلتها الريبة في عناصر الإثبات.
(ج) ثبوت أن نسبة خلط الدخان في الحدود المقررة، وخلو الأوراق مما يفيد استنبات الدخان المضبوط أو زراعته محلياً. القضاء ببراءة المتهم ورفض الدعوى المدنية قبله. صحيح. لا ينال منه كون الدخان أخضر إذ كونه كذلك لا يفيد أنه مستنبت أو مزروع محلياً.
قضاء القاضي بأن كون الدخان أخضر لا يفيد أنه مزروع أو مستنبت محلياً. ليس قضاء في مسألة فنية بحت.
(د) محكمة استئنافية. حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب". إثبات. "إثبات بوجه عام". دعوى جنائية. دعوى مدنية.
عدم التزام المحكمة الاستئنافية عند القضاء بالبراءة ورفض الدعوى المدنية بالرد على كل دليل من أدلة الاتهام. ما دام قضاؤها سائغاً.
1 - إن نص المادة الثانية من القانون رقم 92 لسنة 1964 في شأن تهريب التبغ يدل على أن الشارع قد حصر حالات تهريب التبغ وقصرها على الأحوال التي عددها في هذه المادة [(1)].
2 - يكفي في المحاكمات الجنائية أن تتشكك محكمة الموضوع في صحة إسناد التهمة إلى المتهم، لكي تقضي له بالبراءة ورفض الدعوى المدنية، إذ مرجع الأمر في ذلك إلى ما تطمئن إليه في تقدير الدليل ما دام حكمها يشتمل على ما يفيد أنها محصت الدعوى وأحاطت بظروفها وبأدلة الثبوت التي قام عليها الاتهام ووازنت بينها وبين أدلة النفي فرجحت دفاع المتهم أو داخلتها الريبة في صحة عناصر الإثبات.
3 - إذا كان الحكم الابتدائي الذي أحال إليه الحكم المطعون فيه في بيان واقعة الدعوى، قد أورد أن نتيجة تحليل عينات الدخان التي أخذت من مصنع المطعون ضده أثبتت أن نسب الخلط بها في حدود ما نص عليه القرار الوزاري وإن كانت تحتوي على دخان أخضر , وهو ما لا ينازع فيه الطاعن، وكانت المحكمة قد خلصت بعد تمحيصها لواقعة الدعوى إلى أن الأوراق قد خلت مما يفيد استنبات الدخان المضبوط أو زراعته محلياً، وأن اللون الأخضر لا يفيد بذاته أنه مستنبت أو زرع محلياً، وهو تدليل سائغ يستقيم به قضاء الحكم ولا ينطوي على قضاء من القاضي في مسألة فنية يتعين الرجوع فيها إلى أهل الخبرة ولا يتعارض مع تقرير التحليل المقدم في الدعوى.
4 - من المقرر أنه متى كونت المحكمة الاستئنافية عقيدتها ببراءة المتهم ورفض الدعوى المدنية بعد الحكم ابتدائياً، فليس عليها بعد أن اقتنعت بذلك أن تلتزم بالرد على كل دليل من أدلة الاتهام ما دام قضاؤها قد بني على أساس سليم.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة المطعون ضده بأنه في يوم 10 فبراير سنة 1966 بدائرة بندر المنصورة محافظة الدقهلية: حاز أدخنة مهربة من الرسوم الجمركية على النحو المبين بالمحضر. وطلبت عقابه بالمواد 1 و2 و4 من القانون رقم 74 لسنة 1933 و1 و2 و4 و5 و10 و12 من القانون رقم 91 لسنة 1933 والقانون رقم 87 لسنة 1948 و1 و2 و3 من القانون رقم 92 لسنة 1964. وادعى السيد وزير الخزانة بصفته الرئيس الأعلى لمصلحة الجمارك مدنياً بمبلغ خمسة عشر ألفاً واثنين وتسعين جنيهاً قبل المتهم. ومحكمة بندر المنصورة الجزئية قضت حضورياً بتاريخ 17 فبراير سنة 1968 عملاً بمواد الاتهام بتغريم المتهم مائة جنيه وإلزامه أن يدفع للمدعي المدني بصفته مبلغ 15092 ج والمصاريف المدنية وخمسمائة قرش مقابل أتعاب المحاماه. فاستأنفت النيابة هذا الحكم كما استأنفه المتهم. ومحكمة المنصورة الابتدائية (بهيئة استئنافية) قضت حضورياً بقبول الاستئنافين شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المستأنف وبراءة المتهم مما أسند إليه ورفض الدعوى المدنية وألزمت رافعها المصاريف بلا مصاريف جنائية. فطعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.


المحكمة

حيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ قضى ببراءة المطعون ضده من تهمة حيازته دخاناً مهرباً من الرسوم الجمركية وبرفضه الدعوى المدنية قبله، قد جاء مشوباً بالخطأ في القانون والفساد في الاستدلال والقصور في التسبيب، ذلك بأن الحكم تشكك في واقعة استنبات المطعون ضده للدخان المضبوط وعول على ذلك في القضاء ببراءته ورفض الدعوى المدنية مع أنه يكفي لتوافر التهريب حيازة أي نوع من أنواع الدخان المنصوص عليها في المادة 2 من القانون رقم 92 لسنة 1964، فضلاً عن قيام المطعون ضده بتعسيله لإخفاء اللون الأخضر الثابت للدخان المزروع محلياً، وقد ذهب الحكم إلى أن اللون الأخضر يعتبر بذاته دليلاً على التهريب وهو ما ينطوي على فساد في الاستدلال وقضاء من القاضي في مسألة فنية - كما لم يرد الحكم على دفاع الطاعن المؤيد بالتحليل الكيماوي القاطع بأن الدخان الأخضر مزروع محلياً وأن الدخان المستورد يمر بعمليات تزيل منه الاخضرار، ولم يرفع الحكم التعارض بين الدليل القولي والدليل الفني، كما لم يوازن بين أدلة الإثبات وأدلة النفي قبل الحكم بالبراءة، وفي ذلك ما يعيبه ويستوجب نقضه.
ومن حيث إن النيابة العامة اتهمت المطعون ضده بأنه حاز أدخنة مهربة من الرسوم الجمركية وادعى الطاعن مدنياً قبله بمبلغ 15092 ج وقضى الحكم المطعون فيه ببراءة المطعون ضده ورفض الدعوى المدنية استناداً إلى أن أوراق الدعوى قد خلت مما يفيد استنبات الدخان المضبوط أو زراعته محلياً، فإذا كان كل ما هو ثابت في الدعوى أن الدخان المضبوط أخضر اللون وكان هذا الاخضرار لا يفيد بذاته أنه مستنبت أو زرع محلياً مما ترى معه هذه المحكمة أن الواقعة المسندة إلى المتهم على غير أساس من الواقع والقانون. لما كان ذلك، وكانت المادة الثانية من القانون رقم 92 لسنة 1964 في شأن تهريب التبغ قد نصت على أنه "يعتبر تهريباً (1) استنبات التبغ أو زراعته محلياً (2) إدخال التبغ السوداني أو التبغ الليبي المعروف بالطرابلسي أو بذور التبغ بكافة أنواعه إلى البلاد (3) غش التبغ أو استيراده مغشوشاً (4) تداول التبغ المنصوص عليه في الفقرات السابقة أو حيازته أو نقله أو خلطه على غير ما يسمح به القانون وكذلك تداول البذور أو حيازتها أو نقلها" فقد دلت على أن الشارع قد حصر حالات تهريب التبغ وقصرها على الأحوال التي عددها في هذه المادة. لما كان ذلك، وكان يكفي في المحاكمات الجنائية أن تتشكك محكمة الموضوع في صحة إسناد التهمة إلى المتهم لكي تقضي له بالبراءة وبرفض الدعوى المدنية إذ مرجع الأمر في ذلك إلى ما تطمئن إليه في تقدير الدليل ما دام حكمها يشتمل على ما يفيد أنها محصت الدعوى وأحاطت بظروفها وبأدلة الثبوت التي قام عليها الاتهام ووازنت بينها وبين أدلة النفي فرجحت دفاع المتهم أو داخلتها الريبة في صحة عناصر الإثبات، وكان الحكم الابتدائي الذي أحال إليه الحكم المطعون فيه في بيان واقعة الدعوى قد أورد أن نتيجة تحليل عينات الدخان التي أخذت من مصنع المطعون ضده أثبتت أن نسب الخلط بها في حدود ما نص عليه القرار الوزاري وإن كانت تحتوي على دخان أخضر, وهو ما لا ينازع فيه الطاعن وكانت المحكمة قد خلصت بعد تمحيصها لواقعة الدعوى إلى أن الأوراق قد خلت مما يفيد استنبات الدخان المضبوط أو زراعته محلياً وأن اللون الأخضر لا يفيد بذاته أنه مستنبت أو زرع محلياً وهو تدليل سائغ يستقيم به قضاء الحكم ولا ينطوي على قضاء من القاضي في مسألة فنية يتعين الرجوع فيها إلى أهل الخبرة ولا يتعارض مع تقرير التحليل المقدم في الدعوى. لما كان ذلك، وكان من المقرر أنه متى كونت المحكمة الاستئنافية عقيدتها ببراءة المتهم ورفض الدعوى المدنية بعد الحكم ابتدائياً بإدانته فليس عليها بعد أن اقتنعت بذلك أن تلتزم بالرد على كل دليل من أدلة الاتهام ما دام قضاؤها قد بني على أساس سليم. لما كان ذلك، فإن الطعن يكون على غير أساس متعيناً رفضه مع إلزام الطاعن المصاريف المدنية.


[(1)] نفس المبدأ مقرر بالطعن رقم 832 لسنة 39 ق. جلسة 20 من أكتوبر سنة 1969 السنة 20 العدد 3 ص 109