أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الأول - السنة 14 - صـ 210

جلسة 25 من مارس سنة 1963

برياسة السيد/ محمد متولي عتلم نائب رئيس المحكمة، وبحضور السادة المستشارين: محمود حلمي خاطر، وعبد الحليم البيطاش، ومختار رضوان، ومحمد صبري.

(44)
الطعن رقم 2224 لسنة 32 قضائية

(1) قبض. استيقاف. تلبس. مأمورو الضبط القضائي.
الاستيقاف لا يعد في صحيح القانون قبضاً. مبرراته: أن يضع المتهم نفسه باختياره موضع الريبة. (مثال) قيام الطاعن بفتح أحد دواليب العمال الموضوعة بفناء محطة القاهرة بعد أن تعددت شكاويهم من سرقة متعلقاتهم من هذه الدواليب. وضع الطاعن نفسه باختياره بهذا التصرف موضع الريبة. لرجال السلطة العامة استيقافه واقتياده إلى مأمور الضبط القضائي للتحري عن حقيقة أمره. إلقاء القبض أثر استيقافه لفافة المخدر المضبوطة عن طواعية واختيار توافر حالة التلبس بالجريمة لرجل الضبط القضائي تفتيشه.
(ب) محاكمة. "إجراءاتها". دفاع. إثبات "شهود". حكم "تسبيبه". "ما لا يعيبه".
للمحكمة أن تستغني عن سماع أحد شهود الإثبات. شرط ذلك: قبول المتهم أو المدافع عنه. لا يحول ذلك دون اعتماد المحكمة في حكمها على أقوال هذا الشاهد في التحقيقات الأولية. ما دامت هذه الأقوال كانت مطروحة على بساط البحث بالجلسة.
استغناء الدفاع عن الطاعن عن سماع أقوال الشاهد الغائب وتلاوة هذه الأقوال في الجلسة. تناول الدفاع لها في مرافعته. نعى الطاعن على الحكم إخلاله بحقه في الدفاع لعدم استماع المحكمة إلى هذا الشاهد. لا يصح.
1- متى كان الحكم قد استظهر أن الطاعن وضع نفسه باختياره موضع الريبة بفتحه أحد دواليب العمال الموضوعة بفناء محطة القاهرة بعد أن تعددت شكاويهم من سرقة متعلقاتهم من هذه الدواليب مما يبرر لرجال السلطة العامة استيقافه للكشف عن حقيقة أمره، وكانت حالة التلبس بالجريمة قد تحققت إثر هذا الاستيقاف بإلقاء الطاعن لفافة المخدر المضبوطة عن طواعية واختيار فقد حق لرجل الضبط القضائي تفتيشه، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن من قبض رجلي الشرطة الملكيين عليه قبل إلقاء المخدر على خلاف ما أورده الحكم لا يغير من الأمر شيئاً، إذ طالما أن مبررات الاستيقاف قد توافرت فقد حق لرجلي الشرطة اقتياده إلى مأمور الضبط القضائي لاستيضاحه والتحري عن حقيقة أمره دون أن يعد ذلك في صحيح القانون قبضاً.
2- متى كان الثابت أن الدفاع عن الطاعن قد استغنى صراحة عن سماع أقوال الشاهد الغائب وأمرت المحكمة بتلاوتها فتليت، وكان للمحكمة أن تستغني عن سماع أحد شهود الإثبات إذا ما قبل المتهم أو المدافع عنه ذلك دون أن يحول عدم سماعه أمامها من أن تعتمد في حكمها على أقواله التي أدلى بها في التحقيقات الأولية ما دامت أقواله في تلك التحقيقات كانت مطروحة على بساط البحث بالجلسة وتناولها الدفاع في مرافعته. ومن ثم فإنه لا يحق للطاعن أن ينعى على الحكم المطعون فيه إخلاله بحقه في الدفاع لعدم استماع المحكمة لأقوال ذلك الشاهد.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه في يوم 11 مارس سنة 1961 بدائرة قسم الأزبكية محافظة القاهرة "أحرز جوهراً مخدراً (حشيشاً) في غير الأحوال المصرح بها قانوناً" - وطلبت من غرفة الاتهام إحالته إلى محكمة الجنايات لمحاكمته بالمواد 1 و2 و37 و38 و42 من القانون رقم 182 لسنة 1960 والبند 12 من الجدول المرافق - فقررت ذلك في 24 أكتوبر سنة 1961. وأثناء نظر الدعوى أمام محكمة جنايات القاهرة دفع الحاضر عن المتهم ببطلان القبض والتفتيش لأنه لم يكن في حالة تلبس ولعدم صدور إذن من الجهة المختصة وقضت المحكمة حضورياً بتاريخ 30 مايو سنة 1962 عملاً بمواد الاتهام مع تطبيق المادة 17 من قانون العقوبات بمعاقبة المتهم بالحبس مع الشغل لمدة سنة واحدة وبتغريمه خمسمائة جنيه ومصادرة المادة المخدرة المضبوطة. وردت على الدفع قائلة إنه في غير محله. فطعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض... الخ.


المحكمة

حيث إن مبنى الوجه الأول من أوجه الطعن هو البطلان في الإجراءات ذلك أنه ورد بالحكم أنه صدر وتلي علناً في 29 مايو سنة 1962 على خلاف الثابت بمحضر الجلسة من أن الدعوى نظرت بجلسة 29 سنة 1962 وفيها قررت المحكمة مد أجل النطق بالحكم لليوم التالي 30 مايو سنة 1962 الذي أصدرت فيه حكمها المطعون فيه مما يستحيل معه إسناد الحكم إلى أصل صحيح شاهد بوجوه بكامل أجزائه مثبت لمنطوقه وأسبابه.
وحيث لما كان الثابت من محضر الجلسة أن المحكمة نظرت الدعوى يوم 29 مايو سنة 1962 ثم قررت مد أجل الحكم لليوم التالي 30 مايو سنة 1962 وفيه صدر الحكم بحضور الطاعن فإن الواضح الذي لا شبهة فيه أن ما جاء بالحكم من أنه صدر في 29 مايو سنة 1962 لم ينشأ إلا عن سهو وقع من كاتب الجلسة، وهو ما لا يمس سلامة الحكم.
وحيث إن مبنى الوجهين الثاني والثالث من أوجه الطعن هو الخطأ في الإسناد والقصور في التسبيب والإخلال بحق الدفاع ذلك أن الطاعن دفع ببطلان إجراءات القبض والتفتيش تأسيساً على أنه لم يصدر إذن من السلطة المختصة بضبط الطاعن أو تفتيشه وأنه لم يكن في حالة من حالات التلبس التي نص عليها القانون وقضت المحكمة برفض الدفع استناداً إلى أن الطاعن ألقى بلفافة المخدر فالتقطها الشاهد عبد العزيز سليمان أحمد ولما تبين أن ما بها مخدراً قام بضبطه بمعاونة زميله علي محمد علي وهو ما لا أصل له في الأوراق إذ الثابت بمحضر جلسة المحاكمة على لسان الشاهد علي محمد علي أنه قام أولاً بإمساك الطاعن الذي ألقى بعد ذلك بالمخدر فالتقطه زميله ولم تعرض المحكمة لأقوال هذا الشاهد بالجلسة كما لم تعرض إلى ما أثاره الدفاع من أن قبضاً مادياً قد سبق واقعة التخلي عن المخدر. ثم أن المحكمة لم تسمع شاهد الإثبات عبد العزيز سليمان أحمد لتخلفه عن حضور جلسة المحاكمة واكتفت بتلاوة أقواله بالتحقيقات وعولت في قضائها على أقواله مع أن سماعه كان ممكناً مما يجعل حكمها باطلاً.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى في قوله "إنه في الساعة 9 و40 دقيقة من مساء يوم 11/ 3/ 1961 بينما كان رجلاً البوليس السري العريف علي محمد الجزار وزميله عبد العزيز سليمان أحمد من قوة مباحث حكمدارية السكك الحديدية يمران على رصيف رقم 11 بمحطة القاهرة شاهدا المتهم - الطاعن - يفتح أحد دواليب البرادين الموضوعة على ذلك الرصيف فكمنا له بداخل القطار المخزن على ذلك الرصيف إذ اشتبها في أن يكون من اللصوص الذين تعددت شكاوى العمال من سرقتهم لبعض متعلقاتهم من تلك الدواليب ولما أغلق الدولاب وهم بالانصراف اتجها إليه واستوقفاه ليتبينا شخصيته وسبب فتحه الدولاب وما أن اقتربا منه حتى ألقى من يده بلفافة على الأرض فالتقطها البوليس السري عبد العزيز سليمان وفتحها فتبين أن بها أربع قطع من الحشيش فقاداه إلى الملازم أول فؤاد سعد إبراهيم ضابط قضائي مصر حيث أبلغاه بما حدث فقام بتفتيش المتهم فعثر على لفافة أخرى بداخلها قطعة واحدة من نفس المادة كانت بالجيب الصغير لسروال المتهم وقام بتحرير محضر أثبت فيه ما تقدم وأبلغ الجهات المختصة وتولت النيابة التحقيق" وقد عرض الحكم إلى دفع الطاعن ببطلان القبض عليه وتفتيشه وأطرحه بقوله "إن الدفع الذي أبداه محامى المتهم (الطاعن) مردود بأن رجلي البوليس السري محمد علي الجزار وعبد العزيز سليمان أحمد وهما من قوة بوليس السكك الحديدية استوقفا المتهم في الحدود التي تخولهما اللوائح والقوانين ليتبينا سبب فتحه دواليب العمال إذ اشتبها في أن يكون أحد اللصوص الذين اعتادوا السرقة من تلك الدواليب وعلى أثر هذا الاستيقاف ألقى المتهم بلفافة المخدر فالتقطها الشاهد الثاني ولما تبين أن بها مواد مخدرة قام بضبطه بمعاونة زميله وقاداه إلى الضابط القضائي حيث أبلغاه بالأمر وبذلك يكون ضبط المتهم والقبض عليه قد تم عقب تخليه طواعية واختياراً عن المادة المخدرة التي كان يحرزها الأمر الذي يجعل الجريمة في حالة تلبس تبيح لرجال السلطة القبض عليه وتفتيشه دون ما حاجة إلى استصدار إذن بذلك من الجهة المختصة ويتفرع على ما تقدم أن تفتيش الضابط القضائي للمتهم أيضاً قد وقع صحيحاً وقد أسفر عن ضبط قطعة من المادة المخدرة بجيب سرواله الأمامي" لما كان ذلك، وكان الحكم قد استظهر بحق أن الطاعن وضع نفسه باختياره موضع الريبة بفتحه أحد دواليب العمال الموضوعة بفناء محطة القاهرة بعد أن تعددت شكاويهم من سرقة متعلقاتهم من هذه الدواليب مما يبرر لرجال السلطة العامة استيقافه للكشف عن حقيقة أمره، ولما كانت حالة التلبس بالجريمة قد تحققت إثر هذا الاستيقاف بإلقاء الطاعن لفافة المخدر المضبوطة عن طواعية واختيار فقد حق لرجل الضبط القضائي تفتيشه ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن من قبض رجلي الشرطة الملكيين عليه قبل إلقاء المخدر على خلاف ما أورده الحكم لا يغير من الأمر شيئاً إذ طالما أن مبررات الاستيقاف قد توافرت فقد حق لرجلي الشرطة اقتياده إلى مأمور الضبط القضائي لاستيضاحه والتحري عن حقيقة أمره دون أن يعد ذلك في صحيح القانون قبضاً فإذا ما تخلى الطاعن إثر استيقافه وباختياره عن المادة المخدرة بإلقائها على الأرض فقد توافرت حالة التلبس بالجريمة. لما كان ذلك، وكان الثابت من الاطلاع على محضر جلسة المحاكمة أن الدفاع عن الطاعن استغنى عن سماع أقوال الشاهد الغائب وأمرت المحكمة بتلاوتها فتليت وكان للمحكمة أن تستغني عن سماع أحد شهود الإثبات إذا ما قبل المتهم أو المدافع عنه ذلك دون أن يحول عدم سماعه أمامها من أن تعتمد في حكمها على أقواله التي أدلى بها في التحقيقات الأولية ما دامت أقواله في تلك التحقيقات كانت مطروحة على بساط البحث بالجلسة. لما كان ما تقدم، فإنه لا يحق للطاعن أن ينعى على الحكم المطعون فيه إخلاله بحقه في الدفاع لعدم استماع المحكمة لشهادة الشرطي عبد العزيز سليمان أحمد واعتمادها على أقواله في إدانة الطاعن ما دام أن الدفاع عنه قد استغنى صراحة عن سماع أقوال هذا الشاهد وكانت التحقيقات الأولية بما تحويه من أقواله مطرحة على بساط البحث أمام المحكمة وتناولها الدفاع عنه فعلاً في مرافعته. لما كان ذلك، فإن الطعن برمته لا يكون على أساس متعيناً رفضه.