أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الأول - السنة الثانية - صـ 358

جلسة 11 من ديسمبر سنة 1950
(132)
القضية رقم 1325 سنة 20 القضائية

برياسة حضرة صاحب السعادة أحمد محمد حسن باشا رئيس المحكمة, وبحضور حضرات أصحاب العزة: أحمد حسنى بك, وحسن إسماعيل الهضيبى بك, وفهيم إبراهيم عوض بك, وإبراهيم خليل بك المستشارين.
( أ ) قوة الشئ المحكوم به. بلاغ عن جريمة تبديد. تبرئة المتهم لتشكك المحكمة في صحتها. هذا الحكم لا يحوز قوة الشيء المحكوم فيه بالنسبة إلى دعوى البلاغ الكاذب ممن أسندت إليه الجريمة على من بلغ في حقه. للمحكمة أن تنظر دعوى البلاغ الكاذب بكامل حريتها.
(ب) إثبات. مبلغ تجاوز نصاب الشهود. عدم الدفع بعدم الجواز وسماع الشهود على المبلغ في مواجهة المتهم. الأخذ بشهادة الشهود. جوازه.
1 - الحكم الصادر بالبراءة في جريمة التبديد للشك في صحتها لا يكتسب حجية الشيء المحكوم فيه بالنسبة إلى دعوى البلاغ الكاذب المرفوعة ممن أسندت إليه تلك الجريمة على من بلغ عن التبديد, لأن تشكك المحكمة في تهمة التبديد لا يقطع بصحة البلاغ المقدم عنها أو كذبه. فهذا الحكم لا يمنع المحكمة المطروحة أمامها دعوى البلاغ الكاذب من أن تبحث هذه التهمة طليقة من كل قيد.
2 - إذا كان المتهم لم يدفع أمام المحكمة بعدم جواز سماع الشهود لإثبات تسلم مبلغ يتجاوز النصاب الجائز إثباته بالشهود, بل سكت وصدر الحكم في مواجهته ولم يستأنفه, فليس له أن ينعى على الحكم من بعد بدعوى المخالفة لقواعد الإثبات.


الوقائع

أقام حسن عبد الحميد أفندى هذه الجنحة مباشرة لدى محكمة عابدين الجزئية على علي إبراهيم محمد يتهمه بأنه في يوم 13 من إبريل سنة 1948 قدم إلى نيابة عابدين الجزئية بلاغا كاذبا مع سوء القصد ضده نسب إليه فيه أمورا لو صحت لأوجبت معاقبته قانونا واحتقاره عند مواطنيه وهى اختلاسه لمبلغ ألف جنيه قيمة الشيك 5796 الذي تسلم إليه بصفته وكيلا بالأجرة لصرفه من البنك الأهلي اليوناني بالقاهرة فصرفه واختلس قيمته, وقد حكم ببراءة المدعى بالحق المدني مما نسب إليه في القضية رقم 4791 سنة 1948 جنح عابدين, وطلب إلى المحكمة المذكورة عقابه بالمادتين 304 و305 من قانون العقوبات, كما طلب الحكم بإلزامه بأن يدفع له مبلغ خمسمائة جنيه على سبيل التعويض مع المصاريف والأتعاب والنفاذ. ومحكمة جنح عابدين الجزئية قضت عملا بمادتي الاتهام والمادة 303 من قانون العقوبات بتغريم المتهم خمسين جنيها وإلزامه بأن يدفع للمدعى بالحق المدني مائتي جنيه والمصاريف المدنية المناسبة وخمسة جنيهات أتعاب محاماة وأعفته من المصاريف الجنائية. فاستأنف, كما استأنف المدعى بالحق المدني. ومحكمة مصر الابتدائية بهيئة استئنافية قضت فيها بتأييد الحكم المستأنف. فطعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض الخ.


المحكمة

... وحيث إن الوجه الأول من وجهي الطعن يتحصل في القول بأن الحكم أخطأ في تطبيق القانون. وفى بيان ذلك يقول الطاعن إن المحكمة وقد دانته بجريمة البلاغ الكاذب التي رفعت عليه بالطريق المباشر من المدعى المدني قد أخلت بمبدأ اكتساب الأحكام لحجية الشيء المحكوم فيه, إذ سبق للطاعن أن رفع دعوى جنحة مباشرة ضد المدعى المدني بتبديده مبلغ 1000 جنيه وقضى فيها بالبراءة استنادا إلى أن التهمة يشوبها الشك, ولما كان الشك لا يعنى أن التبليغ ليس صحيحا, وكان هذا الحكم قد أصبح نهائيا فإن المدعى المدني لا يملك أن يحرك دعواه ضد الطاعن بالطريق المباشر بأنه بلغ عنه كذبا لأن في ذلك إخلالا بما للحكم المشار إليه من حجية, ومن ثم كان يجب القضاء بعدم قبول الدعوى المدنية وبالتالي لا يصح نظر الدعوى الجنائية التي لا يمكن أن تقام إلا تأسيسا على دعوى مدنية رفعت صحيحة. ويضيف الطاعن أن الحكم أخطأ كذلك في تطبيق القانون, إذ أسس الإدانة على ما ثبت لديه من أن الطاعن تسلم مبلغ الألف جنيه الباقية من ثمن السيارة التي وكل إلى المدعى المدني بيعها ثم أنكره وبلغ ضده كذبا وقد اعتمد الحكم في إثبات واقعة تسلمه المبلغ على شهادة الشهود في حين أن المبلغ يتجاوز النصاب الجائز إثباته بالبينة ولأن الثابت بالكتابة لا ينقضه إلا مستند كتابي. وثابت من عقد المبايعة التي تحت يد الطاعن أن باقي الثمن حرر به شيك, ومسلم من المدعى أنه تسلم ذلك الشيك فإذا ادعى هذا الأخير أنه سلم قيمته إلى الطاعن فإن ذلك لا يصح أن يثبت إلا بالكتابة.
وحيث إنه لا وجه لما يذهب إليه الطاعن من أن الحكم الصادر بالبراءة في جريمة التبديد التي أسندها للمدعى بالحقوق المدنية للشك في صحتها يكتسب حجية الشيء المحكوم فيه بالنسبة إلى دعوى البلاغ الكاذب, ذلك لأن تشكك المحكمة في تهمة التبديد لا يقطع بصحة البلاغ المقدم عنها أو كذبه, ولذا فإنه لا يمنع المحكمة المطروحة أمامها تهمة البلاغ الكاذب من أن تبحث هذه التهمة طليقة من كل قيد. أما ما يقوله الطاعن من مخالفة الحكم لقواعد الإثبات المقررة في القانون فمردود بأن الحكم المطعون فيه لم يستند بالنسبة إلى واقعة تسلمه مبلغ الألف جنيه إلى شهادة الشهود, وإنما استند إلى الحكم الصادر في دعوى التبديد التي حركها الطاعن مباشرة وحكم فيها ببراءة المطعون ضده, وإذا كان ذلك الحكم قد استند إلى شهادة الشهود فليس للطاعن أن ينعى ذلك على الحكم المطعون فيه, بل كان عليه أن يدفع بعدم جواز سماع الشهود أمام تلك المحكمة ولكنه لم يفعل وصدر الحكم في مواجهته ولم يستأنفه.
وحيث إن حاصل الوجه الثاني أن الحكم المطعون فيه جاء قاصرا في بيان وقائع الدعوى والأسباب التي اعتمد عليها في إدانة الطاعن إذ أغفل هذه الوقائع إغفالا كليا واكتفى بالإشارة إلى أسباب الحكم الابتدائي دون أن يقول في صراحة إنه أخذ بتلك الأسباب.
وحيث إن الواضح في الحكم المطعون فيه أنه أيد الحكم الابتدائي لأسبابه وفى هذا ما يكفى لبيان أن المحكمة الاستئنافية قد اعتمدت في حكمها على ذات الأسباب التي بنى عليها الحكم المستأنف.
وحيث إنه لما تقدم يكون الطعن على غير أساس ويتعين رفضه موضوعا.