أحكام المحكمة الدستورية العليا - الجزء الثامن
من أول يوليو 1996 حتى آخر يونيو 1998 - صـ 1255

جلسة 4 أبريل 1998

برئاسة السيد المستشار الدكتور/ عوض محمد عوض المر - رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: الدكتور محمد إبراهيم أبو العينين ومحمد ولي الدين جلال ونهاد عبد الحميد خلاف وفاروق عبد الرحيم غنيم وحمدي محمد علي وعبد الرحمن نصير، وحضور السيد المستشار الدكتور/ حنفي علي جبالي - رئيس هيئة المفوضين، وحضور السيد/ حمدي أنور صابر - أمين السر.

قاعدة رقم (94)
القضية رقم 179 لسنة 19 قضائية "دستورية"

1 - دعوى دستورية "حكم: حجيته":
مفهوم الدعوى الدستورية التي تمتد إلى الأحكام الصادرة فيها الحجية المطلقة هي تلك التي يدور النزاع فيها حول مسائل دستورية بطبيعتها.
2 - دعوى دستورية "حكم بعدم الاختصاص: حجيته - انتهاء الخصومة":
إضفاء الحجية المطلقة على قضاء المحكمة الدستورية العليا بعدم اختصاصها بنظر الدعوى الدستورية والتي كان موضوعها دائراً حول ما إذا كانت الأسس التي حددتها اللائحة المطعون عليها منافية للدستور أو توافق مجموع نصوصه - بناء الحكم على أساس من أن اللائحة - محلها - لا تعتبر تشريعاً بالمعنى الموضوعي - اعتبار الخصومة منتهية في خصومة مماثلة تطرح المسألة عينها.
1، 2 - إن قضاء المحكمة الدستورية العليا في الدعوى رقم 106 لسنة 18 قضائية "دستورية" الصادر بجلستها المعقودة في 15/ 11/ 1997، والمنشور في الجريدة الرسمية بتاريخ 27/ 11/ 1997، كان قد خلص إلى أن اللائحة الصادرة عن مجلس إدارة الجمعية التعاونية للبترول - وفي مجال تطبيقها على العاملين بالجمعية التعاونية للبترول - لا تعتبر في مجموع أحكامها تشريعاً بالمعنى الموضوعي، ولا يدخل الفصل في دستوريتها بالتالي في ولايتها.
إن المادة 49 من قانون هذه المحكمة تقضي بأن أحكامها "في الدعوى الدستورية"، وكذلك قراراتها بالتفسير ملزمة لجميع سلطات الدولة وللكافة؛ وكان من المقرر أن النصوص التي أجراها المشرع في صيغة مطلقة لا يجوز تقييدها؛ ولا محل كذلك لتأويلها انحرافاً بها عن معناها؛ ولا مسخها تشويهاً لعباراتها؛ ولا التذرع بالأعمال التحضيرية التي قارنتها لتخصيص ما ورد عاماً من ألفاظها؛ ولا إدعاء أن مقاصد المشرع منها تنقض دلالتها المباشرة؛ ذلك أن تفسير النصوص القانونية يفترض غموضها وخفاء معانيها، ويقتضي استكناه إرادة المشرع التي لابستها عند إقراره لها تحديداً لمضمونها وأبعادها؛ وكان قانون هذه المحكمة قد اعتبر أحكامها الصادرة في الدعاوى الدستورية - وأياً كان مضمونها - ملزمة للدولة بكل أفرعها، وعلى تباين تنظيماتها، ومقيداً للناس جميعهم؛ وكان موضوع الخصومة القضائية، وأبعاد النزاع المردد بين أطرافها، يعتبر كاشفاً عن حقيقتها، محدداً طبيعتها؛ متى كان ذلك، فإن مفهوم الدعوى الدستورية التي تمتد إلى الأحكام الصادرة فيها الحجية المطلقة التي تحول بذاتها دون الخوض فيها من جديد؛ هي التي يدور النزاع فيها حول مسائل دستورية بطبيعتها، كذلك التي أثارها في الدعوى رقم 106 لسنة 18 قضائية "دستورية" والتي كان موضوعها دائراً حول ما إذا كانت الأسس التي حددتها اللائحة المطعون عليها لتقدير مكافأة الميزة الأفضل التي يستحقها، منافية للدستور أو توافق مجموع نصوصه.
وعلى ذلك، فإن قضاء هذه المحكمة في الدعوى المشار إليها بعدم اختصاصها بنظرها، يقيد جهات القضاء على اختلافها، وكذلك الناس جميعهم فضلاً عن كل سلطة أياً كان موقعها؛ وكانت الخصومة الماثلة تطرح المسائل عينها التي سبق حسمها بالحكم الصادر في الدعوى رقم 106 لسنة 18 قضائية "دستورية" المشار إليها؛ فإن الحكم باعتبارها منتهية يكون محتوماً.


الإجراءات

بتاريخ 16/ 9/ 1997، أودع المدعي صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة، طالباً الحكم بعدم دستورية البند ثالثاً من قرار الهيئة المصرية العامة للبترول رقم 19 لسنة 1985 الصادر بتاريخ 17/ 9/ 1985.
أودعت الجمعية التعاونية للبترول مذكرة طلبت فيها الحكم أصلياً بعدم قبول الدعوى لرفعها على غير ذي صفة، واحتياطياً برفضها.
قدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم أصلياً بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى، واحتياطياً بعدم قبولها، ومن باب الاحتياط الكلي برفضها.
كذلك قدمت الهيئة المصرية العامة للبترول مذكرة انتهت فيها إلى طلب الحكم أصلياً باعتبار الخصومة منتهية لسبق صدور حكم من هذه المحكمة بتاريخ 15/ 11/ 1997، بعدم اختصاصها بنظر الدعوى رقم 106 لسنة 18 قضائية "دستورية" - التي تتحد في موضوعها مع الدعوى الماثلة - واحتياطياً بعدم قبول الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع - على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - تتحصل في أن المدعي كان يعمل لدى الجمعية العامة للبترول، وأنهيت خدمته بها اعتباراً من 14/ 10/ 1995 لبلوغه سن الستين، وإذ صرفت الجمعية ما يستحقه من مكافأة الميزة الأفضل مقدرة على أساس أجره الأساسي في 30/ 6/ 1985، مضافاً إليه متوسط الحافز الذي صرفه عن شهري أكتوبر ونوفمبر سنة 1982، وليس على أساس أجره الأخير الذي تقاضاه فعلاً قبل إحالته إلى المعاش، فقد أقام ضد المدعى عليهم بصفاتهم، الدعوى رقم 1074 لسنة 1996 أمام محكمة جنوب القاهرة الابتدائية - دائرة العمال - بطلب الحكم أصلياً ببطلان قرار الهيئة المصرية العامة للبترول رقم 19 لسنة 1985 الصادر بتاريخ 17/ 9/ 1985، فيما تضمنه البند ثالثاً منه من عدم احتساب مكافأة الميزة الأفضل على أساس أجره الأخير في 14/ 10/ 1995، مع أداء الفروق المالية التي يستحقها، فضلاً عن التعويض؛ واحتياطياً وقف الدعوى وإحالتها إلى المحكمة الدستورية العليا لمخالفة البند ثالثاً المطعون عليه لأحكام الدستور.
وإذ دفع المدعي - أثناء نظر دعواه الموضوعية - بعدم دستورية القرار رقم 19 لسنة 1985 الصادر عن مجلس إدارة الهيئة المصرية العامة للبترول بتاريخ 17/ 9/ 1985؛ وكانت محكمة الموضوع قد قدرت جدية هذا الدفع، وصرحت للمدعي برفع الدعوى الدستورية، فقد أقام الدعوى الماثلة.
وحيث إن النزاع الراهن يتعلق بلائحة أقرها مجلس إدارة الجمعية التعاونية للبترول؛ منظماً بها أوضاع عمالها فيما يتعلق بمرتباتهم وعلاواتهم؛ ومكافأة الميزة الأفضل التي يستحقونها، وأسس حسابها المدعى مخالفتها للدستور.
وحيث إن قضاء المحكمة الدستورية العليا في الدعوى رقم 106 لسنة 18 قضائية "دستورية" الصادر بجلستها المعقودة في 15/ 11/ 1997، والمنشور في الجريدة الرسمية بتاريخ 27/ 11/ 1997، كان قد خلص إلى أن هذه اللائحة - وفي مجال تطبيقها على العاملين بالجمعية التعاونية للبترول - لا تعتبر في مجموع أحكامها تشريعاً بالمعنى الموضوعي، ولا يدخل الفصل في دستوريتها بالتالي في ولايتها.
وحيث إن المادة 49 من قانون هذه المحكمة تقضي بأن أحكامها "في الدعوى الدستورية"، وكذلك قراراتها بالتفسير ملزمة لجميع سلطات الدولة وللكافة؛ وكان من المقرر أن النصوص التي أجراها المشرع في صيغة مطلقة لا يجوز تقييدها؛ ولا محل كذلك لتأويلها انحرافاً بها عن معناها؛ ولا مسخها تشويهاً لعباراتها؛ ولا التذرع بالأعمال التحضيرية التي قارنتها لتخصيص ما ورد عاماً من ألفاظها؛ ولا إدعاء أن مقاصد المشرع منها تنقض دلالتها المباشرة؛ ذلك أن تفسير النصوص القانونية يفترض غموضها وخفاء معانيها، ويقتضي استكناه إرادة المشرع التي لابستها عند إقرارها لها تحديداً لمضمونها وأبعادها؛ وكان قانون هذه المحكمة قد اعتبر أحكامها الصادرة في الدعاوى الدستورية - وأياً كان مضمونها - ملزمة للدولة بكل أفرعها، وعلى تباين تنظيماتها، ومقيداً للناس جميعهم؛ وكان موضوع الخصومة القضائية، وأبعاد النزاع المردد بين أطرافها، يعتبر كاشفاً عن حقيقتها، محدداً طبيعتها؛ متى كان ذلك، فإن مفهوم الدعوى الدستورية التي تمتد إلى الأحكام الصادرة فيها الحجية المطلقة التي تحول بذاتها دون الخوض فيها من جديد؛ هي التي يدور النزاع فيها حول مسائل دستورية بطبيعتها، كذلك التي أثارها في الدعوى رقم 106 لسنة 18 قضائية "دستورية" والتي كان موضوعها دائراً حول ما إذا كانت الأسس التي حددتها اللائحة المطعون عليها لتقدير مكافأة الميزة الأفضل التي يستحقها، منافية للدستور أو توافق مجموع نصوصه.
وحيث إنه متى كان ما تقدم، فإن قضاء هذه المحكمة في الدعوى المشار إليها بعدم اختصاصها بنظرها، يقيد جهات القضاء على اختلافها، وكذلك الناس جميعهم فضلاً عن كل سلطة أياً كان موقعها؛ وكانت الخصومة الماثلة تطرح المسائل عينها التي سبق حسمها بالحكم الصادر في الدعوى رقم 106 لسنة 18 قضائية "دستورية" المشار إليها؛ فإن الحكم باعتبارها منتهية يكون محتوماً.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة باعتبار الخصومة منتهية.