أحكام المحكمة الدستورية العليا - الجزء الثامن
من أول يوليو 1996 حتى آخر يونيو 1998 - صـ 1289

جلسة 9 مايو 1998

برئاسة السيد المستشار الدكتور/ عوض محمد عوض المر - رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: حمدي محمد علي والدكتور عبد المجيد فياض وماهر البحيري ومحمد علي سيف الدين وعدلي محمود منصور ومحمد عبد القادر عبد الله، وحضور السيد المستشار الدكتور/ حنفي علي جبالي - رئيس هيئة المفوضين، وحضور السيد/ حمدي أنور صابر - أمين السر.

قاعدة رقم (97)
القضية رقم 94 لسنة 18 قضائية "دستورية"

1 - تنظيم الحقوق - سلطة تقديرية "ضوابطها".
الأصل في سلطة المشرع في مجال تنظيم الحقوق أنها سلطة تقديرية، ما لم يقيد الدستور ممارستها بضوابط تحد من إطلاقها.
2 - حق العمل - الحق في الحياة - تمييز.
الحق في العمل وثيق الصلة بالحق في الحياة - التمييز في مجال الانتفاع بالعمل، ودون ما ضرورة تقتضيها الشروط الموضوعية لتنظيمه، يكون مخالفاً للدستور.
3 - رقابة على الشرعية الدستورية "تعارض نصوص قانونية".
الرقابة القضائية على الشرعية الدستورية لا شأن لها بالتعارض بين نصين قانونين أياً كان موضعهما.
4 - عاملون مدنيون "أقدمية".
الأقدمية في الوظيفة لا تفترض - الأصل فيها أن تكون معبرة عن مدة عمل فعلية - عدم جواز حساب الأقدمية على غير حقيقتها.
5 - تشريع "القانون رقم 76 لسنة 1973 في شأن الخدمة العامة للشباب الذي أنهى المراحل التعليمية" جندية - مساواة.
اعتبار الخدمة العامة - بالشروط الواردة في هذا القانون - بديلاً عن الجندية، من المتعين أن تقاس الخدمة العامة عليها - عدم جواز أن تكون للخدمة العامة مزايا تربو بها على الجندية المقيس عليها.
6 - مراكز قانونية "تكافؤ" - تمييز.
التكافؤ في المراكز القانونية يفترض تماثل العناصر التي تؤلفها - عدم جواز التمييز بين المراكز القانونية المتماثلة إلا وفق شروط موضوعية تتحدد مشروعيتها على ضوء ارتباطها عقلاً بأهدافها.
7 - حق العمل "شروط".
ضمان الشروط التي يكون أداء العمل في نطاقها، محدداً على ضوء الأوضاع التي يتطلبها إنجازه وتطويره، فلا تنتزع هذه الشروط قسراً من محيطها.
8 - تشريع "نص الفقرة الثانية من المادة الثالثة من القانون رقم 76 لسنة 1973: زميل التخرج".
إغفال هذه الفقرة لقيد زميل التخرج فيما قررته من ضم مدة الخدمة العامة إلى مدة خدمة المكلف بعد تعيينه - انطواؤها على تمييز غير مبرر بين المشمولين بحكمها وبين نظرائهم من المجندين - تقدمهم كذلك على زملاء التخرج الذين يفضلونهم بخدمتهم الفعلية الأطول زمناً.
9 - تشريع "الفقرة الثانية من المادة الثالثة من القانون رقم 76 لسنة 1973 - المادة 27 من قانون نظام العاملين المدنيين في الدولة".
لا تعتبر الخدمة العامة من نوع الخبرة المطلوب توافرها لشغل الوظيفة العامة - عدم صحة حمل النص الأول على حكم النص الثاني - عدم اعتباره من تطبيقات المادة 27 المشار إليها.
1، 2 - الأصل في سلطة المشرع في مجال تنظيم الحقوق، أنها سلطة تقديرية ما لم يقيد الدستور ممارستها بضوابط تحد من إطلاقها، وتعتبر تخوماً لها لا يجوز اقتحامها أو تخطيها؛ وكان الحق في العمل يعتبر وثيق الصلة بالحق في الحياة، وبضرورة صون الحرية الشخصية من القيود التي ترهقها دون مقتض، وبتكامل الشخصية وتناميها، بالقيم الخلقية التي يقوم عليها التضامن الاجتماعي، وبحق الناس جميعاً في تطوير مجتمعهم ضماناً لتنميته، فإن التمييز في مجال الانتفاع بالعمل - ودون ما ضرورة تقتضيها الشروط الموضوعية لتنظيمه - وعلى الأخص ما اتصل منها بالأوضاع التي ينبغي أن يمارس فيها، وما يحيطها من عناصر بيئتها، يكون مخالفاً للدستور.
3 - الرقابة التي تباشرها هذه المحكمة على الشرعية الدستورية، لا شأن لها بالتعارض بين نصين قانونيين أياً كان موضعهما. وإنما مناطها الفصل فيما يدعى به من مخالفة النصوص القانونية - أياً كانت الجهة التي أقرتها أو أصدرتها - للدستور. وكلما صدر قانون لاحق ملغياً بأثر رجعي، النصوص القانونية التي تضمنها قانون سابق، وبما يزيل المضار التي أحدثتها، فإن الطعن عليها بمخالفتها الدستور يكون غير منتج.
4 - الأصل في الأقدمية أن تكون معبرة عن مدة فعلية قضاها العامل قائماً بأعباء عمله أو وظيفته، وهي بذلك لا تفترض، ولا يجوز حسابها على غير حقيقتها سواء بزيادتها أو إنقاصها وقد قنن قانون نظام العاملين المدنيين في الدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1978 هذا الأصل بما نص عليه بالفقرة الأولى من المادة 24 منه من أقدمية العامل في الوظيفة المعين عليها، إنما تتحدد اعتباراً من تاريخ هذا التعيين. بيد أن مدد الخدمة الفعلية التي يقضيها العاملون في جهة عملهم، وإن كانت مُحَدِّدة لأقدميتهم وترتيبهم وظيفياً فيما بينهم، إلا أن أقدميتهم هذه قد تؤثر فيها عوامل أخرى.
5 - قانون الخدمة العسكرية وقانون الخدمة العامة يتفقان كلاهما فيما قرراه، من اعتبار مدة التجنيد ومدة الخدمة العامة كلتيهما وكأنهما قضيتا بالخدمة المدنية، إلا أنهما يفترقان فيما إذا كان حسابها على هذا النحو مطلقاً أم مقيداً. ذلك أن الفقرة الثالثة من المادة 44 من أولهما صريحة في نصها على أن مدة التجنيد - ويندرج تحتها مدة الاستبقاء - التي تُضِيفها إلى أقدمية المجند في الجهة التي عين بها، تقيدها أقدمية زميل التخرج المعين في الجهة ذاتها، فلا يجوز أن تجاوزها. ولا كذلك الفقرة الثانية من المادة 3 المطعون عليها التي لا تقيد مدة الخدمة العامة التي تضيفها إلى أقدمية المكلفين بها بقيد زميل التخرج، ولكنها تصل بها إلى كامل مداها، ولو ترتب عليها تقدمهم على زملائهم الذين تخرجوا معهم، وكانوا أسبق منهم في التعيين في الجهة ذاتها.
إن الخدمة العامة - بالشروط التي نظمها بها القانون الصادر في شأنها - تعتبر بديلاً عن الجندية التي يؤديها الملتزمون بها وفقاً لقانونها، وكان ينبغي بالتالي أن تقاس عليها، وأن تكون للخدمة العامة التي نقيسها على الجندية ونُعْطيها حكمها، مزايا يربو بها مركزها على الجندية المقيس عليها.
6، 7، 8 - إن التكافؤ في المراكز القانونية، يفترض تماثل العناصر التي تؤلفها؛ وكان من المقرر أن لكل حق أوضاعاً يقتضيها، وآثاراً يرتبها من بينها في مجال حق العمل، ضمان الشروط التي يكون أداء العمل في نطاقها، محدداً على ضوء الأوضاع التي يتطلبها إنجازه وتطويره، فلا تنتزع هذه الشروط قسراً من محيطها، ولا يكون مضمونها انحرافاً بها عن مقاصدها؛ وكان لا يجوز التمييز بين المراكز القانونية التي يتكافأ أصحابها أمام القانون، إلا وفق شروط موضوعية تتحدد مشروعيتها الدستورية على ضوء ارتباطها عقلاً بأهدافها؛ وكانت الفقرة المطعون عليها - ومن خلال ضمها إلى مدة الخدمة الفعلية للمخاطبين بها، مدة خدمتهم العامة بكاملها، ولو جاوزوا بها أقدمية زملاء التخرج الذين سبقوهم إلى التعيين في جهة عملهم ذاتها - إنما تقيم تمييزاً غير مبرر بين المشمولين بحكمها ونظرائهم من المجندين؛ وتقدمهم كذلك على زملاء التخرج الذين يفضلونهم في خبراتهم من خلال أعمال الوظيفة التي أحاطوا بها وسبروا أغوارها أثناء خدمتهم الفعلية الأطول زمناً؛ والتي لا يجوز تقويض بنيانها عن طريق الاعتداد بكامل مدة الخدمة الفرضية التي لا تساويها قدراً، والتي تنافي بطبيعتها حقائق الأشياء؛ فإن الفقرة المطعون عليها - وفي حدود إغفالها لقيد زميل التخرج - تكون مخالفة للمادتين 40 و65 من الدستور.
9 - ما تنص عليه الفقرة الثانية من المادة 27 من قانون نظام العاملين المدنيين في الدولة، من وجوب الاعتداد - سواء من حيث الأقدمية في درجة الوظيفة أو الأجر - بمدة الخبرة العملية للعامل التي تزيد على مدة الخبرة المطلوب توافرها لشغل الوظيفة، بشرط اتفاق هذه الخبرة مع طبيعة عمل الوظيفة المعين عليها، وألا يسبق بضم مدتها إلى أقدميته، أقدمية زميله المعين في الجهة ذاتها في وظيفة من الدرجة نفسها؛ مؤداه اعتبار أقدمية هذا الزميل قيداً ينبغي أن تراعيه الجهة الإدارية عند حسابها مدة الخبرة العملية لمن يعين بعده، حتى لا يتقدم من كان طارئاً على الوظيفة، على من نهض بأعبائها من قبله؛ على تقدير أن من باشر العمل فعلاً، أولى بالنظر ممن اعتبر قائماً به حكماً؛ وكانت المدة التي قَضَى قانون الخدمة العامة بإضافتها إلى أقدمية من يؤدونها بعد تعيينهم، لا تعتبر خبرة عملية من نوع الخبرة التي تتطلبها الوظيفة التي عين بها، فلا تتجانس معها في خصائصها، ولا يعتبر ضمها إليهم إثراءً لهذه الوظيفة أو تعميقاً لمتطلباتها بما يكفل النهوض بها؛ فإن الفقرة المطعون عليها لا يمكن حملها على حكم المادة 27 من قانون العاملين المدنيين، ولا اعتبارها من تطبيقاتها، ولا تصويبها من خلال افتراض انطوائها على قيد زميل التخرج بعد أن خلا نصها من هذا القيد.


الإجراءات

بتاريخ 10 سبتمبر سنة 1996، أودع المدعي صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة، طالباً الحكم بعدم دستورية نص الفقرة الثانية من المادة الثالثة من القانون رقم 76 لسنة 1973 في شأن الخدمة العامة للشباب الذي أنهى المراحل التعليمية.
قدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع - على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - تتحصل في أن المدعي كان قد أقام الدعوى رقم 360 لسنة 21 قضائية - أمام المحكمة الإدارية بأسيوط - بطلب إلغاء قرار وزير الصناعة رقم 244 لسنة 1993 الصادر بتاريخ 12/ 12/ 1993 فيما تضمنه من ضم مدة الخدمة العامة للعاملين المبينة أسماؤهم به، مع ما يترتب على ذلك من آثار، تأسيساً على أنه عين بمصلحة الكيمياء بأقدمية في التعيين ترتد إلى 31/ 1/ 1992؛ وأن القرار المطعون عليه ضم إلى أقدمية زملائه من ذات دفعة تخرجه، سنة كاملة عن خدمتهم العامة، وأصبحت أقدميتهم بالتالي سابقة عليه، مما حداه إلى إقامة دعواه تلك.
وإذ دفع المدعي - أثناء نظر دعواه الموضوعية - بعدم دستورية نص الفقرة الثانية من المادة الثالثة من القانون رقم 76 لسنة 1973 في شأن الخدمة العامة للشباب الذي أنهى المراحل التعليمية؛ وكانت محكمة الموضوع قد قدرت جدية الدفع، وخولته رفع الدعوى الدستورية؛ فقد أقام الدعوى الماثلة.
وحيث إن القانون رقم 76 لسنة 1973 في شأن الخدمة العامة للشباب الذي أنهى المراحل التعليمية، قد نص في المادة الأولى منه على أنه "يجوز بقرار من وزير الشئون الاجتماعية، تكليف الشباب من الجنسين الذين أتموا المراحل التعليمية، المرحلة الثانوية أو أية مرحلة معادلة طبقاً للقانون، أو مرحلة التعليم فوق المتوسط، أو مرحلة التعليم العالي، ممن يزيدون على حاجة القوات المسلحة، أو يتقرر إعفاؤهم من الخدمة العسكرية، العمل في المجالات الآتية:
........"
وتقضي المادة الثالثة من هذا القانون بما يأتي:
فقرة أولى:
مدة التكليف بالخدمة العامة سنة، ويسمح لمن يصدر قرار بتكليفه بالتقدم إلى الوظائف الشاغرة في الحكومة، أو وحدات الحكم المحلي، أو الهيئات والمؤسسات العامة، أو في الوحدات الاقتصادية التابعة لها، أو في إحدى وحدات القطاع الخاص. ويتم تعيينه متى انطبقت عليه الشروط المطلوبة، على ألا يتسلم عمله ما لم يكن حاصلاً على شهادة من وزير الشئون الاجتماعية تفيد أداء الخدمة التي كلف بأدائها، أو أنه لم يكلف.
فقرة ثانية [المطعون عليها]:
وتضاف مدة التكليف إلى مدة الخدمة للمكلف بعد تعيينه، ويتقاضى عنها العلاوات المقررة.
وحيث إن المدعي ينعي على الفقرة الثانية من المادة 3 من القانون رقم 76 لسنة 1973 - المطعون عليها - انعدامها وعدم جواز تطبيق أحكامها، تأسيساً على أن حكمها صار منسوخاً بنص المادة 44 من قانون الخدمة العسكرية والوطنية الصادر بالقانون رقم 127 لسنة 1980 التي تعامل مدة الخدمة العسكرية والوطنية الفعلية الحسنة، كأنها قضيت بالخدمة المدنية، وبشرط ألا يترتب على حسابها على النحو المتقدم، أن تزيد أقدمية المجندين أو مدد خبرتهم على أقدمية أو مدد خبرة زملائهم في التخرج الذين عينوا في ذات الجهة.
ونسخها للفقرة المطعون عليها؛ مؤداه زوال حكمها.
وحتى بافتراض بقائها، فإن نصها خلا من قيد زميل التخرج المشار إليه بالمادة 44 من قانون الخدمة العسكرية والوطنية. ومؤداه أن يكون المكلفون بالخدمة العامة التي نظمها القانون رقم 76 لسنة 1973 المشار إليه، في مركز أفضل ممن انخرطوا في الجندية، وهما عملان قوميان. والتمييز دون مسوغ بين من يباشرونهما، يناقض مبدأ المساواة أمام القانون المنصوص عليه في المادة 40 من الدستور.
وحيث إن المادة الأولى من القانون رقم 19 لسنة 1977 في شأن بعض الأحكام الخاصة بالخدمة العامة للشباب الذي أنهى المراحل التعليمية تقضي بأن يعمل بحكم الفقرة الثانية من المادة الثالثة من القانون رقم 76 لسنة 1973 المعدلة بالقانون رقم 98 لسنة 1975، وذلك اعتباراً من تاريخ العمل بالقانون رقم 76 لسنة 1973.
وحيث إن الأصل في سلطة المشرع في مجال تنظيم الحقوق، أنها سلطة تقديرية ما لم يقيد الدستور ممارستها بضوابط تحد من إطلاقها، وتعتبر تخوماً لها لا يجوز اقتحامها أو تخطيها؛ وكان الحق في العمل يعتبر وثيق الصلة بالحق في الحياة، وبضرورة صون الحرية الشخصية من القيود التي ترهقها دون مقتض، وبتكامل الشخصية وتناميها، وبالقيم الخلقية التي يقوم عليها التضامن الاجتماعي، وبحق الناس جميعاً في تطوير مجتمعهم ضماناً لتنميته، فإن التمييز في مجال الانتفاع بالعمل - ودون ما ضرورة تقتضيها الشروط الموضوعية لتنظيمه - وعلى الأخص ما اتصل منها بالأوضاع التي ينبغي أن يمارس فيها، وما يحيطها من عناصر بيئتها، يكون مخالفاً للدستور.
وحيث إن قانون الخدمة العسكرية والوطنية الصادر بالقانون رقم 127 لسنة 1980 بعد أن نص بمادته الأولى على أن تفرض الخدمة العسكرية على الذكور من المصريين الذين أتموا الثامنة عشرة، والخدمة الوطنية على من أتموها من المصريين ذكوراً وإناثاً؛ قرنها بمادته الثانية التي نص البند ثانياً منها على أن يقصد بالخدمة في المنظمات الوطنية:
( أ ) أداء الخدمة العامة للمصريين ذكوراً وإناثاً من الفئات الخاضعة لأحكام القانون رقم 76 لسنة 1973 في شأن الخدمة العامة للشباب الذي أنهى المراحل التعليمية، وطبقاً لأحكامه.
(ب) أداء الخدمة العامة لغير من تقدم ذكرهم في البند السابق من الفئة المنصوص عليها في المادة (5)، وذلك وفقاً للشروط والأوضاع التي يصدر بها قرار من مجلس الوزراء.
وحيث إن المادة 44 من قانون الخدمة العسكرية والوطنية المشار إليه تقضي بما يأتي:
"تعتبر مدة الخدمة العسكرية والوطنية الفعلية الحسنة بما فيها مدة الاستبقاء بعد إتمام مدة الخدمة الإلزامية العاملة للمجندين الذين يتم تعيينهم أثناء مدة تجنيدهم أو بعد انقضائها بالجهاز الإداري للدولة ووحدات الإدارة المحلية والهيئات العامة ووحدات القطاع العام، كأنها قضيت بالخدمة المدنية، وتحسب هذه المدة في الأقدمية واستحقاق العلاوات المقررة.
كما تحسب كمدة خبرة وأقدمية بالنسبة إلى العاملين بالقطاع العام والجهات التي تتطلب الخبرة، أو تشترطها عن التعيين أو الترقية، ويستحقون عنها العلاوات المقررة.
وفي جميع الأحوال لا يجوز أن يترتب على حساب هذه المدة على النحو المتقدم أن تزيد أقدمية المجندين أو مدد خبراتهم، على أقدمية أو مدد خبرة زملائهم في التخرج الذين عينوا في ذات الجهة.
ويعمل بأحكام هذه المادة اعتباراً من 1/ 12/ 1968.
ومع عدم المساس بالحقوق المقررة بهذه المادة، لا يجوز الاستناد إلى الأقدمية المقررة بها للطعن على قرارات التعيين والترقية التي تمت في الفترة من 1/ 12/ 1968 حتى 1/ 12/ 1980 تاريخ العمل بالقانون".
وحيث إن الرقابة التي تباشرها هذه المحكمة على الشرعية الدستورية، لا شأن لها بالتعارض بين نصين قانونيين أياً كان موضعهما. وإنما مناطها الفصل فيما يدعى به من مخالفة النصوص القانونية - أياً كانت الجهة التي أقرتها أو أصدرتها - للدستور. وكلما صدر قانون لاحق ملغياً بأثر رجعي، النصوص القانونية التي تضمنها قانون سابق، وبما يزيل المضار التي أحدثتها، فإن الطعن عليها بمخالفتها الدستور يكون غير منتج.
ولا كذلك الفقرة المطعون عليها في النزاع الراهن، والتي لم يلغها قانون لاحق صراحة أو ضمناً. بل إن البند ثانياً من المادة الثانية من قانون الخدمة العسكرية والوطنية، يحيل صراحة إلى أحكام القانون رقم 76 لسنة 1973 المشار إليه، الذي فرض على المصريين - ذكوراً وإناثاً - أداء خدمتهم العامة - عند تكليفهم بها - في المنظمات الوطنية.
وحيث إن الأصل في الأقدمية أن تكون معبرة عن مدة فعلية قضاها العامل قائماً بأعباء عمله أو وظيفته، وهي بذلك لا تفترض، ولا يجوز حسابها على غير حقيقتها سواء بزيادتها أو إنقاصها، وقد قنن قانون نظام العاملين المدنيين في الدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1978 هذا الأصل بما نص عليه بالفقرة الأولى من المادة 24 منه من أقدمية العامل في الوظيفة المعين عليها، إنما تتحدد اعتباراً من تاريخ هذا التعيين. بيد أن مدد الخدمة الفعلية التي يقضيها العاملون في جهة عملهم، وإن كانت مُحَدِّدة لأقدميتهم وترتيبهم وظيفياً فيما بينهم، إلا أن أقدميتهم هذه قد تؤثر فيها عوامل أخرى.
فالمجندون خلال مدة التجنيد، وكذلك عند استبقائهم بعد انتهائها، لا يبرحون مواقعهم، فلا يعملون عند آخرين، شأنهم في ذلك شأن المكلفين بالخدمة العامة التي لا يتصور أن يكون زمنها حرثاً في البحر باعتبارها كالجندية، من المهام القومية التي لا يجوز لأحد أن يتنصل منها أو يتخلى عنها؛ ولا أن يضار بسبب أدائها؛ ولا أن تكون مباشرتها قيداً على حق العمل أو الفرص التي يتيحها؛ وكان على المشرع إما أن يستبد بتقديره، فلا يكون موقفه من مدة الخدمة الإلزامية التي أمضاها المجندون ومن في حكمهم، اعتدالاً، بل يضيفها بكاملها إلى مدة خدمتهم الفعلية في الجهة التي عينوا بها، محدداً من خلال تضاممهما أقدميتهم فيها، ولو جاوزوا بها - في مجموعها - أقدمية زملائهم في التخرج في الجهة ذاتها؛ وإما أن يكون منصفاً، فلا يعتد بكامل المدة التي يضيفها إلى خدمتهم الفعلية إلا بشرط محدد، هو ألا يكون من شأن حسابها على هذا النحو، تقدمهم على زملائهم في التخرج الذين عينوا قبلهم في هذه الجهة عينها، وتمرسوا - من خلال خدمتهم الفعلية فيها - بأعمالها وصاروا أكثر خبرة بها، وفهماً لها.
وحيث إن قانون الخدمة العسكرية وقانون الخدمة العامة يتفقان كلاهما فيما قرراه، من اعتبار مدة التجنيد ومدة الخدمة العامة كلتيهما وكأنهما قضيتا بالخدمة المدنية، إلا أنهما يفترقان فيما إذا كان حسابها على هذا النحو مطلقاً أم مقيداً. ذلك أن الفقرة الثالثة من المادة 44 من أولهما صريحة في نصها على أن مدة التجنيد - ويندرج تحتها مدة الاستبقاء - التي تُضِيفها إلى أقدمية المجند في الجهة التي عين بها، تقيدها أقدمية زميل التخرج المعين في الجهة ذاتها، فلا يجوز أن تجاوزها. ولا كذلك الفقرة الثانية من المادة 3 المطعون عليها التي لا تقيد مدة الخدمة العامة التي تضيفها إلى أقدمية المكلفين بها بقيد زميل التخرج، ولكنها تصل بها إلى كامل مداها، ولو ترتب عليها تقدمهم على زملائهم الذين تخرجوا معهم، وكانوا أسبق منهم في التعيين في الجهة ذاتها.
وحيث إن الخدمة العامة - بالشروط التي نظمها بها القانون الصادر في شأنها - تعتبر بديلاً عن الجندية التي يؤديها الملتزمون بها وفقاً لقانونها، وكان ينبغي بالتالي أن تقاس عليها، وأن تكون للخدمة العامة التي نقيسها على الجندية ونُعْطيها حكمها، مزايا يربو بها مركزها على الجندية المقيس عليها.
وحيث إن التكافؤ في المراكز القانونية، يفترض تماثل العناصر التي تؤلفها؛ وكان من المقرر أن لكل حق أوضاعاً يقتضيها، وآثاراً يرتبها من بينها في مجال حق العمل، ضمان الشروط التي يكون أداء العمل في نطاقها، محدداً على ضوء الأوضاع التي يتطلبها إنجازه وتطويره، فلا تنتزع هذه الشروط قسراً من محيطها، ولا يكون مضمونها انحرافاً بها عن مقاصدها؛ وكان لا يجوز التمييز بين المراكز القانونية التي يتكافأ أصحابها أمام القانون، إلا وفق شروط موضوعية تتحدد مشروعيتها الدستورية على ضوء ارتباطها عقلاً بأهدافها؛ وكانت الفقرة المطعون عليها - ومن خلال ضمها إلى مدة الخدمة الفعلية للمخاطبين بها، مدة خدمتهم العامة بكاملها، ولو جاوزوا بها أقدمية زملاء التخرج الذين سبقوهم إلى التعيين في جهة عملهم ذاتها - إنما تقيم تمييزاً غير مبرر بين المشمولين بحكمها ونظرائهم من المجندين؛ وتقدمهم كذلك على زملاء التخرج الذين يفضلونهم في خبراتهم من خلال أعمال الوظيفة التي أحاطوا بها وسبروا أغوارها أثناء خدمتهم الفعلية الأطول زمناً؛ والتي لا يجوز تقويض بنيانها عن طريق الاعتداد بكامل مدة الخدمة الفرضية التي لا تساويها قدراً، والتي تنافي بطبيعتها حقائق الأشياء؛ فإن الفقرة المطعون عليها - وفي حدود إغفالها لقيد زميل التخرج - تكون مخالفة للمادتين 40 و65 من الدستور.
وحيث إن ما تنص عليه الفقرة الثانية من المادة 27 من قانون نظام العاملين المدنيين في الدولة، من وجوب الاعتداد - سواء من حيث الأقدمية في درجة الوظيفة أو الأجر - بمدة الخبرة العملية للعامل التي تزيد على مدة الخبرة المطلوب توافرها لشغل الوظيفة، بشرط اتفاق هذه الخبرة مع طبيعة عمل الوظيفة المعين عليها، وألا يسبق بضم مدتها إلى أقدميته، أقدمية زميله المعين في الجهة ذاتها في وظيفة من الدرجة نفسها؛ وكان ذلك مؤداه اعتبار أقدمية هذا الزميل قيداً ينبغي أن تراعيه الجهة الإدارية عند حسابها مدة الخبرة العملية لمن يعين بعده، حتى لا يتقدم من كان طارئاً على الوظيفة، على من نهض بأعبائها من قبله؛ وعلى تقدير أن من باشر العمل فعلاً، أولى بالنظر ممن اعتبر قائماً به حكماً؛ وكانت المدة التي قَضَى قانون الخدمة العامة بإضافتها إلى أقدمية من يؤدونها بعد تعيينهم، لا تعتبر خبرة عمليه من نوع الخبرة التي تتطلبها الوظيفة التي عين بها، فلا تتجانس معها في خصائصها، ولا يعتبر ضمها إليهم إثراءً لهذه الوظيفة أو تعميقاً لمتطلباتها بما يكفل النهوض بها؛ فإن الفقرة المطعون عليها لا يمكن حملها على حكم المادة 27 من قانون العاملين المدنيين، ولا اعتبارها من تطبيقاتها، ولا تصويبها من خلال افتراض انطوائها على قيد زميل التخرج بعد أن خلا نصها من هذا القيد.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بعدم دستورية نص الفقرة الثانية من المادة الثالثة من القانون رقم 76 لسنة 1973 في شأن الخدمة العامة للشباب الذي أنهى المراحل التعليمية، وذلك فيما نصت عليه من إضافة مدة التكليف بالخدمة العامة إلى مدة خدمة المكلف بعد تعيينه، ودون أن يتقيد ضمها للمكلف على هذا النحو بألا تجاوز أقدميته، أقدمية زميله في التخرج الذي عين في ذات الجهة، وألزمت الحكومة المصروفات ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة.