أحكام المحكمة الدستورية العليا - الجزء الثامن
من أول يوليو 1996 حتى آخر يونيو 1998 - صـ 1321

جلسة 9 مايو 1998

برئاسة السيد المستشار الدكتور/ عوض محمد عوض المر - رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: الدكتور محمد إبراهيم أبو العينين ومحمد ولي الدين جلال ونهاد عبد الحميد خلاف وفاروق عبد الرحيم غنيم وحمدي محمد علي والدكتور عبد المجيد فياض، وحضور السيد المستشار الدكتور/ حنفي علي جبالي - رئيس هيئة المفوضين، وحضور السيد/ حمدي أنور صابر - أمين السر.

قاعدة رقم (100)
القضية رقم 65 لسنة 19 قضائية "دستورية"

1 - دعوى دستورية "المصلحة الشخصية المباشرة: مناطها".
مناط هذه المصلحة - وهي شرط لقبول الدعوى الدستورية - هو ارتباطها عقلاً بالمصلحة التي يقوم بها النزاع الموضوعي، ذلك بأن يكون الفصل في المسائل الدستورية لازماً للفصل في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها.
2 - جزاء "دستوريته":
الجزاء لا يكون مخالفاً للدستور كلما ارتبط عقلاً بأوضاع قدر المشرع ضرورة النزول عليها.
3 - جزاء جنائي - "فعل أو امتناع":
عدم اعتبار الجزاء جنائياً في غير دائرة الأفعال أو صور الامتناع التي جرمها المشرع من خلال عقوبة قرنها بإتيانها أو تركها.
4 - دستور "رعاية صحية تأمينية":
التزام الدولة - وفقاً للمادة 17 من الدستور - بأن توفر للرعاية الصحية والتأمينية لمواطنيها بيئتها وأسبابها - من الجائز أن يتحمل الآخرون من أشخاص القانون العام أو الخاص مع الدولة عبء هذه الرعاية.
5 - تشريع "نص المادة 5 من القانون رقم 126 لسنة 1981 بإنشاء المجلس الأعلى للرعاية العلاجية التأمينية: جزاء":
تراخي الجهات التي عينتها المادة 4 من القانون المشار إليه عن تقديم وثائق ما لديها من نظم علاجية أو الامتناع عن تنفيذ قرار المجلس في شأنها، مؤداه إلزامها بقيمة الاشتراكات المقررة عن المؤمن عليهم بمقتضى قانون التأمين الاجتماعي عن مدة التراخي أو الامتناع فلا يجاوز هذا الجزاء موازين الاعتدال.
6 - تشريع "نص المادة 5 من القانون رقم 126 لسنة 1981 - جزاء: تكييف":
الجزاء المقرر بهذه المادة لا يتمحض عبئاً ضريبياً - انحلاله تعويضاً عن خطأ صدر من الجهات التي عينتها المادة 4 من هذا القانون - اعتبار نص القانون مصدراً غير مباشر للتعويض عن هذا الخطأ.
1 - المصلحة الشخصية المباشرة - وهي شرط لقبول الدعوى الدستورية - مناطها ارتباطها عقلاً بالمصلحة التي يقوم بها النزاع الموضوعي، وذلك بأن يكون الفصل في المسائل الدستورية التي تُدعى هذه المحكمة لحسمها، لازماً للفصل في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها؛ وكانت المادة 5 المطعون عليها تقرر سريان أحكامها في شأن الجهات التي يعامل المنتسبون إليها وفقاً لنظام الأجور، وكذلك الجهات التي لا يعتبر منتسبوها خاضعين لهذا النظام؛ وكان الجزاء المقرر بنص المادة 5 المطعون عليها يتناول هاتين الفئتين؛ وكانت المدعية تتوخى بدعواها الدستورية إعفاءها من المبالغ التي حملتها بها المادة 5 المطعون عليها جزاء تخلفها عن تقديم نسخة معتمدة من النظام العلاجي لعمالها الخاضعين لقواعد الأجور، فإن مصلحتها في الطعن عليها تتحدد على ضوء ما تعلق من أحكامها بالجهات التي يعتبر منتسبوها كذلك. وعلى ضوء هذا النطاق، يتحدد موضوع الخصومة الدستورية، وكذلك المسائل التي تُدعى هذه المحكمة للفصل فيها.
2، 3 - إن الجزاء لا يكون مخالفاً للدستور، كلما ارتبط عقلاً بأوضاع قدر المشرع ضرورة النزول عليها، وكان ناجماً عن الإخلال بها. كذلك لا يعتبر الجزاء جنائياً في غير دائرة الأفعال أو صور الامتناع التي جرمها المشرع من خلال عقوبة قرنها بإتيانها أو تركها.
4 - ضمان الرعاية الصحية التأمينية، إنما يكون أصلاً من خلال الدولة تنفيذاً من جانبها لالتزامها بأن توفر لهذه الرعاية بيئتها وأسبابها وفقاً لنص المادة 17 من الدستور.
بيد أن التزامها بأن تكفل لمواطنيها ظروفاً أفضل، تتهيأ بها لخدماتهم الصحية ما يقيمها - في نوعها ونطاقها - على أسس ترعى احتياجاتهم منها وتُطَوِّرها، لا يعني أن تنفرد وحدها بصون متطلباتها، ولا أن تتحمل دون غيرها بأعبائها، وإلا كان ذلك تقويضاً لركائز التضامن الاجتماعي التي يقوم مجتمعها عليها. ومن ثم كان منطقياً أن يتضافر معها القادرون من مواطنيها في مجال النهوض بها، وأن يتخذ بعضهم في شأن عمالهم، نظماً علاجية يستقل بها، وتظلهم بحمايتها.
وذلك مؤداه، أن أشخاص القانون العام أو الخاص قد تتولى بوسائلها، رعاية من ينتسبون إليها من خلال نظم علاجية تخطتها لنفسها، وتعمد إلى تطبيقها في شأنهم.
5 - كلما تعلق الأمر بما يكون من هذه النظم قائماً عند العمل بالقانون رقم 126 لسنة 1981 المشار إليه، فإن على الجهات المنصوص عليها في المادة الرابعة من هذا القانون - خلال الميعاد المحدد بها - أن تعرض على المجلس الأعلى للرعاية العلاجية التأمينية، الوثائق المعتمدة التي تُظْهِر ملامح هذه النظم وخصائصها، وكذلك نطاق سريانها، وكيفية تنفيذها. فإن هي لم تعرضها على هذا المجلس خلال الميعاد المنصوص عليه في المادة الرابعة من هذا القانون؛ أو عرضتها عليه، ولكن قرار المجلس بشأنها ظل بلا تنفيذ في جانبها، كان ذلك واشياً بأن نظمها العلاجية يعتريها قصور يحول دون وفائها بالأغراض المقصودة منها، فلا يجوز التعويل عليها، وإنما يتعين معاملتها بافتراض أن عواراً أصابها يحول دون اعتمادها، ولا يقيمها بديلاً عن الرعاية العلاجية التي تكفلها الهيئة العامة للتأمين الصحي.
ويظل هذا الافتراض متصلاً بهذه النظم، طوال الفترة التي كان فيها التراخي عن تقديمها، أو الامتناع عن تنفيذ قرار المجلس بشأنها، قائماً. ومن ثم كان منطقياً أن يستصحب المشرع في شأن هذه الفترة، الأوضاع السابقة عليها، وأن يخضعها لقواعدها، وأن يقابلها بجزاء يكون مساوياً في أثره لقيمة الاشتراكات المقررة للمؤمن عليهم عنها بمقتضى قانون التأمين الاجتماعي الصادر بالقانون رقم 79 لسنة 1975.
إن هذا الجزاء - مقدراً على هذا النحو - لا يجاوز موازين الاعتدال، وإنما تقرر على ضوء علاقة منطقية تقوم بين إخلال الجهات المنصوص عليها في المادة 4 من القانون رقم 126 لسنة 1981 المشار إليه - وخلال المدة المحددة بها - بالتزاماتها المنصوص عليها فيها؛ وبين ضرورة أن يكون جزاء هذا الإخلال مرتبطاً بالمدة التي امتد إليها، ومعادلاً بالتالي لقيمة اشتراكاتها التي كان ينبغي عليها أن تؤديها عنها - وفقاً لقانون التأمين الاجتماعي - فيما لو لم تكن لديها نظم علاجية خاصة بها.
6 - الضريبة لا يفرضها إلا المشرع في شأن الملتزمين بها الذين يدفعونها دون خطأ من جانبهم، باعتبار أن مصدرها المباشر نص القانون. ولا يتمحض النص المطعون فيه عبئاً ضريبياً بهذا المعنى، وإنما ينحل تعويضاً عن خطأ صدر عن الجهات التي عينتها المادة 4 المشار إليها، بسبب إخلالها بواجبها في عرض نظمها العلاجية على المجلس خلال الميعاد المحدد بها، أو امتناعها عن تنفيذ قراره بشأنها بعد عرضها عليه. فلا يكون هذا النكول من جانبها إلا خطأ في جهتها ناجماً عن إعراضها عن القيود التي فرضها المشرع عليها دون تمييز بينها. ومن ثم يكون نص القانون مصدراً غير مباشر للتعويض عن هذا الخطأ.


الإجراءات

بتاريخ 30 من مارس سنة 1997، أودعت الشركة المدعية صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة، طالبة الحكم بعدم دستورية نص المادة الخامسة من القانون رقم 126 لسنة 1981، وذلك فيما نصت عليه من غرامة عن التأخير في تقديم نظام العلاج الخاص بها إلى المجلس الأعلى للرعاية العلاجية التأمينية.
قدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع - على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - تتحصل في أن الهيئة العامة للتأمين الصحي، كانت قد أقامت الدعوى رقم 1164 لسنة 1996 مدني كلي أمام محكمة مأمورية المحلة الكبرى الابتدائية بطلب الحكم بإلزام المدعية - شركة مصر للغزل والنسيج بالمحلة الكبرى - بأن تؤدي لها مبلغ 226.75 جنيهاً، فضلاً عن فوائد التأخير التي تدعي استحقاقها جزاء تراخي المدعية عن تقديم نسخة معتمدة من نظامها العلاجي لعمالها خلال الميعاد المقرر بالمادة (4) من القانون رقم 126 لسنة 1981 بإنشاء المجلس الأعلى للرعاية العلاجية التأمينية.
وإذ دفعت المدعية - وأثناء نظر النزاع الموضوعي - بعدم دستورية المادة (5) من هذا القانون، وكانت محكمة الموضوع قد قدرت جدية دفعها، فقد خولتها رفع الدعوى الدستورية في شأن المسائل الدستورية التي أثارتها، فأقامتها.
وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة - وهي شرط لقبول الدعوى الدستورية - مناطها ارتباطها عقلاً بالمصلحة التي يقوم بها النزاع الموضوعي، وذلك بأن يكون الفصل في المسائل الدستورية التي تُدعى هذه المحكمة لحسمها، لازماً للفصل في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها؛ وكانت المادة 5 المطعون عليها تقرر سريان أحكامها في شأن الجهات التي يعامل المنتسبون إليها وفقاً لنظام الأجور، وكذلك الجهات التي لا يعتبر منتسبوها خاضعين لهذا النظام؛ وكان الجزاء المقرر بنص المادة 5 المطعون عليها يتناول هاتين الفئتين؛ وكانت المدعية تتوخى بدعواها الدستورية إعفاءها من المبالغ التي حملتها بها المادة 5 المطعون عليها جزاء تخلفها عن تقديم نسخة معتمدة من النظام العلاجي لعمالها الخاضعين لقواعد الأجور، فإن مصلحتها في الطعن عليها تتحدد على ضوء ما تعلق من أحكامها بالجهات التي يعتبر منتسبوها كذلك. وعلى ضوء هذا النطاق، يتحدد موضوع الخصومة الدستورية، وكذلك المسائل التي تُدعى هذه المحكمة للفصل فيها.
وحيث إن المادة 4 من القانون رقم 126 لسنة 1981 بإنشاء المجلس الأعلى للرعاية العلاجية التأمينية، تقيد الجهات التي حددتها بضرورة عرض نظمها العلاجية مع وثائقها المعتمدة - خلال الميعاد المبين بها - على ذلك المجلس، وإلا حق عليها الجزاء المنصوص عليه في المادة 5 من هذا القانون، فإن هاتين المادتين معاً تشكلان وحدة عضوية في مجال الفصل في مناعي المدعية التي أثارتها في شأن المادة 5 المشار إليها.
وحيث إن المادتين 4 و5/ 1 من القانون المطعون عليه تجريان على النحو الآتي:
مادة 4:
مع عدم الإخلال بما تقضي به المادة 72 من قانون التأمين الاجتماعي الصادر بالقانون رقم 79 لسنة 1975 تلتزم جميع الوزارات والمصالح والهيئات العامة والوحدات الاقتصادية وأصحاب الأعمال بالقطاع الخاص والنقابات المهنية والعمالية التي تتولى بنفسها رعاية المنتسبين إليها علاجياً بالتقدم إلى المجلس الأعلى للرعاية العلاجية التأمينية خلال ستة أشهر من تاريخ العمل بهذا القانون بنسخة معتمدة عن نظام العلاج والقواعد والتعليمات الخاصة بكيفية تنفيذه وبيان إحصائي بعدد المستفيدين به، وتلتزم هذه الجهات بالاستمرار في تقديم خدماتها العلاجية حتى يصدر المجلس قراره بشأنها.
وعلى جميع الجهات التي تزمع تطبيق نظام الرعاية العلاجية لأعضائها أو للعاملين لديها أو أسرهم أن تتقدم إلى المجلس الأعلى بنسخة من الوثائق المشار إليها بالفقرة السابقة وألا تزاول نشاطها إلا بعد الترخيص لها بذلك.
مادة 5 (فقرة أولى):
إذا لم تقدم أية جهة من الجهات المشار إليها بالمادة السابقة، نظامها إلى المجلس في الموعد المشار إليه، أو خالفت قرارات المجلس الأعلى بشأنها، التزمت بدفع قيمة الاشتراكات المقررة بمقتضى أحكام قانون التأمين الاجتماعي الصادر بالقانون رقم 79 لسنة 1975 للمؤمن عليهم وذلك عن المدة التي تخلفت فيها عن تقديم النظام أو امتنعت فيها عن تنفيذ قرار المجلس. فإذا لم يكن المنتسبون للجهة المذكورة خاضعين لنظام الأجور، التزمت الجهة بأن تدفع سنوياً، ما يعادل 50% من قيمة الاشتراك السنوي الذي يؤديه العضو المنتسب للاستفادة من الخدمة العلاجية، أو جنيهاً واحداً أيهما أقل، عن مدة التخلف عن كل عضو مستفيد.
وحيث إن المدعية تنعي على المادة 5 المطعون عليها مخالفتها للمواد 38 و65 و66 من الدستور من النواحي الآتي بيانها:
1 - انطواؤها على توقيع عقوبة بغير حكم قضائي، ومناقضتها أصل الخضوع للقانون، تقديراً بأن القوانين التي تفرض جزاءً جنائياً، لا يجوز أن يقاس عليها، ولا أن يلحق بها حكم غير متعلق بها، وإنما يتعين تفسيرها تفسيراً ضيقاً.
2 - إن مجرد تأخر شركة قطاع الأعمال العام - المدعية - في أن تقدم نظامها الخاص بالرعاية الصحية إلى المجلس الأعلى للرعاية العلاجية التأمينية، لا يجوز أن يكون مساوياً في أثره لنظم علاجية غير قائمة أصلاً، ولا أن يكون الجزاء على هذا التأخير - ممثلاً في المبالغ التي فرضها النص المطعون فيه عليها - فاحشاً، ذلك أن شرعية الجزاء - جنائياً كان أم مدنياً أم إدارياً - مناطها أن يكون متناسباً مع الأفعال التي أثمها المشرع أو منعها.
3 - إن النص المطعون فيه لا يتوخى غير مجرد تمكين الدولة من جباية الأموال دون حق، وبما ينافي التزامها بضمان العدالة الاجتماعية وفقاً لنص المادة 38 من الدستور.
وحيث إن الجزاء لا يكون مخالفاً للدستور، كلما ارتبط عقلاً بأوضاع قدر المشرع ضرورة النزول عليها، وكان ناجماً عن الإخلال بها. كذلك لا يعتبر الجزاء جنائياً في غير دائرة الأفعال أو صور الامتناع التي جرمها المشرع من خلال عقوبة قرنها بإتيانها أو تركها.
وحيث إن المشرع أقام المجلس الأعلى للرعاية العلاجية التأمينية، من أجل دراسة السياسة العامة لهذه الرعاية، ومتابعة تنفيذها، ومراجعتها على ضوء النتائج التي يسفر عنها تطبيقها، والتنسيق بين نظمها المختلفة بما يكفل تكاملها، وبمراعاة أن تنبسط مظلتها إلى آفاق جديدة تكفل مستوياتها الأفضل - بعداً وعمقاً - بما يوفر مزيداً من فرص الانتفاع بها، ويصون للرعاية العلاجية التأمينية معدلاتها وحدودها التي تلائم بين نظمها من جهة، وضرورة تطوير وسائلها من جهة أخرى.
وحيث إن ضمان الرعاية الصحية التأمينية، إنما يكون أصلاً من خلال الدولة تنفيذاً من جانبها لالتزامها بأن توفر لهذه الرعاية بيئتها وأسبابها وفقاً لنص المادة 17 من الدستور.
بيد أن التزامها بأن تكفل لمواطنيها ظروفاً أفضل، تتهيأ بها لخدماتهم الصحية ما يقيمها - في نوعها ونطاقها - على أسس ترعى احتياجاتهم منها وتُطَوِّرها، لا يعني أن تنفرد وحدها بصون متطلباتها، ولا أن تتحمل دون غيرها بأعبائها، وإلا كان ذلك تقويضاً لركائز التضامن الاجتماعي التي يقوم مجتمعها عليها. ومن ثم كان منطقياً أن يتضافر معها القادرون من مواطنيها في مجال النهوض بها، وأن يتخذ بعضهم في شأن عمالهم، نظماً علاجية يستقل بها، وتظلهم بحمايتها.
وحيث إن ذلك مؤداه، أن أشخاص القانون العام أو الخاص قد تتولى بوسائلها، رعاية من ينتسبون إليها من خلال نظم علاجية تخطتها لنفسها، وتعمد إلى تطبيقها في شأنهم.
وكلما تعلق الأمر بما يكون من هذه النظم قائماً عند العمل بالقانون رقم 126 لسنة 1981 المشار إليه، فإن على الجهات المنصوص عليها في المادة الرابعة من هذا القانون - خلال الميعاد المحدد بها - أن تعرض على المجلس الأعلى للرعاية العلاجية التأمينية، الوثائق المعتمدة التي تُظْهِر ملامح هذه النظم وخصائصها، وكذلك نطاق سريانها، وكيفية تنفيذها. فإن هي لم تعرضها على هذا المجلس خلال الميعاد المنصوص عليه في المادة الرابعة من هذا القانون؛ أو عرضتها عليه، ولكن قرار المجلس بشأنها ظل بلا تنفيذ في جانبها، كان ذلك واشياً بأن نظمها العلاجية يعتريها قصور يحول دون وفائها بالأغراض المقصودة منها، فلا يجوز التعويل عليها، وإنما يتعين معاملتها بافتراض أن عواراً أصابها يحول دون اعتمادها، ولا يقيمها بديلاً عن الرعاية العلاجية التي تكفلها الهيئة العامة للتأمين الصحي.
ويظل هذا الافتراض متصلاً بهذه النظم، طوال الفترة التي كان فيها التراخي عن تقديمها، أو الامتناع عن تنفيذ قرار المجلس بشأنها، قائماً. ومن ثم كان منطقياً أن يستصحب المشرع في شأن هذه الفترة، الأوضاع السابقة عليها، وأن يخضعها لقواعدها، وأن يقابلها بجزاء يكون مساوياً في أثره لقيمة الاشتراكات المقررة للمؤمن عليهم عنها بمقتضى قانون التأمين الاجتماعي الصادر بالقانون رقم 79 لسنة 1975.
وحيث إن هذا الجزاء - مقدراً على هذا النحو - لا يجاوز موازين الاعتدال، وإنما تقرر على ضوء علاقة منطقية تقوم بين إخلال الجهات المنصوص عليها في المادة 4 من القانون رقم 126 لسنة 1981 المشار إليه - وخلال المدة المحددة بها - بالتزاماتها المنصوص عليها فيها؛ وبين ضرورة أن يكون جزاء هذا الإخلال مرتبطاً بالمدة التي امتد إليها، ومعادلاً بالتالي لقيمة اشتراكاتها التي كان ينبغي عليها أن تؤديها عنها - وفقاً لقانون التأمين الاجتماعي - فيما لو لم تكن لديها نظم علاجية خاصة بها، ذلك أن الأصل في النظم العلاجية القائمة عند العمل بهذا القانون، أن تكون مستوفية لعناصر تكاملها وجوهر متطلباتها، كافلة تحقيق أهدافها. والتقصير في عرض وثائقها المعتمدة على المجلس الأعلى للرعاية العلاجية التأمينية، وكذلك غض البصر عن تنفيذ ما قرره المجلس في شأن هذه النظم بعد عرضها عليه، يثير شكوكاً خطيرة حول جديتها، أو على الأقل في شأن مناسبتها لضمان الأغراض المقصودة منها، فلا تعامل بافتراض صلاحيتها، وإنما ينظر إليها على تقدير انعدامها.
وحيث إن ما تنعاه المدعية من مخالفة النص المطعون فيه للمادة 38 من الدستور، والتي تقيم النظم الضريبية على اختلافها على قاعدة العدالة الاجتماعية، مردود بأن الضريبة لا يفرضها إلا المشرع في شأن الملتزمين بها الذين يدفعونها دون خطأ من جانبهم، باعتبار أن مصدرها المباشر نص القانون. ولا يتمحض النص المطعون فيه عبئاً ضريبياً بهذا المعنى، وإنما ينحل تعويضاً عن خطأ صدر عن الجهات التي عينتها المادة 4 المشار إليها، بسبب إخلالها بواجبها في عرض نظمها العلاجية على المجلس خلال الميعاد المحدد بها، أو امتناعها عن تنفيذ قراره بشأنها بعد عرضها عليه. فلا يكون هذا النكول من جانبها إلا خطأ في جهتها ناجماً عن إعراضها عن القيود التي فرضها المشرع عليها دون تمييز بينها. ومن ثم يكون نص القانون مصدراً غير مباشر للتعويض عن هذا الخطأ.
وحيث إن النص المطعون فيه لا يتعارض مع أحكام الدستور من أوجه أخرى.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة برفض الدعوى، وبمصادرة الكفالة، وألزمت المدعية المصروفات ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة.