أحكام المحكمة الدستورية العليا - الجزء الثامن
من أول يوليو 1996 حتى آخر يونيو 1998 - صـ 1331

جلسة 9 مايو 1998

برئاسة السيد المستشار الدكتور/ عوض محمد عوض المر - رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: الدكتور محمد إبراهيم أبو العينين ومحمد ولي الدين جلال ونهاد عبد الحميد خلاف وفاروق عبد الرحيم غنيم وحمدي محمد علي ومحمد علي سيف الدين، وحضور السيد المستشار الدكتور/ حنفي علي جبالي - رئيس هيئة المفوضين، وحضور السيد/ حمدي أنور صابر - أمين السر.

قاعدة رقم (101)
القضية رقم 121 لسنة 19 قضائية "دستورية"

1 - علاقة زوجية "تحكيم" - تشريع "المادة 11 من المرسوم بقانون رقم 25 لسنة 1929 الخاص ببعض أحكام الأحوال الشخصية: قضاء سابق":
مؤدى قضاء المحكمة الدستورية العليا برفض الدعوى بعدم دستورية النص المشار إليه أن أصل التحكيم عند وقوع شقاق بين الزوجين مقرر بالنصوص القرآنية ذاتها - اقتصار مهمة الحكمين على الصلح بين الزوجين أم امتدادها إلى التفريق بينهما عند إخفاقهما في ذلك من المسائل الخلافية التي يسوغ الاجتهاد فيها.
2 - تشريع "نص المادة العاشرة من المرسوم بقانون رقم 25 لسنة 1929 المعدل بالقانون رقم 100 لسنة 1985: تطليق":
اقتراح الحكمين - وفقاً لهذه المادة - تطليق الزوجة إذا استعصى خلافها مع زوجها على الإصلاح، واقتراح ما يلزم من حقوق مالية حسب الأحوال المقررة فيها، لا يناقض أصول الشريعة الإسلامية.
1 - إن دستورية المادة 11 من المرسوم بقانون رقم 25 لسنة 1929 الخاص ببعض أحكام الأحوال الشخصية، كان أمرها معروضاً على هذه المحكمة في الدعوى المقيدة بجدولها برقم 82 لسنة 17 قضائية "دستورية"، والتي قضت برفضها وذلك بحكمها الصادر في 5/ 7/ 1997، والمنشور بالجريدة الرسمية في 19/ 7/ 1997.
إن قضاء هذه المحكمة - في الدعوى المشار إليها - مؤداه أن أصل التحكيم عند وقوع شقاق بين الزوجين، مقرر بالنصوص القرآنية ذاتها، وأن الفصل فيما إذا كان الحكمان لا يملكان إلا أن يصلحا بين زوجين استفحل جفاؤهما؛ أم أنهما مطالبان عند إخفاقهما في ذلك، بأن يفرقا بينهما بمال أو بغير مال، من المسائل الخلافية في الشريعة الإسلامية التي يسوغ الاجتهاد فيها بما يكفل كمالها ومرونتها، فلا تنغلق على نفسها، أو تردها أقوال أحد الفقهاء عن النظر في شئونها، وإلا كان ذلك نهياً عن التأمل والتبصر في دين الله تعالى، وإنكاراً لحقيقة أن الخطأ محتمل في كل اجتهاد، وأن آراء الفقهاء جميعها ينبغي أن تقابل ببعضها، وأن يكون تقييمها محدداً على ضوء المصلحة التي يقوم عليها دليل شرعي.
2 - المادة العاشرة المطعون عليها، لا تخول الحكمين بعد بَعْثِهِمَا إلى الزوجين، إلا أن يقترحا تطليق الزوجة إذا صار خلافها مع زوجها مستعصياً على الإصلاح، وأن ينظرا فيمن أساء منهما إلى الآخر.
فإذا تعذر عليهما أن يعرفا أحوالهما، اقترحا التطليق بغير مال؛ فإن كانت الإساءة كلها من جهة زوجها اقترح الحكمان تطليقها دون انتقاص شيء من حقوقها المترتبة على الزواج والطلاق. ولا كذلك أن تكون الإساءة كلها من جهتها هي، إذ يجوز للحكمين أن يُحَمِّلانها بما يُعَوِّضه عنها. فإن كانا شريكين في الإساءة، اقترحا تطليقها بدون عوض، أو بقدر منه يكون متناسباً مع دورها فيها.
وما ذلك إلا إعمالاً لحكم العقل فيما لا نص فيه، واقعاً في إطار المسائل المختلف عليها في الشريعة الإسلامية، وبما لا يناقض أصولها ومقاصدها.


الإجراءات

في السابع عشر من يونيو سنة 1997، أودع المدعي صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة، طلباً للحكم بعدم دستورية نص المادة العاشرة من المرسوم بقانون رقم 25 لسنة 1929 الخاص ببعض أحكام الأحوال الشخصية المعدل بالقانون رقم 100 لسنة 1985 بتعديل بعض أحكام قوانين الأحوال الشخصية.
قدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم بعدم قبول الدعوى أو برفضها.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع - على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - تتحصل في أن المدعى عليها الأولى كانت قد أقامت الدعويين رقمي 1083 لسنة 1987، 54 لسنة 1988 أحوال شخصية كلي الإسكندرية ضد المدعي ابتغاء القضاء بعدم الاعتداد بإنذاري الطاعة الموجهين منه إليها في 31/ 8/ 1987، 28/ 12/ 1987، وتطليقها عليه طلقة بائنة للضرر قولاً منها بأن المدعي غير أمين عليها، وأنه وجه إليها الإنذارين محل اعتراضها بعد امتناعه عن الإنفاق عليها، وإقامتها دعوى نفقة ضده؛ قاصداً وقف نفقتها وولديه منه. وبعد أن قررت المحكمة ضم الدعويين؛ بعثت حكمين للتوفيق بين الطرفين، ثم قضت في 9/ 4/ 1990 - وعلى ضوء التقرير الذي رفعاه إليها - بتطليق المدعى عليها الأولى على المدعي طلقة بائنة، وبعدم الاعتداد بإنذاري الطاعة أنفي البيان، فاستأنف المدعي هذا الحكم بالاستئناف رقم 118 لسنة 90 قضائية شرعي الإسكندرية.
وبتاريخ 8/ 6/ 1992 قضت المحكمة الاستئنافية بتأييد الحكم المستأنف. طعن المدعي في ذلك الحكم بطريق النقض، حيث قيد طعنه برقم 206 لسنة 62 قضائية أحوال شخصية. وبتاريخ 22/ 4/ 1996 قضت محكمة النقض بنقض الحكم المطعون فيه والإحالة. وأثناء نظر الدعوى أمام محكمة استئناف الإسكندرية - بعد الإحالة - دفع المدعي بعدم دستورية نص المادة العاشرة من المرسوم بقانون رقم 25 لسنة 1929 الخاص ببعض أحكام الأحوال الشخصية وبعد تقديرها جدية دفعه. أذنت محكمة الموضوع المدعي برفع دعواه الدستورية؛ فأقامها.
وحيث إن النزاع الموضوعي يدور حول طلب المدعى عليها الأولى التطليق على المدعي أثناء نظر اعتراضها على دعوته إياها إلى مسكن الزوجية طبقاً للمادة 11 مكرر ثانياً من المرسوم بقانون رقم 25 لسنة 1929 الخاص ببعض أحكام الأحوال الشخصية.
وحيث إن الفقرة الأخيرة من المادة 11 مكرراً ثانياً - المشار إليها - توجب على المحكمة عند نظر الاعتراض؛ أو بناء على طلب أحد الزوجين، التدخل لإنهاء النزاع بينهما صلحاً باستمرار الزوجية وحسن المعاشرة. فإذا بان لها أن خلافهما صار مستحكماً وشقاقهما عميقاً، وطلبت الزوجة التطليق، اتخذت المحكمة إجراءات التحكيم الموضحة في المواد من 7 إلى 11 من هذا القانون، والتي جرت نصوصها على النحو التالي:
مادة 7:
"يشترط في الحكمين أن يكونا عدلين من أهل الزوجين إن أمكن، وإلا فمن غيرهم ممن لهم خبرة بحالهما وقدرة على الإصلاح بينهما".
مادة 8:
( أ ) يشمل قرار بعث الحكمين على تاريخ بدء وانتهاء مأموريتهما على ألا تجاوز مدة ستة أشهر، وتخطر الحكمين والخصوم بذلك، وعليها تحليف كل من الحكمين اليمين بأن يقوم بمهمته بعدل وأمانة.
(ب) يجوز للمحكمة أن تعطي للحكمين مهلة أخرى مرة واحدة لا تزيد على ثلاثة أشهر، فإن لم يقدما تقريرهما اعتبرتهما غير متفقين.
مادة 9:
لا يؤثر في سير عمل الحكمين امتناع أحد الزوجين عن حضور مجلس التحكيم متى تم إخطاره. وعلى الحكمين أن يتعرفا أسباب الشقاق بين الزوجين، ويبذلا جهدهما في الإصلاح بينهما على أية طريقة ممكنة.
مادة 10: (المطعون عليها)
إذا عجز الحكمان عن الإصلاح:
1 - فإن كانت الإساءة كلها من جانب الزوج اقترح الحكمان التطليق بطلقة بائنة دون مساس بشيء من حقوق الزوجة المترتبة على الزواج والطلاق.
2 - إذا كانت الإساءة كلها من جانب الزوجة، اقترحا التطليق نظير بدل مناسب يقدرانه تلزم به الزوجة.
3 - إذا كانت الإساءة مشتركة، اقترحا التطليق دون بدل أو ببدل يتناسب مع نسبة الإساءة.
4 - وإن جهل الحال فلم يعرف المسيء منهما، اقترح الحكمان تطليقاً دون بدل.
مادة 11:
على الحكمين أن يرفعا تقريرهما إلى المحكمة مشتملاً على الأسباب التي بني عليها. فإن لم يتفقا، بعثتهما مع ثالث له خبرة بالحال وقدرة على الإصلاح، وحلفته اليمين المبينة في المادة (8). وإذا اختلفوا أو لم يقدموا تقريرهم في الميعاد، سارت المحكمة في الإثبات. وإن عجزت المحكمة عن التوفيق بين الزوجين، وتبين استحالة العشرة بينهما؛ وأصرت الزوجة على الطلاق، قضت المحكمة بالتطليق بينهما بطلقة بائنة، مع إسقاط حقوق الزوجة المالية. كلها أو بعضها، وإلزامها بالتعويض المناسب إن كان لذلك كله مقتض.
وحيث إن المدعي ينعي على نص المادة العاشرة المطعون عليها، مخالفته الشريعة الإسلامية في مبادئها الكلية المقطوع بثبوتها ودلالتها التي لا تخول الزوجة أن تدعي إضرار زوجها بها، ولا أن يوافقها الحكمان على إدعائها ويقترحان تطليقها من زوجها ونظير بدل في بعض الأحيان.
وحيث إن دستورية المادة 11 من المرسوم بقانون رقم 25 لسنة 1929 الخاص ببعض أحكام الأحوال الشخصية، كان أمرها معروضاً على هذه المحكمة في الدعوى المقيدة بجدولها برقم 82 لسنة 17 قضائية "دستورية"، والتي قضت برفضها بحكمها الصادر في 5/ 7/ 1997، والمنشور بالجريدة الرسمية في 19/ 7/ 1997، محمولاً في ذلك على دعائم حاصلها:
1 - اطرد قضاء هذه المحكمة، على أن حكم المادة الثانية من الدستور - بعد تعديلها في 22 من مايو سنة 1980 - يقيد السلطة التشريعية اعتباراً من تاريخ العمل بهذا التعديل، وأن مؤداه ألا تناقض تشريعاتها مسائل الشريعة الإسلامية التي لا يجوز الاجتهاد فيها، والتي تمثلها ثوابتها - مصدراً وتأويلاً - إذ هي عصية على التأويل فلا يجوز تحريفها، بل يتعين رد النصوص القانونية إليها للفصل في تقرير اتفاقها أو مخالفتها للدستور.
ولا كذلك الأحكام الظنية غير المقطوع بثبوتها أو بدلالتها، أو بهما معاً، ذلك أن دائرة الاجتهاد تنحصر فيها، ولا تمتد لسواها؛ وهي بطبيعتها متطورة تتغير بتغير الزمان والمكان؛ لضمان مرونتها وحيويتها، ولمواجهة النوازل على اختلافها تنظيماً لشئون العباد بما يكفل مصالحهم المعتبرة شرعاً؛ ولا يعطل بالتالي حركتهم في الحياة؛ على أن يكون الاجتهاد دوماً واقعاً في إطار الأصول الكلية للشريعة بما لا يجاوزها؛ ملتزماً ضوابطها الثابتة، متحرياً مناهج الاستدلال على الأحكام العملية والقواعد الضابطة لفروعها، كافلاً صون المقاصد الكلية للشريعة بما تقوم عليه من حفاظ على الدين والنفس والعقل والعرض والمال.
2 - الأصل أن يكون المؤمن منصفاً، رءوفاً بالأقربين، فلا يمد يده لأحد بسوء ولا يلحق بالآخرين ضرراً غير مبرر، وما الزواج إلا علاقة نفسية واجتماعية يرتهن بقاؤها بمودتها ورحمتها، باعتدالها ويقظتها، بعدلها وإحسانها. ولا يعدو طلب المرأة التفريق بينها وبين زوجها إذا أرهقها صعوداً بما يجاوز حد احتمالها، أن يكون جزاء وفاقاً بعد أن صار خلافهما عاتياً، ومسراه ضلالاً.
3 - إن أصل التحكيم عند وقوع شقاق بين الزوجين مرده إلى قوله تعالى ﴿وإن خفتم شقاق بينهما، فابعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها إن يريدا إصلاحاً يوفق الله بينهما، إن الله كان عليماً خبيراً﴾؛ وإذ كان الفصل فيما إذا كان الحكمان لا يكلفان إلا بأن يصلحا بين زوجين استفحل عنادهما وجفاؤهما؛ أم أنهما مطالبان عند إخفاقهما في ذلك بأن يفرقا بينهما بمال أو بغير مال، رضيا أم أبيا؛ لا يندرج تحت المسائل التي حسمتها الشريعة الإسلامية في مبادئها الكلية المقطوع بثبوتها ودلالتها، فإن حدود مهمتهما تعد من المسائل الاجتهادية التي يتصور أن تتباين الأنظار في شأنها.
فمن نظر من الفقهاء - كأبي حنيفة وأصحابه والظاهرية والشيعة الإمامية والشافعي في أحد قوليه - إلى أن عمل الحكمين لا يجاوز سعيهما إلى التوفيق بين زوجين استحكم خلافهما، سلباهما حق التفريق إلا بتفويض من الزوج، استصحاباً للأصل في الطلاق، وهو معقود بيده إلا أن يوكل غيره فيه؛ ولأن الحياة الزوجية - في رأيهم - لا تصفو من شقاق يخالطها عادة، فلا يجوز أن يكون خلافهما أياً كان مداه، سبباً لحل عقدتها وفصم رابطتها.
ومن نحا من الفقهاء إلى جعلهما حاكمين، كالمالكية وأحمد بن حنبل في إحدى روايتين عنه، يخولانهما أن يقررا في شأن الزوجين ما ينتهيان إليه بعد بحثهما لأحوالهما، سواء كان قرارهما بجمعهما أم بالتفريق بينهما، على أن يتولى القاضي إمضاء حكمهما وتنفيذه. وهم يؤسسون اجتهادهم على أن الله تعالى اعتبر المبعوثين حكمين لا وكيلين، ولو أرادهما وكيلين ما قَصَرَهُما على أهله وأهلها. وبعثهما إلى الزوجين غير معلق على قبول زوجها. ولا يتصور بالتالي أن يكون قد أنابهما عنه في مهمتهما محدداً إطارها. كذلك فإن اتصال الشقاق بين زوجين واطراد نزاعهما يشي بأن جذوة حياتهما تكاد أن ترتد عن مواقعها، وأن مضاراً يتعذر احتمالها أو القبول بها، صار أمرها بادياً وأثرها ملحوظاً، فإذا لم يتدخل زوجها لرفعها، قام الحكمان بدفعها.
4 - أنه في دائرة المسائل الخلافية التي تتفرق الآراء من حولها، والتي لا تتقيد حلولها بغير ما يكفل للعباد مصالحهم المعتبرة شرعاً، وبما يرد الأمر المتنازع عليه إلى الله والرسول، قدر المشرع - وعلى ضوء السلطة التي يملكها في مجال استنباط الأحكام الشرعية العملية من أدلتها التفصيلية - أن إنهاء الشقاق بين زوجين، يقتضي من المحكمة أن تتدخل أولاً بنفسها لإصلاح أمرهما، وأن تدعوهما إلى حسن المعاشرة. فإذا بان لها أن جهدها قد قصر عن بلوغ الأغراض التي توخاها، وأن خلافهما قد أحاط بهما، وأنهما أسرفا على نفسيهما، كان عليها أن تحيل أمرهما إلى حكمين ينظران في أحوالهما، ويتقصيان مظاهر النزاع بينهما وأسبابه، لا ليباشرا سلطة التفريق بينهما - وإنما ليكشفا عمن يكون منهما مسيئاً إلى الآخر، وما ينبغي أن يرفع به النزاع من تطليق دون بدل أو ببدل.
5 - إن ما نص عليه الدستور في المادة 9 - وأحكامه متكاملة لا تنافر فيها - من أن الأسرة قوامها الدين والأخلاق والوطنية، وأن صون طابعها الأصيل وإرساء قيمها وتقاليدها ضرورة لا يجوز لأحد أن ينحيها، مؤداه أن الأسرة لا يصلحها شقاق استفحل مداه ومزق تماسكها ووحدتها، ودهمها بالتالي تباغض يشقيها، بما يصد عنها تراحمها وتناصفها، فلا يرسيها على الدين والخلق القويم. وإذ كان نص المادة الحادية عشرة من قانون الأحوال الشخصية، يجيز التفريق بين زوجين غشيهما وأمضهما نزاع مستحكم - ليهيئ لهما مخرجاً يرد عنهما كل حرج، ويزيل عسرهما، فإنه بذلك لا يكون مخالفاً للدستور.
وحيث إن قضاء هذه المحكمة مؤداه أن أصل التحكيم عند وقوع شقاق بين الزوجين، مقرر بالنصوص القرآنية ذاتها، وأن الفصل فيما إذا كان الحكمان لا يملكان إلا أن يصلحا بين زوجين استفحل جفاؤهما؛ أم أنهما مطالبان عند إخفاقهما في ذلك، بأن يفرقا بينهما بمال أو بغير مال، من المسائل الخلافية في الشريعة الإسلامية التي يسوغ الاجتهاد فيها بما يكفل كمالها ومرونتها، فلا تنغلق على نفسها، أو تردها أقوال أحد الفقهاء عن النظر في شئونها، وإلا كان ذلك نهياً عن التأمل والتبصر في دين الله تعالى، وإنكاراً لحقيقة أن الخطأ محتمل في كل اجتهاد، وأن آراء الفقهاء جميعها ينبغي أن تقابل ببعضها، وأن يكون تقييمها محدداً على ضوء المصلحة التي يقوم عليها دليل شرعي.
وحيث إن المادة العاشرة المطعون عليها، لا تخول الحكمين بعد بَعْثِهِمَا إلى الزوجين، إلا أن يقترحا تطليق الزوجة إذا صار خلافها مع زوجها مستعصياً على الإصلاح، وأن ينظرا فيمن أساء منهما إلى الآخر.
فإذا تعذر عليهما أن يعرفاه، اقترحا التطليق بغير مال؛ فإن كانت الإساءة كلها من جهة زوجها اقترح الحكمان تطليقها دون انتقاص شيء من حقوقها المترتبة على الزواج والطلاق. ولا كذلك أن تكون الإساءة كلها من جهتها هي، إذ يجوز للحكمين أن يُحَمِّلانها بما يُعَوِّضه عنها. فإن كانا شريكين في الإساءة، اقترحا تطليقها بدون عوض، أو بقدر منه يكون متناسباً مع دورها فيها.
وما ذلك إلا إعمالاً لحكم العقل فيما لا نص فيه، واقعاً في إطار المسائل المختلف عليها في الشريعة الإسلامية، وبما لا يناقض أصولها ومقاصدها.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة برفض الدعوى، وبمصادرة الكفالة، وألزمت المدعي المصروفات ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة.