أحكام النقض - المكتب الفني- جنائي
العدد الثالث - السنة 20 - صـ 1149

جلسة 27 من أكتوبر سنة 1969

برياسة السيد المستشار/ محمد أبو الفضل حفني، وعضوية السادة المستشارين: إبراهيم الديواني، وطه الصديق دنانة، ومصطفى الأسيوطي، ومحمد ماهر حسن.

(227)
الطعن رقم 869 لسنة 39 القضائية

(أ، ب) رشوة. جريمة. "أركانها". إثبات. "إثبات بوجه عام". موظفون عموميون. "اختصاصهم". اختصاص. "اختصاص الموظف العام". حكم. "تسبيبه. تسبيب معيب".
( أ ) وجوب بناء الأحكام الجنائية على الجزم واليقين.
المرجع في تحديد اختصاص المتهم بالرشوة هو الجهة الإدارية المختصة.
اضطراب فكرة الحكم واختلالها في مسألة اختصاص المتهم بالرشوة يعيب الحكم.
دفع الجعل لعمل خارج نطاق عمل المتهم الرسمي. انحسار وصف الرشوة عنه.
عمل المجني عليه مع المتهم في مكان واحد. أثره. علمه بالضرورة طبيعة عمل المتهم وحدود اختصاصه بحسب المنطق الطبيعي للأمور. وجوب بحث الحكم استقامة الزعم بالاختصاص في هذه الحالة.
(ب) اختصاص الموظف بالعمل الذي طلب إليه أداؤه سواء كان الاختصاص حقيقياً أو مزعوماً. ركن في جريمة الرشوة. المادتان 103 و103 مكرراً عقوبات.
1 - إذا كان الحكم المطعون فيه قد تردد في وصف الطاعن، طوراً بأنه ميكانيكي، وطوراً آخر بأنه رئيس الميكانيكيين وملاحظ "الجراج"، وقال تارة بأنه مختص بالعمل الذي طلب إليه أداؤه مقابل مبلغ الرشوة، وتارة أخرى بأنه زعم بالاختصاص، وأخذ في إثبات اختصاصه بإقراره، وأطرح شهادة رئيسه، مع أن المرجع في تحديد الاختصاص هو الجهة الإدارية المختصة دون المتهم، مما يدل على اضطراب فكرة الحكم واختلالها في مسألة الاختصاص وعدم استقرارها على النحو الذي يجعلها في حكم الوقائع المسلمة، والأحكام إنما تبنى على الجزم واليقين، وكان خليقاً بالمحكمة أن تتحرى حقيقة اختصاص الطاعن بسؤال الجهة الإدارية التي يتبعها دون التعويل في ذلك على إقراره، لأن توزيع الاختصاص لا يثبت بالإقرار، بل بتكليف الجهة الإدارية التي يتبعها الموظف في أقل الأقدار، وأن تبين ما عدا كان عمله توزيع السيارات على السائقين، وهو العمل الذي دفع الجعل مقابلاً له، أو أن الجعل دفع مقابل تعهد الطاعن خارج نطاق عمله الرسمي - بإصلاح السيارة إذا تعطلت وحينئذ لا يعد ما وقع ارتشاء وإن جاز محاسبته عليه بالطريق التأديبي، ثم تثبت بعد ذلك بالأدلة المعتبرة ما إذا كان الطاعن قد قبل الجعل مقابل الاختصاص في نطاقه المرسوم، سواء كان حقيقياً أو مزعوماً، وكيف يستقيم له الزعم خصوصاً إذا كان المجني عليهما يعملان مع الطاعن في "جراج" واحد ويعلمان بالضرورة طبيعة عمله وحدود اختصاصه بحسب المنطق الطبيعي للأمور.
2 - إن اختصاص الموظف بالعمل الذي طلب إليه أداؤه أياً كان نصيبه فيه، وسواء كان حقيقياً أو مزعوماً أو معتقداً فيه ركن في جريمة الارتشاء المنصوص عليها في المادتين 103 و103 مكرراً من قانون العقوبات. ومن ثم يتعين إثباته بما ينحسم به أمره، وخاصة عند المنازعة فيه وإلا كان الحكم معيباً بما يبطله.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن: بأنه في يوم 4 سبتمبر سنة 1966 بدائرة قسم الوايلي محافظة القاهرة: بصفته موظفاً عمومياً ميكانيكي بجراج مركز التدريب بهيئة النقل العام طلب وأخذ عطية لأداء عمل من أعمال وظيفته وذلك بأن طلب من مصطفى إبراهيم عمر وسعد كامل اسكندر السائقين بمركز التدريب بهيئة النقل العام وأخذ من أولهما جنيهين على سبيل الرشوة مقابل تسليمهما سيارة بحالة جيدة تمكنهما من الحصول على مكافأة صيانتها. وطلب إلى مستشار الإحالة إحالته إلى محكمة الجنايات لمعاقبته بالمادة 103 من قانون العقوبات. فقرر بذلك. ومحكمة جنايات القاهرة قضت في الدعوى حضورياً عملاً بالمادتين 103، 103 مكرر من قانون العقوبات مع تطبيق المادة 17 منه بمعاقبة المتهم بالسجن مدة ثلاث سنوات وتغريمه مبلغ ألف جنيه. فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض.... إلخ.


المحكمة

حيث إن مما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجناية الارتشاء قد أخطأ في تطبيق القانون، وشابه التخاذل والفساد في الاستدلال، ذلك بأن الطاعن وهو ميكانيكي بهيئة النقل العام ليس له اختصاص معلوم أو مزعوم بأداء العمل الذي قيل بأن الجعل دفع ثمناً له وهو توزيع السيارات على السائقين، بل ذلك لقسم الحركة الذي لا صلة له به، إلا أن الحكم أثبت له هذا الاختصاص مطرحاً شهادة رئيس الحركة بجراج التدريب بهيئة النقل العام وهو صاحب القول الفصل في هذا الشأن ثم قال بالزعم على أساس أنه يعمل ملاحظاً بالجراج ويشرف على إصلاح السيارات ورئيس الميكانيكيين به، وهو ما لا أصل له، وترددت أسبابه بين الأمرين، الاختصاص وزعمه، وعارض بعضها البعض مما يعيبه بما يوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه أثبت في مدوناته أن المجني عليهما نقلاً إلى جراج التدريب التابع لمؤسسة النقل العام، وسلمت إليهما سيارة قديمة كثيرة التعطل، مما حرمهما من مكافأة الصيانة التي تصرف كل شهر لمن لا تتعطل سيارته من السائقين، وعلماً من زملائهما أن الطاعن - وهو مرحظ الجراج - يمكنه أن يسلمهما سيارة صالحة أو على الأقل يصلح لهما السيارة التي يعملان عليها إذا عطبت وذلك مقابل أن يدفع له كل منهما جنيهاً في الشهر وإذ نقده أحدهما المبلغ معلماً تم ضبطه. وأن السيد مصطفى محمد - والظاهر أنه رئيس الحركة حسبما جاء في الطعن - شهد بأن الطاعن يعمل ميكانيكياً بالجراج وليس من عمله توزيع السيارات على السائقين، ولا يعمل ملاحظاً للجراج. وقد أقر المتهم - الطاعن - بأنه يعمل ملاحظاً للجراج ويشرف على إصلاح السيارات ورئيس الميكانيكيين به وأطرح الحكم شهادة الشاهد وأخذ بإقرار الطاعن أنه يعمل ملاحظاً للجراج ويشرف على إصلاح السيارات - كما قرر في التحقيقات - مما قوى هذا الزعم لدى المجني عليهما. وانتهى في ختام أسبابه إلى أن المتهم ميكانيكي بهيئة النقل العام وعقب على ذلك بأن وصفه في التهمة التي دانه بها بأنه رئيس الميكانيكيين وملاحظ جراج مركز التدريب. لما كان ذلك، فإن الحكم المطعون فيه يكون قد تردد في وصف الطاعن طوراً بأنه ميكانيكي، وطوراً آخر بأنه رئيس الميكانيكيين وملاحظ الجراج، وقال تارة بأنه مختص بالعمل الذي طلب إليه أداؤه مقابل مبلغ الرشوة، وتارة أخرى بأنه زعم بالاختصاص، وأخذ في إثبات اختصاصه بإقراره، وأطرح شهادة رئيسه، مع أن المرجع في تحديد الاختصاص هو الجهة الإدارية المختصة دون المتهم، مما يدل على اضطراب فكرة الحكم واختلالها في مسألة الاختصاص وعدم استقرارها على النحو الذي يجعلها في حكم الوقائع المسلمة، والأحكام إنما تبنى على الجزم واليقين وكان خليقاً بالمحكمة أن تتحرى حقيقة اختصاص الطاعن بسؤال الجهة الإدارية التي يتبعها دون التعويل في ذلك على إقراره، لأن توزيع الاختصاص لا يثبت بالإقرار، بل بتكليف الجهة التي يتبعها الموظف في أقل الأقدار، وأن تتبين ما إذا كان من عمله توزيع السيارات على السائقين، وهو العمل الذي دفع الجعل مقابلاً له، أو أن الجعل دفع مقابل تعهد الطاعن - خارج نطاق عمله الرسمي - بإصلاح السيارة إذا تعطلت وحينئذ لا يعد ما وقع منه ارتشاء وإن جازت محاسبته عليه بالطريق التأديبي ثم تثبت بعد ذلك بالأدلة المعتبرة ما إذا كان الطاعن قد قبل الجعل مقابل الاختصاص في نطاقه المرسوم، سواء كان حقيقياً أو مزعوماً، وكيف يستقيم له الزعم خصوصاً إذا كان المجني عليهما يعملان مع الطاعن في جراج واحد ويعلمان بالضرورة طبيعة عمله وحدود اختصاصه بحسب المنطق الطبيعي للأمور. لما كان ذلك، وكان اختصاص الموظف بالعمل الذي طلب إليه أداؤه أياً كان نصيبه فيه، وسواء كان حقيقياً أو مزعوماً أو معتقداً فيه ركناً في جريمة الارتشاء المنصوص عليها في المادتين 103 و103 مكرراً من قانون العقوبات، فإنه يتعين إثباته بما ينحسم به أمره، وخاصة عند المنازعة فيه، أما والمحكمة لم تفعل، فإن حكمها يكون معيباً بما يبطله ويوجب نقضه والإحالة