أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثاني - السنة الثانية - صـ 459

جلسة أول يناير سنة 1951
(173)
القضية رقم 1615 سنة 20 القضائية

برياسة حضرة صاحب السعادة أحمد محمد حسن باشا رئيس المحكمة, وبحضور حضرات أصحاب العزة: أحمد فهمي إبراهيم بك وكيل المحكمة, وأحمد حسني بك, وحسن إسماعيل الهضيبي بك, ومحمد أحمد غنيم بك مستشارين.
قبض. تفتيش. القضاء ببطلانهما وتبرئة المتهم. اعتراف. عدم بيان المحكمة رأيها وحكمها فيه. قصور.
إن بطلان القبض والتفتيش ليس من شأنه أن يمنع المحكمة من الأخذ بعناصر الإثبات الأخرى التي قد ترى من وقائع الدعوى وظروفها أنها مستقلة عنه وقائمة بذاتها. فإذا كانت المحكمة قد قضت ببطلان القبض والتفتيش وببراءة المتهم وكان من بين ما أوردته في أسباب حكمها أن المتهم قد اعترف بوجود المخدر معه أمام من باشر القبض ثم اعترف بذلك أمام الضابط المحقق من غير أن تبين رأيها في هذا الاعتراف وحكمها فيه - فإن حكمها يكون قاصراً قصوراً يستوجب نقضه.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة هذا الطاعن بأنه أحرز جواهر مخدرة "حشيشاً وأفيوناً" بغير مسوغ قانوني, وطلبت عقابه بالمواد 1 و2 و35 - 6 ب و40 و41 و45 من القانون رقم 21 لسنة 1928. ولدى نظر الدعوى أمام محكمة جنح بندر بني سويف الجزئية دفع المتهم ببطلان إذن التفتيش والقبض المترتب عليه. والمحكمة قضت برفض الدفع الفرعي ببطلان القبض والتفتيش وحبس المتهم سنة مع الشغل والنفاذ وغرامة 200 جنيه والمصادرة. فاستأنف. ومحكمة بني سويف الابتدائية بهيئة استئنافية قضت بقبول الدفع ببطلان القبض وما ترتب عليه من الإجراءات وبإلغاء الحكم المستأنف وبراءة المتهم بلا مصروفات جنائية ومصادرة المواد المخدرة المضبوطة. فطعنت النيابة في هذا الحكم بطريق النقض إلخ.


المحكمة

... حيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه جاء قاصراً إذ أن القبض على الطاعن إنما وقع بناءً على اعترافه للكونستابل بإحراز المخدر وكان التفتيش بعدها من مستلزمات هذا القبض, وأن هذا الاعتراف قد تكرر أمام الضابط المحقق, فهو اعتراف قائم منتج لآثاره ولكن المحكمة قضت ببطلان القبض والتفتيش بناءً على أن المتهم لم يكن في حالة تلبس دون أن تتعرض لهذا الاعتراف.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى في قوله "إنها تتحصل فيما قرره الكونستابل عبد الرؤوف أحمد عيسوي أنه علم من تحرياته الخاصة أن مهربي المخدرات اعتادوا التهريب بطريق السيارات العامة "الامنيبوس" بدلاً من قطارات السكة الحديد, وعلى ذلك توجه يوم الحادث بمفرده إلى موقف السيارات لضبط المشتبه فيهم, وهناك شاهد المتهم ينزل من الامنيبوس القادم من القاهرة فاشتبه فيه لكونه من أهالي الصعيد واستوقفه وسأله عن اسمه وبلده والجهة القادم منها فارتبك, مما زاد في اشتباه الكونستابل فسأله عما إذا كان يحرز مخدرات فاعترف له بأنه يحمل ثلاثة أكياس حشيش ولا يعرف زنتها فاقتاده إلى البندر, وهناك أبلغ الأمر إلى معاون البوليس الذي حرر محضراً دون فيه أقوال الكونستابل ثم طلب الإذن من النيابة بتفتيش المتهم فأذنت له بذلك على أن يقوم به أحد رجال الضبطية القضائية فندبت لإجرائه ضابط المباحث فقام بتفتيش المتهم وعثر معه على كمية من الحشيش بلغ وزنها 832.5 جراماً, و56 جراماً من الأفيون ومدية ظهر من التحليل تلوث سلاحها الكبير بمادة الحشيش ومبلغ 100 قرش, وقد سأل ضابط المباحث المتهم عن ملكيته للمادة المضبوطة فقرر أنها ملكه وليس لديه معلومات أكثر من ذلك وامتنع عن إبداء أقواله. ولكنه عندما استجوبه بمعرفة حضرة وكيل النيابة أنكر التهمة وقال إنه لا علم له بما كتب في المحضر" ثم تعرض للدفع ببطلان القبض والتفتيش فقال: "إن المحكمة تستظهر من وقائع الدعوى وما رواه الكونستابل عبد الرؤوف أحمد عيسوي تبريراً لإلقائه القبض على المتهم أن ما أثار شبهته هو مجرد كون المتهم من أهالي الصعيد, وحيث إنه من المقرر في هذا الصدد أن القبض بوصفه إجراء تصادر به الحرية الشخصية التي كفلها الدستور وأحاطتها القوانين برعايتها يجب التحرز من الالتجاء إليه ما لم يكن له أساس من الشبهات الجدية التي تنبئ بوجود جريمة ما, أو فى القليل تثير ريبة قوية تملي القبض والذي يؤخذ من وقائع هذه الدعوى لا يبرر قيام مثل هذه الحالة لدى الكونستابل الذي تولى القبض على المتهم فإن مجرد كون الشخص من أهالي الصعيد لا ينهض بإثارة ريبة رجل البوليس حوله ولا يعد مظهراً خارجياً يدعوه إلى الاشتباه في أمره. أما ما أثاره الكونستابل حول اضطراب المتهم فإن هذه الحالة على فرض صحتها لم تعتر المتهم إلا بعد تعرض الكونستابل له وسؤاله عن وجهته, وغير مستغرب أن يضطرب شخص فاجأه رجل البوليس وأمطره بسيل من الأسئلة عن اسمه وبلده ووجهته وما إلى ذلك فليست هذه الحالة في ذاتها وهى وليدة التعرض للمتهم مما يثير الريبة أو الشبهة, إذ أن من الطبيعي أن يضطرب من كان في موقف المتهم خاصة وأنه جاهل ووافد على بلد غريب عليه. وحيث إنه من ثم ترى المحكمة أن ما استند إليه الكونستابل لم يكن ليبرر إلقاء القبض على المتهم وبالتالي يكون القبض قد وقع بغير صفة قانونية فهو باطل وينصرف البطلان أيضاً إلى كافة ما استتبع هذا القبض من إجراءات. وحيث إنه بناءً على ذلك لا يجوز الاستناد في إدانة المتهم إلى ضبط المادة المخدرة معه ما دام إذن النيابة بالتفتيش قد أعقب هذا القبض الباطل. ذلك أن استصدار هذا الإذن إنما كان للحصول على دليل لم يكن في قدرة البوليس الحصول عليه لولا ذلك القبض" ولما كان بطلان القبض والتفتيش ليس من شأنه أن يمنع المحكمة من الأخذ بعناصر الإثبات الأخرى التي قد ترى من وقائع الدعوى وظروفها أنها مستقلة عنه وقائمة بذاتها وكان من بين ما أوردته المحكمة في أسباب حكمها أن المتهم قد اعترف بوجود المخدر معه أمام من باشر القبض ثم اعترف بذلك أمام الضابط المحقق. لما كان ذلك - وكانت المحكمة قد قضت ببراءته من غير أن تبين رأيها في هذا الاعتراف وتقول كلمتها فيه, فإن الحكم يكون قاصراً قصوراً يعيبه ويستوجب نقضه.
وحيث إنه لما تقدم يتعين قبول الطعن ونقض الحكم المطعون فيه.