أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
الجزء الثاني - السنة 48 - صـ 1430

جلسة 11 من ديسمبر سنة 1997

برئاسة السيد المستشار/ محمد حسن العفيفي نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ لطفي عبد العزيز، محمد محمد محمود، عبد الرحمن العشماوي نواب رئيس المحكمة ورمضان أمين اللبودي.

(267)
الطعنان رقما 1622، 3639 لسنة 60 القضائية

(1 - 3) تأمين "رجوع المؤمن على المسئول عن الحادث". التزام "انتقال الالتزام". حوالة.
(1) التزام المؤمن بدفع قيمة التأمين للمؤمن له المضرور. سببه عقد التأمين وليس خطأ الغير المسئول عن الحادث. مؤداه. عدم وجود علاقة سببية مباشرة بين خطأ الغير وبين الضرر الذي تحمله المؤمن بدفعه التعويض. أثره. عدم جواز تأسيس رجوع المؤمن على المسئول على قواعد المسئولية التقصيرية. حلول المؤمن محل المؤمن له لا يكون إلا بالحوالة أو بالحلول الإتفاقي.
(2) حصول المؤمن من المؤمن له على حوالة بحقوقه قبل المسئول. أثره. للمؤمن الرجوع بدعوى مباشرة على فاعل الضرر في حدود ما دفعه من تعويض إلى المؤمن له.
(3) الحلول القانوني للمؤمن قبل المسئول بما دفعه من تعويض في التأمين على الحريق. شرطه. ألا يكون المسئول قريباً أو صهراًً للمؤمن له ممن يكون معه في معيشة واحدة أو تابعاً له. م 771 مدني. علة ذلك. تعلقه بالنظام العام. انسحابه - بطريق القياس - على الحلول الاتفاقي لذات العلة. مؤداه. قضاء الحكم لشركة التأمين على مورث الطاعنين التابع للبنك المؤمن له بما دفعته الشركة من تعويض إلى هذا البنك بناء على الحلول الاتفاقي. مخالفة للقانون.
(4) نقض "أثر نقض الحكم". التزام "أوصاف الالتزام: التضامن". تضامن.
نقض الحكم في التزام بالتضامن. أثره. نقضه بالنسبة للخصم الآخر في الطعن المقام منه.
1 - خطأ الغير المسئول عن وقوع الحادث - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - ليس هو السبب المباشر لالتزام المؤمن بدفعة قيمة التأمين للمؤمن له المضرور من هذا الحادث حتى يمكن القول بأن رجوع المؤمن على المسئول مؤسس على المسئولية التقصيرية باعتبار أن المسئول قد سبب بخطئه الذي تحقق به الخطر المؤمن منه ضرراً للمؤمن رتب ضمان هذا الأخير إذ لا يوجد علاقة سببية مباشرة بين خطأ الغير والضرر الذي تحمله المؤمن بدفعه التعويض إلى المؤمن له، بل إن سبب التزام المؤمن بدفعة قيمة التأمين إلى المؤمن له هو عقد التأمين ذاته فلولا قيام هذا العقد لما التزم بدفع مبلغ التأمين رغم وقوع الحادث وبالتالي فلم يكن من سبيل لأن يحل المؤمن محل المؤمن له قبل المسئول إلا عن طريق الحوالة أو الحلول الاتفاقي.
2 - جرت العادة بأن يحصل المؤمن له - سواء في عقد التأمين أو في اتفاق آخر - على حوالة بحقوق هذا الأخير قبل المسئول فيكون للمؤمن على أساس هذا الحلول الاتفاقي الرجوع بدعوى مباشرة على فاعل الضرر في حدود ما دفعه من تعويض إلى المؤمن له.
3 - إذ كان نص المادة 771 من القانون المدني قد قرر مبدأ حلول قانوني للمؤمن قبل المسئول بما دفعه من تعويض وقصره على التأمين من الحريق فقد أورد بشأن هذا الحلول قيداً بما جرى به نص العبارة الأخيرة منه إذ تقول "ما لم يكن من أحدث الضرر قريباً أو صهراً للمؤمن له ممن يكونون معه في معيشة واحدة، أو شخصاً يكون المؤمن له مسئولاً عن أفعاله" وذلك لأن ذوي المؤمن له من الأقارب والأصهار ممن يكونون معه في معيشة واحدة فرض القانون أنهم إذا كانوا قد تسببوا في الحادث فلن يرجع عليهم المؤمن له بالتعويض لعلاقته الخاصة بهم، فإذا كان ذلك فأولى بالمؤمن ألا يرجع. أما إتباعه المسئول عن أفعالهم ولو لم يقيموا معه في معيشة واحدة فامتناع المؤمن من الرجوع عليهم ليس بسبب العلاقة الخاصة التي تربطهم به فحسب بل أيضاً لأن المؤمن لو رجع عليهم وكانوا معسرين لجاز له الرجوع على المؤمن له باعتباره مسئولاً عنهم فيستعيد منه مبلغ التأمين الذي أعطاه إياه، وهذا القيد المشار إليه وإن ورد في القانون بشأن الحلول القانوني في التأمين من الحريق وهو من النظام العام للاعتبارات التي بني عليها فلا يجوز الاتفاق على ما يخالفه، فإنه ينسحب كذلك - وبطريق القياس - على الحول الاتفاقي لتساوي صورتيّ الحلول في علة هذا الحكم وإذ كان الحكم المطعون فيه قد قضى - على أساس المسئولية التقصيرية - للشركة المطعون ضدها الأولى - وبناء على الحلول الاتفاقي - على مورث الطاعنين تابع البنك المؤمن له بما كانت قد دفعته من تعويض هذا البنك مع علاقة تبعيته له تحول دون هذا الرجوع - على ما سلف بيانه - فإنه يكون قد خالف أحكام القانون في أساس الرجوع وأحكامه.
4 - لما كان الحكمان المطعون فيهما قد صدرا في التزام بالتضامن فإن نقض الحكم الصادر بتاريخ 6/ 2/ 1990 بالنسبة للطاعنين في الطعن الأول يستتبع نقض الحكم الصادر بتاريخ 5/ 6/ 1990 بالنسبة للطاعن في الطعن رقم 3639 لسنة 60 ق المنضم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعنين استوفيا أوضاعهما الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكمين المطعون فيهما وسائر الأوراق - تتحصل في أن شركة التأمين المطعون ضدها الأولى في الطعن رقم 1622 لسنة 60 ق - المطعون ضدها في الطعن رقم 3629 لسنة 60 ق - أقامت الدعوى رقم 520 لسنة 1984 مدني بور سعيد الابتدائية - رجوعاً منها - على مورث الطاعنين في الطعن الأول والمطعون ضده الثاني فيه - الطاعن في الطعن الثاني - العاملين ببنك الإسكندرية بطلب الحكم بإلزامهما متضامنين بأن يؤديا إليها مبلغ 20000 جنيه والفوائد القانونية، قيمة مبلغ التأمين الذي كانت قد دفعته إلى هذا البنك تنفيذاً لوثيقة التأمين التي أمن بمقتضاها لديها من مخاطر نقل النقود، وذلك إثر ضياع مبلغ 25000 دولار نتيجة الخطأ الجسيم لهذين العاملين عند نقلهما هذا المبلغ من الإسماعيلية إلى بور سعيد والذي تحرر عنه محضر الجنحة رقم 2161 لسنة 1983 قسم أول الإسماعيلية، وإذ أحال إليها البنك المشار إليه حقوقه فيما يختص بهذا الحادث وقبل هذين المسئولين فقد أقامت الدعوى، أجابت المحكمة الشركة إلى طلباتها بحكم استأنفه مورث الطاعنين في الطعن الأول بالاستئناف رقم 108 لسنة 28 ق الإسماعيلية "مأمورية بور سعيد"، كما استأنفه المطعون ضده الثاني في الطعن الأول الطاعن في الطعن الآخر بالاستئناف رقم 114 لسنة 28 ق الإسماعيلية "مأمورية بور سعيد" وبعد أن ضمت المحكمة الاستئناف الثاني إلى الأول حكمت في الأول بتاريخ 6/ 2/ 1990 برفضه وتأييد الحكم المستأنف وأغفلت الفصل في الثاني حيث رجع إليها المستأنف فيه فقضت بذات القضاء بتاريخ 5/ 6/ 1990. طعن الورثة المحكوم عليهم في الاستئناف الأول في الحكم الصادر بتاريخ 6/ 2/ 1990 بطريق النقض بالطعن رقم 1622 لسنة 60 ق كما طعن المحكوم عليه في الاستئناف الثاني على الحكم الصادر بتاريخ 5/ 6/ 1990 بذات الطريق بالطعن رقم 3639 لسنة 60 ق وقدمت النيابة مذكرة في كل طعن منهما أبدت فيها الرأي بنقض الحكم المطعون فيه، وإذ عُرض الطعنان على هذه المحكمة في غرفة مشورة ضمنت الثاني إلى الأول ليصدر فيهما حكم واحد وحددت جلسة لنظرهما التزمت فيها النيابة رأيها.
وحيث إن مما ينعاه الطاعنون في الطعن رقم 1622 لسنة 60 ق على الحكم المطعون فيه القصور في التسبيب والفساد في الاستدلال، وذلك حين أجاز بقضائه رجوع شركة التأمين المطعون ضدها الأولى على مورثهم بما دفعته إلى البنك المؤمن له وأحال حقه بشأنه إليها على أساس مسئولية مورثهم التقصيرية عن حادث السرقة في حين أن وفاءها بمبلغ التأمين إلى المؤمن له يستند إلى الالتزام المترتب في ذمتها له بموجب عقد التأمين، كما وأن مورثهم باعتباره من تابعي هذا البنك يعد في مركز المؤمن له فيمتنع معه على الشركة الرجوع عليه ويعيب الحكم إذ خالف هذا النظر ويستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي في محله، ذلك بأن خطأ الغير المسئول عن وقوع الحادث - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - ليس هو السبب المباشر لالتزام المؤمن بدفعة قيمة التأمين للمؤمن له المضرور من هذا الحادث حتى يمكن القول بأن رجوع المؤمن على المسئول مؤسس على المسئولية التقصيرية باعتبار أن المسئول قد سبب بخطئه الذي تحقق به الخطر المؤمن منه ضرراً للمؤمن رتب ضمان هذا الأخير إذ لا يوجد علاقة سببية مباشرة بين خطأ الغير والضرر الذي تحمله المؤمن بدفعه التعويض إلى المؤمن له، بل إن سبب التزام المؤمن بدفعة قيمة التأمين إلى المؤمن له هو عقد التأمين ذاته فلولا قيام هذا العقد لما التزم بدفع مبلغ التأمين رغم وقوع الحادث وبالتالي فلم يكن من سبيل لأن يحل المؤمن محل المؤمن له قبل المسئول إلا عن طريق الحوالة أو الحلول الاتفاقي، من أجل ذلك جرت العادة بأن يحصل المؤمن من المؤمن له - سواء في عقد التأمين أو في اتفاق آخر - على حوالة بحقوق هذا الأخير قبل المسئول فيكون للمؤمن على أساس هذا الحلول الاتفاقي الرجوع بدعوى مباشرة على فاعل الضرر في حدود ما دفعه من تعويض إلى المؤمن له. وإذ كان نص المادة 771 من القانون المدني قد قرر مبدأ حلول قانوني للمؤمن قبل المسئول بما دفعه من تعويض وقصره على التأمين من الحريق فقد أورد بشأن هذا الحلول قيداً بما جرى به نص العبارة الأخيرة منته إذ تقول "ما لم يكن من أحدث الضرر قريباًً أو صهراً للمؤمن له ممن يكونون معه في معيشة واحدة، أو شخصاً يكون المؤمن له مسئولاً عن أفعاله" وذلك لأن ذوي المؤمن له من الأقارب والأصهار ممن يكونون معه في معيشة واحدة فرض القانون أنهم إذا كانوا قد تسببوا في الحادث فلن يرجع عليهم المؤمن له بالتعويض لعلاقته الخاصة بهم، فإذا كان ذلك فأولى بالمؤمن ألا يرجع. أما أتباعه المسئول عن أفعالهم ولو لم يقيموا معه في معيشة واحدة فامتناع المؤمن من الرجوع عليهم ليس بسبب العلاقة الخاصة التي ترابطهم به فحسب بل أيضاً لأن المؤمن لو رجع عليهم وكانوا معسرين لجاز له الرجوع على المؤمن له باعتباره مسئول عنهم فيستعيد منه مبلغ التأمين الذي أعطاه إياه، وهذا القيد المشار إليه وإن ورد في القانون بشأن الحلول القانوني في التأمين من الحريق وهو من النظام العام للاعتبارات التي بني عليها فلا يجوز الاتفاق على ما يخالفه، فإنه ينسحب كذلك - وبطريق القياس - على الحلول الاتفاقي لتساوي صورتي الحلول في علة هذا الحكم. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد سار على غير هذا النظر حين قضى على أساس المسئولية التقصيرية - للشركة المطعون ضدها الأولى - وبناء على الحلول الاتفاقي - على مورث الطاعنين تابع البنك المؤمن له بما كانت قد دفعته من تعويض إلى هذا البنك مع أن علاقة تبعيته له تحول دون هذا الرجوع - على سلف بيانه - فإنه يكون قد خالف أحكام القانون في أساس الرجوع وأحكامه بما يوجب نقضه لهذا السبب دون حاجة إلى بحث باقي أسباب الطعن.
وحيث إنه لما كان الحكمان المطعون فيهما قد صدرا في التزام بالتضامن فإن نقض الحكم الصادر بتاريخ 6/ 2/ 1990 بالنسبة للطاعنين في الطعن الأول يستتبع نقض الحكم الصادر بتاريخ 5/ 6/ 1990 بالنسبة للطاعن في الطعن رقم 3639 لسنة 60 ق.
وحيث إن الموضوع صالح للفصل فيه, ولما تقدم يتعين القضاء في موضوع الاستئنافين بإلغاء الحكم المستأنف وبرفض الدعوى.