أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثالث - السنة 20 - صـ1181

جلسة 27 من أكتوبر سنة 1969

برياسة السيد المستشار/ محمد عبد الوهاب خليل نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: نصر الدين عزام، وسعد الدين عطية، وأنور خلف، ومحمود عطيفة.

(234)
الطعن رقم 1440 سنة 39 القضائية

(أ، ب، ج) ضرب. "ضرب أفضى إلى موت". علاقة السببية. جريمة. "أركانها". مسئولية جنائية. دفاع. "الدفع بشيوع التهمة". إثبات. "إثبات بوجه عام". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
( أ ) تقدير علاقة السببية. موضوعي. متى أقيم على أسباب سائغة.
(ب) ارتكاب المتهم فعلاً عمدياً سبب وفاة المجني عليه. صحة مساءلته عن جريمة الضرب المفضي إلى الموت. مثال.
(ج) كفاية إثبات الحكم أن المتهم هو وحده الذي ضرب المجني عليه. للرد على الدفع بشيوع التهمة لتعدد المعتدين.
(د) عقوبة. "العقوبة المبررة". ضرب. "ضرب أفضى إلى موت" "ضرب بسيط". ظروف مخففة. وصف التهمة.
عدم جدوى النعي على الحكم في شأن عدم تحقق جريمة الضرب المفضي إلى الموت. اعتباراً بأن القدر المتيقن في حق المتهم هو جنحة الضرب البسيط. ما دام أن العقوبة المقضي بها تدخل في نطاق عقوبة جنحة الضرب البسيط.
تقدير ظروف الرأفة. العبرة فيه. بذات الواقعة والظروف التي حدثت فيها. لا بالوصف المنسبغ عليها.
(هـ، و، ز، ح) إثبات. "إثبات بوجه عام". "شهادة". "خبرة". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
(هـ) التزام الحكم بإيراد أقوال الشاهد متى استند إليها. فحسب.
(و) حسب المحكمة أن تورد من أقوال الشاهد ما تطمئن إليه.
حق المحكمة في التعويل على أقوال الشاهد في أية مرحلة من مراحل الدعوى.
(ز) تناقض الشهود. لا يعيب الحكم. ما دام قد استخلص الإدانة من أقوالهم. بما لا تناقض فيه.
(ج) إثارة التناقض بين الدليل القولي والفني. لا تقبل. متى كان ما أورده الحكم من الدليل القولي لا يتناقض مع الدليل الفني.
1 - علاقة السببية في المواد الجنائية، مسألة موضوعية ينفرد قاضي الموضوع بتقديرها، فلا تجوز مجادلته في ذلك أمام محكمة النقض، ما دام الحكم قد أقام قضاءه في هذا الشأن على أسباب تؤدي إلى ما انتهى إليه.
2 - متى كان ما قاله الحكم يوفر في حق المتهم ارتكابه فعلاً عمدياً، ارتبط بوفاة المجني عليه ارتباط السبب بالمسبب، فإنه يسوغ إطراح ما دفع به المتهم من انتفاء مسئوليته عن وفاة المجني عليه.
3 - إن ما يثيره المتهم بشأن تعدد المعتدين وشيوع الاتهام لعدم تعيين محدث إصابات رأس المجني عليه التي نشأت عنها وفاته، مما كان يتعين معه على المحكمة مؤاخذته بالقدر المتيقن في حقه وهو جنحة الضرب البسيط، مردود بما أثبته الحكم في حقه أخذاً بأدلة الثبوت في الدعوى، أنه هو وحده الذي ضرب المجني عليه بالعصا على رأسه فأحدث به الإصابات التي أفضت إلى موته.
4 - لا جدوى من النعي على الحكم في شأن عدم تحقق جريمة الضرب المفضي إلى الموت في حق المتهم باعتبار أن القدر المتيقن في حقه هو جنحة الضرب البسيط، ما دامت العقوبة المقضي بها عليه، وهي الحبس لمدة سنة تدخل في نطاق العقوبة المقررة لجنحة الضرب البسيط المنطبقة عليها المادة 242/ 1 من قانون العقوبات.
ولا يغير من ذلك أن تكون المحكمة قد طبقت المادة 17 من قانون العقوبات في حق المتهم، ذلك بأن المحكمة إنما قدرت ظروف الرأفة بالنسبة لذات الواقعة في الظروف التي وقعت فيها، ولو أنها كانت قد رأت أن الواقعة في الظروف التي وقعت فيها تقتضي النزول بالعقوبة إلى أكثر مما نزلت إليه لما منعها من ذلك الوصف الذي وصفتها به.
5 - من المقرر أن الأحكام لا تلتزم بحسب الأصل بأن تورد من أقوال الشهود إلا ما تقيم عليه قضاءها.
6 - إن المحكمة غير ملزمة بسرد روايات الشاهد إذا تعددت، وبيان وجه أخذها بما اقتنعت به منها، بل حسبها أن تورد منها ما تطمئن إليه وتطرح ما عداه، ولها أن تعول على أقوال الشهود في أية مرحلة من مراحل الدعوى ما دامت قد اطمأنت إليها.
7 - إن تناقض الشهود لا يعيب الحكم، ما دام قد استخلص الإدانة من أقوالهم استخلاصاً سائغاً لا تناقض فيه. وإذ كان ذلك هو الحال في الدعوى، فإن ما ينعاه المتهم على الحكم من خطأ في الإسناد وفساد في الاستدلال، يكون على غير أساس.
8 - إذا كان ما أورده الحكم من الدليل القولي لا يتناقض مع ما نقله من الدليل الفني، بل يتطابق معه، فإن ما يثيره المتهم من تناقض بينهما لا يكون له محل.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه في يوم 23/ 7/ 1965 بدائرة قسم إمبابة محافظة الجيزة: ضرب محمد محمود غنيم عمداً بعصي غليظة على رأسه فأحدث به الإصابات الموصوفة بالتقرير الطبي ولم يقصد من ذلك قتله ولكن الضرب أدى إلى موته. وطلبت من مستشار الإحالة إحالته إلى المحكمة الجنايات لمعاقبته طبقاً للقيد والوصف الواردين بتقرير الاتهام، فقرر بذلك. وادعت بحق مدني زوجة المجني عليه وأولاده - وطلبوا القضاء لهم قبل المتهم بمبلغ قرش صاغ على سبيل التعويض المؤقت. ومحكمة جنايات الجيزة قضت في الدعوى حضورياً بتاريخ 29/ 1/ 1969 عملاً بالمادتين 236/ 1 و17 من قانون العقوبات بمعاقبة المتهم بالحبس مع الشغل لمدة سنة واحدة وإلزامه أن يدفع إلى المدعين بالحق المدني مبلغ قرش صاغ واحد على سبيل التعويض المؤقت والمصروفات المدنية وعشرة جنيهات مقابل أتعاب المحاماة. فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض....إلخ.


المحكمة

حيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعن بجريمة ضرب أفضى إلى الموت قد شابه الخطأ في الإسناد والفساد في الاستدلال والقصور في التسبيب والخطأ في القانون ذلك بأن ما أورده الحكم من أقوال شهود الإثبات لا يتفق ومؤدى أقوالهم في مراحل الدعوى المختلفة حيث أدلوا بروايات متباينة كل منها تخالف الأخرى وما كان يصح للحكم أن يتجزأ بإحداها التفاتاً عما عداها، هذا كما عول الحكم على أقوال الشاهدين سعاد وأحمد محمد محمود غنيم من أنهما رأيا الطاعن يتناقش مع المجني عليه ثم يبادره بالضرب بعصا على رأسه مع أن تقرير الطبيب الشرعي أثبت أن بالمجني عليه أكثر من إصابة مؤداه تعدد المعتدين كما أثبت أن برأسه إصابتين أحدهما بالجدارية اليمنى وهى لا تنشأ من الضرب في المواجهة خلافاً لما صوره الشاهدان ثم أن الحكم أخذ بأقوال الشهود والتقرير الطبي الشرعي دون أن يعني برفع ما بينهما من تناقض إذ أن ما أورده هذا التقرير من أن إصابات المجني عليه جميعها رضية لا يتفق مع أقوال الشهود بجلسة المحاكمة من أن الطالب استخدم طرفي السوط في الاعتداء ومثله لا يحدث إصابة رضية، وأخيراً فإن الثابت بالتقرير الطبي الشرعي أنه كان من الممكن حدوث وفاة المجني عليه ذاتياً نتيجة لحالته المرضية دون تداخل إصابي مما يثير شكاً حول توافر رابطة السببية بين فعل الطاعن والوفاة. ومن ناحية أخرى فإن مفاد أقوال الشهود بالتحقيقات الأولية أن الاعتداء وقع من أشخاص متعددين لم يتبين من بينهم محدث إصابات الرأس التي أسهمت في الوفاة كما أن بعض إصابات المجني عليه لا شأن لها بوفاته مما يتعين معه القضاء بالقدر المتيقن والاكتفاء بمساءلة الطاعن عن جنحة ضرب بسيط وعلى الرغم من تمسك الطاعن بهذا الدفاع الجوهري، فإن الحكم المطعون فيه التفت عنه ولم يرد عليه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية لجريمة الضرب المفضي إلى الموت التي دين الطاعن بها وأورد على ثبوتها في حقه أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتب عليها مستقاة من أقوال الشهود سعاد محمد غنيم وهانم محمد خليل وأحمد محمود غنيم والتقرير الطبي الشرعي. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن الأحكام لا تلتزم بحسب الأصل بأن تورد من أقوال الشهود إلا ما تقيم عليه قضاءها وأن المحكمة غير ملزمة بسرد روايات الشاهد إذا تعددت وبيان وجه أخذها بما اقتنعت به منها بل حسبها أن تورد منها ما تطمئن إليه وتطرح ما عداه ولها أن تعول على أقوال الشهود في أي مرحلة من مراحل الدعوى ما دامت قد اطمأنت إليها. وكان تناقض الشهود لا يعيب الحكم ما دام قد استخلص الإدانة من أقوالهم استخلاصاً سائغاً لا تناقض فيه كما هو الحال في الدعوى، فإن ما ينعاه الطاعن على الحكم من خطأ في الإسناد أو فساد في الاستدلال، يكون على غير أساس. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه حصل من أقوال الشهود أن الطاعن ضرب المجني عليه بعصا على رأسه كما أوسعه ضرباً بسوط على جسمه ونقل التقرير الطبي الشرعي أن جميع إصابات المجني عليه رضية حيوية تنشأ من المصادمة بجسم صلب راض كالضرب بالعصا والكرباج وهو ما لا ينازع الطاعن في صحة إسناد الحكم بشأنه، وكان ما أورده الحكم من الدليل القولي لا يتناقض مع ما نقله من الدليل الفني بل يتطابق معه، فإن ما يثيره الطاعن من وجود تناقض بينهما لا يكون له محل. لما كان ذلك، وكان الحكم قد نقل من تقرير الصفة التشريحية وما سبقه من أوراق علاج المجني عليه أن الإصابات الموجودة برأس المجني عليه وما أحدثته من كسور بالجمجمة ونظيف على سطح المخ ثم تضاعفت به هذه الإصابات من أوريما مخية والتهاب رئوي ركودي كل ذلك كان كافياً في حد ذاته لإحداث الوفاة وأن الحالة المرضية التي وجدت به كان من الممكن أن تؤدي إلى الوفاة في أي وقت بدون الحالة الإصابة وأن كلاً من الحالة الإصابية والحالة المرضية لدى المذكور قد ساهمت في إحداث الوفاة وساعدت كل منهما الأخرى على التعجيل بحدوثها ثم استظهر الحكم توافر رابطة السببية بين فعل الطاعن ووفاة المجني عليه في قوله "وقد توافرت علاقة السببية بين فعل الاعتداء الذي أحدث بالمجني عليه تلك الكسور بالجمجمة ونزيف على سطح المخ، وكانت هذه الإصابات قد ساهمت في وفاة المجني عليه ولا يغير من الأمر وجود تلك الحالة المرضية الخطيرة ذلك لأن تلك الإصابات كما ورد بتقرير الطبيب الشرعي قد ساهمت في إحداث الوفاة وساعدت على التعجيل بحدوثها ومن ثم تكون الواقعة المسندة إلى المتهم قد توافرت أدلة ثبوتها الموضوعية وتكاملت أركانها القانونية". ولما كان ما قاله الحكم يوفر في حق الطاعن ارتكابه فعلاً عمدياً ارتبط بوفاة المجني عليه ارتباط السبب بالمسبب ويسوغ إطراح ما دفع به الطاعن من انتفاء مسئوليته عن وفاة المجني عليه، وكان إثبات علاقة السببية في المواد الجنائية مسألة موضوعية ينفرد قاضي الموضوع بتقديرها فلا تجوز مجادلته في ذلك أمام محكمة النقض ما دام الحكم قد أقام قضاءه في هذا الشأن على أسباب تؤدي إلى ما انتهى إليه. لما كان ذلك، وكان ما يثيره الطاعن بشأن تعدد المعتدين وشيوع الاتهام لعدم تعيين محدث إصابات رأس المجني عليه التي نشأت عنها وفاته مما كان يتعين معه على المحكمة مؤاخذته بالقدر المتيقن في حقه وهو جنحة الضرب البسيط فهو مردود بما أثبته الحكم في حق أخذاً بأدلة الثبوت في الدعوى من أنه هو وحده الذي ضرب المجني عليه بالعصا على رأسه فأحدث به الإصابات التي أفضت إلى موته فضلاً عن أنه لا جدوى مما ينعاه الطاعن في هذا الشأن ما دامت العقوبة المقضي عليه وهي الحبس لمدة سنة تدخل في نطاق العقوبة المقررة لجنحة الضرب البسيط المنطبقة على المادة 242/ 1 من قانون العقوبات ولا يغير من ذلك أن تكون المحكمة قد طبقت المادة 17 من قانون العقوبات في حقه ذلك بأن المحكمة إنما قدرت ظروف الرأفة بالنسبة لذات الواقعة الجنائية التي ثبت لديها وقوعها ولو أنها كانت قد رأت أن الواقعة في الظروف التي وقعت فيها تقتضي النزول بالعقوبة إلى أكثر مما نزلت إليه لما منعها من ذلك الوصف الذي وصفتها به. لما كان ذلك ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً