أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثاني - السنة الثانية - صـ 492

جلسة 15 من يناير سنة 1951
(186)
القضية رقم 1736 سنة 20 القضائية

برياسة حضرة صاحب السعادة أحمد محمد حسن باشا رئيس المحكمة, وبحضور حضرات أصحاب العزة: أحمد فهمي إبراهيم بك وكيل المحكمة وأحمد حسني بك وحسن إسماعيل الهضيبى بك وفهيم إبراهيم عوض بك المستشارين.
( أ ) تقليد ختم أو علامة إحدى المصالح. متى تتحقق؟ لا يشترط أن يكون التقليد متقناً بحيث ينخدع به المدقق.
(ب) إجراءات. جناية مجنحة. اتباع الإجراءات المقررة للمحاكمة في الجنح.
(ج) إثبات. سلطة المحكمة في الاعتماد على أقوال الشهود.
1 - إن جناية تقليد ختم أو علامة إحدى المصالح أو إحدى جهات الحكومة المنصوص عليها بالمادة 206 من قانون العقوبات تتحقق متى كان التقليد من شأنه خدع الجمهور في المعاملات. إذ أن القانون لا يشترط أن يكون التقليد متقناً بحيث ينخدع به المدقق, بل يكتفي بأن يكون بين العلامتين المقلدة والصحيحة من التشابه ما تكون به مقبولة لدى التعامل. فمتى أثبت الحكم أن التقليد كان بحيث ينخدع به الجمهور كان هذا كافياً لتوفر ركن التقليد في الجناية المقترفة دون اقتضاء أي شرط آخر.
2 - إنه على مقتضى المادة 5 من القانون الصادر في 19 من أكتوبر سنة 1925 بجعل بعض الجنايات جنحاً تجرى إجراءات المحاكمة في مثل هذه الجنايات على حسب الأحكام التي ينص القانون على اتباعها لدى الفصل في مواد الجنح, مما مقتضاه أنه تجوز محاكمة المتهمين فيها بغير حضور محامٍ يدافع عنهم. وإذن فإذا كانت المحكمة بعد أن سمعت دفاع محامي أحد المتهمين في جناية مجنحة سألت المتهمين الآخرين اللذين لم يوكلا عنهما محاميين عن أقوالهما فأدليا بأقوال جديدة فواجهت المحكمة بهذه الأقوال ذلك المتهم بعد انسحاب محاميه وسمعت أقواله بصددها ثم اعتمدت على هذه الأقوال في إدانته - فإنها لا تكون قد أخلت بحقه في الدفاع, وكذلك لا تكون المحكمة قد أخطأت إذ طلبت من المتهمين الآخرين أن يتكلما بعد مرافعة محامي ذلك المتهم, بل إنها قد راعت في ذلك حكم المادة 185 تحقيق التي تقضي بأن المتهم آخر من يتكلم.
3 - من المقرر أن للمحكمة بما لها من سلطة تقدير الأدلة أن تعتمد على قول للشاهد أو للمتهم متى اطمأنت إليه وأن تطرح ما لا تطمئن إليه من قول آخر له, وما دام ما اعتمدت عليه من ذلك له أصله في التحقيقات ويؤدى إلى ما رتب عليه فلا تجوز المجادلة فيه أمام محكمة النقض.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة كلاً من 1 - أديب برسوم سليمان. 2 - عبد الرحمن حسن. 3 - حسين علي قاسم (الطاعنين). 4 - وهبة صالح عزب, بأنهم في يوم 8/ 11/ 1946 بندر المنيا: أولاً - قلدوا علامة من علامات إحدى جهات الحكومة "السلخانة" وهى علامة مربعة تستعمل للطبع بها على اللحوم المذبوحة بداخل السلخانة بعد الكشف عليها ومطابقتها للاشتراطات القانونية, وثانياً - استعملوا العلامة المقلدة المشار إليها بأن طبعوا بها على ربعي النصف الأمامي لجاموسة مذبوحة خارج السلخانة تمهيداً لبيعها للجمهور مع علمهم بتقليد تلك العلامة. وثالثاً - ذبحوا ماشية تقل عن السن القانونية, ورابعاً - ذبحوا ماشية خارج السلخانة, وطلبت عقابهم بالمواد 206 من قانون العقوبات والمادة 20/ 1 - 2 من المرسوم بقانون رقم 95 لسنة 1945 والمادة 37 من اللائحة الصادرة في 23/ 11/ 1893 و2 من القانون رقم 6 لسنة 1912. ومحكمة بندر المنيا الجزئية قضت عملاً بمواد الاتهام للثلاثة الأول مع تطبيق المادتين 32 و17 من قانون العقوبات والمادة 172 من قانون تحقيق الجنايات للرابع بحبس كل من المتهمين الثلاثة الأول ستة أشهر بالشغل وكفالة عشرة جنيهات لوقف التنفيذ, والمصادرة بلا مصاريف وببراءة المتهم الرابع مما أسند إليه, فاستأنف المتهمون هذا الحكم كما استأنفته النيابة. ومحكمة المنيا الابتدائية قضت غيابياً بتأييد الحكم المستأنف. فعارض المتهمون وقضي في معارضتهم بتأييد الحكم الغيابي المعارض فيه. فطعن الطاعنون في هذا الحكم الأخير بطريق النقض إلخ.


المحكمة

... حيث إن حاصل الوجه الأول من الطعن هو أن الواقعة كما صار إثباتها في الحكم لا يعاقب عليها القانون, ذلك لأن العلامة التي وجدت على اللحوم المضبوطة ليس بينها وبين علامة الحكومة أي شبة لأن بصمة الختم المقلد ليست عليه كتابة مطلقاً بل هي دوائر تقرب من حجم الختم الحقيقي للسلخانة وإن كانت تختلف عنه. فالتقليد إذن منعدم ويكون الفعل المنسوب للطاعن ليس تزويراً أو استعمالاً لختم أو علامة مقلدة لأختام أو علامات الحكومة وتكون المحكمة إذ دانته بجريمتي التزوير والاستعمال قد أخطأت في تطبيق القانون.
وحيث إنه لما كان مقرراً أن جناية تقليد ختم أو علامة إحدى المصالح أو إحدى جهات الحكومة المنصوص عليها بالمادة 206 من قانون العقوبات تتحقق متى كان التقليد من شأنه خدع الجمهور في المعاملات إذ أن القانون لا يشترط أن يكون التقليد متقناً بحيث ينخدع به المدقق بل يكتفي بأن يكون بين العلامتين المقلدة والصحيحة من التشابه ما تكون به مقبولة لدى التعامل فإذا كان الحكم قد أثبت - كما هو الحال في واقعة هذه الدعوى - أن التقليد كان بحيث ينخدع به الجمهور, كان هذا كافياً لتوفر ركن التقليد في الجناية المقترفة دون اقتضاء أي شرط آخر.
وحيث إن مبنى الوجه الثاني هو أن محكمة ثاني درجة بعد أن سمعت دفاع محامي الطاعن وبعد انصرافهما بدأت تناقش المتهمين الآخرين فأدليا بأقوال جديدة تتعارض مع أقوالهما في جميع مراحل الدعوى وقد اعتمدت فيما اعتمدت عليه في إدانة الطاعن على تلك الأقوال دون أن تواجه الطاعن بها في حضرة المدافعين عنه حتى يتوليا الدفاع عن موكلهما بصدد هذا الدليل الجديد ويعملا على إهداره. وهذا منها إخلال بحقه في الدفاع.
وحيث إن الثابت في محضر الجلسة أن المحكمة بعد أن سمعت دفاع محاميي الطاعن سألت المتهمين الآخرين اللذين حكم عليهما معه في أقوالهما ذلك أنهما لم يوكلا عنهما محاميين فأدليا بأقوالهما الجديدة المشار إليها في وجه الطعن فواجهت المحكمة الطاعن بها وسمعت أقواله بصددها دون أن يثبت في محضر الجلسة انسحاب محاميي الطاعن عقب مرافعتهما. على أنه بفرض وقوع هذا فإن المحكمة بسؤالها المتهمين الآخرين لا تكون قد أخطأت, ذلك لأنه على مقتضى المادة الخامسة من القانون الصادر في 19 أكتوبر سنة 1925 بجعل بعض الجنايات جنحاً وهو الحال في هذه الدعوى تجرى إجراءات المحاكمة في الجنايات المجنحة بحسب الأحكام التي ينص القانون على اتباعها لدى الفصل في مواد الجنح مما مقتضاه أن تجوز محاكمة المتهمين فيها بغير حضور محامٍ يدافع عنهم. هذا ولما كان القانون يقضي كما هو صريح نص المادة 185 من قانون تحقيق الجنايات بأن المتهم آخر من يتكلم فإن المحكمة إذ طلبت من المتهمين الآخرين أن يتكلما بعد مرافعة محاميي الطاعن تكون قد راعت الإجراءات التي يتطلبها القانون, وإذ اعتمدت على أقوالهما في إدانة الطاعن بعد أن واجهته بها وسمعت أقواله بشأنها لا تكون قد أخلت بدفاعه سواء في ذلك أحضر محامياه هذا الإجراء أم لم يحضراه, وإذن يكون هذا الوجه مردوداً ولا محل له.
وحيث إن حاصل الوجه الثالث هو أن الحكم قد شابه القصور في أسبابه ذلك لأن المحكمة قد عولت فيما عولت عليه في إدانة الطاعن على قول للمتهم الرابع - الذي قضي ببراءته - أمام الكونستابل الذي قام بضبط الواقعة دون أن تناقش أقوال ذلك المتهم الأخرى التي أدلي بها في التحقيقات وعولت كذلك على أقوال الطبيب البيطرى دون تمحيص.
وحيث إنه لما كان من المقرر أن لمحكمة الموضوع بما لها من سلطة تقدير الأدلة - أن تعتمد على قول للشاهد أو للمتهم متى اطمأنت إليه, وأن تطرح ما لا تطمئن إليه من قول آخر له وكان ما اعتمدت عليه من أقوال الطبيب البيطري من شأنه أن يؤدي إلى ما رتب عليه وله أصله في التحقيقات التي أجريت في الدعوى. فإن الجدل على الصورة الواردة في الطعن لا يكون له محل, لأنه في حقيقته لا يعدو أن يكون جدلاً في موضوع الدعوى وتقدير الأدلة فيها مما لا شأن لمحكمة النقض به.
وحيث إنه لما تقدم يكون الطعن على غير أساس ويتعين رفضه موضوعاً.