أحكام المحكمة الدستورية العليا - الجزء الثامن
من أول يوليو 1996 حتى آخر يونيو 1998 - صـ 1401

جلسة 6 يونيو 1998

برئاسة السيد المستشار الدكتور/ عوض محمد عوض المر - رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: محمد ولي الدين جلال ونهاد عبد الحميد خلاف وفاروق عبد الرحيم غنيم وحمدي محمد علي وسامي فرج يوسف والدكتور عبد المجيد فياض، وحضور السيد المستشار الدكتور/ حنفي علي جبالي - رئيس هيئة المفوضين، وحضور السيد/ حمدي أنور صابر - أمين السر.

قاعدة رقم (107)
القضية رقم 180 لسنة 19 قضائية "دستورية"

1 - رقابة قضائية على الشرعية الدستورية "محلها".
امتداد هذه الرقابة إلى النصوص القانونية جميعها - إسناد هذه النصوص إلى نص في الدستور لا يطهرها من عوار اتصل بها.
2 - دعوى دستورية "المصلحة الشخصية المباشرة: مناطها".
مناط هذه المصلحة - وهي شرط لقبول الدعوى الدستورية - هو ارتباطها عقلاً بالمصلحة التي يقوم بها النزاع الموضوعي، ذلك بأن يكون الفصل في المسائل الدستورية لازماً للفصل في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها.
3 - تنظيم الحقوق "سلطة تقديرية: ضوابطها".
الأصل في سلطة المشرع في مجال تنظيم الحقوق أنها سلطة تقديرية ما لم يقيدها المشرع بضوابط تحد من إطلاقها.
4 - نقابة - مبدأ الخضوع للقانون.
إهدار النقابة حقوقاً كفلها الدستور أو المشرع لأعضائها تعتبر انحرافاً منها عن رسالتها - اعتباره كذلك عدولاً من جانبها عن مبدأ الخضوع للقانون.
5 - حق التقاضي "قيود إجرائية".
كفالة الدستور حق التقاضي للناس جميعاً - عدم جواز إرهاق الخصومة بقيود إجرائية أو مالية تتمحض إعناتاً تتعثر به الخصومة القضائية.
6 - خصومة قضائية - نقابة "مصالح جماعية".
لا تعارض بين حق النقابة في صون مصالحها الجماعية وحق كل من أعضائها في التداعي قضاء لحملها على مراعاة القيود التي فرضها الدستور أو المشرع عليها - هما حقان متوازيان.
7 - تشريع: نص الفقرة الثانية من المادة 20 من القانون رقم 67 لسنة 1974 بإنشاء نقابة المهن التطبيقية: حق التقاضي".
عدم إجازة هذا النص لعضو النقابة الطعن منفرداً - باشتراطه نصاباً معيناً - على قرار صدر من جمعيتها العمومية يجرد حق التقاضي من مضمونه - المصالح الشخصية لا يحميها إلا أصحابها من خلال الخصومة القضائية - ينافي هذه الخصومة أن يظهر آخرون فيها لا تربطهم بها صلة مباشرة تتوحد من خلالها مصالحهم.
8 - خصومة قضائية "قيود".
خصومة الطعن لا تتحدد شروط قبولها إلا على ضوء ما يتصل بها عقلاً - فرض المشرع عليها قيداً منافياً لطبيعتها يحمل حق التقاضي بأعباء لا يطيقها.
9 - تشريع "نص الفقرة الثانية من المادة 20 من القانون رقم 67 لسنة 1974: شروط".
عدم قبول الطعن في قرار صدر عن الجمعية العمومية للنقابة - وفقاً لهذا النص - إذا كان الطاعنون قد غابوا عن اجتماعها: اعتبار ذلك شرطاً غير متصل بمتطلبات خصومة الطعن.
10 - تشريع: نص الفقرة الثانية من المادة 20 من القانون رقم 67 لسنة 1974: عدوان على الوظيفة القضائية".
انفراد السلطة القضائية بتحقيق صفات الخصوم - اشتراط هذا النص التصديق على توقيعات الطاعنين على صحيفة الطعن من الجهة المختصة ينصرف من ثم عدواناً على الوظيفة القضائية.
11 - حقوق "نظراء".
النظراء لا يتمايزون فيما بينهم في مجال التداعي في شأن الحقوق عينها أو الدفاع عنها أو استئدائها.
12 - دستور "خصومة قضائية".
كفالة الدستور الحق في الخصومة القضائية لكل فرد - تجريده هذه الخصومة من القيود الجائزة عليها بما يحول دون تقييد فرصها في غير ضرورة.
13 - تشريع: "نص الفقرة الثانية من المادة 20 من القانون رقم 67 لسنة 1974: قيود".
إرهاق هذا النص الخصومة القضائية من خلال ما تضمنه من قيود عليها - وأده وسائل الدفاع التي تقارنها في شأن الحقوق التي يطلبها أعضاء الجمعية العمومية للنقابة.
1 - الرقابة على الشرعية الدستورية التي تباشرها هذه المحكمة، تمتد إلى النصوص القانونية جميعها، ولو أقرتها السلطة التشريعية إعمالاً من جانبها لنص في الدستور. ذلك أن إسنادها إليه، لا يفيد بالضرورة صحتها، ولا يطهرها من عوار اتصل بها.
2 - المصلحة الشخصية المباشرة - وهي شرط لقبول الدعوى الدستورية - مناطها ارتباطها عقلاً بالمصلحة التي يقوم بها النزاع الموضوعي، وذلك بأن يكون الفصل في المسائل الدستورية التي تطرح على هذه المحكمة، لازماً للفصل في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها؛ وكان النزاع الموضوعي يتعلق بطلب المدعي إلغاء قرار شطبه من عضوية النقابة الصادر عن جمعيتها العامة في 31/ 7/ 1992، وكان الحق في الطعن على قراراتها مقيداً بالشروط التي فرضتها الفقرة الثانية من المادة 20 المطعون عليها، فإن الفصل في دستوريتها يكون لازماً للفصل في الطلب الموضوعي المرتبط بها. وبإبطالها تقوم المصلحة الشخصية والمباشرة للمدعي في مباشرة حق التقاضي وضمانة الدفاع دون قيود جائرة تنال من محتواهما.
3 - الأصل في سلطة المشرع في مجال تنظيم الحقوق أنها سلطة تقديرية ما لم يضبطها الدستور بقيود تحد من إطلاقها، وتقيم لها تخومها التي لا يجوز اقتحامها بما ينال من الحقوق التي يصونها الدستور، سواء من خلال إرهاق مجالاتها الحيوية التي لا تقوم إلا بها، أو عن طريق تقليص فعاليتها بما يحد منها.
4 - الطعن على قرار معين - وكلما توافر أصل الحق فيه - لا يجوز تقييده فيما وراء الأسس الموضوعية التي يقتضيها تنظيم هذا الحق، وإلا كان القيد عاصفاً بمحتواه أو مضيقاً من مداه، وكان حق النقابة - ومن خلال تنظيماتها الداخلية على تعدد مستوياتها - في أن تدير بنفسها شئونها وفق أهدافها وبما يؤمن مصالح أعضائها، ويرعى القيم التي يدعون إليها، وإن تمثل فيه جوهر بنيانها، إلا أن إهدارها حقوقاً كفلها الدستور أو المشرع لأعضائها، يعتبر انحرافاً منها عن رسالتها، وعدولاً من جانبها عن مبدأ الخضوع للقانون باعتباره ضابطاً للأعمال جميعها، محيطاً بكل صورها، ما كان منها تصرفاً قانونياً أو عملاً مادياً، فلا يقع أحدها أو بعضها بعيداً عن الرقابة القضائية.
5 - الدستور كفل للناس جميعاً حق التقاضي، فلا ينحسر عن بعضهم، ولا يحال دونهم والانتفاع بكامل أبعاده، وعلى الأخص من خلال قيود إجرائية أو مالية تتمحض إعناتاً تتعثر به الخصومة القضائية، فلا تكون إطاراً قانونياً ميسراً لصون الحقوق التي كفلها الدستور أو المشرع لأصحابها، بل عبئاً يحيط بها، معطلاً مقاصدها التي يبلورها إعلاء كلمه القانون فصلاً في الحقوق المتنازع عليها، وضماناً لإيصال الترضية القضائية إلى من يستحقونها.
6 - الخصومة القضائية تؤكد بمضمونها أن حقوقاً وقع الإخلال بها، وأن الفصل فيها إنصافاً مطلبها، وأن ردها لأصحابها غايتها. وأن هذه الحقوق إما أن تبلور مصالح جماعية كتلك التي تؤمنها النقابة وتحميها بوصفها شخصاً معنوياً يستقل بالدفاع عنها ويحتضنها، وإما أن يتعلق بهذه الحقوق مركز قانوني خاص يكفل مصالح ذاتية لأحد أعضائها، فلا يكون الدفاع عنها إلا متصلاً بمصلحته الشخصية المباشرة. ولا تعارض بين حق النقابة في صون مصالحها الجماعية، وحق كل من أعضائها في أن يقيم ضدهم دعواه لحملها على مراعاة القيود التي فرضها الدستور أو المشرع عليها. بل هما حقان متوازيان لا يتنافران، ولا يتزاحمان.
7 - الفقرة الثانية من المادة 20 المطعون عليها، تجرد حق التقاضي من مضمونه وتحيله عبثاً، ذلك أن عضو النقابة لا يملك وحده وفقاً لحكمها، أن يطعن على قرار صدر عن جمعيتها العمومية، ولو تمحض انحرافاً عن حكم الدستور أو القانون، وأضر بمصلحته الشخصية المباشرة، وكان إضراره بها بليغاً، بل يتعين أن يكون لهذا الطعن نصاباً عددياً، بأن يكون مقدماً من مائة عضو على الأقل من أعضاء الجمعية العمومية للنقابة الذين حضروا اجتماعها، وأن تكون توقيعاتهم جميعاً على تقرير الطعن مصادقاً عليها من الجهة المختصة.
إن هذين القيدين يقيمان عوائق خطيرة لا تكون مباشرة حق التقاضي معها إلا أفدح عبئاً، وأقل احتمالاً.
فالمصالح الشخصية لا يحميها إلا أصحابها، ويكفيهم طلبها من خلال الخصومة القضائية التي ينافيها أن يظهر آخرون فيها لا تربطهم بها صلة مباشرة.
بيد أن النص المطعون فيه فرض في غير نطاق المصالح الجماعية، التي تمثلها النقابة وتستقل بصونها، نصاباً عددياً في شأن حقوق يفترض إخلالها بالمراكز الذاتية لأصحابها الذين يملكون وحدهم حق الدفاع عنها.
وبذلك يكون هذا النص قد أحال المصالح الشخصية إلى مصالح شبه جماعية، متطلباً أن يكون تأمينها من خلال عدد لا يقل عن مائة من أعضاء الجمعية العمومية للنقابة التي صدر خلال اجتماعها القرار المطعون فيه، بشرط حضورهم هذا الاجتماع، وبافتراض وحدة مصالحهم التي لا يتصور اتساقها فيما بينها، إلا إذا كانوا جميعهم قد أضيروا من هذا القرار، وكان بعضهم لبعض ظهيراً من خلال خصومة قضائية واحدة لا تتبدد مصالحهم أو تفرقها، بل تستنهضها وتجانس بينها. وهو افتراض قلما يتحقق عملاً.
8، 9 - خصومة الطعن لا تتحدد شروط قبولها إلا على ضوء ما يتصل عقلاً بها. وكلما فرض المشرع عليها قيداً منافياً لطبيعتها، مستهدفاً عرقلتها، حائلاً دون توجهها لغايتها، كان هذا القيد دخيلاً عليها، محملاً حق التقاضي بأعباء لا يطيقها، ومخالفاً للدستور ولا يجوز بالتالي أن يقيم المشرع صلة يتوهمها بين حق الطعن في قرار ما، وحضور اجتماع تبناه. وه الوجهة التي انحاز إليها النص المطعون فيه، مقيداً بها خصومة الطعن بشرط يجافيها، فما قرره هذا النص من أن هذه الخصومة - وكلما كان موضوعها الطعن في قرار صدر عن الجمعية العمومية للنقابة - لا يجوز قبولها إذا كان الطاعنون قد غابوا عن اجتماعها، يتمحض إقحاماً لشرط عليها لا يتصل بمتطلباتها التي يقيمها أن يكون هذا القرار نهائياً، مؤثراً في أوضاع قائمة من خلال تعديلها أو إلغائها، وأن يكون تصويبها - بما يردها إلى حكم القانون - حقاً لهؤلاء الذين أضيروا من تنظيمها بالقرار المطعون فيه.
10 - إن الطعن في قرار الجمعية للنقابة - ولو كان مكتملاً نصاباً مستوفياً شرط حضور اجتماعها - يظل غير مقبول وفقاً للنص المطعون فيه، إذا كان من قدموه غير مصادق على توقيعاتهم من الجهة التي عينها المشرع - وهي إدارية بالضرورة - وكان التصديق عليها من هذه الجهة، لا يعدو أن يكون إثباتاً لصفاتهم التي تنفرد السلطة القضائية بتحقيقها في مجال الفصل في شروط اتصال الخصومة القضائية بها وفقاً لأوضاعها التي نظمها المشرع، فإن هذا القيد ينحل بدوره إعناتاً متوخياً أن يكون الطعن أكثر عسراً، منصرفاً عدواناً على الوظيفة القضائية في أدق ملامحها.
11، 12، 13 - النظراء لا يتمايزون فيما بينهم في مجال استعمال الحقوق عينها، ولا في فرص صونها والدفاع عنها، ولا في اقتضائها وفق مقاييس موحدة عند توافر شروط طلبها، بل تكون للحقوق عينها قواعد موحدة سواء في مجال التداعي بشأنها، أو الدفاع عنها، أو استئدائها، وكان الدستور قد هيأ للحقوق المتنازع عليها وسائل إثباتها أو نفيها من خلال الخصومة القضائية التي كفل الحق فيها لكل فرد، وعزز ضماناتها، وجردها من القيود الجائرة عليها بما يحول دون تقييد فرصها في غير ضرورة، وكان القيدان اللذان تضمنهما النص المطعون فيه، يرهقان الخصومة القضائية التي يقيمها أعضاء الجمعية العمومية للنقابة في شأن قراراتها، وينتهيان إلى غلق أبوابها من دونهم، ويئدان وسائل الدفاع التي تقارنها في شأن الحقوق التي يطلبونها.


الإجراءات

بتاريخ 4 مايو سنة 1997، أحيلت هذه الدعوى من محكمة القضاء الإداري إلى قلم كتاب المحكمة، للفصل في دستورية نص المادة 20 من القانون رقم 67 لسنة 1974 بإنشاء نقابة المهن الفنية التطبيقية.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع - على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - تتحصل في أن السيد/ محمد حلمي إبراهيم كان قد أقام الدعوى رقم 6721 لسنة 46 قضائية أمام محكمة القضاء الإداري طالباً الحكم بإلغاء القرار الصادر بتجميد عضويته بنقابة التطبيقيين.
ثم أقام الدعوى رقم 8765 لسنة 46 قضائية أمام المحكمة ذاتها طالباً الحكم بإلغاء القرار الصادر من الجمعية العمومية لهذه النقابة بشطب اسمه من عضويتها، وقد ضمت الدعويان إلى بعضهما، وحكم فيهما معاً بعدم قبولها طالبات المدعي فيهما. فطعن في هذا الحكم أمام المحكمة الإدارية العليا التي قضت بجلستها المعقودة في 24/ 2/ 1994 بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبعدم قبول طلب إلغاء قرار تجميد عضوية المدعي بنقابة المهن التطبيقية، وبإعادة الدعوى إلى محكمة القضاء الإداري لتفصل مجدداً في طلب إلغاء قرار شطب الطاعن من عضوية هذه النقابة. وقد قضت محكمة القضاء الإداري بجلستها المنعقدة في 4/ 5/ 1997 - وبعد نظرها للموضوع المحال إليها - بأن شبهة عدم دستورية نص المادة 20 من القانون رقم 67 لسنة 1974 بإنشاء نقابة المهن الفنية التطبيقية، لها أساسها، وأن الفصل نهائياً فيها، يقتضيها وقف الدعوى المنظورة أمامها وإحالتها إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل في دستورية هذه المادة.
وحيث إن المادة 20 من القانون رقم 67 لسنة 1974 بإنشاء نقابة المهن الفنية التطبيقية تنص على ما يأتي:
فقرة أولى: "لوزير الصناعة الطعن في صحة انعقاد الجمعية العمومية أو في قراراتها أو في انتخاب النقيب وأعضاء مجلس النقابة وذلك بتقرير يودع قلم كتاب محكمة القضاء الإداري بمجلس الدولة خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ إبلاغه بقرارات الجمعية العمومية أو بنتيجة الانتخاب.
فقرة ثانية: ولمائة عضو على الأقل ممن حضروا الجمعية العمومية الطعن في قراراتها أو صحة انعقادها أو في انتخاب النقيب أو أعضاء مجلس النقابة بتقرير موقع عليه منهم ومصدقاً على التوقيعات فيه من الجهة المختصة يقدم إلى قلم كتاب محكمة القضاء الإداري خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ انعقاد الجمعية.
فقرة ثالثة: ويجب أن يكون تقرير الطعن مسبباً وإلا كان غير مقبول شكلاً.
فقرة رابعة: وتفصل محكمة القضاء الإداري في الطعن على وجه الاستعجال في جلسة غير علنية، وذلك بعد سماع أقوال إدارة قضايا الحكومة وأقوال النقيب أو من ينوب عنه ووكيل عن الطاعنين.
.........".
وحيث إن النقابة المدعى عليها دفعت بعدم قبول الدعوى الماثلة تأسيساً على أن نص المادة 20 المطعون عليها، أستمد مباشرة من حكم المادة 56 من الدستور التي تؤسس التنظيم النقابي على ضوابط ديمقراطية. ولا يتصور بالتالي أن يناقض حق التقاضي، أو ضمانة الدفاع المنصوص عليهما في المادتين 68 و69 من الدستور.
وحيث إن هذا الدفع مردود. بأن الرقابة على الشرعية الدستورية التي تباشرها هذه المحكمة، تمتد إلى النصوص القانونية جميعها، ولو أقرتها السلطة التشريعية إعمالاً من جانبها لنص في الدستور. ذلك أن إسنادها إليه، لا يفيد بالضرورة صحتها، ولا يطهرها من عوار اتصل بها.
وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة - وهي شرط لقبول الدعوى الدستورية - مناطها ارتباطها عقلاً بالمصلحة التي يقوم بها النزاع الموضوعي، وذلك بأن يكون الفصل في المسائل الدستورية التي تطرح على هذه المحكمة، لازماً للفصل في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها؛ وكان النزاع الموضوعي يتعلق بطلب المدعي إلغاء قرار شطبه من عضوية النقابة الصادر عن جمعيتها العامة في 31/ 7/ 1992، وكان الحق في الطعن على قراراتها مقيداً بالشروط التي فرضتها الفقرة الثانية من المادة 20 المطعون عليها، فإن الفصل في دستوريتها يكون لازماً للفصل في الطلب الموضوعي المرتبط بها. وبإبطالها تقوم المصلحة الشخصية والمباشرة للمدعي في مباشرة حق التقاضي وفي ضمانة الدفاع دون قيود جائرة تنال من محتواهما.
وحيث إن الأصل في سلطة المشرع في مجال تنظيم الحقوق أنها سلطة تقديرية ما لم يضبطها الدستور بقيود تحد من إطلاقها، وتقيم لها تخومها التي لا يجوز اقتحامها بما ينال من الحقوق التي يصونها الدستور، سواء من خلال إرهاق مجالاتها الحيوية التي لا تقوم إلا بها، أو عن طريق تقليص فعاليتها بما يحد منها.
وحيث إن الطعن على قرار معين - وكلما توافر أصل الحق فيه - لا يجوز تقييده فيما وراء الأسس الموضوعية التي يقتضيها تنظيم هذا الحق، وإلا كان القيد عاصفاً بمحتواه أو مضيقاً من مداه، وكان حق النقابة - ومن خلال تنظيماتها الداخلية على تعدد مستوياتها - في أن تدير بنفسها شئونها وفق أهدافها وبما يؤمن مصالح أعضائها، ويرعى القيم التي يدعون إليها، وإن تمثل فيه جوهر بنيانها، إلا أن إهدارها حقوقاً كفلها الدستور أو المشرع لأعضائها، يعتبر انحرافاً منها عن رسالتها، وعدولاً من جانبها عن مبدأ الخضوع للقانون باعتباره ضابطاً للأعمال جميعها، محيطاً بكل صورها، ما كان منها تصرفاً قانونياً أو عملاً مادياً، فلا يقع أحدها أو بعضها بعيداً عن الرقابة القضائية.
وحيث إن الدستور كفل للناس جميعاً حق التقاضي، فلا ينحسر عن بعضهم، ولا يحال دونهم والانتفاع بكامل أبعاده، وعلى الأخص من خلال قيود إجرائية أو مالية تتمحض إعناتاً تتعثر به الخصومة القضائية، فلا تكون إطاراً قانونياً ميسراً لصون الحقوق التي كفلها الدستور أو المشرع لأصحابها، بل عبئاً يحيط بها، معطلاً مقاصدها التي يبلورها إعلاء كلمه القانون فصلاً في الحقوق المتنازع عليها، وضماناً لإيصال الترضية القضائية إلى من يستحقونها.
وحيث إن الخصومة القضائية تؤكد بمضمونها أن حقوقاً وقع الإخلال بها، وأن الفصل فيها إنصافاً مطلبها، وأن ردها لأصحابها غايتها. وأن هذه الحقوق إما أن تبلور مصالح جماعية كتلك التي تؤمنها النقابة وتحميها بوصفها شخصاً معنوياً يستقل بالدفاع عنها ويحتضنها، وإما أن يتعلق بهذه الحقوق مركز قانوني خاص يكفل مصالح ذاتية لأحد أعضائها، فلا يكون الدفاع عنها إلا متصلاً بمصلحة الشخصية المباشرة. ولا تعارض بين حق النقابة في صون مصالحها الجماعية، وحق كل من أعضائها في أن يقيم ضدهم دعواه لحملها على مراعاة القيود التي فرضها الدستور أو المشرع عليها. بل هما حقان متوازيان لا يتنافران، ولا يتزاحمان.
وحيث إن الفقرة الثانية من المادة 20 المطعون عليها، تجرد حق التقاضي من مضمونه وتحيله عبثاً، ذلك أن عضو النقابة لا يملك وحده وفقاً لحكمها، أن يطعن على قرار صدر عن جمعيتها العمومية، ولو تمحض انحرافاً عن حكم الدستور أو القانون، وأضر بمصلحته الشخصية المباشرة، وكان إضراره بها بليغاً، بل يتعين أن يكون لهذا الطعن نصاباً عددياً، بأن يكون مقدماً من مائة عضو على الأقل من أعضاء الجمعية العمومية للنقابة الذين حضروا اجتماعها، وأن تكون توقيعاتهم جميعاً على تقرير الطعن مصادقاً عليها من الجهة المختصة.
وحيث إن هذين القيدين يقيمان عوائق خطيرة لا تكون مباشرة حق التقاضي معها إلا أفدح عبئاً، وأقل احتمالاً.
فالمصالح الشخصية لا يحميها إلا أصحابها، ويكفيهم طلبها من خلال الخصومة القضائية التي ينافيها أن يظهر آخرون فيها لا تربطهم بها صلة مباشرة.
بيد أن النص المطعون فيه فرض في غير نطاق المصالح الجماعية، التي تمثلها النقابة وتستقل بصونها، نصاباً عددياً في شأن حقوق يفترض إخلالها بالمراكز الذاتية لأصحابها الذين يملكون وحدهم حق الدفاع عنها.
وبذلك يكون هذا النص قد أحال المصالح الشخصية إلى مصالح شبه جماعية، متطلباً أن يكون تأمينها من خلال عدد لا يقل عن مائة من أعضاء الجمعية العمومية للنقابة التي صدر خلال اجتماعها القرار المطعون فيه، بشرط حضورهم هذا الاجتماع، وبافتراض وحدة مصالحهم التي لا يتصور اتساقها فيما بينها، إلا إذا كانوا جميعهم قد أضيروا من هذا القرار، وكان بعضهم لبعض ظهيراً من خلال خصومة قضائية واحدة لا تتبدد مصالحهم أو تفرقها، بل تستنهضها وتجانس بينها. وهو افتراض قلما يتحقق عملاً.
وحيث إن خصومة الطعن لا تتحدد شروط قبولها إلا على ضوء ما يتصل عقلاً بها. وكلما فرض المشرع عليها قيداً منافياً لطبيعتها، مستهدفاً عرقلتها، حائلاً دون توجهها لغايتها، كان هذا القيد دخيلاً عليها، محملاً حق التقاضي بأعباء لا يطيقها، ومخالفاً للدستور. ولا يجوز بالتالي أن يقيم المشرع صلة يتوهمها بين حق الطعن في قرار ما، وحضور اجتماع تبناه. وهي الوجهة التي انحاز إليها النص المطعون فيه، مقيداً بها خصومة الطعن بشرط يجافيها، فما قرره هذا النص من أن هذه الخصومة - وكلما كان موضوعها الطعن في قرار صدر عن الجمعية العمومية للنقابة - لا يجوز قبولها إذا كان الطاعنون قد غابوا عن اجتماعها، يتمحض إقحاماً لشرط عليها لا يتصل بمتطلباتها التي يقيمها أن يكون هذا القرار نهائياً، مؤثراً في أوضاع قائمة من خلال تعديلها أو إلغائها، وأن يكون تصويبها - بما يردها إلى حكم القانون - حقاً لهؤلاء الذين أضيروا من تنظيمها بالقرار المطعون فيه.
وحيث إن الطعن في قرار الجمعية للنقابة - ولو كان مكتملاً نصاباً مستوفياً شرط حضور اجتماعها - يظل غير مقبول وفقاً للنص المطعون فيه، إذا كان من قدموه غير مصادق على توقيعاتهم من الجهة التي عينها المشرع - وهي إدارية بالضرورة - وكان التصديق عليها من هذه الجهة، لا يعدو أن يكون إثباتاً لصفاتهم التي تنفرد السلطة القضائية بتحقيقها في مجال الفصل في شروط اتصال الخصومة القضائية بها وفقاً لأوضاعها التي نظمها المشرع، فإن هذا القيد ينحل بدوره إعناتاً متوخياً أن يكون الطعن أكثر عسراً، منصرفاً عدواناً على الوظيفة القضائية في أدق ملامحها.
وحيث إن النظراء لا يتمايزون فيما بينهم في مجال استعمال الحقوق عينها، ولا في فرص صونها والدفاع عنها، ولا في اقتضائها وفق مقاييس موحدة عند توافر شروط طلبها، بل تكون للحقوق عينها قواعد موحدة سواء في مجال التداعي بشأنها، أو الدفاع عنها، أو استئدائها، وكان الدستور قد هيأ للحقوق المتنازع عليها وسائل إثباتها أو نفيها من خلال الخصومة القضائية التي كفل الحق فيها لكل فرد، وعزز ضماناتها، وجردها من القيود الجائرة عليها بما يحول دون تقييد فرصها في غير ضرورة، وكان القيدان اللذان تضمنهما النص المطعون فيه، يرهقان الخصومة القضائية التي يقيمها أعضاء الجمعية العمومية للنقابة في شأن قراراتها، وينتهيان إلى غلق أبوابها من دونهم، ويئدان وسائل الدفاع التي تقارنها في شأن الحقوق التي يطلبونها، فإن هذا النص يكون مخالفاً لأحكام المواد 40 و65 و68 و69 و165 من الدستور.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بعدم دستورية ما نصت عليه الفقرة الثانية من المادة 20 من القانون رقم 67 لسنة 1974 بإنشاء نقابة المهن الفنية التطبيقية من أن يكون لمائة عضو على الأقل ممن حضروا الجمعية العمومية، الطعن في قراراتها، وذلك بتقرير موقع عليه منهم ومصدق على التوقيعات فيه من الجهة المختصة.