أحكام المحكمة الدستورية العليا - الجزء الثامن
من أول يوليو 1996 حتى آخر يونيو 1998 - صـ 1413

جلسة 6 يونيو 1998

برئاسة السيد المستشار الدكتور/ عوض محمد عوض المر - رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: فاروق عبد الرحيم غنيم وسامي فرج يوسف والدكتور عبد المجيد فياض وماهر البحيري ومحمد علي سيف الدين وعدلي محمود منصور، وحضور السيد المستشار الدكتور/ حنفي علي جبالي - رئيس هيئة المفوضين، وحضور السيد/ حمدي أنور صابر - أمين السر.

قاعدة رقم (108)
القضية رقم 156 لسنة 18 قضائية "دستورية"

1 - دعوى دستورية "تحضير - هيئة المفوضين - مرافعة".
استكمال الخصومة القضائية لمقوماتها بمجرد انتهاء هيئة المفوضين من تحضيرها - وعلى الأخص في المسائل الدستورية التي تتسم بعينيتها - إذن المحكمة الدستورية العليا للخصوم بالمرافعة الشفوية لا يكون إلا لضرورة تقدرها.
2 - دعوى دستورية "تكييفها".
للمحكمة الدستورية العليا إعطاء الدعوى تكييفها القانوني الصحيح، وذلك على ضوء طلبات رافعها وبعد استظهار حقيقة أبعادها ومراميها.
3 - دستور - رقابة على الشرعية الدستورية.
إفراد الدستور المحكمة الدستورية العليا بمهمة الرقابة على دستورية القوانين واللوائح - تفصيل طرائق هذه الرقابة وكيفيتها في قانون هذه المحكمة - ضمانه مركزية الرقابة على الشرعية الدستورية.
4 - اختصاص "المحكمة الدستورية العليا" - رقابة قضائية "محلها".
انحصار اختصاص هذه المحكمة في شأن الرقابة القضائية على الشرعية الدستورية في النصوص التشريعية التي تتولد عنها مراكز عامة مجردة سواء وردت هذه النصوص في تشريعات أصلية أو فرعية.
5 - لائحة "تكييفها: قانون خاص".
تحديد التكييف القانوني للائحة بمجال سريانها - انحسار الصفة الإدارية عن اللائحة إذا اتصل هذا المجال مباشرة بمنطقة القانون الخاص - عدم اعتبارها من ثم تشريعاً - عدم امتداد الرقابة القضائية على الشرعية الدستورية عليها بوصفها كذلك.
6 - عاملون "الجمعية التعاونية للبترول - الهيئة المصرية العامة للبترول".
لائحة مكافأة نهاية الخدمة التي أصدرتها الهيئة المذكورة لا تعتبر - في مجال سريانها على العاملين في تلك الجمعية - تشريعاً بالمعنى الموضوعي - انحسار الرقابة القضائية من ثم على دستوريتها.
1 - إن هيئة المفوضين بالمحكمة الدستورية العليا تستكمل تحضير موضوع النزاع المعروض عليها، بمجرد إيداعها تقريراً تحدد فيه المسائل الدستورية والقانونية المثارة فيه، ورأيها بشأنها، وكان ما توخاه قانون هذه المحكمة من ألا يحدد رئيسها جلسة لنظر الدعوى أو الطلب قبل أن تتولى هيئة المفوضين بها تحضيره، هو أن تستجلي بنفسها مختلف العناصر التي تقوم عليها الخصومة القضائية، وأن تمحص أوراقها وأدلتها، وأن تكافئ بين أطرافها في مجال فرص الدفاع التي تتيحها وفقاً للقانون، فلا يكون النزاع بعد انتهائها من تحضيره إلا مهيأ للفصل فيه.
ذلك أن قانون المحكمة الدستورية العليا يفترض مضيها في نظر النزاع المعروض عليها بعدم إيداع هيئة المفوضين لتقريرها على ضوء ما هو قائم من الأوراق المتصلة بالنزاع، فجعل الأصل - وعلى ما تقضي به المادة 44 من قانون هذه المحكمة - هو أن تحكم في الدعاوى والطلبات المعروضة عليها بغير مرافعة، ولم يجز لها أن تأذن بالمرافعة الشفوية إلا لضرورة تقدرها، ألا يكون ترخيصها للخصوم أو لهيئة المفوضين بتكميل مذكراتهم إلا استثناء كاشفاً بذلك عن استكمال الخصومة القضائية لمقوماتها بمجرد الانتهاء من تحضيرها، وعلى الأخص في المسائل الدستورية التي تتسم بعينيتها باعتبار أن مدارها هو الفصل في اتفاق النصوص القانونية المطعون عليها مع الدستور أو مخالفتها لأحكامه.
2 - المحكمة بما لها من هيمنة على الدعوى، هي التي تعطيها وصفها الحق، وتكييفها القانوني الصحيح، وذلك على ضوء طلبات رافعها، وبعد استظهار حقيقة أبعادها ومراميها، دون تقيد بمبانيها. متى كان ذلك، وكانت حقيقة طلبات المدعين تتمثل في الحكم بعدم دستورية ما نصت عليه المادة 14 من لائحة النظام الأساسي لمكافأة نهاية الخدمة للعاملين بقطاع البترول الصادر عن الهيئة المصرية العامة للبترول بتاريخ 22/ 7/ 1993 من عدم جواز الجمع بين قيمة مكافأة نهاية الخدمة التي أنشأتها، وبين قيمة المكافآت المقررة بموجب أنظمة خاصة داخل قطاع البترول إلا في حدود الفرق بين القيمتين، وذلك في مجال تطبيق هذا النص على العاملين بشركة الجمعية التعاونية للبترول، تأسيساً على مخالفته لأحكام المواد 8، 26، 40 من الدستور، فإن دعواهم - في هذا النطاق - تنحل إلى طعن بعدم دستورية ذلك النص.
3 - عهد الدستور - بنص مادته الخامسة والسبعين بعد المائة - إلى المحكمة الدستورية العليا دون غيرها بمهمة الرقابة القضائية على دستورية القوانين واللوائح على الوجه المبين في القانون. وبناء على هذا التفويض أصدر المشرع قانون هذه المحكمة، مبيناً اختصاصاتها، محدداً ما يدخل في ولايتها حصراً. فخولها - في المادة 25 - اختصاصاً منفرداً بالرقابة القضائية على دستورية القوانين واللوائح، مانعاً أي جهة قضائية من مزاحمتها فيه، مفصلاً في المادتين 27، 29 - طرائق هذه الرقابة وكيفيتها، وذلك ضماناً منه لمركزية الرقابة على الشرعية الدستورية، وصولاً من بعد إلى بناء الوحدة العضوية لأحكام الدستور، بما يكفل تكاملها وتجانسها.
4 - قضاء هذه المحكمة، قد جرى على أن اختصاصها في شأن الرقابة القضائية على الشرعية الدستورية، ينحصر في النصوص التشريعية أياً كان موضوعها أو نطاق تطبيقها أو الجهة التي أقرتها أو أصدرتها، فلا تنبسط ولايتها - في هذا المجال - إلا على القانون بمعناه الموضوعي باعتباره منصرفاً إلى النصوص التشريعية التي تتولد عنها مراكز عامة مجردة، سواء وردت هذه النصوص بالتشريعات الأصلية التي أقرتها السلطة التشريعية، أم تضمنتها التشريعات الفرعية التي أصدرتها السلطة التنفيذية في حدود الصلاحيات التي ناطها الدستور بها، وتنقبض - بالتالي - عما سواها.
5 - المقرر في قضاء هذه المحكمة. أن كل لائحة يتحدد تكييفها القانوني بمجال سريانها، فكلما كان هذا المجال متصلاً مباشرة بمنطقة القانون الخاص انحسرت الصفة الإدارية عنها، ولو كانت الجهة التي أصدرتها شخصاً من أشخاص القانون العام، ولا تعتبر بالتالي تشريعاً بالمعنى الموضوعي مما تمتد إليه الرقابة القضائية التي تباشرها هذه المحكمة في شأن الشرعية الدستورية.
6 - النزاع الراهن يتعلق ببعض العاملين بإحدى الشركات التابعة للهيئة المصرية العامة للبترول، وكانت المادة 14 - المطعون عليها، واردة بلائحة أصدرها مجلس إدارة هذه الهيئة منظماً بها أحوال وشروط استحقاق مكافأة نهاية الخدمة للعاملين بقطاع البترول، ومن بينهم العاملون بالجمعية التعاونية للبترول، وقواعد الجمع بينها وبين مكافأة الميزة الأفضل المقررة لهؤلاء العاملين بموجب نظام الشركة التي يتبعونها، لا ليخرجها من دائرة القانون الخاص، ويدخلها في منطقة القانون العام، وإنما ليحدد لعلاقتهم بالصندوق المهيمن على تمويل تلك المكافأة وصرفها، ضوابطها، بما لا ينافي طبيعة أعمالهم، وعلاقتهم بأربابها. ولا يعني امتداد مظلة هذا الصندوق إلى العاملين بقطاع البترول كافة، وهم طوائف شتى، تتنوع تبعيتهم بين الهيئة المصرية العامة للبترول، وما بين شركات القطاع العام للبترول وغيرها، أن تنماع الحدود الفاصلة ما بين تلك الجمعية وهذه الهيئة فلا تزال لكل منهما شخصيتها القانونية، ودائرة نشاطها، ونظامها القانوني الخاص بها، وفي نطاق الدائرة التي تعمل بها اللائحة - التي اندرج تحتها نص المادة 14 المطعون عليه - يتحدد وصفها القانوني. وهي في مجال انطباقها على العاملين بالجمعية التعاونية للبترول، لا تعدو أن تكون تنظيماً لشأن يتعلق بميزة مقررة لهم عند انتهاء خدمتهم، لا تشريعاً بالمعنى الموضوعي، ومن ثم تنحسر عن الرقابة على دستوريتها، ولاية هذه المحكمة.


الإجراءات

في الحادي والثلاثين من ديسمبر سنة 1996، أودع المدعون صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة طلباً للحكم بعدم دستورية المادة 14 من لائحة النظام الأساسي لمكافأة نهاية الخدمة للعاملين بقطاع البترول التي أقرها مجلس إدارة الهيئة المصرية العامة للبترول بتاريخ 22/ 7/ 1993 والمصدق عليها من وزير البترول.
قدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت في ختامها الحكم بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى أو برفضها.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع - على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - تتحصل في أن المدعين كانوا قد أقاموا ضد المدعى عليهم عدا الأخير، الدعوى رقم 193 لسنة 1995 عمال كلي جنوب القاهرة ابتغاء الحكم أصلياً ببطلان نص المادة 14 من لائحة النظام الأساسي لمكافأة نهاية الخدمة للعاملين بقطاع البترول التي أصدرتها الهيئة المصرية العامة للبترول في 22/ 7/ 1993. واحتياطياً بعدم الاعتداد بما قضت به من عدم جواز الجمع بين المكافآت التي قررتها هذه اللائحة، ومكافأة النظام الخاص التي أنشأتها لائحة الشركة المدعى عليها الرابعة الصادرة سنة 1960، مع ما يترتب على ذلك من آثار في حقهم.
وقالوا شرحاً لها أنهم التحقوا بخدمة شركة الجمعية التعاونية للبترول قبل 1/ 4/ 1964، وطبقاً للائحة هذه الشركة الصادرة سنة 1960 يستحقون عند انتهاء خدمتهم مكافأة الميزة الأفضل، وأنه بتاريخ 22/ 7/ 1993 أصدرت الهيئة المصرية العامة للبترول، لائحة النظام الأساسي لمكافأة نهاية الخدمة للعاملين بقطاع البترول، والتي أنشأت لهؤلاء العاملين - ومن بينهم العاملون بشركة الجمعية التعاونية للبترول - نظام مكافأة نهاية خدمة من دفعة واحدة.
بيد أن المادة 14 من تلك اللائحة نصت على عدم جواز الجمع بين هذه المكافأة وأي مكافأة أو مكافآت أخرى مقررة بموجب أنظمة خاصة داخل قطاع البترول، إلا في حدود الفرق بين قيم كل منها، بما يؤول إلى حرمانهم من كل أو بعض المكافأة المقررة بلائحة النظام الأساسي لمكافأة نهاية الخدمة للعاملين بقطاع البترول.
وبتاريخ 20/ 12/ 1995 قضت المحكمة الابتدائية برفض الدعوى، فاستأنف المدعون حكمها برقم 282 لسنة 113 قضائية أمام محكمة استئناف القاهرة، وأثناء نظر الاستئناف دفع المدعون بعدم دستورية نص المادة 14 من اللائحة المشار إليها لمخالفته أحكام المواد 8، 6، 40 من الدستور. وبعد تقديرها جدية دفعهم، أذنت للمدعين برفع الدعوى الدستورية فأقاموا الدعوى الماثلة.
وحيث إن طلب الحاضر عن المدعى عليهم الحكم بانقطاع سير الخصومة ترتيباً على وفاة المدعى عليه الأول، مردود أولاً بأن من المقرر عملاً بالمادتين 39 و40 من قانون المحكمة الدستورية العليا، أن هيئة المفوضين بها تستكمل تحضير موضوع النزاع المعروض عليها، بمجرد إيداعها تقريراً تحدد فيه المسائل الدستورية والقانونية المثارة فيه، ورأيها بشأنها، وكان ما توخاه قانون هذه المحكمة من ألا يحدد رئيسها جلسة لنظر الدعوى أو الطلب قبل أن تتولى هيئة المفوضين بها تحضيره، هو أن تستجلي بنفسها مختلف العناصر التي تقوم عليها الخصومة القضائية، وأن تمحص أوراقها وأدلتها، وأن تكافئ بين أطرافها في مجال فرص الدفاع التي تتيحها وفقاً للقانون، فلا يكون النزاع بعد انتهائها من تحضيره إلا مهيأ للفصل فيه.
ومردود ثانياً: بأن قانون المحكمة الدستورية العليا يفترض مضيها في نظر النزاع المعروض عليها بعدم إيداع هيئة المفوضين لتقريرها على ضوء ما هو قائم من الأوراق المتصلة بالنزاع، فجعل الأصل - وعلى ما تقضي به المادة 44 من قانون هذه المحكمة - هو أن تحكم في الدعاوى والطلبات المعروضة عليها بغير مرافعة، ولم يجز لها أن تأذن بالمرافعة الشفوية إلا لضرورة تقدرها، ولا أن ترخص للخصوم أو لهيئة المفوضين بتكميل مذكراتهم إلا استثناء كاشفاً بذلك عن استكمال الخصومة القضائية لمقوماتها بمجرد الانتهاء من تحضيرها، وعلى الأخص في المسائل الدستورية التي تتسم بعينيتها باعتبار أن مدارها هو الفصل في اتفاق النصوص القانونية المطعون عليها مع الدستور أو مخالفتها لأحكامه.
ومردود ثالثاً: بأن المدعى عليه الأول كان ماثلاً عن طريق موكله أثناء تحضير النزاع أمام هيئة المفوضين، ويفترض فيه أنه عرض عليها وجهة نظره بكامل أبعادها.
وحيث إن البين من الأوراق، أن صدوق الإسكان والخدمات الاجتماعية للعاملين بقطاع البترول، قد عرض على مجلس إدارة الهيئة المصرية العامة للبترول، لائحة أعدها - في نطاق اختصاصاته الواردة بقرار وزير البترول رقم 401 لسنة 1984 - باسم "لائحة النظام الأساسي لمكافأة نهاية الخدمة للعاملين بقطاع البترول" - فأقرها المجلس بجلسته المعقودة في 22/ 7/ 1993، وصدق عليها وزير البترول.
وقد نصت المادة الأولى من هذه اللائحة، على أن يقوم الصندوق المشار إليه بتمويل نظام لصرف مكافأة نهاية خدمة العاملين بقطاع البترول على النحو الموضح تفصيلاً بها. ونصت في البند الثاني من مادتها الثالثة على أن يقصد بقطاع البترول - في تطبيق أحكامها - الهيئة المصرية العامة للبترول وشركات القطاع العام للبترول، ومن يشترك في هذا النظام من شركات القطاع المشترك للبترول.
وحددت المادتان الرابعة والخامسة نطاق سريان تلك اللائحة من حيث الزمان والأشخاص. وبينت المادة الثامنة مصادر تمويل هذا النظام. ثم أوضحت المادتان العاشرة والحادية عشرة منها أحوال استحقاق المكافأة وقيمتها في كل حالة. ونصت المادة الرابعة عشرة - المطعون عليها - على أنه: "لا يجوز الجمع بين هذه المكافأة وأي مكافأة أو مكافآت أخرى مقررة بموجب أنظمة خاصة داخل قطاع البترول... وفي حالة ما إذا كانت مستحقات العامل من تلك المكافآت أقل مما هو مقرر بموجب هذا النظام، فإنه يستحق الفرق بين القيمتين".
وحيث إن من المقرر قانوناً، أن المحكمة بما لها من هيمنة على الدعوى، هي التي تعطيها وصفها الحق، وتكييفها القانوني الصحيح، وذلك على ضوء طلبات رافعها، وبعد استظهار حقيقة أبعادها ومراميها، دون تقيد بمبانيها. متى كان ذلك، وكانت حقيقة طلبات المدعين تتمثل في الحكم بعدم دستورية ما نصت عليه المادة 14 من لائحة النظام الأساسي لمكافأة نهاية الخدمة للعاملين بقطاع البترول الصادر عن الهيئة المصرية العامة للبترول بتاريخ 22/ 7/ 1993 من عدم جواز الجمع بين قيمة مكافأة نهاية الخدمة التي أنشأتها، وبين قيمة المكافآت المقررة بموجب أنظمة خاصة داخل قطاع البترول إلا في حدود الفرق بين القيمتين، وذلك في مجال تطبيق هذا النص على العاملين بشركة الجمعية التعاونية للبترول، تأسيساً على مخالفته لأحكام المواد 8، 26، 40 من الدستور، فإن دعواهم - في هذا النطاق - تنحل إلى طعن بعدم دستورية ذلك النص.
وحيث إن المدعى عليهم دفعوا بعدم اختصاص المحكمة الدستورية العليا ولائياً بنظر الدعوى تأسيساً على أن اللائحة التي يندرج النص المطعون عليه فيها، لا تعد من قبيل القوانين واللوائح في مفهوم المادة 25 من قانون هذه المحكمة.
وحيث إن الدستور قد عهد - بنص مادته الخامسة والسبعين بعد المائة - إلى المحكمة الدستورية العليا دون غيرها بمهمة الرقابة القضائية على دستورية القوانين واللوائح على الوجه المبين في القانون. وبناء على هذا التفويض أصدر المشرع قانون هذه المحكمة، مبيناً اختصاصاتها، محدداً ما يدخل في ولايتها حصراً. فخولها - في المادة 25 - اختصاصاً منفرداً بالرقابة القضائية على دستورية القوانين واللوائح، مانعاً أي جهة قضائية من مزاحمتها فيه، مفصلاً في المادتين 27، 29 - طريق هذه الرقابة وكيفيتها، وذلك ضماناً منه لمركزية الرقابة على الشرعية الدستورية، وصولاً من بعد إلى بناء الوحدة العضوية لأحكام الدستور، بما يكفل تكاملها وتجانسها.
وحيث إن قضاء هذه المحكمة، قد جرى على أن اختصاصها في شأن الرقابة القضائية على الشرعية الدستورية، ينحصر في النصوص التشريعية أياً كان موضوعها أو نطاق تطبيقها أو الجهة التي أقرتها أو أصدرتها، فلا تنبسط ولايتها - في هذا المجال - إلا على القانون بمعناه الموضوعي باعتباره منصرفاً إلى النصوص التشريعية التي تتولد عنها مراكز عامة مجردة، سواء وردت هذه النصوص بالتشريعات الأصلية التي أقرتها السلطة التشريعية، أم تضمنتها التشريعات الفرعية التي أصدرتها السلطة التنفيذية في حدود الصلاحيات التي ناطها الدستور بها، وتنقبض - بالتالي - عما سواها.
وحيث إن التنظيم التشريعي للجمعية التعاونية للبترول - على ضوء أحكام المواد 1، 3، 6 من القرار بقانون رقم 57 لسنة 1963 في شأن تحويل الجمعية التعاونية للبترول بالقاهرة إلى شركة مساهمة - يدل على أن الجمعية التعاونية للبترول قد غدت شركة مساهمة أطلق عليها أسم "الجمعية التعاونية للبترول" تتبع المؤسسة المصرية العامة للبترول - التي حلت محلها الهيئة المصرية العامة للبترول - ويصدر بنظامها الأساسي قرار من مجلس إدارتها، ويكون لحامل كل سهم من أسهم الجمعية سهم من أسهم الشركة الجديدة بنفس قيمته الاسمية، وعلى أن تحل هذه الشركة محل الجمعية السابقة في حقوقها والتزاماتها.
وحيث إن من المقرر في قضاء هذه المحكمة. أن كل لائحة يتحدد تكييفها القانوني بمجال سريانها، فكلما كان هذا المجال متصلاً مباشرة بمنطقة القانون الخاص انحسرت الصفة الإدارية عنها، ولو كانت الجهة التي أصدرتها شخصاً من أشخاص القانون العام، ولا تعتبر بالتالي تشريعاً بالمعنى الموضوعي مما تمتد إليه الرقابة القضائية التي تباشرها هذه المحكمة في شأن الشرعية الدستورية.
متى كان ذلك، وكان النزاع الراهن يتعلق ببعض العاملين بإحدى الشركات التابعة للهيئة المصرية العامة للبترول، وكانت المادة 14 - المطعون عليها، واردة بلائحة أصدرها مجلس إدارة هذه الهيئة منظماً بها أحوال وشروط استحقاق مكافأة نهاية الخدمة للعاملين بقطاع البترول، ومن بينهم العاملون بالجمعية التعاونية للبترول، وقواعد الجمع بينها وبين مكافأة الميزة الأفضل المقررة لهؤلاء العاملين بموجب نظام الشركة التي يتبعونها، لا ليخرجها من دائرة القانون الخاص، ويدخلها في منطقة القانون العام، وإنما ليحدد لعلاقتهم بالصندوق المهيمن على تمويل تلك المكافأة وصرفها، ضوابطها، بما لا ينافي طبيعة أعمالهم، وعلاقتهم بأربابها. ولا يعني امتداد مظلة هذا الصندوق إلى العاملين بقطاع البترول كافة، وهم طوائف شتى، تتنوع تبعيتهم بين الهيئة المصرية العامة للبترول، وما بين شركات القطاع العام للبترول وغيرها، أن تنماع الحدود الفاصلة ما بين تلك الجمعية وهذه الهيئة فلا تزال لكل منهما شخصيتها القانونية، ودائرة نشاطها، ونظامها القانوني الخاص بها، وفي نطاق الدائرة التي تعمل بها اللائحة - التي اندرج تحتها نص المادة 14 المطعون عليه - يتحدد وصفها القانوني. وهي في مجال انطباقها على العاملين بالجمعية التعاونية للبترول، لا تعدو أن تكون تنظيماً لشأن يتعلق بميزة مقررة لهم عند انتهاء خدمتهم، لا تشريعاً بالمعنى الموضوعي، ومن ثم تنحسر عن الرقابة على دستوريتها، ولاية هذه المحكمة.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بعدم اختصاصها بنظر الدعوى، وبمصادرة الكفالة، وألزمت المدعين المصروفات، ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة.