أحكام المحكمة الدستورية العليا - الجزء الثامن
من أول يوليو 1996 حتى آخر يونيو 1998 - صـ 1423

جلسة 6 يونيو 1998

برئاسة السيد المستشار الدكتور/ عوض محمد عوض المر - رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: محمد ولي الدين جلال وسامي فرج يوسف وماهر البحيري ومحمد علي سيف الدين وعدلي محمود منصور ومحمد عبد القادر عبد الله، وحضور السيد المستشار الدكتور/ حنفي علي جبالي - رئيس هيئة المفوضين، وحضور السيد/ حمدي أنور صابر - أمين السر.

قاعدة رقم (109)
القضية رقم 145 لسنة 19 قضائية "دستورية"

1 - تحكيم "مقتضاه".
مقتضى التحكيم عزل المحاكم جميعها عن نظر المسائل التي أنصب عليها - التحكيم يعتبر نظاماً بديلاً عن القضاء فلا يجتمعان.
2 - تحكيم "تنفيذ قضائي".
الفصل في خصومة التحكيم يتم بقرار يعتبر منهياً لها - كفالة تنفيذ هذا القرار بوسائل قضائية في طبيعتها.
3 - تحكيم "إرادة".
ولاية التحكيم مردها إلى الإرادة التي يفصح عنها اتفاق التحكيم.
4 - تحكيم - تشريع "المادة 157 من قانون التأمين الاجتماعي الصادر بالقانون رقم 79 لسنة 1975: تسوية ودية".
استناد تشكيل اللجان المنصوص عليها في هذه المادة ومباشرتها لمهامها إلى قاعدة قانونية آمرة - يتمحض عمل هذه اللجان عن مساع حميدة تبذلها من أجل تسوية النزاع ودياً.
5 - حق التقاضي "ضمانة - غايته: ترضية قضائية".
مؤدى ضمان الدستور لحق التقاضي ألا يعزل الناس جميعهم أو فريقاً منهم عن النفاذ الميسر إلى جهة قضائية - لحق التقاضي غاية نهائية تمثلها الترضية القضائية التي يناضل المتقاضون من أجل الحصول عليها - إرهاقها بقيود تعسر الحصول عليها يخل بالحماية المكفولة لهذا الحق - عدم قهر المدين على إيفاء هذه الترضية بعد أن صار سند اقتضائها مستوفياً قوة نفاذه يجعل أعمال مبدأ الخضوع للقانون سراباً.
6 - دستور - تشريع "المادة 157 من قانون التأمين الاجتماعي" - حق التقاضي.
أداء اللجان المنصوص عليها في هذه المادة لمهامها لا ينال من حق التقاضي - ضمان سرعة الفصل في القضايا لا تثور إلا عند استعمال الحق في الدعوى - عدم امتدادها إلى المراحل السابقة عليها - اللجوء إلى هذه اللجان كشرط مبدئي لطلب الحقوق المدعى بها قضاء لا مخالفة فيه للدستور - اللجان المذكورة لا شأن للدستور بقربها من جهات القضاء أو نأيها عنها.
7 - دستور - هيئات قضائية - تشريع "المادة 157 من قانون التأمين الاجتماعي".
تفويض المشرع بمقتضى نص المادة 167 من الدستور في تحديد الهيئات القضائية وتقرير اختصاصاتها - المادة 157 المشار إليها لا تتضمن تعديلاً لاختصاص قائم لهذه الهيئات - عدم مخالفتها للدستور من هذه الناحية.
8 - خصومة قضائية "قاضي طبيعي: تعريفه".
لكل خصومة قضائية قاضيها الطبيعي محدداً على ضوء طبيعتها - كونه مهيأ أكثر من غيره للفصل فيها وفق معايير موضوعية - قوام هذه المعايير اتصال هذه الخصومة بمتطلباتها من ناحية الجهة الأحق بنظرها.
9 - مبدأ مساواة المواطنين أمام القانون - تشريع "المادة 157 من قانون التأمين الاجتماعي".
مؤدى هذا المبدأ عدم إخلال التشريع الأصلي أو الفرعي بالحماية القانونية المتكافئة للحقوق جميعها - عدم إخلال التنظيم الوارد في نص المادة 157 المشار إليها بهذا المبدأ.
1 - التحكيم يعتبر نظاماً بديلاً عن القضاء فلا يجتمعان، ذلك أن مقتضاه عزل المحاكم جميعها عن نظر المسائل التي أنصب عليها، استثناءً من أصل خضوعها لولايتها، وعلى تقدير أن الحكمين يستمدون ولايتهم عند الفصل فيها، إما من اتفاق يكون سابقاً على قيام النزاع، أو لاحقاً لوجوده.
2 - خصومة التحكيم لا يتم الفصل فيها إلا بقرار يعتبر منهياً لها، مكفولاً تنفيذه بوسائل قضائية في طبيعتها. فلا يتمحض توصية يكون نفاذها معلقاً على قبول أطرافها لها، بل ينحل أمراً مقضياً بعيداً عن أن يكون توفيقاً بين وجهات نظر يعارض بعضها بعضاً متوخياً تقريبها فيما بينها.
3، 4 - ولاية التحكيم لا تستنهضها قاعدة قانونية آمرة لا يجوز الاتفاق على خلافها، بل مردها إلى الإرادة التي يفصح عنها اتفاق التحكيم، سواء كان موضوعه نزاعاً قائماً أو محتملاً. فإذا لم يكن ثمة اتفاق أصلاً، أو كان الاتفاق باطلاً قانوناً، أو كان محدداً نطاق المسائل التي يشملها التحكيم، ولكن الهيئة التي تتولاه جاوزتها، كان فصلها في النزاع المعروض عليها، غير جائز. ولا كذلك اللجان المنصوص عليها في المادة 157 من قانون التأمين الاجتماعي. ذلك أن تشكيلها ومباشرتها لمهامها يستند إلى قاعدة قانونية آمرة، يكون بها نص القانون مصدراً مباشراً لإنشائها وتوليها لوظائفها. ولا تصدر هذه اللجان قراراً فاصلاً نهائياً في الحقوق التي يطلبها المؤمن عليهم منها وفقاً لقانون التأمين الاجتماعي، بل يتمحض عملها عن مساع حميدة تبذلها من أجل تسويتها ودياً، فلا يحمل المؤمن عليهم على قبول نتائجها.
5 - ضمان الدستور لحق التقاضي مؤداه، ألا يعزل الناس جميعهم أو فريقاً منهم أو أحدهم عن النفاذ إلى جهة قضائية تكفل بتشكيلها، وقواعد تنظيمها، ومضمون القواعد الموضوعية والإجرائية المعمول بها أمامها، حداً أدنى من الحقوق التي لا يجوز إنكارها عمن يلجون أبوابها، ضماناً لمحاكمتهم إنصافاً.
كذلك فإن لحق التقاضي غاية نهائية يتوخاها تمثلها الترضية القضائية التي يناضل المتقاضون من أجل الحصول عليها لجبر الأضرار التي أصابتهم من جراء العدوان على حقوق يطلبونها، فإذا أرهقها المشرع بقيود تعسر الحصول عليها أو تحول دونها، كان ذلك إخلالاً بالحماية التي كفلها الدستور لهذا الحق، وإنكاراً لحقائق العدل في جوهر ملامحها. وكلما ماطل المدين في أداء الحقوق التي كفلتها هذه الترضية، ودون أن يقهر على إيفائها بعد أن صار سند اقتضائها مستوفياً قوة نفاذه، فإن إعمال مبدأ الخضوع للقانون يكون سراباً، ويغدو عبثاً كذلك تأسيس حقائق العدل وتثبيتها من خلال مباشرة السلطة القضائية لولايتها التي حدد الدستور والمشرع تخومها، وغايتها إيصال الحقوق لأصحابها، وحمل من ينازعون فيها إعناتاً على ردها إليهم، ولو باستعمال القوة عند الضرورة.
6 - أداء اللجان المنصوص عليها في المادة 157 من قانون التأمين الاجتماعي لمهامها، لا ينال من حق التقاضي سواء في محتواه أو مقاصده. ذلك أن نشاطها يمثل مرحلة أولية لفض النزاع حول حقوق يدعيها المؤمن عليهم قبل الهيئة القومية للتأمين الاجتماعي، فإذا استنفدتها وكان قرارها في شأن هذه الحقوق لا يرضيهم، ظل طريقهم إلى الخصومة القضائية متاحاً ليفصل قضاتها في الحقوق المدعي بها، سواء بإثباتها أو بنفيها.
ضمانة سرعة الفصل في القضايا المنصوص عليها في المادة 68 من الدستور، غايتها أن يتم الفصل في الخصومة القضائية - بعد عرضها على قضاتها - خلال فترة زمنية لا تجاوز باستطالتها كل حد معقول، ولا يكون قصرها متناهياً. ذلك أن امتداد زمن الفصل في هذه الخصومة دون ضرورة، يعطل مقاصدها، ويفقد النزاع جدواه. فإذا كان وقتها مبتسراً، كان الفصل فيها متعجلاً منافياً حقائق العدل، وكان نص المادة 157 من قانون التأمين الاجتماعي قد حدد للجان المنصوص عليها فيها، ميعاداً لفحص الحقوق التي يطلبها المؤمن عليهم، والناشئة عن قانون التأمين الاجتماعي، لا يجاوز ستين يوماً يبدأ سريانها من وقت تقديمهم لطلباتهم إلى الجهة المختصة التي عينها هذا القانون، وكان هذا الميعاد معقولاً لا يحملهم ما لا يطيقون، بل يُدنيهم من الحقوق التي يسعون جاهدين للحصول عليها، وكانت سرعة الفصل في القضايا شرط في الخصومة القضائية لا يثور إلا عند استعمال الحق في الدعوى، ولا يمتد إلى المراحل السابقة عليها كلما كان تنظيمها متوخياً تسوية الحقوق المتنازع عليها قبل طلبها قضاء، فإن النعي بمخالفة نص المادة 157 المشار إليها لنص المادة 68 من الدستور، يكون شططاً.
إن شروط قبول الدعوى وثيقة الصلة بالحق في رفعها، وغايتها ألا تقبل الخصومة القضائية قبل أوانها، أو بعد انتهاء النزاع موضوعها، أو قبل استيفائها لعناصر تكفل نضجها وتماسكها واستواءها على سوقها، وكان المشرع كثيراً ما ينظم طريقاً للتظلم من قرارات بذواتها قبل التداعي بشأنها، فلا يكون هذا التظلم إلا شرطاً لجواز اختصامها قضاء، وكان المشرع قد قدر بنص المادة 157 من قانون التأمين الاجتماعي، أن المؤمن عليهم لا يعنيهم غير الحصول على حقوقهم التأمينية بأيسر الوسائل وأقلها تكلفة، فنظم من أجل فحص طلباتهم بشأنها طريقاً إدارياً قد يغنيهم عن الخصومة القضائية، وإن كان لا يحول دونها، جاعلاً من اللجان التي نص عليها، وسيلتهم إلى إنهاء النزاع ودياً حول الحقوق التي يدعونها، ومتطلباً طرق أبوابها، واستنفاد الميعاد المحدد لها لفحص هذه الحقوق، كشرط مبدئي لجواز طلبها قضاء، ولا مخالفة في ذلك للدستور.
تقريب جهات القضاء من المتقاضين يتوخى ضمان حماية أكثر فعالية لحق التقاضي، تقديراً بأن إرهاق هذا الحق لا ينحصر في القيود التي يفرضها المشرع عليه للحد من مداه، وإنما يتسع لأوضاع عملية يندرج تحتها أن تكون جهات القضاء بعيدة مواقعها عمن يلتمسون الطريق إليها، فلا يباشرون حق التقاضي دون مشاق تتضاءل بسببها أو تندثر فرص الإفادة من المزايا التي يتيحها، وكانت اللجان المشار إليها بنص المادة 157 من قانون التأمين الاجتماعي، لا صلة لها بجهات القضاء، ولا بمواقعها التي تباشر فيها وظائفها، ولا شأن للدستور بقربها منها أو نأيها عنها فإن ادعاء مخالفتها لأحكامه، يكون منتحلاً.
7 - التفويض الصادر للمشرع بمقتضى نص المادة 167 من الدستور في شأن تحديد الهيئات القضائية وتقرير اختصاصاتها، يتوخى أن يحدد لكل منها قسطها من المسائل التي تفصل فيها، بما يحول دون تنازعها فيما بينها، أو إقحام إحداها لنفسها فيما يدخل في اختصاص غيرها، وبمراعاة ألا تُرد جميعها عن نظر خصومة قضائية بذاتها يحجبها المشرع عنها، فلا يَخُرُج من قبضتها نزاع كان ينبغي أن تفصل فيه، وكانت المادة 157 من قانون التأمين الاجتماعي، لا تتضمن تعديلاً لاختصاص قائم لهذه الهيئات القضائية، ولا تنحيها عن مباشرة وظائفها بكامل مداها، فإن رميها بمخالفة نص المادة 168 من الدستور، يكون غير سديد.
8 - لكل خصومة قضائية قاضيها الطبيعي محدداً على ضوء طبيعتها والأوضاع التي تلابسها، وهو بذلك يكون مهيئاً أكثر من غيره للفصل فيها - لا بناء على عوامل ذاتية تتصل بشخصه وأسلوب عمله - بل وفق معايير موضوعية قوامها اتصال هذه الخصومة بمتطلباتها من ناحية الجهة الأحق بنظرها. فإذا كان النزاع قد أفرغ في شكل خصومة قضائية متخذاًَ ثوبها قبل أوان رفعها، فإن القول باتصالها بغير قاضيها الطبيعي، يتمحض بهتاناً.
9 - مبدأ مساواة المواطنين أمام القانون - وبقدر تعلقه بالحدود التي تباشر فيها هذه المحكمة ولايتها - مؤداه ألا تقر السلطة التشريعية أو تصدر السلطة التنفيذية تشريعاً يخل بالحماية القانونية المتكافئة للحقوق جميعها، سواء في ذلك تلك التي نص عليها الدستور، أو التي كفلها المشرع.
ومن ثم كان هذا المبدأ عاصماً من النصوص القانونية التي يقيم بها المشرع تمييزاً غير مبرر تتنافر به المراكز القانونية التي تتوافق عناصرها، فلا تكون وحدة بنيانها مدخلاً لوحدة تنظيمها. بل تكون القاعدة القانونية التي تحكمها، إما مجاوزة باتساعها أوضاع هذه المراكز Over inclusiveness أو قاصرة بمداها عن استيعابها under inclusiveness، وكان نص المادة 157 من قانون التأمين الاجتماعي، لا يقيم تمييزاً بين مراكز قانونية تتحد العناصر التي تكونها، أو يناقض ما بينها من اتساق، بل يظل المخاطبين به بقواعد موحدة في مضمونها وأثرها، ويندرج تحتها تلك التي تلزمهم بعرض طلباتهم في شأن حقوقهم التأمينية على اللجان التي نص عليها قبل تقديمها إلى القضاء لطلبها، وكان ذلك من المشرع كافلاً مصالح المؤمن عليهم التي قد تعرضها للخطر خصومة قضائية تبعد بطبيعتها عن مواطن التوفيق، وقد تأكل حطبها من خلال حدتها، وكان النظر إلى الحقوق المتنازع عليها باعتبار أن تسويتها ودياً - من خلال هذه اللجان - قد تيسر أمرها لأصحابها، فإن القول بمناقضة هذا التنظيم مبدأ تساويهم أمام القانون، يكون فجاً.


الإجراءات

بتاريخ 14 يوليه سنة 1997، أودعت المدعية صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة، طالبة الحكم بعدم دستورية نص المادة 157 من قانون التأمين الاجتماعي الصادر بالقانون رقم 79 لسنة 1975.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع - على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - تتحصل في أن المدعية كانت تعمل بشركات عارين كازرين منذ 1/ 6/ 1991. وأثناء ركوبها السيارة التي تنقل موظفيها، ارتطمت السيارة بشجرة كانت في الطريق مما أدى إلى إصابتها ونقلها مع آخرين إلى المستشفى، ومكثها بها فترة تزيد على الشهر. وقد تحرر بهذه الواقعة المحضر رقم 4123/ 94 جنح مركز الجيزة، وأدين السائق عن خطئه. وبالنظر إلى أن هذه الإصابة إصابة عمل، فقد أقامت لطلب التعويض عنها، وعن الأضرار المادية والأدبية التي ترتبت عليها الدعوى رقم 348 لسنة 1996 عمل الجيزة أمام محكمة الجيزة الابتدائية (الدائرة 3 عمال) مختصمة فيها رئيس مجلس إدارة الشركة التي تعمل بها، ورئيس الهيئة القومية للتأمين الاجتماعي، مطالبة بإلزامهما متضامنين بأن يؤديا إليها عشرين ألفاً من الجنيهات، فضلاً عن الحكم لها بمعاش جزئي عن إصابتها الناجمة من العمل.
وأثناء نظر دعواها هذه، دفع الحاضر عن المدعى عليه الثاني - الهيئة القومية للتأمين الاجتماعي - بعدم قبول الدعوى لرفعها قبل أوانها بالمخالفة للمادة 157 من قانون التأمين الاجتماعي الصادر بالقانون رقم 79 لسنة 1975، والتي تقضي بأن على المؤمن عليهم - قبل اللجوء إلى القضاء - تقديم طلب إلى الهيئة المختصة لعرض النزاع على اللجان المنصوص عليها فيها لتسويته، وأنه لا يجوز - ومع عدم الإخلال بحكم المادة 128 من القانون - رفع الدعوى قبل مضي ستين يوماً من تاريخ تقديم الطلب المشار إليه إلى هذه الهيئة. وإزاء حكم هذا النص، فقد دفع الحاضر عن المدعية بعدم دستوريته. وإذ قدرت المحكمة الموضوع جدية الدفع، وصرحت للمدعية برفع الدعوى الدستورية خلال الأجل الذي حددته لها، فقد أقامت الدعوى الماثلة.
وحيث إن المادة 157 من قانون التأمين الاجتماعي الصادر بالقانون رقم 79 لسنة 1975 تنص على ما يأتي:
تنشأ بالهيئة المختصة لجان لفحص المنازعات الناشئة عن تطبيق أحكام هذا القانون يصدر بتشكيلها وإجراءات عملها ومكافآت أعضائها قرار من الوزير المختص.
وعلى أصحاب الأعمال والمؤمن عليهم وأصحاب المعاشات والمختصين وغيرهم من المستفيدين، قبل اللجوء إلى القضاء، تقديم طلب إلى الهيئة المختصة لعرض النزاع على اللجان لتسويته بالطرق الودية. ومع عدم الإخلال بأحكام المادة 128، لا يجوز رفع الدعوى قبل مضي ستين يوماً من تاريخ تقديم الطلب المشار إليه.
وحيث إن المدعية تنعى على نص المادة 157 المطعون عليها، إخلالها بحق التقاضي المكفول للناس جميعاً، وإرهاقها هذا الحق بقيود لا يقتضيها تنظيمه، تتمثل في حملها المؤمن عليهم على اللجوء إلى لجان إدارية في طبيعتها قبل عرض نزاعهم على قاضيهم الطبيعي للفصل في الحقوق التي يدعونها.
وتثير هذه اللجان - عند المدعية - عقبة إجرائية لا فائدة منها، يزيد من وطأتها أن المؤمن عليهم لا يستطيعون التداعي لطلب حقوقهم التأمينية - ومنها ما يتصل بأوثق احتياجاتهم - إلا بعد انقضاء ستين يوماً على تقديمهم طلب تسويتها ودياً إلى الجهة المختصة التي حددتها المادة 157 المطعون عليها، بما يناقض نص المادة 68 من الدستور التي تكفل حق التقاضي وتتطلب سرعة الفصل في القضايا، وتقريب جهات القضاء من المتقاضين. فضلاً عن أن تلك اللجان تندرج تحت لجان التحكيم التي لا يجوز إجبار المتقاضين على عرض قضاياهم عليها. وتحد هذه المادة كذلك من ولاية المحاكم في مجال الفصل في المنازعات الناشئة عن إصابة العمل، إذ تعهد بها إلى اللجان الإدارية التي شكلتها قبل عرضها على المحاكم المعنية أصلاً بها، والتي تتسم بالحيدة واستقلال في مباشرتها لوظيفتها القضائية، فضلاً عن خبرتها، بما يخل بنص المادة 168 من الدستور. كذلك تقيم المادة 157 المطعون عليها، تمييزاً غير مبرر بين المؤمن عليهم من العمال، وغيرهم من المتقاضين بالمخالفة لنص المادة 40 من الدستور.
وحيث إن ما تنعاه المدعية - وبوصفها مؤمناً عليها - من أن ما تنص عليه المادة 157 المطعون عليها من عرض المنازعات الناشئة عن تطبيق أحكام قانون التأمين الاجتماعي، على اللجان المنصوص عليها فيها قبل لجوئها إلى القضاء، يتمحض تحكيماً إلزامياً. مردود أولاً: بأن التحكيم يعتبر نظاماً بديلاً عن القضاء فلا يجتمعان، ذلك أن مقتضاه عزل المحاكم جميعها عن نظر المسائل التي أنصب عليها، استثناء من أصل خضوعها لولايتها، وعلى تقدير أن الحكمين يستمدون ولايتهم عند الفصل فيها، إما من اتفاق يكون سابقاً على قيام النزاع، أو لاحقاً لوجوده.
ومردود ثانياً: بأن خصومة التحكيم لا يتم الفصل فيها إلا بقرار يعتبر منهياً لها، مكفولاً تنفيذه بوسائل قضائية في طبيعتها. فلا يتمحض توصية يكون نفاذها معلقاً على قبول أطرافها لها، بل ينحل أمراً مقضياً بعيداً عن أن يكون توفيقاً بين وجهات نظر يعارض بعضها بعضاً، متوخياً تقريبها فيما بينها.
ومردود ثالثاً: بأن ولاية التحكيم لا تستنهضها قاعدة قانونية آمرة لا يجوز الاتفاق على خلافها، بل مردها إلى الإدارة التي يفصح عنها اتفاق التحكيم، سواء كان موضوعه نزاعاً قائماً أو محتملاً. فإذا لم يكن ثمة اتفاق أصلاً، أو كان الاتفاق باطلاً قانوناً، أو كان محدداً نطاق المسائل التي يشملها التحكيم، ولكن الهيئة التي تتولاه جاوزتها، كان فصلها في النزاع المعروض عليها، غير جائز. ولا كذلك اللجان المنصوص عليها في المادة 157 من قانون التأمين الاجتماعي. ذلك أن تشكيلها ومباشرتها لمهامها يستند إلى قاعدة قانونية آمرة، يكون بها نص القانون مصدراً مباشراً لإنشائها وتوليها لوظائفها. ولا تصدر هذه اللجان قراراً فاصلاً نهائياً في الحقوق التي يطلبها المؤمن عليهم منها وفقاً لقانون التأمين الاجتماعي، بل يتمحض عملها عن مساع حميدة تبذلها من أجل تسويتها ودياً، فلا يحمل المؤمن عليهم على قبول نتائجها.
وحيث إن ضمان الدستور لحق التقاضي مؤداه، ألا يعزل الناس جميعهم أو فريقاً منهم أو أحدهم عن النفاذ إلى جهة قضائية تكفل بتشكيلها، وقواعد تنظيمها، ومضمون القواعد الموضوعية والإجرائية المعمول بها أمامها، حداً أدنى من الحقوق التي لا يجوز إنكارها عمن يلجون أبوابها، ضماناً لمحاكمتهم إنصافاً.
كذلك فإن لحق التقاضي غاية نهائية يتوخاها تمثلها الترضية القضائية التي يناضل المتقاضون من أجل الحصول عليها لجبر الأضرار التي أصابتهم من جراء العدوان على حقوق يطلبونها، فإذا أرهقها المشرع بقيود تعسر الحصول عليها أو تحول دونها، كان ذلك إخلالاً بالحماية التي كفلها الدستور لهذا الحق، وإنكاراً لحقائق العدل في جوهر ملامحها. وكلما ماطل المدين في أداء الحقوق التي كفلتها هذه الترضية، ودون أن يقهر على إيفائها بعد أن صار سند اقتضائها مستوفياً قوة نفاذه، فإن إعمال مبدأ الخضوع للقانون يكون سراباً، ويغدو عبثاً كذلك تأسيس حقائق العدل وتثبيتها من خلال مباشرة السلطة القضائية لولايتها التي حدد الدستور والمشرع تخومها، وغايتها إيصال الحقوق لأصحابها، وحمل من ينازعون فيها إعناتاً على ردها إليهم، ولو باستعمال القوة عند الضرورة.
وحيث إن أداء اللجان المنصوص عليها في المادة 157 من قانون التأمين الاجتماعي لمهامها، لا ينال من حق التقاضي سواء في محتواه أو مقاصده. ذلك أن نشاطها يمثل مرحلة أولية لفض النزاع حول حقوق يدعيها المؤمن عليهم قبل الهيئة القومية للتأمين الاجتماعي، فإذا استنفدتها، وكان قرارها في شأن هذه الحقوق لا يرضيهم، ظل طريقهم إلى الخصومة القضائية متاحاً ليفصل قضاتها في الحقوق المدعي بها، سواء بإثباتها أو بنفيها.
وحيث إن ضمانة سرعة الفصل في القضايا المنصوص عليها في المادة 68 من الدستور، غايتها أن يتم الفصل في الخصومة القضائية - بعد عرضها على قضاتها - خلال فترة زمنية لا تجاوز باستطالتها كل حد معقول، ولا يكون قصرها متناهياً. ذلك أن امتداد زمن الفصل في هذه الخصومة دون ضرورة، يعطل مقاصدها، ويفقد النزاع جدواه. فإذا كان وقتها مبتسراً، كان الفصل فيها متعجلاً منافياً حقائق العدل، وكان نص المادة 157 من قانون التأمين الاجتماعي قد حدد للجان المنصوص عليها فيها، ميعاداً لفحص الحقوق التي يطلبها المؤمن عليهم، والناشئة عن قانون التأمين الاجتماعي، لا يجاوز ستين يوماً يبدأ سريانها من وقت تقديمهم لطلباتهم إلى الجهة المختصة التي عينها هذا القانون، وكان هذا الميعاد معقولاً لا يحملهم ما لا يطيقون، بل يُدنيهم من الحقوق التي يسعون جاهدين للحصول عليها، وكانت سرعة الفصل في القضايا شرط في الخصومة القضائية لا يثور إلا عند استعمال الحق في الدعوى، ولا يمتد إلى المراحل السابقة عليها كلما كان تنظيمها متوخياً تسوية الحقوق المتنازع عليها قبل طلبها قضاء، فإن النعي بمخالفة نص المادة 157 المشار إليها لنص المادة 68 من الدستور، يكون شططاً.
وحيث إن شروط قبول الدعوى وثيقة الصلة بالحق في رفعها، وغايتها ألا تقبل الخصومة القضائية قبل أوانها، أو بعد انتهاء النزاع موضوعها، أو قبل استيفائها لعناصر تكفل نضجها وتماسكها واستواءها على سوقها، وكان المشرع كثيراً ما ينظم طريقاً للتظلم من قرارات بذواتها قبل التداعي بشأنها، فلا يكون هذا التظلم إلا شرطاً لجواز اختصامها قضاء، وكان المشرع قد قدر بنص المادة 157 من قانون التأمين الاجتماعي، أن المؤمن عليهم لا يعنيهم غير الحصول على حقوقهم التأمينية بأيسر الوسائل وأقلها تكلفة، فنظم من أجل فحص طلباتهم بشأنها طريقاً إدارياً قد يغنيهم عن الخصومة القضائية، وإن كان لا يحول دونها، جاعلاً من اللجان التي نص عليها، وسيلتهم إلى إنهاء النزاع ودياً حول الحقوق التي يدعونها، ومتطلباً طرق أبوابها، واستنفاد الميعاد المحدد لها لفحص هذه الحقوق، كشرط مبدئي لجواز طلبها قضاء، ولا مخالفة في ذلك للدستور.
وحيث إن تقريب وجهات القضاء من المتقاضين يتوخى ضمان حماية أكثر فعالية لحق التقاضي، تقديراً بأن إرهاق هذا الحق لا ينحصر في القيود التي يفرضها المشرع عليه للحد من مداه، وإنما يتسع لأوضاع عملية يندرج تحتها أن تكون جهات القضاء بعيدة مواقعها عن من يلتمسون الطريق إليها، فلا يباشرون حق التقاضي دون مشاق تتضاءل بسببها أو تندثر فرص الإفادة من المزايا التي يتيحها، وكانت اللجان المشار إليها بنص المادة 157 من قانون التأمين الاجتماعي، لا صلة لها بجهات القضاء، ولا بمواقعها التي تباشر فيها وظائفها، ولا شأن للدستور بقربها منها أو نأيها عنها فإن ادعاء مخالفتها لأحكامه، يكون منتحلاً.
وحيث إن التفويض الصادر للمشرع بمقتضى نص المادة 167 من الدستور في شأن تحديد الهيئات القضائية وتقرير اختصاصاتها، يتوخى أن يحدد لكل منها قسطها من المسائل التي تفصل فيها، بما يحول دون تنازعها فيما بينها، أو إقحام إحداها لنفسها فيما يدخل في اختصاص غيرها، وبمراعاة ألا تُرَدُ جميعها عن نظر خصومة قضائية بذاتها يحجبها المشرع عنها، فلا يَخُرُج من قبضتها نزاع كان ينبغي أن تفصل فيه، وكانت المادة 157 من قانون التأمين الاجتماعي، لا تتضمن تعديلاً لاختصاص قائم لهذه الهيئات القضائية، ولا تنحيها عن مباشرة وظائفها بكامل مداها، فإن رميها بمخالفة نص المادة 168 من الدستور، يكون غير سديد.
وحيث إن لكل خصومة قضائية قاضيها الطبيعي محدداً على ضوء طبيعتها والأوضاع التي تلابسها، وهو بذلك يكون مهيئاً أكثر من غيره للفصل فيها - لا بناء على عوامل ذاتية تتصل بشخصه وأسلوب عمله - بل وفق معايير موضوعية قوامها اتصال هذه الخصومة بمتطلباتها من ناحية الجهة الأحق بنظرها، فإذا كان النزاع قد أفرغ في شكل خصومة قضائية متخذاًَ ثوبها قبل أوان رفعها، فإن القول باتصالها بغير قاضيها الطبيعي، يتمحض بهتاناً.
وحيث إن مبدأ مساواة المواطنين أمام القانون - وبقدر تعلقه بالحدود التي تباشر فيها هذه المحكمة ولايتها - مؤداه ألا تقر السلطة التشريعية أو تصدر السلطة التنفيذية تشريعاً يخل بالحماية القانونية المتكافئة للحقوق جميعها، سواء في ذلك تلك التي نص عليها الدستور، أو التي كفلها المشرع.
ومن ثم كان هذا المبدأ عاصماً من النصوص القانونية التي يقيم بها المشرع تمييزاً غير مبرر تتنافر به المراكز القانونية التي تتوافق عناصرها، فلا تكون وحدة بنيانها مدخلاً لوحدة تنظيمها. بل تكون القاعدة القانونية التي تحكمها، إما مجاوزة باتساعها أوضاع هذه المراكز Over inclusiveness أو قاصرة بمداها عن استيعابها under inclusiveness، وكان نص المادة 157 من قانون التأمين الاجتماعي، لا يقيم تمييزاً بين مراكز قانونية تتحد العناصر التي تكونها، أو يناقض ما بينها من اتساق، بل يظل المخاطبين به بقواعد موحدة في مضمونها وأثرها، ويندرج تحتها تلك التي تلزمهم بعرض طلباتهم في شأن حقوقهم التأمينية على اللجان التي نص عليها قبل تقديمها إلى القضاء لطلبها، وكان ذلك من المشرع كافلاً مصالح المؤمن عليهم التي قد تعرضها للخطر خصومة قضائية تبعد بطبيعتها عن مواطن التوفيق، وقد تأكل حطبها من خلال حدتها، وكان النظر إلى الحقوق المتنازع عليها باعتبار أن تسويتها ودياً - من خلال هذه اللجان - قد تيسر أمرها لأصحابها، فإن القول بمناقضة هذا التنظيم مبدأ تساويهم أمام القانون، يكون فجاً.
وحيث إن النص المطعون فيه لا يتعارض مع أحكام الدستور من أوجه أخرى.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة برفض الدعوى وبمصادرة الكفالة وألزمت المدعية المصروفات ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة.