أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثالث - السنة 20 - صـ 1266

جلسة 17 من نوفمبر سنة 1969

برياسة السيد المستشار/ حسن فهمي البدوي رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: محمد أبو الفضل حفني، وإبراهيم أحمد الديواني، ومحمد السيد الرفاعي، وطه الصديق دنانه.

(256)
الطعن رقم 909 لسنة 39 القضائية

(أ، ب، ج) شيك بدون رصيد. جريمة. "أركانها". قصد جنائي. "القصد المفترض". مسئولية جنائية. دفاع. "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
( أ ) سوء النية في جريمة إصدار شيك بدون رصيد. ماهيته؟ اقتراضه.
مساءلة مصدر الشيك إذا ما سحب بعد إصداره مبلغاً يجعل الرصيد المتبقي لا يفي بقيمة الشيك. أساس ذلك؟
(ب) مجرد اعتقاد الساحب أن تابعيه أودعوا في حسابه مبالغ تكفي للوفاء بقيمة الشيك. لا يبرر دفاعه القائم على انتفاء علمه بعدم وجود مقابل وفاء لهذا الشيك. ما دام لم يقدم دليلاً قاطعاً على هذا الدفاع.
(ج) تحصيل حكم أول درجة لدفاع الطاعن والرد عليه. تأييد محكمة ثاني درجة للحكم المذكور لأسبابه دون التعرض لمذكرة الطاعن التي قدمها لها مردداً فيها دفاعه السابق. إفادته إطراح هذا الدفاع.
1 - من المقرر أن سوء النية في جريمة إصدار شيك بدون رصيد يتوافر بمجرد علم مصدر الشيك بعدم وجود مقابل وفاء له في تاريخ إصداره، وهو أمر مفروض في حق الساحب، ولا يعفى من المسئولية الجنائية من يعطي شيكاً له مقابل ثم يسحب من الرصيد مبلغاً بحيث يصبح الباقي غير كاف لسحب قيمة الشيك، إذ أن على الساحب أن يرقب تحركات رصيده محتفظاً فيه بما يفي بقيمة الشيك حتى يتم صرفه.
2 - إذا كان الثابت من الحكم الابتدائي المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه أن الطاعن أقام دفاعه على عدم علمه بعدم وجود مقابل وفاء للشيك، إلا أنه لم يقدم دليلاً يقطع في انتفاء هذا العلم ولا يغنيه في ذلك - إثباتاً لحسن نيته - مجرد اعتقاده أن بعض تابعيه قد أودعوا في حسابه في البنك بعض المبالغ التي تغطي قيمة الشيك.
3 - متى كان الطاعن يسلم في أسباب طعنه أن المذكرة التي قدمها أمام المحكمة الاستئنافية - ولم تعرض هذه المحكمة لما دون بها - إنما تردد ما سبق أن أثاره من دفاع أمام محكمة أول درجة، وكان الحكم الابتدائي المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه قد حصل هذا الدفاع ورد عليه بما يكفي لدحضه، فإن تأييد الحكم المطعون فيه للحكم الابتدائي لأسبابه يفيد إطراح المحكمة لهذا الدفاع.


الوقائع

أقام المدعي بالحق المدني دعواه بالطريق المباشر أمام محكمة قصر النيل الجزئية ضد (الطاعن) متهماً إياه بأنه في يوم 15 يناير سنة 1966 بدائرة قسم قصر النيل محافظة القاهرة أصدر له شيكاً بمبلغ 50 جنيهاً لا يقابله رصيد قائم وقابل للسحب وطلب عقابه بالمادتين 336 و337 من قانون العقوبات وإلزامه أن يدفع له مبلغ قرش صاغ على سبيل التعويض المؤقت مع المصاريف وأتعاب المحاماة. والمحكمة المذكورة قضت حضورياً عملاً بمادتي الاتهام والمادتين 55 و56 من قانون العقوبات بتغريم المتهم 10 ج وأمرت بوقف تنفيذ العقوبة مدة ثلاث سنوات تبدأ من اليوم الذي يصبح فيه الحكم نهائياً وألزمته بأن يدفع إلى المدعي بالحق المدني مبلغ قرش صاغ واحد على سبيل التعويض المؤقت والمصروفات ومبلغ مائة قرش مقابل أتعاب المحاماة فاستأنف المتهم هذا الحكم ومحكمة القاهرة الابتدائية بهيئة استئنافية قضت حضورياً بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع برفضه وتأييد الحكم المستأنف وألزمت المستأنف بالمصروفات المدنية الاستئنافية ومبلغ مائة قرش مقابل أتعاب المحاماة وذلك بلا مصروفات جنائية. فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.


المحكمة

حيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ أدان الطاعن بجريمة إصدار شيك بدون رصيد قد جاء مشوباً بالخطأ في تطبيق القانون وبالقصور في التسبيب ذلك أن الطاعن قد تمسك أمام محكمة أول درجة وفي مذكرته المقدمة منه لمحكمة ثاني درجة بعدم توافر القصد الجنائي لديه إذ أن هذه الجريمة لا تقوم إلا إذا كان الساحب على علم بعدم وجود رصيد يقابل الشيك، أما إذا كان الرصيد قائماً وقت إعطاء الشيك وسحب جزء منه عن خطأ غير مقصود فلا جريمة في الأمر، وقد أغفل الحكم المطعون فيه هذا الدفاع ولم يدلل على قيام القصد الجنائي مما يعيبه ويوجب نقضه.
وحيث إنه يبين من مطالعة الحكم الابتدائي المؤيد لأسبابه بالحكم فيه أنه حصل واقعة الدعوى في أن الطاعن أعطى المدعي بالحقوق المدنية شيكاً في 15 من يناير سنة 1966 قيمته 50 ج خمسون جنيهاً مسحوباً على بنك مصر بالقاهرة ولما قدمه للبنك بتاريخ 27 من يناير سنة 1966 استبان أنه لا يقابله رصيد بدليل ما أفاد به البنك في ذلك التاريخ بالرجوع على الساحب. وأورد الحكم على ثبوت الواقعة في حق الطاعن ما ينتجه من وجوه الأدلة. وقد حصل الحكم دفاع المتهم القائم على أن رصيده بالبنك وقت إعطاء الشيك في 15 من يناير سنة 1966 كان مبلغ 75 ج و 370 م وهو ما يغطي قيمة الشيك وأن المدعي المدني لم يقدم الشيك للبنك في ميعاد بل تقدم به في 27 من يناير سنة 1966 بعد أن كان قد سحب المبالغ من رصيده بحسن نية معتقداً أن من ينوب عنه في تحصيل الإيجار قد أودع كعهدة معه مبالغ أخرى لحسابه في البنك. ورد الحكم على هذا الدفاع بقوله: "وحيث إن جريمة إعطاء شيك لا يقابله رصيد قائم وقابل للسحب لم يستلزم الشارع فيها نية خاصة لقيام هذه الجريمة ولا يشترط لوقعها أن يقدم المستفيد الشيك في تاريخ لاحق ما دام الشيك قد استوفى الشكل الذي يتطلبه القانون لكي يحل محل النقود ويكون مستحق الوفاء بمجرد الاطلاع عليه دائماً ولا يعفي من مسئوليته من يعطي شيكاً له مقابل في تاريخ السحب ثم يسحب من الرصيد مبلغاً بحيث يصبح الباقي غير كاف للوفاء بقيمة الشيك عند تقديمه بعد تاريخ الاستحقاق لصرف قيمته، إذ أن على الساحب أن يرقب تحركات رصيده ويظل محتفظاً فيه بما يكفي لقيمة الشيك حتى يتم صرفه، ومن ثم فإن تأخر المستفيد لا ينفي مسئولية المتهم". لما كان ذلك، وكان من المقرر أن سوء النية في جريمة إصدار شيك بدون رصيد يتوفر بمجرد علم مصدر الشيك بعدم وجود مقابل وفاء له في تاريخ إصداره، وهو أمر مفروض في حق الساحب، ولا يعفى من المسئولية الجنائية من يعطي شيكاً له مقابل ثم يسحب من الرصيد مبلغاً بحيث يصبح الباقي غير كاف لسحب قيمة الشيك، إذا أن على الساحب أن يرقب تحركات رصيده محتفظاً فيه بما يفي بقيمة الشيك حتى يتم صرفه. ولما كان الثابت من الحكم الابتدائي المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه أن الطاعن أقام دفاعه على عدم علمه بعدم وجود مقابل وفاء للشيك إلا أنه لم يقدم دليلاً يقطع في انتفاء هذا العلم ولا يغنيه في ذلك - إثباتاً لحسن نيته - مجرد اعتقاده أن بعض تابعيه قد أودعوا في حسابه في البنك بعض المبالغ التي تغطي قيمة الشيك، ومن ثم فإن ما ورد به الحكم على دفاعه في هذا الصدد على النحو السالف بيانه يكون رداً سائغاً وكافياً في بيان سوء النية في الجريمة التي أدانه بها - أما قول الطاعن أنه قدم مذكرة أمام المحكمة الاستئنافية وأن المحكمة لم تعرض لدفاعه المدون بها فإن الطاعن يسلم في أسباب طعنه بأن هذه المذكرة تضمنت الدفاع الذي سبق أن أثاره أمام محكمة أول درجة. ولما كان الحكم الابتدائي المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه قد حصل هذا الدفاع ورد عليه بما يكفي لدحضه فإن تأييد الحكم المطعون فيه للحكم الابتدائي لأسبابه يفيد إطراح المحكمة لهذا الدفاع. لما كان ما تقدم، فإن الطعن يكون في غير محله ويتعين لذلك رفضه موضوعاً ومصادرة الكفالة