أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الأول - السنة 14 - صـ 245

جلسة 26 من مارس سنة 1963

برياسة السيد المستشار/ السيد أحمد عفيفي، وبحضور السادة المستشارين: عادل يونس، وتوفيق أحمد الخشن، وأديب نصر، وأحمد موافي.

(50)
الطعن رقم 2192 لسنة 32 قضائية

( أ ) ظروف مشددة. ترصد. حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب". سبق إصرار.
استخلاص الحكم تربص المتهم بالمجني عليه، وانتظاره إياه على مقربة من الدار التي يعلم بوجوده بها، وترقبه مغادرته لها للاعتداء عليه ومباغتته بضربه بالعصا عندما ظفر به، توافر ظرف الترصد في حق المتهم بعنصريه الزمني والمكاني. لا عبرة بحالة المتهم الذهنية وقت مقارفته الجريمة. الاعتداء بهذه الحالة لا يكون إلا في صدد التدليل على ظرف سبق الإصرار.
(ب) محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير الدليل". إثبات "شهود".
وزن أقوال الشاهد وتقدير الظروف التي يؤدى فيها شهادته وتعويل القضاء على قوله. أمر موكول إلى محكمة الموضوع. لا رقابة لمحكمة النقض عليها.
(جـ) دفاع. حكم. "تسبيه. ما لا يعيبه".
عدم التزام المحكمة بتتبع المتهم في مناحي دفاعه المختلفة والرد على كل شبهة يثيرها على استقلال. يكفى أن يستفاد الرد عليه دلالة من أدلة الثبوت السائغة التي أوردها الحكم.
1 - يكفى لتوافر ظرف الترصد - كما هو معرف به في القانون - في حق المتهم ما استخلصه الحكم من تربصه بالمجني عليه وانتظاره إياه على مقربة من الدار التي يعلم بوجوده بها وترقبه مغادرته لها للاعتداء عليه ومباغتته بضربه بالعصا عندما ظفر به، وذلك بصرف النظر عن حالة المتهم الذهنية وقت مقارفته الجريمة إذ أن هذه الحالة لا يعتد بها إلا في صدد التدليل على ظرف سبق الإصرار.
2 - من المقرر أن وزن أقوال الشاهد وتقدير الظروف التي يؤدى فيها شهادته وتعويل القضاء على قوله مهما وجه إليه من مطاعن وحام حوله من الشبهات، كل ذلك مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التي تراها وتقدره التقدير الذي تطمئن إليه دون رقابة لمحكمة النقض عليها.
3 - لا تلتزم المحكمة بأن تتبع المتهم في مناحي دفاعه المختلفة وبالرد على كل شبهة يثيرها على استقلال، ما دام أن الرد عليه يستفاد دلالة من أدلة الثبوت السائغة التي أوردها الحكم.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه في ليلة 24/ 5/ 1959 بدائرة مركز أبو المطامير محافظة البحيرة "ضرب فوده محمد شهاب عمداً بعصا على رأسه ويده اليمنى فأحدث به الإصابات الموصوفة بالتقرير الطبي الشرعي والتي نشأ عنها إصابة الرأس بعاهة مستديمة يستحيل برؤها وهى فقد جزء من عظام الجمجمة يقلل من كفاءة المصاب على العمل بما يقدر بنحو 22% وكان ذلك مع الترصد". وطلبت إلى غرفة الاتهام إحالته إلى محكمة الجنايات لمحاكمته بالمادة 240/ 1 - 3 من قانون العقوبات. فأمرت الغرفة بذلك. ومحكمة جنايات دمنهور قضت حضورياً بتاريخ 21 مايو سنة 1961 عملاً بالمادتين 240/ 1 - 2 و241/ 1 - 2 من قانون العقوبات مع تطبيق المادة 32/ 2 من القانون المذكور بمعاقبة المتهم بالأشغال الشاقة لمدة ثلاث سنين. فطعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.


المحكمة

حيث إن الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعن قد أخطأ في الإسناد وانطوى على فساد في الاستدلال وقصور في التسبيب ذلك بأنه مع تسليمه باضطراب أقوال المجني عليه شاهد الرؤية الوحيد في الدعوى. في صدد واقعة وجوده قبيل وقوع الحادث بمنزل السيدة التي أزمع الطاعن الزواج منها - فقد علل هذا الاضطراب برغبة المجني عليه في دفع الحرج الذي حاق به نتيجة وجوده بذلك المنزل في ساعة متأخرة من الليل واسند إلى "مختار محمد شحاتة" أنه شهد في تحقيقات النيابة بما يظاهر هذا التعليل في حين أنه لم يذكر ذلك. كما أن المدافع عن الطاعن استند في نفي التهمة عنه إلى أن ظروف الاعتداء وحصوله في ساعة متأخرة من الليل وقت خروج المجني عليه من منزل السيدة سالفة الذكر التي اعتاد التردد عليها وتضرر أهل البلدة وجيرانها وهم من الأعراب من ذلك مما يوحى بأن ضاربه مجهول من بين هؤلاء وأنه وجه اتهامه إلى الطاعن لمجرد أنه آخر من خرج أمامه من المنزل المذكور غير أن الحكم لم يعرض لهذا الدفاع على رغم أهميته وأثره في بيان وجه الحق في الدعوى. هذا إلى أن الحكم استظهر ظرف الترصد في حق الطاعن من عناصر لا تنتجه ولا مأخذ لها من الأوراق إذ أن ما قاله الحكم من تلاقى المجني عليه والطاعن في المنزل المشار إليه لا يؤدى إلى توافر هذا الظرف. كما أن ما ذهب إليه من وقوع مشادة بينهما لهذا السبب توعد فيها الطاعن المجني عليه وما قيل من تربص على مقربة من تلك الدار لا تسانده الأوراق. مما يعيب الحكم المطعون فيه ويستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية لجريمتي إحداث عاهة مستديمة وجروح بالمجني عليه مع الترصد اللتين دان الطاعن بهما وأورد على ثبوتهما في حقه أدلة من شأنها أن تؤدى إلى ما رتبه عليها ثم عرض إلى اضطراب المجني عليه في أقواله فقال. "وبما أن اضطراب المجني عليه بصدد مناسبة وجوده بدار(آمال محمد أبو سريع) ليلة الحادث وبصدد إقدام المتهم (الطاعن) على اقترافه إنما تعزوه المحكمة إلى رغبته في دفع الحرج المحيق به نتيجة وجوده في تلك الدار في ساعة متأخرة من الليل وهذا الذي خلصت إليه المحكمة قد أفصح عنه مختار محمد شحاتة في تحقيق النيابة من أن المجني عليه خجل أن يكشف عن وقوع المشادة بينه وبين المتهم في تلك الدار فزعم أنها كانت خارجها ومن ثم فإن المحكمة لا ترى في ذلك الاضطراب ما ينال من الاطمئنان إلى شهادة المجني عليه في تحقيق النيابة من ثورة المتهم عليه لوجوده في تلك الدار في تلك الساعة وتوعده لهذا السبب". لما كان ذلك، وكان من المقرر أن وزن أقوال الشاهد وتقدير الظروف التي يؤدى فيها شهادته وتعويل القضاء على قوله مهما وجه إليه من مطاعن وحام حوله من الشبهات. كل ذلك مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التي تراها وتقدره التقدير الذي تطمئن إليه دون رقابة لمحكمة النقض عليها. وكان يبين من الاطلاع على المفردات التي أمرت المحكمة بضمها تحقيقاً لوجه الطعن أن ما أسنده الحكم إلى الشاهد مختار محمد شحاتة في شأن تعليله لإحجام المجني عليه عن مكاشفته بحقيقة المكان الذي وقعت فيه المشادة بينه وبين الطاعن، له مأخذه من أقواله هذا الشاهد في تحقيقات النيابة العامة. لما كان ما تقدم، وكان ما يثيره الطاعن من نفى التهمة عنه يرد عليه بأن المحكمة لا تلتزم بأن تتبع المتهم في مناحي دفاعه المختلفة وبالرد على كل شبهة يثيرها على استقلال إذ الرد عليه يستفاد دلالة من أدلة الثبوت السائغة التي أوردها الحكم. ولما كان الحكم قد عرض لظرف الترصد في قوله. "وبما أن وقوع الجناية عن ترصد يبين من تلاقى المجني عليه والمتهم (الطاعن) بدار آمال التي يرغب الأخير في الزواج منها وتشادهما بسبب وجود المجني عليه بتلك الدار وتوعد المتهم إياه ثم انصرافه قبل المجني عليه وتربصه له على مقربة من الدار مترقباً مغادرته الدار لضربه حتى إذا ما ظفر به ضربه بعصاه" وما أورده الحكم من ذلك يتحقق به الترصد كما هو معرف به في القانون ذلك بأنه يكفى لتوافره في حق الطاعن ما استخلصه الحكم من تربصه بالمجني عليه وانتظاره إياه على مقربة من الدار التي يعلم بوجوده بها وترقبه مغادرته لها للاعتداء عليه ومباغتته بضربه بالعصا عندما ظفر به وهو استخلاص تسانده أقوال المجني عليه بجلسة المحاكمة وما حصله الحكم من أقوال من نقلوا عن المجني عليه في هذا الصدد وهو ما لم يجحده الطاعن ولما كان الترصد بعنصرية الزمني والمكاني قد توفر بما يكفى لإنزال العقوبة المشددة التي أوقعها الحكم على الطاعن بصرف النظر عن حالته الذهنية وقت مقارفته الجريمة فهذه الحالة لا يعتد بها إلا في صدد التدليل على ظرف سبق الإصرار وهو ما لم يعمله الحكم في حق الطاعن. لما كان كل ذلك، فإن ما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه يكون على غير أساس ويتعين رفضه موضوعاً.