أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الأول - السنة 14 - صـ 254

جلسة 26 من مارس سنة 1963

برياسة السيد/ محمد متولي عتلم نائب رئيس المحكمة، وبحضور السادة المستشارين: محمود حلمي خاطر، وعبد الحليم البيطاش، ومختار رضوان، ومحمد صبري.

(52)
الطعن رقم 3 لسنة 33 قضائية

( أ ) مسئولية جنائية. موانع العقاب. "جنون. عاهة في العقل". خبير. محكمة الموضوع. دفاع.
المرض العقلي الذي تنعدم به المسئولية قانوناً. هو ذلك المرض الذي من شأنه أن يعدم الشعور والإدراك.
سائر الأمراض والأحوال النفسية التي لا تفقد الشخص شعوره وإدراكه. لا تصلح سبباً لانعدام المسئولية.
عدم التزام المحكمة بندب خبير فني لتحديد مدى تأثير مرض المتهم على مسئوليته الجنائية، إلا فيما يتعلق بالمسائل الفنية البحتة التي يتعذر عليها تقديرها. تقدير حالة المتهم العقلية ومدى تأثيرها على مسئوليته. من الأمور الموضوعية التي تستقل محكمة الموضوع بالفصل فيها.
انتهاء الحكم المطعون فيه - في قضاء سليم لا مخالفة فيه للقانون إلى أن نوع المرض الذي يدعيه الطاعن - على فرض ثبوته - لا يؤثر في سلامة شعوره وإدراكه وتتوافر معه مسئوليته الجنائية. لا محل للنعي على الحكم بمخالفة القانون والإخلال بحق الطاعن في الدفاع.
(ب) محاكمة. "إجراءاتها" . دفاع. إثبات "شهود".
للمحكمة الاستغناء عن سماع الشهود إذا قبل المتهم أو المدافع عنه ذلك. استغناء المحكمة عن سماع أقوال المجني عليها وتلاوة أقوالها بالجلسة بموافقة النيابة والدفاع عن الطاعن. عدم اعتراض الطاعن على تصرف محاميه أو تمسكه بسماع أقوال هذه الشاهدة. النعي على الحكم بالإخلال بحق الدفاع لإغفال المحكمة سؤال الطاعن شخصياً عن ذلك. لا أساس له.
هتك عرض
(ج) ركن القوة في جناية هتك العرض لا يقتصر على القوة المادية. التهديد ركن مماثل للقوة. اندراج المباغتة تحت معنى القوة أو التهديد. بها ينعدم الرضاء الصحيح.
(د) الركن المادي في جريمة هتك العرض. ما يحققه: وقوع أي فعل مخل بالحياء العرضي للمجني عليها، ويستطيل إلى جسمها، ويخدش عاطفة الحياء عندها. الكشف عن عورتها. لا يلزم. يكفى لتوفر هذا الركن بلوغ الفعل الواقع على جسمها من الفحش والإخلال بالحياء العرضي درجة تسوغ اعتباره هتك عرض.
1- من المقرر أن المرض العقلي الذي يوصف بأنه جنون أو عاهة عقلية وتنعدم به المسئولية قانوناً هو ذلك المرض الذي من شأنه أن يعدم الشعور والإدراك أما سائر الأمراض والأحوال النفسية التي لا تفقد الشخص شعوره وإدراكه فلا تعد سبباً لانعدام المسئولية، ولما كانت المحكمة غير ملزمة بندب خبير فني في الدعوى تحديداً لمدى تأثير مرض المتهم على مسئوليته الجنائية إلا فيما يتعلق بالمسائل الفنية البحتة التي يتعذر عليها تقديرها، إذ أن تقدير حالة المتهم العقلية ومدى تأثيرها على مسئوليته الجنائية من الأمور الموضوعية التي تستقل محكمة الموضوع بالفصل فيها، وكان الحكم المطعون فيه قد انتهى - في قضاء سليم لا مخالفة فيه للقانون إلى أن نوع المرض الذي يدعيه الطاعن - على فرض ثبوته - لا يؤثر في سلامة عقله وصحة إدراكه وتتوافر معه مسئوليته الجنائية عن الفعل الذي وقع منه، فإن النعي على الحكم بمخالفة القانون والإخلال بحق الطاعن في الدفاع يكون غير سديد.
2- خولت المادة 289 من قانون الإجراءات الجنائية المعدلة بالقانون رقم 113 لسنة 1957 - للمحكمة الاستغناء عن سماع الشهود إذا قبل المتهم أو المدافع عنه ذلك، ولما كان الثابت من مطالعة محضر جلسة المحاكمة أن المحكمة قد أمرت بتلاوة أقوال المجني عليها بموافقة النيابة والدفاع، وكان الطاعن لم يبد اعتراضاً على تصرف محاميه، ولم يتمسك بسماع أقوال هذه الشاهدة، فإن النعي على الحكم بالإخلال بحق الدفاع لإغفال المحكمة سؤال الطاعن شخصياً عن ذلك يكون على غير أساس.
3- من المقرر أن ركن القوة في جناية هتك العرض لا يقتصر على القوة المادية، بل إن الشارع جعل من التهديد ركناً مماثلاً للقوة وقرنه بها في النص، وبذلك أراد أن يعتبر الفعل جناية كلما ارتكب ضد إرادة المجني عليه وبغير رضاه، فتندرج تحت معنى القوة أو التهديد - المباغتة لأنه بها ينعدم الرضاء الصحيح.
4 - من المقرر أن الفعل المادي في جريمة هتك العرض يتحقق بأي فعل مخل بالحياء العرضي للمجني عليها ويستطيل على جسمها ويخدش عاطفة الحياء عندها من هذه الناحية، ولا يلزم الكشف عن عورتها، بل يكفى لتوفير هذا الركن أن يكون الفعل الواقع على جسمها قد بلغ من الفحش والإخلال بالحياء العرضي درجة تسوغ اعتباره هتك عرض سواء أكان بلوغها هذه الدرجة قد تحقق عن طريق الكشف عن عورة من عورات المجني عليها أم عن غير هذا الطريق.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه في يوم 3 ديسمبر سنة 1960 بدائرة قسم الأزبكية محافظة القاهرة "هتك عرض (عبلة مصطفى صادق) بالقوة بأن التصق بها أثناء جلوسها بسيارة الأتوبيس وأخرج قضيبه وحكه في كتفها حتى أمنى على ملابسها" - وطلبت من غرفة الاتهام إحالته على محكمة الجنايات لمعاقبته بالمادة 268/ 1 من قانون العقوبات، فأمرت الغرفة بذلك. ومحكمة جنايات القاهرة قضت حضورياً بتاريخ 18 أكتوبر سنة 1962 عملاً بمادة الاتهام بمعاقبة المتهم بالأشغال الشاقة لمدة خمس سنوات. فطعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض... الخ.


المحكمة

حيث إن مبنى الطعن الأول الخطأ في القانون والإخلال بحق الدفاع ذلك أن ما أورده الحكم في الرد على دفع الطاعن بانعدام مسئوليته عن الحادث، انطوى على فهم خاطئ لأساس هذا الدفع إذ قال إن الطاعن يبنى دفعه على إصابته بالشذوذ الجنسي، مع أن الثابت أنه أسسه على إصابته بمرض عصبي ونفسي من أعراضه ونتائجه الشذوذ الجنسي وتأيد ذلك بالشهادتين الطبيتين المقدمتين منه. وقد انبنى على هذا الفهم الخاطئ أن الحكم انتهى إلى أن إصابة الطاعن بالشذوذ الجنسي لا تنال من سلامة عقله وصحة إدراكه وهو تقدير جزافي غير سليم إذ كان يتعين على المحكمة أن تحقق هذا الدفاع بوضع الطاعن تحت الملاحظة الطبية أو ندب طبيب شرعي لفحصه وتقرير حالته ومدى تأثير مرضه على إرادته وشعوره تحديداً لمسئوليته، وما أورده الحكم من أنه كان على المتهم أن يتحاشى المواقف التي يفتضح فيها أمر شذوذه قول معيب ذلك أن الطاعن لم يسع باختياره وإرادته إلى خلق الظروف التي تسببت في إصابته بالنوبة العصبية التي أفقدته شعوره واختياره في إتيان الفعل المسند إليه.
وحيث إنه لما كان يبين من مطالعة محضر جلسة المحاكمة أن محامى الطاعن دفع بأن موكله مصاب بشذوذ جنسي نتيجة تربيته في السودان، وأنه كان في حالة كبت وفى السنوات الأخيرة أصيب بحالة عصبية وعرضه أبوه في 30 نوفمبر سنة 1960 على الدكتور ناشد وقال إن لديه توتر عصبي وفى 20 يناير سنة 1961 كشف عليه الدكتور حسن طه وشخص حالته بأن لديه اضطراب جنسي يؤدى إلى سرعة القذف، وقد قدم تأييداً لدفاعه ودفعه بعدم مسئولية الطاعن الجنائية شهادتين طبيتين أولاهما مؤرخة 30 من نوفمبر سنة 1960 تضمنت أنه مصاب بتوتر عصبي ونصح له بالراحة لمدة عشرة أيام وثانيهما في 20 يناير سنة 1961 تفيد أنه يعالج من حالة نفسية مصحوبة بتهيج جنسي لدى مواجهة الجنس الآخر تؤدى إلى سرعة القذف. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد عرض لهذا الدفاع وحصله ورد عليه في قوله "وبما أن هذا الدفع لا يجدي المتهم نفعاً في صدد الدعوى المطروحة لأنه إن صحت إصابته بهذا النوع من الشذوذ فإنه لا جدال أن هذه الإصابة لا تنال من سلامة عقله وصحة إدراكه وبالتالي من اكتمال إرادته التي هي أساس المسئولية الجنائية الكاملة، فكان في وسعه بل كان متعيناً عليه أن يتحاشى المواقف التي يفتضح فيها أمر هذا الشذوذ الجنسي فيتجنب الوقوف في الزحام داخل السيارات العامة أو الاقتراب من الجنس الآخر حتى لا تثور غريزته الحيوانية على النحو الذي وقع في هذه الدعوى". لما كان ما تقدم، وكان من المقرر أن المرض العقلي الذي يوصف بأنه جنون أو عاهة عقلية وتنعدم به المسئولية قانوناً هو ذلك المرض الذي من شأنه أن يعدم الشعور والإدراك أما سائر الأمراض والأحوال النفسية التي لا تفقد الشخص شعوره وإدراكه فلا تعد سبباً لانعدام المسئولية وكان ما انتهى إليه الحكم المطعون فيه من أن مرض الطاعن - على فرض ثبوته - لا يؤثر في سلامة شعوره وإدراكه وتتوافر معه مسئوليته الجنائية عن الفعل الذي وقع منه صحيح في القانون، وكانت المحكمة غير ملزمة بندب خبير فني في الدعوى تحديداً لمدى تأثير مرض الطاعن - بفرض صحته - على مسئوليته الجنائية إذ أن تقدير حالة المتهم العقلية ومدى تأثيرها على مسئوليته الجنائية من الأمور الموضوعية التي تستقل محكمة الموضوع بالفصل فيها وهى لا تلتزم بأن تلجأ إلى أهل الخبرة إلا فيما يتعلق بالمسائل الفنية البحتة التي يتعذر عليها تقديرها - وما دامت المحكمة قد انتهت - في قضاء سليم لا مخالفة فيه للقانون إلى أن نوع المرض الذي يدعيه الطاعن لا يؤثر في سلامة عقله وصحة إدراكه فإن ما ينعاه الطاعن بدعوى مخالفة القانون والإخلال بحقه في الدفاع يكون غير سديد.
وحيث إن مبنى الوجه الأول من أسباب الطعن الآخر الإخلال بحق الدفاع، ذلك أن المحكمة لم تعن باستدعاء المجني عليها لمناقشتها اكتفاء منها بتلاوة أقوالها بالجلسة بموافقة النيابة والدفاع دون أن تسأل الطاعن شخصياًً عن ذلك.
وحيث إنه لما كانت المادة 289 من قانون الإجراءات الجنائية المعدلة بالقانون رقم 113 لسنة 1957 قد خولت للمحكمة الاستغناء عن سماع الشهود إذا قبل المتهم أو المدافع عنه ذلك. وكان الثابت من مطالعة محضر جلسة المحاكمة أن المحكمة قد أمرت بتلاوة أقوال المجني عليها بموافقة النيابة والدفاع، وكان الطاعن لم يبد اعتراضاً على تصرف محاميه أو تمسك بسماع أقوال المجني عليها فإن هذا الوجه من النعي يكون على غير أساس.
وحيث إن محصل الوجه الثاني من هذا الطعن الخطأ في القانون، ذلك أن الحكم انتهى إلى توافر ركن الإكراه استناداً إلى عنصر المباغتة وحده مع أن مؤدى تطبيق المادة 286 من قانون العقوبات أن القوة أو التهديد بمعناه الواضح هو الركن المميز لهذه الجريمة وبذلك فمجرد ملامسة المجني عليها في كتفها بقبل الطاعن لا يتوافر به القوة أو التهديد ولا يعدو أن يكون فعلاً فاضحاًً عليناً ينطبق على المادة 278 عقوبات - بالإضافة إلى أن رضاء المجني عليها ثابت من سكوتها طويلاًً على فعل الطاعن دون أن تظهر تبرما يشهد به أحد ممن جاورها في السيارة - وفوق ذلك فإن ملامسة كتف المجني عليها المغطى بملابسها لا يعتبر موضع عفة مما يفقد جريمة هتك العرض ركناً من أركانها.
وحيث إنه لما كان من المقرر أن ركن القوة في جناية هتك العرض لا يقتصر على القوة المادية، بل إن الشارع جعل من التهديد ركناً مماثلا للقوة وقرنه بها في النص، وبذلك أراد أن يعتبر الفعل جناية كلما ارتكب ضد إرادة المجني عليه وبغير رضاه، فيندرج تحت معنى القوة أو التهديد - المباغتة - لأنه بها ينعدم الرضاء الصحيح ولا يقبل من الطاعن ما يسعى إليه من محاولة التدليل على رضاء المجني عليها، لأن ما يثيره في هذا الصدد لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً مما لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض بعد أن خلصت المحكمة وانتهت في حدود سلطتها التقديرية إلى عدم توافر رضاء المجني عليها - لما كان ما تقدم، وكان الحكم المطعون فيه قد أوضح أن الفعل المادي الذي أتاه الطاعن هو مما يخدش حياء المجني عليها في جميع الأحوال، وكان من المقرر أن الفعل المادي في جريمة هتك العرض يتحقق بأي فعل مخل بالحياء العرضي للمجني عليها ويستطيل على جسمها ويخدش عاطفة الحياء عندها من هذه الناحية، ولا يلزم الكشف عن عورة المجني عليها، بل يكفى لتوفر هذا الركن أن يكون الفعل الواقع على جسمها قد بلغ من الفحش والإخلال بالحياء العرضي درجة تسوغ اعتباره هتك عرض سواء أكان بلوغها هذه الدرجة قد تحقق عن طريق الكشف عن عورة من عورات المجني عليها أم عن غير هذا الطريق، لما كان ذلك، فإن هذا الوجه من النعي يكون غير سليم ويكون الطعن برمته في غير محله متعين الرفض.
وحيث إن تقرير الأسباب الأخير المقدم من الأستاذ كمال الأسيوطي قد انطوى على عبارات غير لائقة ولا يقتضيها الطعن في الحكم فيتعين استبعاد هذه العبارات من ذلك التقرير.