أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثالث - السنة 20 - صـ 1288

جلسة 17 من نوفمبر سنة 1969

برياسة السيد المستشار/ حسن فهمي البدوي رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: محمد أبو الفضل حفني، وإبراهيم أحمد الديواني، ومحمد السيد الرفاعي، وطه الصديق دنانة.

(262)
الطعن رقم 1523 لسنة 39 القضائية

( أ ) رشوة. تزوير أوراق رسمية. جريمة. "أركانها". موظفون عموميون. "اختصاصهم". اختصاص. إثبات. "إثبات بوجه عام". "شهادة". دفوع. "الدفع بالإكراه". إكراه. دفاع. "الإخلال بحق الدفاع. ما يوفره". حكم. "تسبيبه. تسبيب معيب".
(أ) دفع المتهم جريمة الرشوة المسندة إليه تأسيساً على أن النقود التي قبضها من المبلغ ثمن بضاعة ردها. دفاع جوهري. يوجب تحقيقه والرد عليه. متى كانت شواهد الحال تظاهره. مثال.
وجوب تحقيق المحكمة للدفع بأن الشهادة كانت وليدة إكراه.
عدم التعويل على الشهادة. متى كانت وليدة إكراه بالغاً ما بلغ قدره من الضآلة.
رد الدفاع يحدث في وجدان القاضي ما يحدثه دليل الثبوت.
وجوب بيان الاختصاص الحقيقي للموظف في جريمة تزوير الأوراق الرسمية علة ذلك: أن التزوير في الأوراق الرسمية لا يتحقق إلا إذا كان إثبات البيان المزور من اختصاص الموظف.
(ب، ج) رشوة. "تزوير أوراق رسمية". موظفون عموميون. "اختصاصهم". اختصاص. جريمة. "أركانها". إثبات. "إثبات بوجه عام". حكم. "تسبيبه. تسبيب معيب". نقض. "حالات الطعن. القصور في التسبيب".
(ب) اختصاص الموظف بالعمل المطلوب أداؤه حقيقياً كان أو مزعوماً أو معتقداً فيه. ركن في جريمة الرشوة. وجوب إثبات الحكم له بما ينحسم به أمره. لا بتقريرات قانونية عامة مجردة لا يظهر منها مدى انطباقها على الواقع المعروض.
(ج) الاختصاص الفعلي للموظف ركن في جريمة التزوير في المحرر الرسمي.
1 - إذا كانت المحكمة قد جمعت في نطاق التسبيب بين الاختصاص الحقيقي والمزعوم للمتهم في مقام الرد على ما تذرع به من انتفاء اختصاصه كلية بتقدير الضريبة وربطها، وكان المتهم قد دفع جريمة الرشوة المسندة إليه بأن المبلغ الذي قبضه من المبلغ في حقيقته ثمن بضاعة كان قد اشتراها من محل والدة المبلغ المذكور وأراد ردها لما بها من عيوب، وأن هذا الثمن مرصود بتمامه في سجل المحل المملوك لزوجته، وكانت علاقة المعاملة بين المحل المملوك لزوجة المتهم وذلك المملوك لوالدة المبلغ غير مجحودة من طرفيها، وإنما الخلاف على رقم المبلغ المثبت لهذه المعاملة، كما دفع أن الرقابة الإدارية قبضت على شاهد النفي حتى أكرهته على الإدلاء بما يناقض صحة دعواه، وأن عمله انقطع بتحرير محضر مناقشة المبلغ بناء على أمر مراجع الضرائب، مستدلاً بذلك على أن المبلغ لم يدفع في مقابل شراء بضاعة من اختصاصه، وكان هذا الدفاع جوهرياً، فإنه كان يتعين على المحكمة أن تجيبه إلى تحقيقه وأن ترد على ما دفع به من أن شاهد النفي أكره على الشهادة بالقبض عليه وبقائه مقبوضاً عليه بغير حق حتى أدلى بشهادته على النحو الذي ينقض دعوى المتهم، ذلك أن رد الدفاع يحدث في وجدان القاضي ما يحدثه دليل الثبوت، ولأنه لا يصح الأخذ بقول الشاهد إذا كان وليد إكراه بالغاً ما بلغ قدره من الضآلة، كما كان عليها أن تبين أولاً اختصاص الطاعن الحقيقي توصلاً لاستظهار الواقعة على حقيقتها وهل كلفه مراجع الضرائب بتحرير محضر مناقشة فقط أو كلفه فوق ذلك بمعاينة المحل وتقدير الضريبة، فإذا كانت الأولى، كان ما أثبته الطاعن في محضر المناقشة استطراداً إلى معاينة المحل، نافلة لا شأن لها بجوهر المحضر، ولا يعتبر تغيير الحقيقة بشأنها تزويراً، لما هو مقرر من أن التزوير في الأوراق الرسمية لا يتحقق إلا إذا كان إثبات البيان المزور من اختصاص الموظف على مقتضى وظيفته وفى حدود اختصاصه أياً كان سنده من القانون أو تكليف رؤسائه، أما إن كانت الثانية صحت مساءلة الطاعن عن جناية التزوير في المحرر الرسمي.
2 - إن اختصاص الموظف بالعمل الذي دفع الجعل مقابلاً لأدائه سواء كان حقيقياً أو مزعوماً أو معتقداً فيه، ركن في جريمة الرشوة التي تنسب إليه، ومن ثم يتعين على الحكم إثباته بما ينحسم به أمره، وخاصة عند المنازعة فيه، دون الاجتزاء في الرد بتقريرات قانونية عامة مجردة عن الاختصاص الحقيقي والمزعوم لا يبين منها حقيقة مقصود الحكم في شأن الواقع المعروض الذي هو مدار الأحكام، ولا يتحقق بها ما يجب في التسبيب من وضوح البيان، مما يجعل الحكم قاصراً متعيناً نقضه.
3 - الاختصاص الفعلي للموظف ركن في جناية التزوير في المحرر الرسمي.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه في خلال الفترة من يناير سنة 1966 حتى يوم 19 يناير سنة 1966 بدائرة قسم بولاق محافظة القاهرة: (أولاً) بصفته موظفاً عمومياً "مأمور ضرائب" طلب وأخذ لنفسه عطية للإخلال بواجبات وظيفته وذلك بأن طلب من فرج تادرس ميخائيل مبلغ ستين جنيهاً وأخذ منه مبلغ ثلاثين جنيهاً على سبيل الرشوة مقابل تخفيض قيمة الضرائب المستحقة على المكتب الحديث للراديو والتليفزيون المملوك لوالدته (ثانياً) بصفته سالفة الذكر ارتكب تزويراً في محرر رسمي هو محضر المناقشة المؤرخ 4 يناير سنة 1966 حال تحريره المختص بوظيفته بجعله واقعة مزورة في صورة واقعة صحيحة مع علمه بتزويرها بأن أثبت بهذا المحضر على خلاف الحقيقة أنه انتقل إلى المكتب المذكور وقام بمعاينته. وطلب من مستشار الإحالة إحالته إلى محكمة الجنايات لمعاقبته بالمواد 103 و104 و213 من قانون العقوبات. فقرر بذلك. ومحكمة جنايات القاهرة قضت حضورياً عملاً بمواد الاتهام مع تطبيق المادتين 17 و32 من قانون العقوبات بمعاقبة المتهم بالسجن مدة ثلاث سنوات وتغريمه مبلغ ألفين من الجنيهات. فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض...إلخ.


المحكمة

حيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ أدانه بتهمتي الرشوة والتزوير قد شابه القصور في التسبيب، ذلك بأن عمله الذي قام به كموظف بمصلحة الضرائب كان قاصراً على تحرير "محضر مناقشة" استجابة لرجاء المراجع نظراً لغياب مأمور الضرائب المختص وأن عمله وقف عند هذا الحد، ولم يحصل منه تقدير للضريبة أو ربط لها، ولا اختصاص له بشيء من ذلك نوعياً أو محلياً وأن الثابت أنه توجد معاملة سابقة بينه وبين المبلغ أقر بها الأخير بعد أن أنكر معرفته به من قبل وأن رقم المعاملة مرصود قبل الضبط في سجل المحل المملوك لزوجته بغير تحشير ولا تزوير، وأن الرقابة الإدارية قبضت على شاهد النفي واستبقته مدة من الزمن مقبوضاً عليه إكراهاً له على الشهادة بما يناقض دفاع الطاعن إلا أن الحكم المطعون فيه لم يرد دفاعه بما ينفيه، ومن ثم يكون معيباً بما يبطله ويوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه أثبت في مدوناته أن المبلغ يشرف على محل تجارة لإصلاح الراديو والتليفزيون مملوك لوالدته المسنة، وقد ذهب إلى مراقبة ضرائب بولاق ليدلى نيابة عنها بقولها بناء على استدعائها لمناقشتها وهناك قابل المراجع الذي أحاله إلى المتهم الطاعن فقام هذا بتحرير محضر مناقشة أثبت فيه على خلاف الواقع أنه انتقل إلى المحل وعاينه في حين أنه لم يبرح مكانه في مأمورية الضرائب، ثم طلب من المبلغ أن يلقاه في المساء، فلما لقيه أفهمه أن المراجع قدر على المحل مبلغ ثلاثين جنيهاً عن كل سنة من السنوات موضوع الربط وأنه يستطيع خفض هذا المبلغ إلى خمسة جنيهات عن كل سنة، وطلب منه أن ينقده ثلاثين جنيهاً مقابل هذا الخفض، فماطله ثم مد الحبل له باتفاقه مع أعضاء الرقابة الإدارية حتى تم ضبطه ومعه المبلغ في جيبه وإذ ذاك أقر الطاعن بأنه قبض هذا المبلغ ثمناً لبضاعة كان قد اشتراها لمحل زوجته من محل والدة المبلغ وجدت بها عيوب تقتضي ردها وأن مبلغ الثمن بدفاتر المحل. وقد أطرحت المحكمة دفاعه في هذا الشأن مؤسسة ذلك على وقوع الخلاف حول ثمن البضاعة بين شاهد النفي وبين الطاعن، ثم جمعت في نطاق التسبيب بيت الاختصاص الحقيقي والاختصاص المزعوم في مقام الرد على ما تذرع به من انتفاء اختصاصه كلية بالتقدير والربط. لما كان ذلك، وكانت علاقة المعاملة بين المحل المملوك لزوجة الطاعن، والمحل المملوك لوالدة المبلغ غير مجحودة من طرفيها، وإنما الخلاف على رقم المبلغ المثبت لهذه المعاملة وكان الطاعن قد دفع جريمة الرشوة المسندة إليه بأن المبلغ الذي قبضه كله في حقيقته ثمن لبضاعة كان قد اشتراها من محل والدة المبلغ أراد ردها لما بها من عيوب، وأن هذا الثمن مرصود بتمامه في سجل المحل المملوك لزوجته، وأن الرقابة الإدارية قبضت على شاهد النفي حتى أكرهته على الإدلاء بما يناقض صحة دعواه، وأن عمله انقطع بتحرير محضر المناقشة بناء على أمر المراجع مستدلاً بذلك على أن المبلغ لم يدفع في مقابل شراء بضاعة من اختصاصه. ولما كان هذا الدفاع جوهرياً فكان يتعين على المحكمة أن تجيبه إلى تحقيقه، وأن ترد على ما دفع به من أن شاهد النفي أكره على الشهادة بالقبض عليه وبقضائه مقبوضاً عليه بغير حق حتى أدلى بشهادته على النحو الذي ينقض دعوى المتهم لأن رد الدفاع يحدث في وجدان القاضي ما يحدثه دليل الثبوت، ولأنه لا يصح الأخذ بقول الشاهد إذا كان وليد إكراه بالغاً ما بلغ قدره من الضآلة، كما كان عليها أن تبين أولاً اختصاص الطاعن الحقيقي توصلاً إلى استظهار الواقعة على حقيقتها وهل كلفه مراجع الضرائب بتحرير محضر مناقشة فقط أو كلف فوق ذلك بمعاينة المحل وتقدير الضريبة، فإذا كانت الأولى كان ما أثبته الطاعن في محضر المناقشة استطراداً إلى معاينة المحل نافلة لا شأن لها بجوهر المحضر، ولا يعتبر تغيير الحقيقة بشأنها تزويراً، لما هو مقرر من أن التزوير في الأوراق الرسمية لا يتحقق إلا إذا كان إثبات البيان المزور من اختصاص الموظف على مقتضى وظيفته وفى حدود اختصاصه أياً كان سنده من القانون أو من تكليف رؤسائه، أما إن كانت الثانية صحت مساءلة الطاعن عن جناية التزوير في المحرر الرسمي. لما كان ما تقدم، وكان اختصاص الموظف بالعمل الذي دفع الجعل مقابلاً لأدائه سواء كان حقيقياً أو مزعوماً أو معتقداً فيه، ركناً في جريمة الرشوة التي تنسب إليه، وكان الاختصاص الفعلي للموظف ركناً في جناية التزوير في المحرر الرسمي، فيتعين على الحكم إثباته بما ينحسم به أمره وخاصة عند المنازعة فيه، دون الاجتزاء في الرد عليه بتقريرات قانونية عامة مجردة عن الاختصاص الحقيقي والمزعوم لا يبين منها حقيقة مقصود الحكم في شأن الواقع المعروض الذي هو مدار الأحكام ولا يتحقق بها ما يجب في التسبيب من وضوح وبيان، الأمر الذي يجعل الحكم قاصراً في البيان بما يتعين نقضه والإحالة.