أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثالث - السنة 20 - صـ 1294

جلسة 17 من نوفمبر سنة 1969

برياسة السيد المستشار/ حسن فهمي البدوي رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: محمد أبو الفضل حفني، وإبراهيم أحمد الديواني، ومحمد السيد الرفاعي، و طه الصديق دنانة.

(263)
الطعن رقم 1570 لسنة 39 القضائية

(أ، ب، ج، د) إخفاء أشياء مسروقة. جريمة. "أركانها". إثبات. "إثبات بوجه عام". "قرائن". "شهادة". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب". محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير الدليل".
( أ ) عدم التزام المحكمة بإيراد أدلة الإدانة قبل كل متهم على حدة. شروط ذلك. مثال.
(ب) العلم في جريمة إخفاء مسروقات. مسألة نفسية. الاستدلال عليه من أقوال الشهود وظروف الدعوى وملابساتها.
(ج) انبساط سلطان المخفي للشيء المسروق عليه. كفايته لاعتباره مخفياً. ولو لم يكن محرزاً له مادياً.
(د) تضمين الحكم الثمن الحقيقي للمسروقات المخفاة. غير لازم. كفاية تقدير أنه بيع بثمن بخس يقل عن قيمته.
(هـ، و، ز، ح) إثبات. "إثبات بوجه عام". "قرائن". "شهادة". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب". محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير الدليل".
(هـ) تساند الأدلة في المواد الجنائية.
(و) استنباط مؤدى الوقائع والقرائن. من سلطة محكمة الموضوع.
(ز) حق المحكمة في الأخذ بأقوال المتهم قبل نفسه وقبل غيره من المتهمين. ولو عدل عنها.
(ح) أخذ المحكمة بأقوال الشاهد في أية مرحلة من مراحل الدعوى. مرده إلى اقتناعها.
(ط، ى، ك، ل) إثبات. "اعتراف". "إثبات بوجه عام". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب". دفاع. "الإخلال بحق الدفاع". "ما لا يوفره".
(ط) متى يكون الحكم بريئاً من الخطأ في الإسناد في شأن اعتراف المتهم؟
(ى) تعقب المتهم في مناحي دفاعه الموضوعي. غير لازم.
قضاء الإدانة. كفايته لإطراح الاعتبارات التي أبداها الدفاع. لعدم الأخذ بأدلة الإدانة.
(ك) سكوت الحكم عن الرد صراحة على جزئية أثارها الدفاع. لا يعيبه. قضاؤه بالإدانة استناداً لأدلة سائغة. إفادته إطراح ذلك الدفاع.
(ل) إقامة الحكم قضاءه على ما يحمله. صحته.
1 - ليس لزاماً على المحكمة أن تورد أدلة الإدانة قبل كل من المتهمين في الدعوى على حدة، ومن ثم فلا جناح عليها إذا جمعت في حكمها في مقام التدليل على ثبوت ركن العلم - بين الطاعنين الثاني والثالث - نظراً لوحدة الواقعة، وما دامت الأدلة قبلهما تتحد وتتساند في معظمها، وما دام حكمها قد سلم من عيب التناقض أو الغموض في أسبابه بحيث تبقى مواقف كل من الطاعنين والإدانة قبلهما محددة بغير لبس.
2 - من المقرر أن العلم في جريمة إخفاء الأشياء المتحصلة من جريمة سرقة، مسألة نفسية لا تستفاد فقط من أقوال الشهود، بل لمحكمة الموضوع أن تتبينها من ظروف الدعوى وما توحي به ملابساتها.
3 - لا يشترط لاعتبار الجاني مخفياً لشيء مسروق أن يكون محرزاً له مادياً، بل يكفي لاعتباره كذلك أن تتصل يده به، ويكون سلطانه مبسوطاً عليه، ولو لم يكن في حوزته الفعلية.
4 - ليس لزاماً على المحكمة أن تضمن حكمها الثمن الحقيقي للأشياء المسروقة، وإنما يكفي أن تكون قد قدرت - استناداً إلى قرائن مقبولة - أنها بيعت للمتهم بثمن بخس يقل عن قيمتها الحقيقية.
5 - من المقرر أن الأدلة في المواد الجنائية متساندة يكمل بعضها بعضاً، ومنها مجتمعة تتكون عقيدة المحكمة، فلا ينظر إلى دليل بعينه لمناقشته على حدة دون باقي الأدلة، بل يكفي أن تكون الأدلة في مجموعها كوحدة، مؤدية إلى ما قصده الحكم منها ومنتجة في اكتمال اقتناع المحكمة واطمئنانها إلى ما انتهت إليه.
6 - للمحكمة أن تستنبط من الوقائع والقرائن ما تراه عقلاً إلى النتيجة التي انتهت إليها.
7 - لمحكمة الموضوع الأخذ بأقوال المتهم في حق نفسه وفي حق غيره من المتهمين، وإن عدل عنها بعد ذلك، ما دامت قد اطمأنت إليها.
8 - لمحكمة الموضوع في سبيل تكوين عقيدتها، أن تعتمد في حكمها على أقوال شاهد في إحدى مراحل التحقيق، ولو خالفت ما شهد به في تحقيقات النيابة، أو أمامها، لأن الأمر مرجعه إلى اقتناعها هي وحدها.
9 - إذا كان الطاعن لم يجحد ما أقر به وقد أشار المدافع عنه إلى أنه اعترف للوهلة الأولى عند سؤاله عن أجزاء الدراجة المسروقة، وأرشد عنها وذكر الثمن الذي اشترى به هذه الأشياء وأن السعر كان مناسباً، وأنه حصل على فاتورة، فإن ما أثاره الطاعن المذكور من نعي لاستناد الحكم في إدانته - من بين ما استند عليه - إلى اعترافه في التحقيقات، يكون غير سديد.
10 - من المقرر أن المحكمة غير ملزمة بتعقب الدفاع في كل جزئية يبديها في مناحي دفاعه الموضوعي، والرد على كل منها على استقلال، طالما أن في قضائها بالإدانة استناداً إلى الأدلة التي ساقتها، ما يفيد إطراحها جميع الاعتبارات التي ساقها المتهم لحملها على عدم الأخذ بها.
11 - لا يعيب الحكم سكوته عن الرد صراحة على جزئية أثارها الدفاع، إذ أن في قضائه بإدانة الطاعن للأدلة السائغة التي أوردها ما يفيد ضمناً أنه أطرح ذلك الدفاع ولم ير فيه ما يغير من عقيدته التي خلص إليها.
12 - إذا كانت المحكمة لم تر في الإقرار الذي أشار إليه المدافع عن الطاعن بجلسة 18 من مايو سنة 1969 ما يغير من عقيدتها التي انتهت إليها في قضائها بإدانة الطاعن للأدلة السائغة التي أوردتها، فإن ما يثيره في هذا الخصوص، لا يكون له محل.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة كلاً من 1 - ..... و2 - .... و3 - .... و4 - .. و5 - ... (طاعن) و6 - ...... (طاعن) و7...... (طاعن) بأنهم في ليلة 17 سبتمبر بدائرة قسم بولاق محافظة القاهرة - المتهمون الثلاثة الأول - سرقوا الدراجة البخارية المبينة الوصف والقيمة بالمحضر لمصلحة الطرق والكباري حالة كون الأول عائداً سبق الحكم عليه بست عقوبات مقيدة للحرية بسرقات الأخيرة منها بالأشغال الشاقة خمس عشرة سنة في الجناية رقم 294/ 643 - 904 كلي سنة 1954 عسكرية عليا لسرقة وحمل سلاح. المتهم الربع - اشترك بطريق الاتفاق والتحريض والمساعدة مع المتهمين الثلاثة الأول في ارتكاب الجريمة سالفة الذكر بأن اتفق معهم على السرقة وحرضهم على ذلك وأرشدهم إلى مكانها فتمت الجريمة بناء على هذا الاتفاق وتلك المساعدة. والمتهمون من الخامس إلى السابع - أخفوا الدراجة البخارية سالفة الذكر مع علمهم بذلك. وطلبت من مستشار الإحالة إحالتهم إلى محكمة الجنايات لمعاقبتهم طبقاً للقيد والوصف الواردين بتقرير الاتهام. فقرر بذلك. ومحكمة جنايات القاهرة قضت عملاً بالمواد 49/ 1 و51 و317/ 4 - 5 من قانون العقوبات بالنسبة إلى المتهم الأول والمادة 317/ 4 - 5 من القانون ذاته بالنسبة إلى المتهمين الثاني والثالث والمادتين 304/ 1 و381/ 1 من قانون الإجراءات الجنائية بالنسبة إلى المتهم الرابع والمادة 44/ 1 مكرر من قانون العقوبات بالنسبة إلى المتهمين الخامس والسادس والسابع (أولاً) بمعاقبة المتهم الأول بالأشغال الشاقة مدة خمس سنوات (ثانياً) بمعاقبة كل من المتهمين الثاني والثالث بالحبس مع الشغل مدة سنتين (ثالثاً) بمعاقبة كل من المتهمين الخامس والسادس والسابع بالحبس مع الشغل مدة سنة واحدة (رابعاً) ببراءة المتهم الرابع من التهمة المسندة إليه. فطعن الطاعنان الأول في هذا الحكم بطريق النقض...... كما طعن أيضاً الطاعن الثاني في هذا الحكم إلا أنه لم يقدم أسباباً لطعنه إلخ.....


المحكمة

من حيث إن الطاعن الثاني، وأن قرر بالطعن بالنقض في الميعاد المقرر قانوناً إلا أنه لم يودع أسباباً لطعنه ومن ثم يكون الطعن المقام منه غير مقبول شكلاً وفقاً للمادتين 34، 39/ 1 من القانون رقم 57 لسنة 1959 بشأن حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض.
وحيث إن الطاعن الأول ينعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمة إخفاء الدراجة البخارية المتحصلة من جريمة السرقة قد شابه فساد في الاستدلال وقصور في التسبيب إذ اعتمد على أقوال له بمحضر جمع الاستدلالات وشهادة شقيق زوجته ضده رغم العدول عنها في تحقيقات النيابة وأمام المحكمة، فضلاً عن استناده إلى ما استدل عليه من صلة الطاعن بالمتهم الأول في تهمة السرقة مع ما ثبت من ماضيه العريق في الإجرام وهو ما لا يصح التعويل عليه في مجال إثبات ركن العلم، ومن ثم فإن الحكم يكون معيباً بما يوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية لجريمة إخفاء الأشياء المتحصلة من السرقة التي أدان الطاعن بها وأورد على ثبوت علمه بسرقة الدراجة البخارية قوله "وبما أنه عن المتهم الخامس (الطاعن) فقد تأكد علمه بسرقة الدراجة البخارية وتم فك أجزائها تحت بصره وبمعداته من إقراره ابتداء في محضر جمع الاستدلالات ومن اعتراف شقيق زوجته عليه المتهم الثالث في ذلك المحضر حيث آثر هذا المتهم - أي الخامس (الطاعن) أن يستولى على نصيبه على نصيبه عيناً وتم ضبط بعض الأجزاء المسروقة في غرفته، والبعض الآخر قام هو بتركيبه في دراجة بخارية خاصة به ولا تعول المحكمة على دفاعه المتداعي في هذا الصدد إذ لا يتصور أن يماطل المتهم الأول في أداء الأجرة المستحقة عليه نظير استئجاره غرفة في منزل المتهم الخامس (الطاعن) ومع ذلك يترك قبل مغادرته الحجرة مثل هذه المنقولات هذا فضلاً عن أن هذا الدفاع يتنافى كلية مع ما ادعاه المتهم في تحقيق النيابة أن هذه الأجزاء اشتراها من المتهم الأول نظير ثمن قدره 125 قرشاً وهو قول مرسل لم يقم عليه دليل في الأوراق" وبعد أن سرد الحكم الظروف التي أتت بالمتهم الأول إلى منزل الطاعن قال "ومن كان نشاطه الإجرامي قد بلغ هذا الحد (يعني المتهم الأول) لا يقبل معه القول بأنه يتخلى طواعية عن بعض المسروقات كما يحاول المتهم الخامس (الطاعن) أن يدعيه". لما كان ذلك، وكان لمحكمة الموضوع، الأخذ بأقوال المتهم في حق نفسه وفي حق غيره من المتهمين - وإن عدل عنها بعد ذلك - ما دامت قد اطمأنت إليها كما أن لها في سبيل تكوين عقيدتها أن تعتمد في حكمها على أقوال شاهد في إحدى مراحل التحقيق ولو خالفت ما شهد به في تحقيقات النيابة أو أمامها لأن الأمر مرجعه إلى اقتناعها هي وحدها، ولما كان العلم في جريمة إخفاء الأشياء المتحصلة من جريمة سرقة لا يستفاد فقط من أقوال الشهود بل لمحكمة الموضوع أن تتبينه من ظروف الدعوى وما توحي به ملابساتها فإن نعي الطاعن على الحكم بقصوره في التسبيب والفساد في الاستدلال يكون في غير محله ولا يعدو ما يثيره في هذا الشأن أن يكون جدلاً موضوعياً في تقدير الأدلة التي اطمأنت إليها محكمة الموضوع. لما كان ما تقدم، فإن الطعن المقام من الطاعن الأول يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.
وحيث إن الطاعن الثالث ينعى على الحكم المطعون فيه في الأوجه - الأول والثاني والثالث والثامن - لطعنه أنه إذ أدانه بجريمة إخفاء الدراجة البخارية المتحصلة من جريمة السرقة قد شابه خطأ في تطبيق القانون وقصور في التسبيب ونقص في البيان - لعدم توافر عنصريها المادي والمعنوي وقعوده عن تحصيل ما يدل عليها فقد خلا من بيان الواقعة المستوجبة للعقاب كما عمم تقريراته بالنسبة له وللطاعن الثاني - رغم اختلاف مراكز كل منهما في الدعوى. وحيث إنه يبين من الحكم المطعون فيه أنه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية لجريمة إخفاء أجزاء الدراجة البخارية المتحصلة من جريمة السرقة التي أدان الطاعن بها وأورد على ثبوتها في حقه أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه عليها في قوله "ومن حيث إنه بالنسبة للمتهمين السادس والسابع (الطاعنين الثاني والثالث)، فالعلم ثابت في حقهما من اعترافهما في التحقيقات ومن الظروف المريبة التي تمت فيها الصفقة فإن الأجزاء المعروضة عليهما للبيع مفكوكة وفي حالة جيدة ومن موديل حديث وتم التسليم ليلاً وفي الطريق العام وبدون أية مستندات وبثمن لا يتناسب على الإطلاق مع قيمتها الحقيقية. هذا بالإضافة إلى إقرار المتهم السادس برؤيته للأجزاء المبيعة. وقد تم نقلها ليلاً في غرارة وعلى عربة كارو ثم توجه بها على الفور إلى سوق السمك إذ كان المتهم السابع (الطاعن الثالث) قد رتب المشتري ليتخلص من هذه الأجزاء المسروقة في أسرع وقت وقبضا ثمناً يزيد عن الثمن الذي اشتريا به بثمانية عشر جنيهاً وفي النهاية فإن المتهم السادس (الطاعن الثاني) اعترف في التحقيقات بأنه تشكك في الأمر وأفضى بما أحس به للمتهم السابع (الطاعن الثالث) ولكن الأخير طمأنه بترتيب مشتر وقد دفعه هذا الشك إلى اتخاذ إجراء يقطع بسوء نيته إذا لم يقم ببيع الجزء المسروق الذي يحمل رقم موتور الدراجة البخارية المسروقة دوناً عن كل الأجزاء التي تم بيعها وأخفاها في محل عبد اللطيف سليمان داود، دون علم الأخير بذلك كما قرر عند سؤاله". لما كان ذلك، وكان من المقرر أن العلم في جريمة إخفاء الأشياء المتحصلة من جريمة سرقة مسألة نفسية لا تستفاد فقط من أقوال الشهود بل لمحكمة الموضوع أن تتبينها من ظروف الدعوى، وما توحي به ملابساتها كما سلف البيان، وكان لا يشترط لاعتبار الجاني مخفياً لشيء مسروق أن يكون محرزاً له إحرازاً مادياً بل يكفي لاعتباره كذلك أن تتصل يده به ويكون سلطانه مبسوطاً عليه ولو لم يكن في حوزته الفعلية وكان الحكم قد انتهى في استخلاص سائغ إلى ذلك، فإن ما ينعاه الطاعن على الحكم من تعميم تقريراته بشأن المتهم السادس (الطاعن الثاني) وبالنسبة له مردود بأنه ليس لزاماً على المحكمة أن تورد أدلة الإدانة قبل كل من المتهمين في الدعوى على حده - ومن ثم فلا جناح عليها إذا جمعت في حكمها في مقام التدليل على ثبوت ركن العلم - بين الطاعنين الثاني والثالث نظراً لوحدة الواقعة وما دامت الأدلة قبلهما تتحد وتتساند في معظمها وما دام حكمها قد سلم من عيب التناقض أو الغموض في أسبابه بحيث تبقى مواقف كل من الطاعنين والأدلة قبلها محددة بغير لبس. لما كان ذلك، فإن ما ينعاه الطاعن على الحكم بما تقدم يكون غير سديد.
وحيث إن هذا الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه في الوجهين الخامس والتاسع لطعنه - أنه اعتمد في إثبات ركن العلم في حقه على ما أورده من قول الطاعن الثاني في التحقيقات بأنه إذ ساوره الشك بخصوص الصفة بادر الطاعن (الثالث) بطمأنته بأنه قد أعد مشترياً - في حين أن هذا القول بفرض صحته لا يؤدي إلى النتيجة التي استخلصها الحكم منه ومن ثم يكون مشوباً بفساد في الاستدلال.
وحيث إن هذا النعي مردود بأنه من المقرر أن الأدلة في المواد الجنائية متساندة يكمل بعضها بعضاً ومنها مجتمعة تتكون عقيدة المحكمة فلا ينظر على دليل يعينه لمناقشته على حدة دون باقي الأدلة بل يكفي أن تكون الأدلة في مجموعها كوحدة مؤدية إلى ما قصده الحكم منها ومنتجة في اكتمال اقتناع المحكمة واطمئنانها إلى ما انتهت إليه وأن لمحكمة الموضوع أن تستنبط من الوقائع والقرائن ما تراه مؤدياً عقلاً إلى النتيجة التي انتهت إليها. لما كان ذلك، وكان هذا الذي استخلصه الحكم سائغاً قائماً على ما ينتجه فإن ما رمى به الطاعن الحكم في هذين الوجهين يضحي غير سديد.
وحيث إن حاصل الوجهين السادس والسابع من الطعن أن الحكم المطعون فيه قد شابه قصور في التسبيب وإخلال بحق الدفاع ذلك أنه (أي الطاعن) أثار أمام المحكمة دفاعاً جوهرياً مبناه أنه اشترى الأشياء المسروقة من آخر حرر له إقراراً بذلك يحمل توقيعه وطلب تحقيقه غير أنها أغفلته ولم تعن في حكمها - الذي خلا من الإشارة إلى إقرار وتنازل صادرين من المتهم الأول للطاعن الثاني - بالرد عليه ولا على ما قاله بالجلسة من حسن سمعته وسلامة ماضيه.
وحيث إن الثابت من الاطلاع على محضر جلسة 18 مايو سنة 1965 أن المدافع عن الطاعن أشار في دفاعه الموضوعي إلى فاتورة صادرة من البائع لأجزاء الدراجة البخارية المسروقة - دون أن يطلب بخصوصها طلباً ما. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن المحكمة غير ملزمة بتعقب الدفاع في كل جزئية يبديها في مناحي دفاعه الموضوعي والرد على كل منها على استقلال طالما أن في قضائها بالإدانة استناداً إلى الأدلة التي ساقتها ما يفيد إطراحها جميع الاعتبارات التي ساقها المتهم لحملها على عدم الأخذ بها. لما كان ذلك، فإنه لا يعيب الحكم سكوته عن الرد على هذه الجزئية من الدفاع صراحة إذ أن في قضائه بإدانة الطاعن للأدلة السائغة التي أوردها ما يفيد ضمناً أنه أطرح ذلك الدفاع ولم ير فيه ما يغير عقيدته التي خلص إليها - وبذلك يكون منعي الطاعن على الحكم في هذين الوجهين في غير محله.
وحيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه في الوجه الرابع لطعنه أنه مشوب بخطأ في الإسناد ومخالفة الثابت في الأوراق وقصور في التسبيب إذ اعتمد من بين ما اعتمد عليه في إدانته على ما نسبه إليه من اعتراف في التحقيقات رغم إنكاره. هذا فضلاً عما أورده الحكم من أن المسروقات سلمت ليلاً في الطريق العام دون مستندات وبثمن لا يتناسب مع قيمتها الحقيقية في حين تحتوي الأوراق على مستندات واضحة البيان في ذلك الخصوص. كما لم يورد الحكم بيان القيمة الحقيقية للأشياء المسروقة التي ذكر أنها بيعت بثمن بخس.
وحيث إن الحكم المطعون فيه أورد في مجال سرد استخلاصه للواقعة قوله "وتوجه رجال الشرطة إلى محل المتهمين السادس والسابع (الطاعنين الثاني والثالث) بإرشاد المتهم الثالث وأيد المتهم السادس رواية المتهم الثالث في ظروف وكيفية إتمام البيع السالف بيانه وقرر هو والمتهم السابع (الطاعن) أنهما باعا تلك الأجزاء بدورهما إلى محمود حنفي محمد بمبلغ 31 ج واستولى السادس على ثمانية جنيهات والسابع (الطاعن) على عشرة جنيهات، وقد تم البيع فور استلامهما تلك الأجزاء من المتهم الثاني وفي الطريق العام ليلاً بسوق السمك وبدون أية أوراق... إلخ" واستند الحكم في قضائه بإدانة الطاعن - من بين ما استند عليه - إلى اعترافه بالتحقيقات أي أنه اعتبر ضمن الأدلة المتساندة التي تكونت منها عقيدة المحكمة إقرار الطاعنين الثاني والثالث بأنهما باعا أجزاء من الدراجة البخارية المسروقة إلى محمود حنفي بمبلغ 31 ج على النحو السالف بيانه الوارد في استخلاص المحكمة للواقعة. لما كان ذلك، وكان الطاعن لم يجحد ما أقر به على النحو آنف البيان وقد أشار المدافع عنه بجلسة 18 مايو سنة 1969 إلى أنه اعترف للوهلة الأولى عند سؤاله عن أجزاء الدراجة وأرشد عنها وذكر الثمن الذي اشترى به هذه الأشياء وأن السعر كان مناسباً وأنه حصل على فاتورة. لما كان ما تقدم فإن ما أثاره الطاعن بصدد استناد الحكم في إدانته - من بين ما استند عليه - إلى اعترافه في التحقيقات يكون غير سديد. لما كان ذلك، وكان ما ينعاه الطاعن على الحكم عدم بيان القيمة الحقيقة للأجزاء المباعة من الدراجة البخارية المسروقة مردوداً بأنه ليس لزاماً على المحكمة أن تضمن حكمها الثمن الحقيقي للأشياء المسروقة وإنما يكفي أن تكون قد قدرت - استناداً إلى قرائن مقبولة أنها بيعت للطاعن بثمن بخس يقل عن قيمتها الحقيقية - والبين من مطالعة الحكم أنه ضمن وقائع الدعوى التي حصلها أن الطاعنين الثاني والثالث اشتريا به. لما كان ما تقدم، وكان ما أثاره الطاعن في هذا الوجه بصدد ما قاله الحكم من عبارة تسليم المسروقات ليلاً في الطريق العام دون مستندات متصلاً بما سلف بيانه في الوجهين السادس والسابع من أن المحكمة لم تر في الإقرار الذي أشار إليه المدافع عن الطاعن في مرافعته بجلسة 18 من مايو سنة 1969 ما يقيد عقيدتها التي انتهت إليها وقضائها بإدانة الطاعن للأدلة السائغة التي أوردتها. ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن في هذا الخصوص لا يكون له محل. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه.