أحكام المحكمة الدستورية العليا - الجزء الثامن
من أول يوليو 1996 حتى آخر يونيو 1998 - صـ 1530

جلسة 6 ديسمبر 1998

برئاسة السيد المستشار الدكتور/ عوض محمد عوض المر - رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: الدكتور محمد إبراهيم أبو العينين ومحمد ولي الدين جلال ونهاد عبد الحميد خلاف وفاروق عبد الرحيم غنيم وعبد الرحمن نصير وسامي فرج يوسف، وحضور السيد المستشار الدكتور/ حنفي علي جبالي - رئيس هيئة المفوضين، وحضور السيد/ حمدي أنور صابر - أمين السر.

قاعدة رقم (16)
القضية رقم 13 لسنة 18 قضائية "تنازع"

1- دعوى تنازع الاختصاص السلبي "فضه"
توخي فض التنازع السلبي على الاختصاص أن يكون لكل خصومة قضائية قاض يفصل في موضوعها - إعمال المحكمة الدستورية العليا قواعد الاختصاص الولائي - التي حدد المشرع بها لكل جهة قضائية نصيبها من المنازعات التي عهد إليها بالفصل فيها - لتعيين الجهة المختصة بنظر الخصومة المتسلب من نظرها.
2 - اختصاص "مجلس الدولة: استثناء".
اختصاص مجلس الدولة - بمقتضى الدستور - بولاية الفصل في المنازعات الإدارية جميعها - جواز إسناد بعض هذه المنازعات بصفة استثنائية - وفي إطار قانون صادر عن السلطة التشريعية - إلى جهة قضائية أخرى.
3 - اختصاص - تشريع "القرار بقانون رقم 123 لسنة 1981 في شأن شروط الخدمة والترقية لضباط الشرف والمساعدين وضباط الصف والجنود بالقوات المسلحة" - لجان قضائية عسكرية.
عدم اختصاص اللجان القضائية المشكلة وفقاً لهذا القانون بالفصل في دعوى المنازعة في قرار إنهاء الخدمة - إلغاء وتعويضاً - الصادر قبل العمل به، انعقاد الاختصاص لجهة القضاء الإداري بنظرها.
4 - دعوى تنازع الاختصاص السلبي "حكم: مقتضاه".
مقتضى الحكم الصادر بتعيين الجهة القضائية المختصة هو إسباغ الولاية على هذه الجهة من جديد لنظر النزاع، ولو كان حكمها بتسلبها من الاختصاص بنظره قد صار نهائياً.
1 - مناط قبول طلب الفصل في التنازع على الاختصاص وفقاً للبند ثانياً من المادة 25 من قانون هذه المحكمة، هو أن تطرح الدعوى عن موضوع واحد أمام جهتين من جهات القضاء أو الهيئات ذات الاختصاص القضائي، ولا تتخلى إحداهما عن نظرها أو تتخلى كلتاهما عنها، وكان فض التنازع السلبي على الاختصاص يتوخى أن يكون لكل خصومة قضائية قاض يمحص جوانبها إنهاء للنزاع موضوعها، فلا يبقى معلقاً إلى غير حد بما يعرض للضياع الحقوق المدعي الإخلال بها، ويقوض الأغراض التي يتوخاها حق التقاضي باعتباره مدخلاً للفصل إنصافاً في الحقوق المتنازع عليها، ضماناً لتقديم الترضية القضائية التي تعود بها هذه الحقوق إلى أصحابها، فقد صار متعيناً أن ترد هذه المحكمة الخصومة القضائية المتسلب من نظرها، إلى جهة قضائية تكون قواعد الاختصاص الولائي التي رسمتها السلطة التشريعية في مجال توزيعها لهذا الاختصاص بين جهات القضاء على اختلافها، قد أولتها دون غيرها سلطاناً مباشراً عليها.
2 - مجلس الدولة كهيئة قضائية لها استقلالها، قد صار بمقتضى نص المادة 172 من الدستور، مختصاً بولاية الفصل في المنازعات الإدارية جميعها باعتباره قاضيها الأصيل، فلا تباشر جهة قضائية أخرى بعض جوانبها إلا في حدود ضيقة، وبصفة استثنائية، وترجيحاً لدواع تقتضيها المصلحة العامة في أعلى درجاتها، وفي إطار قانون يصدر عن السلطة التشريعية إعمالاً للتفويض المخول لها بمقتضى نص المادة 167 من الدستور في شأن تحديد الهيئات القضائية واختصاصاتها وتنظيم طريقة تشكيلها.
3 - إبان العمل بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 116 لسنة 1964 في شأن شروط الخدمة والترقية لضباط الشرف والمساعدين وضباط الصف والجنود بالقوات المسلحة، كان الفصل في المنازعات الإدارية المتعلقة بضباط الصف معقوداً أمره إلى جهة القضاء الإداري، إلى أن صدر قانون خدمة ضباط الشرف وضباط الصف والجنود بالقوات المسلحة الصادر بالقانون رقم 123 لسنة 1981، ملغياً القانون السابق؛ ومنشئاً بنص المادة 129 لجاناً قضائية عسكرية اختصها دون غيرها - وعلى ما تنص عليه المادة 130 من القانون - بالفصل في المنازعات الإدارية الخاصة بضباط الصف المتعلقة بتطبيق أحكام هذا القانون عدا الطعن في العقوبات الانضباطية؛ ومحدداً بنص المادة 143 من ذلك القانون نطاق الطعن بالإلغاء وفقاً لأحكام المواد السابقة عليها، إذ قصره على القرارات الإدارية النهائية التي تصدر بعد تاريخ العمل بهذا القانون.
وإذ نشر القانون رقم 123 لسنة 1981 في الجريدة الرسمية في 22/ 7/ 1981 دون أن يتضمن تحديداً لتاريخ بدء العمل بالأحكام التي تضمنها؛ وكانت المادة 188 من الدستور تقضي بأن تنشر القوانين في الجريدة الرسمية خلال أسبوعين من يوم إصدارها على أن يعمل بها بعد شهر من اليوم التالي لتاريخ نشرها إلا إذا حددت لذلك ميعاداً آخر؛ وكان قرار إنهاء خدمة المدعين - وأياً كان السبب الذي بني عليه هذا القرار - قد صدر في 9/ 7/ 1981، وهو تاريخ سابق على العمل بالقانون رقم 123 لسنة 1981 المشار إليه؛ وكان شرط اختصاص اللجان القضائية التي شكلتها المادة 129 من هذا القانون، بالفصل في طعون الإلغاء المتعلقة بالقرارات الإدارية النهائية الصادرة في شأن المدعين، هو أن تكون هذه القرارات صادرة بعد العمل بأحكام ذلك القانون؛ وكان طلب التعويض فرع من طلب إلغاء القرار المطعون عليه؛ فإن اختصاص هذه اللجان بالفصل في قرار إنهاء خدمة المدعين - إلغاء وتعويضاً - ينحسر على اللجان القضائية العسكرية، ولا تتولاه إلا جهة القضاء الإداري التي اختصها الدستور - وكأصل عام - بالفصل في المنازعات الإدارية جميعها.
4 - مقتضى الحكم الصادر بتعيين الجهة القضائية المختصة عملاً بالبند ثانياً من نص المادة 25 من قانون المحكمة الدستورية العليا، استنهاض هذه الجهة لنظر النزاع الموضوعي من خلال إسباغ الولاية عليها من جديد، ولو كان حكمها بتسلبها من الاختصاص بنظره قد صار نهائياً.


الإجراءات

في الثاني عشر من نوفمبر سنة 1996، أودع المدعون قلم كتاب المحكمة صحيفة الدعوى الماثلة يطلبون فيها تحديد جهة القضاء المختصة بنظر دعواهم الموضوعية التي أقاموها طعناً في قرار إنهاء خدمتهم بالقوات المسلحة.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها أصلياً الحكم بعدم قبول الدعوى واحتياطياً الحكم باختصاص اللجان القضائية العسكرية بنظر الدعوى الموضوعية.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع - على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - تتحصل في أن المدعين كانوا قد التحقوا بخدمة القوات المسلحة كضباط صف متطوعين، وتدرجوا في مراتبها إلى أن رقي بعضهم إلى رتبة الرقيب أول والبعض الآخر إلى رتبة الرقيب، ثم فوجئوا بفصلهم من الخدمة لعدم صلاحيتهم فنياً استناداً من جهتهم الإدارية لنص المادة 119 من قانون شروط الخدمة والترقية لضباط الشرف والمساعدين وضباط الصف والجنود بالقوات المسلحة الصادر بالقرار بقانون رقم 106 لسنة 1964، ونظراً لأن المحكمة العليا كانت قد قضت بجلسة 3 أبريل سنة 1976 بعدم دستورية المادة 119 المشار إليها فيما نصت عليه من اعتبار أوامر الاستغناء عن خدمة المتطوعين نهائية لا يجوز الطعن عليها أو مراجعتها، فقد أحالتهم الجهة الإدارية - وفي 9/ 7/ 1981 - إلى التقاعد عملاً بنص المادة 107 من هذا القانون وسويت حقوقهم على هذا الأساس. وفي 9 نوفمبر سنة 1989 أقام المدعون ضد المدعى عليه، الدعوى رقم 18327 لسنة 1989 تعويضات شمال القاهرة بطلب تعويض كل منهم عما أصابهم من أضرار بسبب إنهاء خدمتهم. وبجلسة 30 يونيو سنة 1990 قضت محكمة شمال القاهرة بعدم اختصاصها ولائياً بنظر تلك الدعوى وإحالتها بحالتها إلى مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري لنظرها.
وقيدت الدعوى أمام محكمة القضاء الإداري برقم 6806 لسنة 44 قضائية، حيث عدل المدعون طلباتهم فيها إلى طلب الحكم أصلياً بإلغاء قرار إنهاء خدمتهم مع ما يترتب على ذلك من آثار أخصها عودتهم إلى الخدمة، واحتياطياً بتعويضهم بما يكفل جبر الأضرار التي ألحقها بهم هذا القرار. وبجلسة 2 مارس سنة 1994 قضت محكمة القضاء الإداري بعدم اختصاصها ولائياً بنظر الدعوى، وأمرت بإحالتها بحالتها إلى اللجان القضائية العسكرية للاختصاص.
وقد قيدت الدعوى برقم 5 لسنة 51 قضائية أمام اللجنة القضائية الفرعية لقيادة حرس الحدود، التي قضت في 6 سبتمبر سنة 1995 برفض الطعن شكلاً وموضوعاً، فطعن المدعون في هذا الحكم بالطعن رقم 5 لسنة 13 قضائية أمام اللجنة القضائية العسكرية العليا التي قضت بجلسة 26 ديسمبر سنة 1995 بعدم اختصاصها ولائياً بنظر الدعوى.
وحيث إن هيئة قضايا الدولة دفعت بعدم قبول الدعوى الماثلة تأسيساً على أن التنازع السلبي محل التداعي، يتعلق بدعويين لا تجمعهما وحدة الموضوع بعد أن ألغي قرار إنهاء خدمة المدعين لعدم صلاحيتهم فنياً، واستعيض عند بقرار إحالتهم إلى التقاعد.
وحيث إن هذا الدفع مردود، أولاً: بأن المدعين يختصمون قرار إنهاء خدمتهم. وسواء أكان السبب الذي بني عليه هذا القرار يتمثل في أنهم غير صالحين فنياً، أم كان إنهاء خدمتهم لبلوغهم سن التقاعد، فإن القرار في الحالتين غير مشروع في تقدير المدعين. ولا يعدو السبب الذي بني عليه ذلك القرار، أن يكون محدداً للواقعة المادية أو القانونية التي حملت جهة الإدارة على التدخل به إحداثاً للآثار التي رتبها، مع بقاء هذا القرار كافلاً وحدة الموضوع المردد بين جهتي القضاء المختلفتين.
ومردود ثانياً: بأن الدعوى التي أقامها المدعون ابتداء أمام جهة القضاء العادي كان موضوعها طلب تعويض الأضرار التي أصابتهم من جراء إنهاء خدمتهم، وإذ أحيلت هذه الدعوى ذاتها إلى جهة القضاء الإداري التي عدل المدعي طلباتهم أمامها إلى الحكم أصلياً بإلغاء قرار إنهاء خدمتهم، واحتياطياً تعويضهم عن الأضرار التي أحدثها؛ وكانت جهة القضاء الإداري قد أحالت دعواهم هذه بالطلبات عينها إلى اللجان القضائية العسكرية، فإن الدعويين اللتين وقع في شأنهما التنازع السلبي على الاختصاص، تكونان متحدتين موضوعاً.
وحيث إن مناط قبول طلب الفصل في التنازع على الاختصاص وفقاً للبند ثانياً من المادة 25 من قانون هذه المحكمة، هو أن تطرح الدعوى عن موضوع واحد أمام جهتين من جهات القضاء أو الهيئات ذات الاختصاص القضائي، ولا تتخلى إحداهما عن نظرها أو تتخلى كلتاهما عنها، وكان فض التنازع السلبي على الاختصاص يتوخى أن يكون لكل خصومة قضائية قاض يمحص جوانبها إنهاء للنزاع موضوعها، فلا يبقى معلقاً إلى غير حد بما يعرض للضياع الحقوق المدعي الإخلال بها، ويقوض الأغراض التي يتوخاها حق التقاضي باعتباره مدخلاً للفصل إنصافاً في الحقوق المتنازع عليها، ضماناً لتقديم الترضية القضائية التي تعود بها هذه الحقوق إلى أصحابها، فقد صار متعيناً أن ترد هذه المحكمة الخصومة القضائية المتسلب من نظرها، إلى جهة قضائية تكون قواعد الاختصاص الولائي التي رسمتها السلطة التشريعية في مجال توزيعها لهذا الاختصاص بين جهات القضاء على اختلافها، قد أولتها دون غيرها سلطاناً مباشراً عليها.
وحيث إن مجلس الدولة كهيئة قضائية لها استقلالها، قد صار بمقتضى نص المادة 172 من الدستور، مختصاً بولاية الفصل في المنازعات الإدارية جميعها باعتباره قاضيها الأصيل، فلا تباشر جهة قضائية أخرى بعض جوانبها إلا في حدود ضيقة، وبصفة استثنائية، وترجيحاً لدواع تقتضيها المصلحة العامة في أعلى درجاتها، وفي إطار قانون يصدر عن السلطة التشريعية إعمالاً للتفويض المخول لها بمقتضى نص المادة 167 من الدستور في شأن تحديد الهيئات القضائية واختصاصاتها وتنظيم طريقة تشكيلها.
وحيث إنه إبان العمل بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 116 لسنة 1964 في شأن شروط الخدمة والترقية لضباط الشرف والمساعدين وضباط الصف والجنود بالقوات المسلحة، كان الفصل في المنازعات الإدارية المتعلقة بضباط الصف معقوداً أمره إلى جهة القضاء الإداري، إلى أن صدر قانون خدمة ضباط الشرف وضباط الصف والجنود بالقوات المسلحة الصادر بالقانون رقم 123 لسنة 1981، ملغياً القانون السابق؛ ومنشئاً بنص المادة 129 لجاناً قضائية عسكرية اختصها دون غيرها - وعلى ما تنص عليه المادة 130 من القانون - بالفصل في المنازعات الإدارية الخاصة بضباط الصف المتعلقة بتطبيق أحكام هذا القانون عدا الطعن في العقوبات الانضباطية؛ ومحدداً بنص المادة 143 من ذلك القانون نطاق الطعن بالإلغاء وفقاً لأحكام المواد السابقة عليها، إذ قصره على القرارات الإدارية النهائية التي تصدر بعد تاريخ العمل بهذا القانون.
وحيث إن القانون رقم 123 لسنة 1981 قد نشر في الجريدة الرسمية في 22/ 7/ 1981 دون أن يتضمن تحديداً لتاريخ بدء العمل بالأحكام التي تضمنها؛ وكانت المادة 188 من الدستور تقضي بأن تنشر القوانين في الجريدة الرسمية خلال أسبوعين من يوم إصدارها على أن يعمل بها بعد شهر من اليوم التالي لتاريخ نشرها إلا إذا حددت لذلك ميعاداً آخر؛ وكان قرار إنهاء خدمة المدعين - وأياً كان السبب الذي بني عليه هذا القرار - قد صدر في 9/ 7/ 1981، وهو تاريخ سابق على العمل بالقانون رقم 123 لسنة 1981 المشار إليه؛ وكان شرط اختصاص اللجان القضائية التي شكلتها المادة 129 من هذا القانون، بالفصل في طعون الإلغاء المتعلقة بالقرارات الإدارية النهائية الصادرة في شأن المدعين، هو أن تكون هذه القرارات صادرة بعد العمل بأحكام ذلك القانون؛ وكان طلب التعويض فرع من طلب إلغاء القرار المطعون عليه؛ فإن اختصاص هذه اللجان بالفصل في قرار إنهاء خدمة المدعين - إلغاء وتعويضاً - ينحسر عن اللجان القضائية العسكرية، ولا تتولاه إلا جهة القضاء الإداري التي اختصها الدستور - وكأصل عام - بالفصل في المنازعات الإدارية جميعها.
وحيث إن من المقرر في قضاء هذه المحكمة، أن مقتضى الحكم الصادر عنها بتعيين الجهة القضائية المختصة عملاً بالبند ثانياً من نص المادة 25 من قانونها، استنهاض هذه الجهة لنظر النزاع الموضوعي من خلال إسباغ الولاية عليها من جديد، ولو كان حكمها بتسلبها من الاختصاص بنظره قد صار نهائياً.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بتعيين جهة القضاء الإداري جهة مختصة بنظر النزاع الموضوعي