أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الأول - السنة 14 - صـ 285

جلسة 2 من إبريل سنة 1963

برياسة السيد المستشار/ عادل يونس، وبحضور السادة المستشارين: أديب نصر، وحسين السركي، ومختار مصطفى رضوان، ومحمد صبري.

(58)
الطعن رقم 2156 لسنة 32 القضائية

قطن. جريمة. عقوبة.
( أ ) شراء أقطان عن غير طريق لجنة القطن المصرية، بغير أداء الفرق بين سعر شراء اللجنة وسعر بيعها الأقطان المماثلة للأقطان موضوع المخالفة وقت وقوعها. جريمة معاقب عليها طبقاً لأحكام القانون رقم 296 لسنة 1953 - في شأن شراء محصول القطن - المعدل بالقانون رقم 230 لسنة 1945. قيامها بمجرد علم الجاني بالفعل المؤثم قانوناً، أو قعوده من التحقق من سلامة عملية الشراء. مثال.
(ب) العقوبة تلحق كل مرتكب للجريمة مهما تعدد الفاعلون أو الشركاء في الواقعة الواحدة.
إدانة الحكم المطعون فيه الطاعن وباقي المتهمين معه في جريمة - شراء أقطان عن غير طريق لجنة القطن المصرية ودون دفع فرق ثمن إعادة الشراء - إنزاله على كل منهم العقاب المقرر للجريمة. صحيح في القانون. القول بأن تعدد الغرامة بقدر عدد قناطير القطن - موضوع الجريمة - أخذاً بنص المادة 4 من القانون المطبق يحول دون إعمال هذا الحكم في حق كل من يثبت مقارفته الجريمة. غير مقبول.
نقض. "المصلحة في الطعن". "أسبابه. ما لا يقبل من الأسباب". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب". "ما لا يعيب الحكم في نطاق التدليل". محكمة الموضوع. دفاع.
(ج) تمسك الطاعن بإدخال شخص آخر في الدعوى. لا جدوى منه. طالما أن إدخال ذلك الشخص لم يكن ليحول دون مساءلته عن الجريمة.
(د) استناد الحكم إلى المحضر المحرر بمعرفة مأمور الضبط القضائي كدليل مستقل عن تحريات اللجنة السابقة على تحرير هذا المحضر. لا مصلحة للطاعن في المنازعة في سلامة إجراءات اللجنة المذكورة. المنازعة في سلامة إجراءات تلك اللجنة. جدل موضوعي في سلطة محكمة الموضوع في وزن عناصر الدعوى واستنباط معتقدها منها. استقلالها بالبت فيه بلا معقب عليها.
(هـ) لا يعيب الحكم التفاته عن الرد على دفاع بعيد عن محجة الصواب.
1- متى كانت الخطة التي وضعها القانون رقم 296 لسنة 1953 - في شأن شراء محصول القطن - المعدل بالقانون رقم 230 لسنة 1954 - بتكليف لجنة القطن المصرية بشراء ما يعرض عليها من أقطان موسم 52/ 1953 بالسعر الذي حدده على أن تقوم اللجنة ببيع ما لديها من أقطان للتصدير والاستهلاك المحلى على أساس الأسعار العالمية - إنما تتغنى الحفاظ على مصلحة الدولة وتأمين التعامل في محصول القطن، فإن الخروج عن مقتضى الواجبات التي أملتها وذلك بشراء الأقطان للاستهلاك المحلى عن غير طريق اللجنة المذكورة المنوط بها وحدها التعامل فيها وبغير أداء الفرق بين سعر شراء اللجنة وسعر بيعها للأقطان المماثلة للأقطان موضوع المخالفة وقت وقوعها، تتوافر به الجريمة التي دين الطاعن بها، والتي يكفى لقيامها علم الجاني بالفعل المؤثم قانوناً أو قعوده عن التحقق من سلامة عملية الشراء، وهو ما دلل الحكم المطعون فيه على إتمامها لحساب الطاعن وتهاونه في التحري عن مصدر تلك الأقطان. ومن ثم فإن الحكم قد أصاب صحيح القانون حين دان الطاعن بتلك الجريمة.
2 - الأصل - هو أن العقوبة تلحق كل مرتكب للجريمة مهما تعدد الفاعلون أو الشركاء في الواقعة الواحدة. ولما كان الحكم المطعون فيه قد أصاب صحيح القانون حين دان الطاعن وباقي المتهمين معه في الدعوى الجنائية لما دلل عليه تدليلاً سائغاً بإسهام كل منهم في جريمة - شراء أقطان عن غير طريق لجنة القطن المصرية ودون دفع فرق ثمن إعادة الشراء - بنصيب في الأفعال المادية المكونة لها، وصح بذلك ما أنزله على كل منهم من عقاب في حدود القانون، فلا يقبل القول بأن تعدد الغرامة بقدر عدد قناطير القطن - موضوع الجريمة - أخذاً بنص المادة الرابعة من القانون المطبق على واقعة الدعوى، يحول دون إعمال هذا الحكم في حق كل من يثبت مقارفته الجريمة.
3 - لا جدوى للطاعن من التمسك بإدخال شخص آخر في الدعوى، طالما أن إدخال ذلك الشخص لم يكن ليحول دون مساءلة الطاعن عن الجريمة.
4 - لا مصلحة للطاعن في المنازعة في سلامة إجراءات اللجنة التي قامت بالتحريات السابقة على تحرير محضر الضبط، بعد أن استند الحكم المطعون فيه إلى المحضر المحرر بمعرفة مأمور الضبط القضائي - المطروح في الدعوى - كدليل مستقل عن تحريات اللجنة المذكورة واطمأن إلى سلامته. ولا يعدو هذا النعي أن يكون جدلاً في سلطة محكمة الموضوع في وزن عناصر الدعوى واستنباط معتقدها منها، وهو ما تستقل بالبت فيه بما لا معقب عليها فيه.
5 - لا يقدح في سلامة الحكم أن يلتفت عن الرد على دفاع بعيد عن محجة الصواب.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن وآخرين بأنهم في الفترة ما بين سبتمبر سنة 1953 وأغسطس سنة 1954 بدائرة قسم الدرب الأحمر: "اشتروا الأقطان المبينة بالمحضر عن طريق لجنة القطن المصرية ودون دفع فرق ثمن إعادة الشراء" وطلبت عقابهم بالمواد 1 و2 و3 من القانون رقم 296 سنة 1953 المعدل بالقانون رقم 230 لسنة 1954. ومحكمة جنح الدرب الأحمر الجزئية قضت حضورياً للأول والثاني وحضورياً اعتبارياً للثالث بتاريخ 8/ 2/ 1960 عملاً بمواد الاتهام بتغريم كل من المتهمين 958 جنيهاً و566 مليماً وإلزامهم متضامنين بأن يدفعوا لصندوق موازنة أسعار القطن 1700 جنيه و841 مليماً بلا مصاريف جنائية. فاستأنف المتهمان الأول (الطاعن) والثاني هذا الحكم. ومحكمة القاهرة الابتدائية - بهيئة استئنافية - قضت حضورياً بتاريخ 4/ 5/ 1961 بقبول الاستئناف شكلاً وفى الموضوع برفضه وتأييد الحكم المستأنف بلا مصاريف. فطعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.


المحكمة

حيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ أيد الحكم الابتدائي لأسبابه ودان الطاعن بجريمة شراء أقطان عن غير طريق لجنة القطن المصرية وبغير دفع فرق ثمن إعادة الشراء قد أخطأ في تطبيق القانون وشابه قصور في التسبيب كما انطوى على بطلان في الإجراءات أثر فيه. وفى تفصيل ذلك يقول الطاعن إن الحكم قد أشاع التهمة بينه وبين باقي المتهمين معه في الدعوى وعاقب كلاً منهم بالغرامة المنصوص عليها في المادة الرابعة من القانون رقم 296 لسنة 1953 - في شأن شراء محصول القطن - المعدل بالقانون رقم 230 لسنة 1954 - المطبق على واقعة الدعوى - في حين أن هذا النص صريح في أن الغرامة تتعدد بقدر عدد القناطير موضوع الجريمة دون الاعتداد بأشخاص المتهمين مهما تعددوا. وقد أثار الطاعن هذا الدفاع في مذكرته أمام المحكمة الاستئنافية كما تمسك فيها بأن نطاقي الجريمة ومجال وقوعها محدود بمصنع التشغيل ويقصد به مصنع الغزل طبقاً لحكم المادة الثالثة من القانون التي تحدثت عن "الأقطان"
مدلولها مقصور على القطن الزهر والمحلوج دون أن يمتد إلى مرحلة الغزل التي يتحول فيها القطن إلى خيوط، ومن ثم فإن عبء المسئولية يقع على من يقوم بالغزل بغير تسديد فرق ثمن إعادة الشراء المستحق للحكومة عن الأقطان موضوع الجريمة، وهو في واقعة الدعوى "جورج أسود" الذي قام بعملية الغزل في مصنع ويشاركه في تحمل هذه المسئولية المتهم الثاني "سيد حسين شديد" الذي قام فعلاً بعملية الشراء، أما الطاعن فهو بعيد عن هذا النطاق لكونه لم يشتر القطن أو يغزله بل إن الخيوط وردت إلى شركته بعد الغزل لتصنيعها وهو ما لا عقاب عليه. ولم يعرض الحكم لهذا الدفاع أو يرد عليه بما يفنده. هذا إلى أن الطاعن قد تمسك أيضاً في مرحلتي الدعوى بأن اللجنة التي تولدت ضبط الواقعة لم تحرر محضراً بإجراءاتها ولم تكن لها صفة الضبط القضائي، أما مفتش مصلحة القطن المخول هذه الصفة والذي حرر المحضر فإنه لم يحضر إجراءات الضبط ولم يطلع على أية مستندات بل إنه ساير تلك اللجنة في إجراءاتها الباطلة، مما يعيب الحكم المطعون فيه بما يبطله ويستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم الابتدائي المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما محصله أن الأقطان موضوع الجريمة قد اشتريت لحساب شركة "تاجر" وصاحبها المتهم الأول (الطاعن) ومديرها المسئول المتهم الثالث وذلك بمعرضة المتهم الثاني عن غير طريق لجنة القطن المصرية وبغير دفع الفروق القانونية المستحقة وقد تم غزل هذه الأقطان فعلاً للطاعن بمصنع "جورج أسود" وأنه كان على الطاعن أن يتحرى ألا تشترى أقطان لحسابه وتغزل إلا بعد دفع الفروق عنها، وكذلك الحال بالنسبة إلى المتهم الثالث - وهو المدير المسئول - والمتهم الثاني - وهو وسيط كان عليه ألا يشترى لحساب الغير أقطاناً للغزل دون أداء الفروق عنها. وخلص الحكم إلى أن المتهمين الثلاثة قد أسهموا في ارتكاب الجريمة الأول (الطاعن) بوصفه فاعلاً أصلياً والثاني والثالث بوصفهما شريكين بالمساعدة في ارتكابها وأورد على ثبوت الواقعة لديه على هذه الصورة أدلة من شأنها أن تؤدى إلى ما رتبه الحكم عليها. لما كان ذلك، وكان ما انتهى إليه الحكم تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمة التي دين الطاعن بها ذلك بأنه يبين من مطالعة المذكرة الإيضاحية المصاحبة للقانون رقم 296 لسنة 1953 في شأن شراء محصول القطن وتلك المصاحبة للقانون رقم 230 لسنة 1954 المعدل لبعض أحكامه أن الشارع قد أتجه إلى إصدار هذا القانون على أثر إغلاق بورصة عقود القطن بالإسكندرية وتكليف لجنة القطن المصرية بشراء ما يعرض عليها من أقطان موسم 52/ 53 بالسعر الذي حدده على أن تقوم اللجنة ببيع ما لديها من أقطان للتصدير والاستهلاك المحلى على أساس الأسعار العالمية، لما حققته هذه السياسة من توافر عوامل الثقة والاستقرار للمتعاملين في سوق القطن من منتجين وغزالين في خارج البلاد وداخلها، مستهدفاً استمرار هذا النهج وتحديد الخطوط الرئيسية لسياسة الحكومة القطنية. وإذ ما كانت هذه الخطة تتغنى الحفاظ على مصلحة الدولة وتأمين التعامل في محصول في محصول القطن، فإن الخروج عن مقتضى الواجبات التي أملتها وذلك بشراء الأقطان للاستهلاك المحلى عن غير طريق لجنة القطن المصرية المنوط بها وحدها التعامل فيها وبغير أداء الفرق بين سعر شراء اللجنة وسعر بيعها للأقطان المماثلة للأقطان موضوع المخالفة وقت وقوعها، تتوافر به الجريمة التي دين الطاعن بها والتي يكفى لقيامها علم الجاني بالفعل المؤثم قانوناً أو قعوده عن التحقق من سلامة عملية الشراء وهو ما دلل الحكم المطعون فيه على إتمامها لحساب الطاعن وآخذه بحق لتهاونه في التحري عن مصدر تلك الأقطان. لما كان ذلك، وكان الحكم قد أصاب صحيح القانون حين دان الطاعن وباقي المتهمين معه في الدعوى الجنائية لما دلل عليه تدليلاً سائغاً بإسهام كل منهم في هذه الجريمة بنصيب في الأفعال المادية المكونة لها وصح بذلك ما أنزله على كل منهم من عقاب في حدود القانون، فلا يقبل القول بأن تعدد الغرامة بقدر عدد قناطير القطن - موضوع الجريمة - أخذاً بنص المادة الرابعة من القانون المطبق على واقعة الدعوى، يحول دون إعمال هذا الحكم في حق كل من يثبت مقارفته الجريمة، ذلك بأن الأصل هو أن العقوبة تلحق كل مرتكب للجريمة مهما تعدد الفاعلون أو الشركاء في الواقعة الواحدة. لما كان ذلك، وكان ما يثيره الطاعن من أن مسئولية شراء الأقطان موضوع الجريمة إنما تقع على عاتق كل من "جورج أسود" صاحب مصنع الغزل الذي قام بعملية غزل هذه الأقطان والمتهم الثاني "سيد حسين شديد" الذي قام بعملية الشراء، مردوداً بأنه فضلاً عن أنه لم يتمسك بدفاع ما أمام المحكمة الاستئنافية بل قصر دفاعه على مذكرته التي قدمها لمحكمة أول درجة - على ما يبين من الإطلاع على المفردات التي أمرت المحكمة بضمها تحقيقاً لأوجه الطعن، فإنه بفرض إصراره على هذا الدفاع فإن الحكم قد دلل على أن شراء هذه الأقطان وغزلها قد تما لحساب الطاعن وانتهى إلى ثبوت قيام مسئوليته عن هذه العملية على الوجه المخالف للقانون وأطرح ما أقر به المتهم الثاني في محضر ضبط الواقعة من مسئوليته عن الجريمة - وهو ما عدل عنه في دفاعه أمام المحكمة الاستئنافية، على الوجه المثبت بمذكرتيه المقدمتين بجلستي 6 إبريل و4 مايو سنة 1961 - ومن ثم فلا جدوى للطاعن من التمسك بإدخال صاحب مصنع الغزل - الذي أجرى عملية غزل الأقطان محل الجريمة لحسابه - في الدعوى طالما أن إدخال ذلك الشخص فيها لم يكن ليحول دون مساءلة الطاعن في الجريمة، ولا يقدح في سلامة الحكم أن يلتفت عن الرد على هذا الدفاع لبعده عن محجة الصواب - لما كان ذلك، وكان الحكم قد عرض إلى ما أثاره الطاعن في خصوص بطلان إجراءات الضبط في قوله "وحيث إنه لا محل للنعي على الإجراءات بدعوى بطلان عمل اللجنة التي قامت بالتحريات السابقة على تحرير محضر الضبط، فإن إجراءات الاستدلال قد بدأت بالمحضر المذكور وهو يستقل بذاته عن أية تحريات سابقة والدليل المستمد منه قائم على شهادة جورج أسود وشهادة محرر المحضر وهو رجل ضبطية قضائية ومن عدم إنكار أي من المتهمين عملية الشراء والغزل وعدم تقديم أي منهم الدليل على دفع الفروق المستحقة عن الأقطان التي تم غزلها، فلا على محرر المحضر بعد ذلك إذا لم يرفق بمحضره صورة من بيان تلك التحريات السابقة، وما أورده الحكم فيما تقدم سائغ ويؤدى إلى ما رتبه عليه، ولا مصلحة للطاعن في المنازعة في سلامة إجراءات اللجنة سالفة البيان بعد أن استند الحكم إلى المحضر المحرر بمعرفة مأمور الضبط القضائي المطروح في الدعوى كدليل مستقل عن تحريات اللجنة المذكورة واطمأن إلى سلامته، ولا يعدو هذا النعي أن يكون جدلاً في سلطة محكمة الموضوع في وزن عناصر الدعوى واستنباط معتقدها منها، وهو ما تستقل بالبت فيه بما لا معقب عليها فيه. لما كان ما تقدم، فإن ما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه يكون على غير أساس ويتعين رفضه موضوعاًً.