أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثاني - السنة 14 - صـ 317

جلسة 9 من إبريل سنة 1963

برياسة السيد المستشار/ السيد أحمد عفيفي، وبحضور السادة المستشارين: عادل يونس، وتوفيق الخشن, وأديب نصر، وأحمد موافي.

(64)
الطعن رقم 3068 لسنة 32 القضائية

( أ ) شيك. "طبيعته".
طبيعة الشيك: أداة وفاء، تجرى مجرى النقود. اقتضاء ذلك أن يكون تاريخ السحب هو نفسه تاريخ الوفاء. التأشير على الشيك باستنزال ما دفع من قيمته الأصلية. حملة بذلك لتاريخين. فقدانه مقوماته كأداة وفاء. انقلابه إلى أداة ائتمان. خروجه عن نطاق تطبيق المادة 337 عقوبات. إدانة الحكم الطاعن على أساس مغاير لهذا الفهم. خطأ يستوجب نقضه وتبرئة المتهم.
(ب) دعوى مدنية. "ولاية المحكمة الجنائية بنظرها". اختصاص.
الأصل أن ترفع دعاوى الحقوق المدنية إلى المحاكم المدنية. أباح القانون استثناء رفعها إلى المحكمة الجنائية. شرط ذلك: أن تكون تابعة للدعوى الجنائية، وأن يكون الحق المدعى به ناشئاً عن ضرر وقع للمدعى من الجريمة المرفوعة بها الدعوى الجنائية ثبوت أن الضرر ليس ناشئاًً عن الجريمة أو كان أساسه منازعة مدنية لا شبهة فيها. سقوط الإباحة، وزوال اختصاص المحكمة الجنائية بنظر الدعوى المدنية. القضاء بالبراءة في هذه الحالة يلزم عنه القضاء بعدم اختصاص المحكمة الجنائية بنظر الدعوى المدنية.
1- طبيعة الشيك كأداة وفاء تقتضى أن يكون تاريخ السحب هو نفسه تاريخ الوفاء، بمعنى أن يكون مستحق الأداء بمجرد الإطلاع عليه بغض النظر عن وقت تحريره. وإذ كان الشيك بعد التأشير عليه باستنزال ما دفع من قيمته الأصلية قد حمل تاريخين فقد فَقَدَ بذلك منذ هذه اللحظة وإلى - حين تقديمه للبنك - مقوماته كأداة وفاء تجرى مجرى النقود وانقلب إلى أداة ائتمان، فخرج بذلك من نطاق تطبيق المادة 337 من قانون العقوبات التي تسبغ حمايتها على الشيك بمعناه المعرف به قانوناً، ومن ثم يكون الحكم الطعون فيه مخطئا حين دان الطاعن على أساس مغاير لهذا الفهم، ويتعين لذلك نقضه وتبرئة الطاعن.
2- الأصل في دعاوى الحقوق المدنية أن ترفع إلى المحاكم المدنية، وإنما أباح القانون استثناء رفعها إلى المحكمة الجنائية متى كانت تابعة للدعوى الجنائية وكان الحق المدعى به ناشئاًً عن ضرر وقع للمدعي من الجريمة المرفوعة بها الدعوى الجنائية، فإذا لم يكن الضرر الذي لحق به ناشئاً عن هذه الجريمة أو كان أساسه منازعة مدنية لا شبهة فيها من بادئ الأمر، سقطت تلك الإباحة وزال معها اختصاص المحكمة الجنائية بنظر الدعوى المدنية، ومن ثم فإن القضاء بالبراءة يلزم عنه القضاء بعدم اختصاص المحكمة الجنائية بنظر الدعوى المدنية.


الوقائع

أقام المدعى بالحق المدني هذه الدعوى بطريق الإدعاء المباشر أمام محكمة روض الفرج الجزئية ضد الطاعن بوصف أنه بتاريخ 31 أكتوبر سنة 1961 بدائرة قسم روض الفرج "أعطى المدعى بالحق المدني شيكاً لا يقابله رصيد قائم وقابل للسحب" - وطلب عقابه بالمادتين 336 و337 من قانون العقوبات وإلزامه بأن يدفع له قرشاًً صاغاً واحداً على سبيل التعويض المؤقت. والمحكمة المذكورة قضت حضورياًًً بتاريخ 7 من أكتوبر سنة 1962 عملاً بمادتي الاتهام: أولاً - بحبس المتهم شهراً مع الشغل وكفالة مائة قرش لوقف التنفيذ وثانياً - بإلزامه بأن يدفع للمدعي بالحق المدني مبلغ قرش صاغ واحد على سبيل التعويض المدني المؤقت وألزمت المتهم المصاريف المدنية ومائة قرش مقابل أتعاب المحاماة ورفضت ما عدا ذلك من الطلبات. فاستأنف المتهم هذا الحكم. ومحكمة القاهرة الابتدائية - بهيئة إستئنافية - قضت حضورياً بتاريخ 25 نوفمبر سنة 1962 بقبول الاستئناف شكلاً وفى الموضوع برفضه وتأييد الحكم المستأنف. فطعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض.... الخ


المحكمة

حيث إن مما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه أنه إذ قضى بتأييد الحكم الابتدائي ودانه بجريمة إصدار شيك بدون رصيد وألزمه بالتعويض المؤقت للمطعون ضده - المدعى بالحقوق المدنية - قد أخطأ في تطبيق القانون وشابه قصور في التسبيب ذلك بأن الطاعن بعد أن سدد إلى المطعون ضده جزءاً من القيمة الأصلية للشيك في اليوم التالي لتاريخ استحقاقه واستنزله هذا الأخير على الشيك ذاته، فإنه بذلك يكون الشيك قد فقد صفته وأصبح مجرد سند مديونية مدنية ولا يترتب على تقديمه إلى البنك المسحوب عليه في تاريخ لاحق أية مسئولية جنائية، وقد تمسك الطاعن بهذا الدفاع وبتسديده باقي قيمة الشيك وتخالصه مع المطعون ضده ونزوله عن دعواه، ومع ذلك فقد أغفل الحكم المطعون فيه الرد على ذلك مما يعيبه ويستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم الابتدائي المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى في قوله: "إن المدعي بالحق المدني حرك الدعوى الجنائية بإعلان تاريخ 5/ 6/ 1962 طلب في ختامه الحكم بتوقيع العقوبة الجنائية المنصوص عليها في المادة 337 ع وذلك لأنه في يوم 31/ 7/ 1961 بدائرة قسم روض الفرج أصدر شيكاً بدون رصيد مع علمه بذلك إضراراً به وبسوء نية مع إلزام المتهم (الطاعن) بأن يدفع له مبلغ قرش صاغ واحد على سبيل التعويض المؤقت والمصاريف ومقابل أتعاب المحاماة وشمول الحكم بالنفاذ المعجل وبلا كفالة، وقال شرحاً لدعواه إن المتهم حرر له شيكاً بمبلغ عشرة جنيهات على بنك مصر فرع الجيزة ولما قدمه للبنك أشار بالرجوع على الساحب وتبين من الاطلاع على الشيك موضوع الدعوى أنه صدر بتاريخ 31/ 3/ 1961 لصالح المدعي بالحق المدني على بنك مصر فرع الجيزة بمبلغ عشرة جنيهات ومرفق به إفادة من البنك بالرجوع على الساحب لعدم وجود رصيد له. ومن حيث إن التهمة ثابتة قبل المتهم من الشيك آنف الذكر والموقع عليه بإمضاء المتهم ومن إفادة البنك سالفة الذكر ومن عدم دفع المتهم للتهمة بأي دفاع مقبول ومن ثم فعقابه ينطبق على المادتين 336، 337 عقوبات....." وبعد أن عرض الحكم للدعوى المدنية انتهى إلى إجابة المدعى بالحقوق المدنية إلى طلبه وإدانة الطاعن في الدعوى الجنائية. لما كان ذلك، وكان يبين من الاطلاع على المفردات التي أمرت المحكمة بضمها تحقيقاً للطعن أن الشيك - موضوع الدعوى - مؤرخ في 31 من مارس سنة 1961 ومسحوب على بنك مصر فرع الجيزة بمبلغ عشرة جنيهات لأمر المطعون ضده "شفيق صبري" ومؤشر على ظهر الشيك بعبارة "4 ج تنزيل في 1/ 4/ 1961 من أصل المطلوب"، وألصق به إفادة بنك مصر بتاريخ 17/ 7/ 1961 الموضح بها سبب رفض الشيك وهو الرجوع على الساحب لعدم وجود حساب طرف البنك. وقد قدم الطاعن حافظة بمستنداته - في المرحلة الاستئنافية - بجلسة 25 من نوفمبر سنة 1962 تضمنت إيصالاً يحمل إمضاء "شفيق صبري" بتاريخ 1/ 4/ 1961 دالا على استلامه مبلغ أربعة جنيهات من حسابه طرف الطاعن كما ضمت مخالصة أخرى مؤرخة في 12/ 10 - دون إثبات تاريخ السنة - تحمل توقيع "شفيق صبري" تفيد استلامه مبلغ ستة جنيهات باقي قيمة الشيك المرفوع به الدعوى وتخالصه مع الطاعن وعدم أحقيته في الرجوع عليه بشيء مستقبلاًً. لما كان ذلك، وكانت طبيعة الشيك كأداة وفاء تقتضى أن يكون تاريخ السحب هو بنفسه تاريخ الوفاء بمعنى أن يكون مستحق الأداء بمجرد الاطلاع عليه بغض النظر عن وقت تحريره - وكان الثابت من الأوراق أن الشيك موضوع الدعوى - قد ظل في يد المستفيد إلى أن أشر عليه في يوم 1/ 4/ 1961 وهو اليوم التالي لتاريخ الاستحقاق المثبت به "31/ 3/ 1961" باستنزال أربعة جنيهات من قيمته البالغ قدرها عشرة جنيهات وأن الشيك لم يقدم إلى مقر المركز الرئيسي لفرع البنك المسحوب عليه إلا بتاريخ 17/ 7/ 1961. وإذا كانت الورقة بعد التأشير عليها باستنزال ما دفع من قيمتها الأصلية قد حملت تاريخين فقد فقدت بذلك منذ هذه اللحظة وإلى - حين تقديمها للبنك - مقوماتها كأداة وفاء تجرى مجرى النقود وانقلبت إلى أداة ائتمان فخرجت بذلك من نطاق تطبيق المادة 337 من قانون العقوبات التي تسبغ حمايتها على الشيك بمعناه المعرف به قانوناً، ومن ثم يكون الحكم المطعون فيه مخطئاً حين دان الطاعن على أساس مغاير لهذا الفهم، ويتعين لذلك نقضه وتبرئة الطاعن بغير حاجة إلى بحث سائر ما يثيره في أوجه طعنه. ولما كانت تبرئة الطاعن على أساس أن الفعل الذي تحركت به الدعوى الجنائية لا يكون جريمة بل هو في @حقيقته لا يعدو أن يكون منازعة مدنية ألبست ثوب الجريمة على غير سند من القانون. وكان الأصل في دعاوى الحقوق المدنية أن ترفع إلى المحاكم المدنية وإنما أباح القانون استثناء رفعها إلى المحكمة الجنائية متى كانت تابعة للدعوى الجنائية وكان الحق المدعى به ناشئاً عن ضرر وقع للمدعي من الجريمة المرفوعة بها الدعوى الجنائية، فإذا لم يكن الضرر الذي لحق به ناشئاًًً عن هذه الجريمة أو كان أساسه منازعة مدنية لا شبهة فيها من بادئ الأمر، سقطت تلك الإباحة وزال معها اختصاص المحكمة الجنائية بنظر الدعوى المدنية، ومن ثم فإن القضاء بالبراءة يلزم عنه القضاء بعدم اختصاص المحاكم الجنائية بنظر الدعوى المدنية وذلك بغير حاجة إلى التصدي لما يثيره الطاعن في شأن تخالصه مع المطعون ضده ونزول هذا الأخير عن دعواه. لما كان ما تقدم، فإنه يتعين نقض الحكم المطعون فيه وبراءة الطاعن والقضاء بعدم اختصاص المحاكم الجنائية بالفصل في الدعوى المدنية وإلزام المطعون ضده المصاريف المدنية.