أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثاني - السنة الثانية - صـ 609

جلسة 12 من فبراير سنة 1951
(231)
القضية رقم 1336 سنة 20 القضائية

برياسة حضرة صاحب السعادة أحمد محمد حسن باشا رئيس المحكمة، وبحضور حضرات أصحاب العزة أحمد فهمي إبراهيم بك وكيل المحكمة وأحمد حسني بك وحسن إسماعيل الهضيبي بك ومحمد أحمد غنيم بك المستشارين.
حكم غيابي. الحكم الغيابي الصادر من محكمة الجنايات. سقوطه حتماً بحضور المتهم. المحكمة تفصل في الدعوى بكامل حريتها غير مقيدة بشيء مما جاء في هذا الحكم. الحكم الغيابي الصادر من محكمة الجنح والمخالفات. للمتهم أن يقبله أو أن يعارض فيه المادة 224 من قانون تحقيق الجنايات. الحكم الغيابي الصادر ببراءة المتهم من محكمة الجنايات. لا يسقط.
إن المادة 224 من قانون تحقيق الجنايات إذ نصت على أنه "إذا حضر المحكوم عليه في غيبته أو قبض عليه قبل سقوط العقوبة بمضي المدة يبطل حتماً الحكم السابق صدوره" قد أفادت صراحة أنه يترتب على حضور المتهم سقوط الحكم الغيابي بقوة القانون. وفي ذلك يختلف الحكم الصادر في الغيبة من محكمة الجنايات عن الحكم الغيابي الصادر من محاكم الجنح والمخالفات. فالحكم الأخير لا يسقط بحضور المتهم بل للمتهم - كما يشاء - أن يعارض فيه أو يقبله ويترك ميعاد المعارضة ينقضي دون أن يقرر بها. أما الحكم الصادر في الغيبة من محكمة الجنايات فلا يتوقف أمره على إرادة المتهم إن شاء قبله أو شاء طعن فيه إذ هو يسقط حتماً بحضوره. وينبني على ذلك أن المحكمة تفصل في الدعوى بكامل حريتها دون نظر إلى رغبة المتهم وغير مقيدة بشيء مما جاء في الحكم الغيابي الصادر في غيبته لأن إعادة الإجراءات لم تشرع لمصلحة المحكوم عليه وحده ولكن لتحقيق مصلحة عامة. ومن الخطأ القياس على حالة المعارضة في الأحكام الغيابية الصادرة في الجنح والمخالفات أو حالة الحكم غيابياً بالبراءة في مواد الجنايات لأنه وإن كان صحيحاً في الأولى أن المتهم لا يجوز أن يضار بمعارضته إلا أن هذا محله أن يكون قد تظلم بمعارضة في الحكم الغيابي. وأما الأحكام الغيابية الصادرة من محاكم الجنايات فإن القياس عليها قياس مع الفارق لأن المادة 224 إنما تتحدث عن "المحكوم عليه" وهو لا يكون كذلك إلا إذا كان قد قضى عليه بعقوبة. وإذن فلا يسقط الحكم إن كان قد صدر في غيبة المتهم بالبراءة. ولا يصح الأخذ بطريق التنظير للقول بسريان مقتضى القانون في حالة البراءة على حالة الحكم بالعقوبة وأنه لذلك لا يجوز أن تستبدل بالعقوبة المحكوم بها عقوبة أخرى أشد منها - لا يصح الاحتجاج بذلك ما دام القانون قد قصر سقوط الحكم على حالة الإدانة مما يمتنع معه القياس.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن: بأنه في ليلة 18 مايو سنة 1945 الموافق 16 جماد آخر سنة 1364 بزمام رأس الخليج مركز شربين مديرية الغربية, مع آخرين سرقوا مع مجهولين أدوات ماكينة ري مملوكة لورثة المرحوم الدكتور محمد عبود حالة كونه وأحد المجهولين يحملان أسلحة نارية ظاهرة "بنادق" وطلبت إلى قاضي الإحالة إحالته إلى محكمة الجنايات لمعاقبته بالمادة 316 من قانون العقوبات فقرر إحالته إليها لمعاقبته بالمادة المذكورة ومحكمة جنايات المنصورة قضت عملاً بمادة الاتهام بمعاقبته المتهم الصافي زين العربي بالأشغال الشاقة لمدة خمس سنوات. فطعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض.


المحكمة

... حيث إن الطاعن يقول في طعنه إن الحكم المطعون فيه جاء قاصراً ومخالفاً للقانون, ذلك أولاً - لأن المدافع عنه وقد رأى أن الاتهام قائم على شهادة شاهد ذكر أنه لم يكن يعرف الطاعن من قبل قد تمسك بالجلسة بوجوب استحضار هذا الشاهد ووجوب عرضه عليه فأجابت المحكمة الطلب وأمرت باستدعائه فحضر إلا أنها اكتفت بسماع شهادته ولم تعن باتخاذ إجراءات العرض ومع هذا فقد استندت في إدانة الطاعن إلى أقواله رغم ما جاء بها من أنه لا يعرف المتهم ورغم أن كل ما تؤدي إليه هو اشتراك شخص مسمى باسمه مع هذا الشاهد في ارتكاب الجريمة ولا تقطع بأن ذلك الشخص هو المتهم بذاته. وثانياً - لأن المحكمة قد أخطأت في تطبيق القانون, إذ قضت بمعاقبة الطاعن بالأشغال الشاقة لمدة خمس سنوات. ذلك لأنه حكم غيابياً أمام محكمة الجنايات فقضت عليه بالأشغال الشاقة لمدة ثلاث سنوات, ولما أن قبض عليه أعيدت إجراءات المحاكمة ولما كانت هذه الإعادة لا تخرج عن كونها تظلماً منه فهي في حكم المعارضة من محكوم عليه في غيبته شرعت لصالح الغائب وتولد بمجرد القبض عليه دون حاجة لاتخاذ أي إجراء من جانبه وذلك لقيام حقه في إبداء دفاعه, لما كان الحال كذلك, فإنه لا يجوز أن يضار بهذا الإجراء قياساً على حالة الحكم في المعارضة في مواد الجنح وحالة الحكم بالبراءة غيابياً من محكمة الجنايات, ويكون الحكم المطعون فيه إذا لم يجرِ في قضائه على مقتضى ذلك وغلظ في العقاب عند إعادة الإجراءات, جاء مخالفاً للقانون.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى وذكر الأدلة التي استخلص منها ثبوتها ثم تعرض لدفاع الطاعن وإطرحه للاعتبارات التي ذكرها. ولما كان الأمر كذلك, وكان ما أوردته المحكمة من شأنه أن يؤدي إلى ما رتبته عليه فلا محل لما يثيره في الوجه الأول من طعنه لأنه لا يعدو أن يكون جدلاً في تقدير أدلة الدعوى مما تختص به محكمة الموضوع دون معقب, هذا ولما كان الطاعن لم يطلب إلى المحكمة بعد مناقشة الشاهد الذي طلب حضوره إجراء عرض فليس له أن يثير ذلك أمام محكمة النقض.
وحيث إن الوجه الثاني من الطعن مردود بأن المادة 224 من قانون تحقيق الجنايات إذ نصت على أنه "إذا حضر المحكوم عليه في غيبته أو قبض عليه قبل سقوط العقوبة بمضي المدة يبطل حتماً الحكم السابق صدوره" قد أفادت صراحة أنه يترتب على حضور المتهم سقوط الحكم الغيابي بقوة القانون وفى ذلك يختلف الحكم الصادر في الغيبة من محكمة الجنايات عن الحكم الغيابي الصادر من محاكم الجنح والمخالفات, فالحكم الأخير لا يسقط بحضور المتهم بل للمتهم - كما يشاء - أن يعارض فيه أو يقبله ويترك ميعاد المعارضة ينقضي دون أن يقرر بها, أما الحكم الصادر في الغيبة من محكمة الجنايات فلا يتوقف أمره على إرادة المتهم إن شاء قبله أو شاء طعن فيه إذ هو يسقط حتماً بحضوره, وينبني على ذلك أن المحكمة تفصل في الدعوى بكامل حريتها دون نظر إلى رغبة المتهم وغير مقيدة بشيء مما جاء في الحكم الغيابي الصادر في غيبته لأن إعادة الإجراءات لم تشرع لمصلحة المحكوم عليه وحده ولكن لتحقيق مصلحة عامة ومن الخطأ القياس على حالة المعارضة في الأحكام الغيابية الصادرة في الجنح والمخالفات, أو حالة الحكم غيابياً بالبراءة في مواد الجنايات لأنه وإن كان صحيحاً في الأولى أن المتهم لا يجوز أن يضار بمعارضته إلا أن هذا محله أن يكون قد تظلم بمعارضته في الحكم الغيابي, وأما الأحكام الغيابية الصادرة من محاكم الجنايات فإن القياس عليها قياس مع الفارق, لأن المادة 224 إنما تتحدث عن "المحكوم عليه" وهو لا يكون كذلك إلا إن كان قد قضى عليه بعقوبة, وإذن فلا يسقط الحكم إن كان قد صدر في غيبة المتهم بالبراءة - ولا يصح الأخذ بطريق التنظير للقول بسريان مقتضى القانون في حالة البراءة على حالة الحكم بالعقوبة وأنه لذلك لا يجوز أن تستبدل بالعقوبة المحكوم بها عقوبة أخرى أشد منها - لا يصح الاحتجاج بذلك ما دام القانون قد قصر سقوط الحكم على حالة الإدانة مما يمتنع معه القياس.
وحيث إنه لما تقدم يكون الطعن على غير أساس ويتعين رفضه موضوعاً.