أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثاني - السنة الثانية - صـ 683

جلسة 27 من فبراير سنة 1951
(260)
القضية رقم 80 سنة 21 القضائية

برياسة حضرة صاحب العزة أحمد فهمي إبراهيم بك وكيل المحكمة، وبحضور حضرات أصحاب العزة: أحمد حسني بك وفهيم إبراهيم عوض بك وإبراهيم خليل بك ومحمد أحمد غنيم بك المستشارين.
دفاع شرعي. حكم. تسبيبه. تمسك المتهم بأنه كان في حالة دفاع شرعي عن النفس والمال. الرد عليه بأن الحال لم تكن تستلزم إطلاق الأعيرة النارية لعدم وجود ما يتخوف منه. هذا لا يصلح رداً.
 نقض. وحدة الواقعة. نقض الحكم بالنسبة إلى طاعن يقتضي نقضه بالنسبة للطاعنين الآخرين.
إنه لما كان للمتهم في القانون الحق في استعمال القوة اللازمة لرد الاعتداء طبقاً للمادة 246 من قانون العقوبات إذا ما دخل المجني عليه أرضاً في حيازته بقصد منع حيازته بالقوة, فإن مجرد القول في الحكم بأن الحال لم تكن تستلزم إطلاق الأعيرة لعدم وجود ما يتخوف منه لا يصلح رداً لنفي ما تمسك به المتهم من أنه كان في حالة دفاع شرعي عن النفس والمال.
ونقض الحكم لهذا السبب بالنسبة إلى هذا الطاعن يقتضي نقضه بالنسبة إلى باقي الطاعنين لوحدة الواقعة التي اتهموا جميعهم فيها, مما مقتضاه أن تكون إعادة المحاكمة بالنسبة إليهم جميعاً تحقيقاً لحسن سير العدالة.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعنين, بأنهم في يوم 24 ديسمبر سنة 1949 الموافق 4 صفر سنة 1369 بناحية نزلة شادي مركز سمالوط مديرية المنيا - أولاً: المتهم الأول عبد العال هديمة قتل عبد المجيد معتمد مريض عمداً بأن أطلق عليه عياراً نارياً قاصداً قتله فأحدث به الإصابات المبينة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته. ثانياً: المتهم الثاني محمد هديمة محمد قتل عبد القادر معتمد مريض عمداً بأن أطلق عليه مقذوفاً نارياً قاصداً قتله فأحدث به الإصابات المبينة بتقرير الصفة التشريحية والتي أدت إلى وفاته. ثالثاً: المتهم الثالث اشترك مع المتهم الثاني بطريق المساعدة في ارتكاب الجريمة سالفة البيان بأن أمسك بالمجني عليه سالف الذكر فتمكن بذلك المتهم الثاني من إطلاق العيار الناري الذي أصاب المجني عليه فأرداه قتيلاً ووقعت الجريمة بناءً على تلك المساعدة. رابعاً: المتهمون الأول والثاني والثالث ضروا معتمد مريض واثق عمداً فأحدثوا به الإصابات المبينة بالتقرير الطبي والتي أعجزته عن أعماله الشخصية مدة تزيد على عشرين يوماً. خامساً: المتهم الأول والرابع ضربا عزيزة معتمد مريض عمداً فأحدثوا بها الإصابات المبينة بالتقرير الطبي والتي تقرر لعلاجها مدة لا تزيد على عشرين يوماً. وطلبت من قاضي الإحالة إحالتهم إلى محكمة الجنايات لمعاقبتهم بالمواد 234/ 1 للأول والثاني وبها وبالمادتين 40/ 3 و41 للثالث. وبالمادة 241/ 1 أيضاً للثلاثة الأول وبالمادة 242/ 1 للأول والرابع من قانون العقوبات فقرر إحالتهم إليها لمحاكمتهم بالمواد المذكورة. وفي أثناء نظر الدعوى أمام محكمة جنايات المنيا عدلت النيابة وصف التهمة بالنسبة للمتهم الثالث: بأنه أحدث بمعتمد مريض واثق إصابة في إصبعه الخنصر من اليد اليمنى وترتب على هذه الإصابة عاهة مستديمة هي إعاقة جزئية في حركتي ثني وبسط هذا الإصبع مما يقلل من كفاءة المصاب على العمل بما قدره الطبيب الشرعي بنحو 4% وطلبت معاقبته طبقاً للمادة 240/ 1 من قانون العقوبات كما عدلتها أيضاً بالنسبة للمتهم الرابع بأن وجهت إليه تهمة ضرب معتمد مريض في رأسه ضرباً احتاج لعلاج مدة تزيد على العشرين يوماً وطلبت معاقبته طبقاً للمادة 241/ 1 عقوبات. وقد ادعى معتمد مريض واثق بحق مدني قدره 100 جنيه قبل المتهمين الثلاثة الأول بالتضامن. والمحكمة قضت: أولاً - بمعاقبة كل من المتهمين عبد العال هديمة وخليفة محمد هديمة بالأشغال الشاقة لمدة عشر سنوات وإلزامهما متضامنين بدفع مبلغ مائة جنيه على سبيل التعويض لمعتمد مريض والمصاريف المدنية وخمسمائة قرش مقابل أتعاب المحاماة. ثانياً - بمعاقبة المتهم الثاني محمد هديمة محمد بالجبس مع الشغل لمدة ستة شهور عن تهمة ضرب معتمد مريض وبراءته من تهمة قتل عبد القادر معتمد مريض ورفض الدعوى المدنية قبله. ثالثاً: بمعاقبة المتهم الرابع أبو العيد محمد هديمة بالحبس مع الشغل لمدة ثلاثة شهور. فطعن الطاعنون في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.


المحكمة

حيث إن مما ينعاه الطاعن الثالث على الحكم المطعون فيه أنه حين دانه بالقتل العمد والضرب الذي نشأت عنه العاهة جاء باطلاً فقد تمسك بأنه كان في حالة دفاع شرعي عن النفس والمال إذ كان عمه (الطاعن الأول) بأرضه يعمل في زراعته وكان أعزل فحضر له معتمد مريض وأولاده الثلاثة مسلحين يريدون إخراجه من الأرض بالقوة واعتدوا عليه بإطلاق أعيرة وبالعصي وأحدثوا به إصابات متعددة فجرى هو على الصياح وكان على مقربة مشتغلاً بالصيد وما إن رأى الاعتداء على عمه من الأربعة حتى أطلق عياراً على عبد القادر معتمد حين رآه يصوب بندقيته على العم. ويقول الطاعن إن دفاعه قد تأيد بأقوال عمه وبما شهد به العمدة من أن الأرض في حيازتهم من أربع سنين كما شهدت عزيزة معتمد بأنها وفريقها ذهبوا إلى الأرض فوجدوا الطاعن بها وأنهم لما أرادوا إخراجه حصلت الحادثة إلا أن المحكمة دانته مع الباقين دون أن تتعرض لما دافع به عن الأرض والحيازة وأنه على فرض التسليم بحصول التعدي منه فإنه لم يتجاوز حقه في الدفاع.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى في قوله "حيث إنه قد ثبت للمحكمة من مطالعة أوراق الدعوى والتحقيقات التي جرت فيها والمعاينة والتقارير الطبية الكشفية والشرعية ومن شهادة الشهود الذين أدلوا بأقوالهم بالجلسة إثباتاً ونفياً وأقوال المدعي بالحق المدني أن معتمد مريض واثق كان شيخاً لنقطة مريض واثق تبع نزلة شادي واتهم في جناية ضرب أفضى إلى موت هو وابنه عبد القادر معتمد وحكم عليه بسنتين وعلى ابنه بستة أشهر وفصل من المشيخة وعين بدلاً منه عبد العال هديمة المتهم الأول - إلا أن تعيين هذا الأخير شيخاً لم يرضِ معتمد مريض ولا ولده عبد القادر بعد خروجهما من السجن وامتد الخلاف بينهما وبين المتهم الأول وتفاقم عندما تسابقوا على شراء أرض كان عبد العال هديمة المتهم الأول وعائلته هم الفائزين بها وحاول العمدة محمود حمزة مصالحة الفريقين في اليوم السابق للحادث إلا أنه أخفق وخرج معتمد مريض من عنده غاضباً حانقاً. في يوم الحادث الموافق 24 ديسمبر سنة 1949 - 2 صفر سنة 1369 ذهب عبد المجيد معتمد مريض وأخوه عبد القادر وأختهما عزيزة في الصباح إلى الحقل الذي يدعي المتهم الأول وفريقه ملكيته وأرادوا العمل فيه وكان المتهم الأول وفريقه هم باقي المتهمين هناك فحاولوا منع عبد المجيد وعبد القادر وعزيزة من الاستمرار في العمل فحصلت مشادة بين الطرفين وتنازعوا الحق وأثناء المناقشة أطلق المتهم الأول عياراً من بندقية كان يحملها عبد المجيد معتمد مريض الذي كان على مسافة متى منه فأصابه في وجهه فوقع قتيلاً فما كان من عزيزة معتمد مريض إلا أن ضربت المتهم الأول بعصا فسقط وجثت فوقه وعضته في أذنه وحاولت عضه في رقبته فعضها هو في شفتها وعندئذ حضر المتهم الرابع أبو السعيد محمد هديمة وضربها بخشت فأصابها بجرح في صدرها وأثناء ذلك أطلق خليفة محمد هديمة المتهم الثالث عياراً من بندقية أخرى كان يحملها على عبد القادر معتمد مريض الذي كان على مسافة مترين منه فأصابه في ظهره فصرعه - وكان معتمد مريض في طريقه إلى الحقل فقابله المتهمون الأربعة وضربه أولهم بماسورة البندقية على يده اليسرى وضربه ثانيهم على رأسه "بذقلة" وضربه الثالث على يده اليمنى فأصابه الإصابة التي أحدثت له عاهة مستديمة في إصبعه الخنصر كما ضربه المتهم الرابع على رأسه أيضاً". ثم بين إصابات الطاعنين الثلاثة الأول فقال إنه تبين من الكشف الطبي المتوقع على عبد العال هديمة أن المتهم الأول 1 - به جرح رضي ملتهب نوعاً طوله 3 سم بالجدارية اليمنى يتجه من الأمام إلى الخلف ويميل إلى أسفل نوعاً. 2 - كسر مضاعف بمنتصف الإبهام الأيسر وسحج رضي بالكتف الأيمن وكدم رضي بأنسجة الركبة اليسرى. 3 - جرح عضي نزعي بمنتصف الجبهة الخلفية للأذن الخارجية اليسرى وقد مضى على هذه الإصابات حوالي يوم والأخيرة منها تتسبب من عضة آدمي أما الإصابات الأخرى فهي من تصادم جسم صلب راض ويحتاج لعلاج مدة أكثر من عشرين يوماً وتبين من الكشف الطبي المتوقع على خليفة محمد هديمة المتهم الثالث أن به جرحاً رضياً ملتهباً نوعاً بالجدارية اليسرى طوله 2 سم وقد مضى على هذه الإصابة حوالي يوم وتنتج من المصادمة بجسم صلب راض ويحتاج لعلاج مدة أقل من عشرين يوماً, كما تبين أن بالمتهم الثاني محمد هديمة محمد جرحاً رضياً ملتهباً بالجدارية اليسرى طوله حوالي 4.5 سم يتجه من الأمام إلى الخلف ويميل إلى أعلى نوعاً وينتج من المصادمة بجسم صلب راض ويحتاج لعلاج مدة أقل من عشرين يوماً. وحين تعرضت المحكمة لدفاع الطاعن الثالث قالت "إنه اعترف بارتكاب جريمة قتل عبد القادر معتمد صراحة في التحقيق وفي الجلسة ولذلك ترى المحكمة أنها ثابتة قبله - أما ما أبداه الدفاع عنه من أنه كان في حالة دفاع شرعي عن عمه وعن ماله فإن المحكمة لا ترى له محلاً إذ لم يثبت أن عبد القادر كان معه بندقية يحاول الاعتداء بها على عبد العال المتهم الأول كما أنه لم يكن هناك وقتذاك اعتداء على المال يبرر ما حصل منه وفوق كل هذا فإن الحال لم تكن تستلزم إطلاق أعيرة نارية من خليفة لعدم وجود ما يتخوف منه على النفس أو على المال من ناحية فريق المجني عليه". ولما كان ما قالته المحكمة في الرد على الدفاع لا يتفق وما ذكرته عن تصوير الواقعة من ذهاب المجني عليه وفريقه على الأرض التي كان بها الطاعنون ولا مع ما أوردته عن إصابات بالمتهمين, كما أنها لم تتعرض لما قاله المدافع عن الحيازة الفعلية للأرض المتنازع عليها. لما كان الأمر كذلك وكان للمتهم في القانون الحق في استعمال القوة اللازمة لرد الاعتداء طبقاً للمادة 246 من قانون العقوبات إذا ما دخل المجني عليه أرضاً في حيازته بقصد منع حيازته بالقوة فإن مجرد القول بالحكم بأن الحال لم تكن يستلزم إطلاقه الأعيرة لعدم وجود ما يتخوف منه لا يصلح رداً لنفي ما يتمسك به المتهم من أنه كان في حالة دفاع شرعي عن النفس والمال ويكون الحكم بذلك معيباً متعيناً نقضه.
وحيث إن نقض الحكم بالنسبة إلى هذا الطاعن وللسبب المذكور يقتضي نقضه بالنسبة إلى باقي الطاعنين لأن وحدة الواقعة التي اتهموا فيها جميعاً وما قد تجر إليه إعادة المحاكمة بالنسبة لهذا المتهم أو تنتهي إليه يقتضى - تحقيقاً لحسن سير العدالة - أن تكون الإعادة بالنسبة إلى جميع المتهمين في الواقعة الجنائية الواحدة المتهمين هم فيها.
وحيث إنه لما تقدم يتعين قبول الطعن ونقض الحكم المطعون فيه بالنسبة إلى الطاعنين جميعاً.