أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثاني - السنة الثانية - صـ 724

جلسة 6 مارس سنة 1951
(274)
القضية رقم 81 سنة 21 القضائية

برياسة حضرة صاحب السعادة أحمد محمد حسن باشا رئيس المحكمة، وبحضور حضرات أصحاب العزة: أحمد حسني بك وحسن إسماعيل الهضيبي بك وإبراهيم خليل بك ومحمد أحمد غنيم بك المستشارين
دفاع شرعي. التماثل في الاعتداء. ليس شرطاً. للمدافع أن يدفع الاعتداء بالوسيلة التي تيسر له استعمالها ولو كانت سلاحاً نارياً.
التماثل في الاعتداء ليس شرطاً من شروط الدفاع الشرعي, بل إن للمدافع أن يدافع عن نفسه بالوسيلة التي يراها لازمة لرد الاعتداء والتي تختلف تبعاً لاختلاف الظروف. فإذا كان الواضح أن الطاعن وآخر هوجما وضرب الآخر ضرباً كان من المحتمل أن تنشأ عنه جراح بالغة فلا شك أن الطاعن كان له أن يدافع عن هذا الآخر بما يرد هذا الاعتداء بالوسيلة التي تيسر له استعمالها ولو كان ذلك باستعماله السلاح الناري.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة كلاً من 1 - جمال محمد أيوب (الطاعن الأول). 2 - عبد العزيز سيد أحمد (الطاعن الثاني). بأنهما في يوم 8 من ديسمبر سنة 1948 الموافق 7 صفر سنة 1368 بناحية دماط مركز طنطا مديرية الغربية: أولاً - المتهم الأول شرع في قتل المتهم الثاني عمداً بأن أطلق عليه عياراً نارياً من مسدس يحمله قاصداً من ذلك قتله فأحدث به الإصابة الموصوفة بالتقرير الطبي وخاب أثر الجريمة لسبب لا دخل لإرادة المتهم فيه وهو إسعاف المجني عليه بالعلاج. ثانياً - المتهم الثاني وآخرين حكم عليهم ضربوا حسن محمد حسن فأحدثوا به الإصابات الموصوفة بالكشف الطبي والتي أعجزته عن أشغاله الشخصية مدة تزيد على عشرين يوماً. وكان ذلك مع سبق الإصرار والترصد وطلبت إلى قاضي الإحالة إحالتهم إلى محكمة الجنايات لمحاكمتهم الأول بالمواد 45 و46 و234 من قانون العقوبات وباقي المتهمين بالمادة 241/ 1/ 2 من نفس القانون. وقد ادعى عبد العزيز سيد أحمد الشركسي بحق مدني قبل المتهم الأول وطلب القضاء له عليه بمبلغ مائة جنيه بصفة تعويض. كما ادعى حسن محمد حسن بحق مدني قبل المتهم الثاني وآخرين وطلب القضاء له عليهم متضامنين بمبلغ مائة جنيه بصف تعويض. ومحكمة جنايات طنطا قضت عملاً بمواد الاتهام والمادة 251 من قانون العقوبات. بمعاقبة جمال محمد أيوب بالحبس لمدة سنتين وإلزامه بأن يدفع للمدعي بالحق المدني عبد العزيز سيد أحمد الشركسي مبلغ أربعين جنيهاً مصرياً والمصاريف المدنية المناسبة ومبلغ 300 قرش صاغ مقابل أتعاب المحاماة - ثانياً - بمعاقبة عبد العزيز سيد أحمد الشركسي بالحبس مع الشغل لمدة ستة أشهر وبإلزامه وآخرين متضامنين بأن يدفعوا للمدعي بالحق المدني حسن محمد حسن مبلغ مائة جنيه مصري والمصاريف المدنية ومبلغ 500 قرش صاغ مقابل أتعاب المحاماة. فطعن جمال محمد أيوب في هذا الحكم بطريق النقض كما طعن فيه عبد العزيز سيد أحمد.. إلخ.


المحكمة

... حيث إن الطاعن الثاني وإن قرر بالطعن ولكنه لم يقدم أسباباً لطعنه فطعنه يكون غير مقبول شكلاً.
وحيث إن طعن الطاعن الأول قد استوفى الشكل المقرر بالقانون.
وحيث إن الوجه الأول من وجهي الطعن يتحصل فيما يقوله الطاعن من أن الدفاع عنه دفع بأنه كان في حالة دفاع شرعي عن نفسه وعن نفس غيره فاضطربت المحكمة في الرد على هذا الدفع إذ بينما جاء في حكمها أن ظروف الحادث وملابساته تشفع للمتهم الأول جمال محمد أيوب في أن يرد بالاعتداء الذي وقع من عبد العزيز سيد أحمد الشركسي على ابن خاله حسن محمد حسن باعتداء مثله ويتفرع من ذلك أن المتهم الأول حين أطلق مقذوفاً نارياً أصاب عضد المعتدي الأول يكون قد تجاوز حدود الدفاع الشرعي الأمر الذي يستوجب مساءلته إذا به يقول في موضع آخر إن تمسك الدفاع عن المتهم الأول بظروف الدفاع الشرعي لا يستقيم إلا مع الاعتراف بالحادث وتبيان الظروف التي دفعت الطاعن إلى إثبات ما أتاه دفاعاً عن نفسه أو عن نفس غيره فإذا ظل المتهم منكراً ما وقع منه لم يبقَ للدفاع الشرعي أساس يبنى عليه, وإن جاز للمحكمة أن تستظهر هذه الظروف من تلقاء نفسها وتبني عليها حكمها. وبمقارنة هذين الرأيين لا يدري المطلع ما إذا كانت المحكمة اعتبرت المتهم في حالة دفاع شرعي أم لا وإذا استعرضنا الوقائع التي أخذت بها محكمة الموضوع نرى بجلاء أنها تؤدي إلى اعتبار الطاعن في حالة دفاع شرعي عن نفسه وعن نفس غيره. فقد جاء في حكمها أن المجني عليه حسن محمد حسن أيوب ذهب مع ابن عمته جمال أيوب إلى محطة دماط تلبية لدعوة ضابط النقطة ليستقبل القطار إلى بلدة فطور ووقتئذ فاجأهما عبد العزيز سيد أحمد الشركسي ومعه ابن عمته علي قطب وانهال أولهما ضرباً بعصاه على حسن محمد حسن أيوب فحذره المتهم الأول جمال محمد أيوب بقوله أرجع يا ولد ثم أخرج من جيبه مسدساً وأطلق منه مقذوفاً نارياً أصاب عبد العزيز سيد أحمد في العضد الأيمن وفر هارباً وقد أثبت الحكم فوق ذلك أن المتهم الثاني أحد المعتدين على حسن محمد حسن ارتكب جريمته مع سبق الإصرار, وما دامت الوقائع التي ذكرها الحكم دالة بذاتها على أن المتهم كان في حالة دفاع شرعي فيكون من المتعين إذن الحكم ببراءته.
وحيث إن ما نقله الطاعن عن الحكم المطعون فيه صحيح إذ أن الواقعة كما أثبتها الحكم هي أن حسن محمد حسن ذهب ومعه ابن عمه جمال محمد أيوب المتهم الأول إلى محطة سكة حديد الدلتا بدماط في الساعة الواحدة بعد الظهر يوم 7 من صفر سنة 1368 هجرية الموافق 8 ديسمبر سنة 1948 ليستقلا القطار إلى بلدة فطور ووقتئذ فاجأهما عبد العزيز سيد أحمد الشركسي المتهم الثاني ومعه ابن عمه علي قطب الشركسي وانهال أولهما ضرباً بعصاه على حسن محمد حسن أيوب فحذره المتهم الأول جمال محمد أيوب بقوله له (أرجع يا ولد) ثم أخرج مسدساً من جيبه وأطلق منه مقذوفاً أصاب عبد العزيز سيد أحمد الشركسي في العضد الأيمن وفر هارباً، وهذه الصورة هي صورة دفاع شرعي عن النفس فإن المادة 249 تبيح القتل العمد إذا كان مقصوداً به دفع فعل يتخوف أن يحدث منه الموت أو جراح بالغة إذ كان لهذا التخوف أسباب معقولة والذي يظهر من الحكم أن المحكمة اعتبرت الطاعن في حالة دفاع شرعي ولكنها أخذته باعتبار أنه تجاوز حدود هذا الحق بمقولة إن من حقه أن يرد الاعتداء على ابن عمته باعتداء مثله, وبما أنه استعمل المسدس فإنه يكون قد تجاوز حدود الدفاع الشرعي وبما أن التماثل في الاعتداء ليس شرطاً من شروط الدفاع الشرعي بل إن للمدافع أن يدفع عن نفسه بالوسيلة التي يراها لازمة لرد الاعتداء التي تختلف تبعاً لاختلاف الظروف. ومتى كان الأمر كذلك, وكان الواضح أن الطاعن وابن عمته هوجما وضرب ابن عمته ضرباً كان من المحتمل أن تنشأ عنه جراح بالغة فلا شك أن الطاعن كان له أن يدافع عن ابن عمته بما يرد هذا الاعتداء بالوسيلة التي تيسر له استعمالها, ولو كان ذلك باستعمال السلاح الناري.
وحيث إنه لما تقدم يتعين نقض الحكم والقضاء ببراءة الطاعن ورفض دعوى المدعي بالحقوق المدنية قبله وإلزامه بالمصاريف.