أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثاني - السنة 14 - صـ 359

جلسة 29 من إبريل سنة 1963

برياسة السيد المستشار/ عادل يونس، وبحضور السادة المستشارين: توفيق أحمد الخشن، وأديب نصر، وحسين صفوت السركي، وأحمد موافي.

(72)
الطعن رقم 2647 لسنة 32 القضائية

( أ ) قتل خطأ. "خطأ. رابطة السببية". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب" "ما لا يعيب الحكم في نطاق التدليل".
استخلاص الحكم مقارفة الطاعن لجريمة القتل الخطأ التي دين بها من عناصر الدعوى في منطق سليم. تدليله على خطأ الطاعن من عدم إضاءته النور الخلفي ليلاً السيارة قيادته حال وقوفها بالطريق العام. استظهاره رابطة السببية بين هذا الخطأ والنتيجة التي حصلت. نفيه عن قائد السيارة التي اصطدم بها ارتكابه أي خطأ يستغرق خطأ الطاعن. افتراض خطأ الحكم فيما أسنده إلى أحد شهود الإثبات من مرور سيارات في الاتجاه المضاد تضئ أنوارها العاكسة. لا يضيره. طالما أن الحكم قد استوفى دليله. وأن الخطأ لا يؤثر في سلامة منطقه أو النتيجة التي انتهى إليها. علة ذلك: البيان المعول عليه في الحكم، هو ذلك الجزء الذي يبدو فيه اقتناع القاضي، دون غيره من الأجزاء الخارجة عن سياق هذا الاقتناع.
(ب، جـ) إجراءات المحاكمة. شهود. تحقيق. حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
(ب) للمحكمة الاستغناء عن سماع الشهود. شرط ذلك: قبول المتهم أو المدافع عنه. هذا القبول قد يكون صريحاًً أو ضمنياًًً. سكوت الطاعن أو المدافع عنه عن طلب سماع الشهود تعويل المحكمة على أقوالهم في التحقيقات دون سماعهم. لا خطأ. ما دامت أقوالهم كانت مطروحة على بساط البحث في الجلسة. لا يؤثر في ذلك تأجيل المحكمة الدعوى لإعلان شهود الإثبات ثم عدولها عن هذا القرار. علة ذلك: قرار المحكمة الذي تصدوه في صدد تجهيز الدعوى وجمع الأدلة. لا يعدو أن يكون قراراً تحضيرياً لا تتولد عنه حقوق للخصوم.
(ج) الأصل أن تحكم محكمة ثاني درجة على مقتضى الأوراق. هي لا تجرى من التحقيقات إلا ما ترى لزوماً لإجرائه. التزامها بسماع الشهود الواجب سماعهم أمام محكمة أول درجة: إلا إذا لم تر من جانبها حاجة إلى سماعهم، وكان الطاعن قد عد نازلاً عن هذا الطلب بسكوته عن التمسك به أمام أول درجة. النعي على الحكم من هذه الناحية. غير سديد.
1- متى كانت المحكمة قد أقامت الحجة على مقارفة الطاعن لجريمة القتل الخطأ التي دين بها، بما استخلصته من عناصر الدعوى في منطق سليم وبغير تناقض، وكان الحكم بعد أن دلل على خطأ الطاعن المتمثل في عدم إضاءته النور الخلفي ليلاًًً للسيارة قيادته في حال وقوفها في الطريق العام واستظهر رابطة السببية بين هذا الخطأ والنتيجة التي حصلت، نفى عن قائد السيارة التي اصطدم بها ارتكابه أي خطأ يستغرق خطأ الطاعن، فإنه بفرض ما يقوله الأخير من خطأ الحكم فيما أسنده إلى أحد شهود الإثبات من مرور سيارات في الاتجاه المضاد تضئ أنوارها العاكسة، فإن هذا الخطأ بعد أن استوفى الحكم دليله لا يضيره، طالما أنه لا يؤثر في سلامة منطقة أو النتيجة التي انتهى إليها، ذلك بأن البيان المعول عليه في الحكم هو ذلك الجزء الذي يبدو فيه اقتناع القاضي دون غيره من الأجزاء الخارجة عن سياق هذا الاقتناع.
2- خولت المادة 289 من قانون الإجراءات الجنائية - المعدلة بالقانون رقم 113 لسنة 1957 للمحكمة الاستغناء عن سماع الشهود إذا قبل المتهم أو المدافع عنه ذلك - يستوي أن يكون القبول صريحاً أو ضمنياً بتصرف المتهم أو المدافع عنه بما يدل عليه. ولما كان الثابت أن الطاعن أو المدافع عنه لم يطلب أي منهما أمام محكمة أول درجة سماع الشهود، فإن المحكمة لا تكون مخطئة إذا هي عولت على أقوال الشهود في التحقيقات دون سماعهم - ما دامت أقوالهم كانت مطروحة على بساط البحث في الجلسة. ولا يؤثر في ذلك أن تكون المحكمة قد أجلت الدعوى لإعلان شهود الإثبات ثم عدلت عن ذلك، لأن قرار المحكمة الذي تصدره في صدد تجهيز الدعوى وجمع الأدلة لا يعدو أن يكون قراراً تحضيرياً لا تتولد عنه حقوق للخصوم توجب حتماً العمل على تنفيذه صوناًً لهذه الحقوق.
3 - محكمة ثاني درجة إنما تحكم في الأصل على مقتضى الأوراق، وهى لا تجرى من التحقيقات إلا ما ترى لزوماً لإجرائه، ولا تلتزم إلا بسماع الشهود الذين كان يجب سماعهم أمام محكمة أول درجة، فإذا لم تر من جانبها حاجة إلى سماعهم، وكان الطاعن قد عد نازلاً عن هذا الطلب بسكوته عن التمسك به أمام محكمة أول درجة، فإن النعي على الحكم من هذه الناحية يكون غير سديد.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه في ليلة 24/ 8/ 1959 بدائرة مركز أبو حماد "أولاً - تسبب من غير قصد ولا تعمد في قتل نبيلة عبد المحسن محمود" وإصابة "عزيزة محمد الجندي" وأربعة آخرين بالإصابات الموصوفة بالتقارير الطبية و كان ذلك ناجماً عن إهماله وعدم إتباعه قواعد المرور بأن لم يضئ المصباح الأيسر الخلفي للسيارة النقل قيادته أثناء وقوفها في الطريق العام ليلاً فلم يتنبه قائد السيارة التي كان بها المجني عليهم لوجود السيارة النقل في الطريق فاصطدم بها فتداخلت في طرفها الخلفي الأيسر فحدثت إصابات القتيلة التي أودت بحياتها وإصابات باقي المجني عليهم نتيجة لذلك - ثانياً - لم يضئ المصباح الأيسر الخلفي ولا مصباح اللوحة المعدنية الخلفية للسيارة قيادته عند وقوفها في طريق عمومي ليلاً وطلبت عقابه بالمادتين 238، 244 من قانون العقوبات والمادتين 21، 81 من القانون رقم 449 لسنة 1955 والمادة 9/ 1 من قرار وزير الداخلية. وقد ادعى عبد المحسن محمود حسن عن نفسه وبصفته ولياً شرعياً على أولاده القصر "درية ونبيل وأحمد. والسيدة عزيزة محمد الجندي" بحق مدني قبل المتهم وحسنين أحمد سعد صاحب السيارة النقل وشركة النقل للتأمين والسيد وزير الداخلية بصفتهم مسئولين عن الحقوق المدنية متضامنين بمبلغ عشرة آلاف جنيه على سبيل التعويض ولدى نظر الدعوى أمام محكمة جنح أبو حماد دفع الحاضر عن وزارة الداخلية بمذكرته بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى المدنية لعدم الارتباط والمحكمة المذكورة قضت حضورياً بتاريخ 5 فبراير سنة 1961 عملاً بالمادة 238 من قانون العقوبات بحبس المتهم ستة شهور مع الشغل وكفالة خمسمائة قرش لإيقاف التنفيذ وبإحالة الدعوى المدنية إلى محكمة أبو حماد المدنية لنظرها. فاستأنف هذا الحكم كل من المتهم وزارة الداخلية ومحكمة الزقازيق الابتدائية - بهيئة استئنافية - قضت حضورياً بتاريخ 21 يونيو سنة 1961 بقبول الاستئنافين شكلاً وفى الموضوع برفضهما وتأييد الحكم المستأنف وألزمت وزارة الداخلية المصاريف المدنية الاستئنافية فطعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض.... الخ.


المحكمة

حيث إن مبنى الطعن هو الخطأ في الإسناد والفساد في الاستدلال والقصور في التسبيب والإخلال بحق الدفاع، ذلك بأن الحكم الابتدائي المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه استند في إدانة الطاعن إلى أقوال شهود نسب إلى أولهم قوله - على خلاف الأوراق، بأنه كانت هناك سيارات في الطريق الذي كانت تقف فيه السيارة قيادة الطاعن قادمة من الاتجاه العكسي تضئ أنوارها الكاشفة كما جاءت أقوال الشاهدين الثاني والثالث متناقضة إذ اختلفا فيما إذا كانت السيارة النقل القادمة من الاتجاه العكسي قد وقفت بعد وقوع الحادث أو قبل وقوعه، هذا إلى أن الشاهد الثاني هو قائد السيارة التي اصطدمت بالسيارة النقل قيادة الطاعن وكان في مكنته تفاديها ويعد مسئولاً عن الجريمة فضلاً عن ثبوت كذبه في صدد ما قرره عن الاتجاه الذي كانت تسير فيه السيارة النقل الأخرى وادعائه على خلاف الحقيقة أنها كانت تسير في الاتجاه المضاد لخط سيره مضيئة نورها الكبير. كما أن محكمة أول درجة لم تجر تحقيقاً أو تسمع الشهود الذين أعلنوا وحضروا بالجلسة بل أجلت الدعوى لإعلان من لم يعلن من الشهود ثم عدلت بعد ذلك عن سماعهم وعولت على أقوالهم في إدانة الطاعن، وقد طلب الدفاع من محكمة ثاني درجة سماع الشهود ومناقشتهم في مواجهته مبيناًً أهمية ذلك لتناقض أقوال بعضهم في محضر ضبط الواقعة عنه. في تحقيق النيابة وإذ قررت المحكمة حجز القضية لإصدار حكمها في نهاية الجلسة قدم الدفاع طلباً كتابياً، عزز به ما أبداه بالجلسة في هذا الشأن ولكن المحكمة لم تجب هذا الطلب وردت عليه رداً غير سديد بنته على أن الطاعن لم يبد طلبه أمام محكمة أول درجة في شأن سماع الشهود وأنه ترافع في موضوع الدعوى في حين أن عدم تمسكه بسماع الشهود أمام محكمة أول درجة لا يسقط حقه في طلب مناقشتهم أمام محكمة ثاني درجة وأنه صمم في ختام مرافعته وفى طلبه الكتابي على سماعهم.
وحيث إن الحكم الابتدائي المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه حصل واقعة الدعوى في "أنه بتاريخ 24/ 8/ 1959 وقع حادث تصادم بناحية الجعفرية أمام عزبة مصباح حيث كان الطاعن يقف ليلاً بالسيارة النقل التي يقودها في الطريق الزراعي وكانت تشغل نصف الطريق الأيمن ولم يضئ مصباحها الخلفي وكانت هناك سيارات قادمة في الطريق من الاتجاه العكسي تضئ أنوارها العاكسة ثم قدمت السيارة الملاكي التي كان بها المجني عليهم في اتجاه السيارة قيادة الطاعن فاصطدمت بمؤخرتها وحدثت بالمجني عليهم الإصابات الموصوفة بالتقارير الطبية الشرعية والتي ترتب عليها وفاة المجني عليها الأولى نبيلة عبد المحسن....." وأورد الحكم على ثبوت الواقعة في حق الطاعن أدلة مستمدة من أقوال شهود الإثبات ومن التقارير الطبية وتقرير المهندس الفني ومن المعاينة وهى أدلة من شأنها أن تؤدى إلى ما رتبه الحكم عليها ثم خلص الحكم إلى القول إن واقعة الاتهام المنسوبة إلى المتهم والممثلة في تسببه بإهماله في قتل نبيلة وإصابة الآخرين ثابتة قبله ثبوتاً ترتاح إليه المحكمة إذ انه أهمل إهمالاً جسيماً في عدم إضاءته المصباح الخلفي للسيارة قيادته أثناء وقوفه بها في الطريق الزراعي العام الذي لا تمر لحظة إلا والسيارات به غادية رائحة وذلك كي ينبه هذه السيارات إلى وقوفه فتتفادى الاصطدام به وتستدل المحكمة على أن المتهم لم يعمل على إضاءة المصباح الخلفي بأقوال الخفير عبد العزيز محمد يحيى فقد استقرت أقواله سواء بتحقيق الشرطة أو أمام النيابة العامة على أنه كان يقف قرابة السيارة قيادة المتهم ولم يكن هذا قد أضاء المصباح الخلفي لها... وقد جاءت أقوال هذا الخفير مؤيدة لأقوال المجني عليه عبد المحسن محمود الذي تواترت أقواله في جميع أطوار التحقيق على أنه لم ينتبه إلى وقوف السيارة قيادة المتهم لعدم إضاءة المصابيح الخلفية لها - فإذا أضيف إلى ما تقدم ما قرره حمال السيارة محمد أحمد أحمد إبراهيم في محضر الضبط من أن النور الخلفي للسيارة قيادة المتهم لم يكن مضاءً وقت وقوع الحادث وما شهدت به السيدة عزيزة محمد الجندي بتحقيق البوليس مؤيداًًً لأقوال هؤلاء جميعاً يتأكد للمحكمة أن الخطأ ثابت في حق المتهم لإهماله في إضاءة المصباح الخلفي للسيارة قيادته أثناء وقوفه ليلاً في طريق عام لتنبيه القادمين بسياراتهم في هذا الطريق إلى وقوفه. لما كان ذلك، وكانت المحكمة قد أقامت الحجة على مقارفة الطاعن للجريمة التي دين بها بما استخلصته من عناصر الدعوى في منطق سليم وبغير تناقض. وكان الحكم بعد أن دلل على خطأ الطاعن المتمثل في عدم إضاءته النور الخلفي ليلاً للسيارة قيادته في حال وقوفها في الطريق العام واستظهر رابطة السببية بين هذا الخطأ والنتيجة التي حصلت، نفى عن قائد السيارة الملاكي الذي اصطدم بها ارتكابه أي خطأ يستغرق خطأ الطاعن، فإنه بفرض ما يقوله هذا الأخير من خطأ الحكم فيما أسنده إلى الشاهد الأول من مرور سيارات في الاتجاه المضاد تضئ أنوارها العاكسة فإن هذا الخطأ بعد أن استوفى الحكم دليله لا يضيره طالما أنه لا يؤثر في سلامة منطقة أو النتيجة التي انتهى إليها، ذلك بأن البيان المعول عليه في الحكم هو ذلك الجزء الذي يبدو فيه اقتناع القاضي دون غيره من الأجزاء الخارجة عن سياق هذا الاقتناع. لما كان ذلك، وكان يبين من مطالعة محاضر جلسات محكمة أول درجة أن الطاعن أو المدافع عنه لم يطلب أي منهما في هذه المرحلة سماع الشهود، وكانت إجراءات المحاكمة قد تمت في ظل التعديل المدخل على المادة 289 من قانون الإجراءات الجنائية بالقانون رقم 113 لسنة 1957 بما يخوله للمحكمة من الاستغناء عن سماع الشهود إذا قبل المتهم أو المدافع عنه ذلك - يستوي في ذلك أن يكون القبول صريحاً أو ضمنياً يتصرف المتهم أو المدافع عنه بما يدل عليه، فإن المحكمة لا تكون مخطئة إذا هي عولت على أقوال الشهود في التحقيقات دون سماعهم - ما دامت أقوالهم كانت مطروحة على بساط البحث في الجلسة ولا يؤثر في ذلك أن تكون المحكمة قد أجلت الدعوى لإعلان شهود الإثبات ثم عدلت عن ذلك لأن قرار المحكمة الذي تصدره في صدد تجهيز الدعوى وجمع الأدلة لا يعدو أن يكون قراراً تحضيرياً لا تتولد عنه حقوق للخصوم توجب حتماً العمل على تنفيذه صوناً لهذه الحقوق. لما كان ما تقدم، وكانت محكمة ثاني درجة إنما تحكم في الأصل على مقتضى الأوراق وهى لا تجرى من التحقيقات إلا ما ترى لزوماً لإجراءاته ولا تلتزم إلا بسماع الشهود الذي كان يجب سماعهم أمام محكمة أول درجة فإذا لم تر من جانبها حاجة إلى سماعهم وكان الطاعن قد عد نازلاً عن هذا الطلب بسكوته عن التمسك به أمام محكمة أول درجة فإن النعي على الحكم من هذه الناحية يكون غير سديد.
وحيث إنه لما تقدم يكون الطعن برمته على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.