أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثالث - السنة 20 - صـ 1499

جلسة 29 من ديسمبر سنة 1969

برياسة السيد المستشار/ محمد عبد الوهاب خليل نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: نصر الدين عزام، وأنور أحمد خلف، والدكتور أحمد محمد إبراهيم، والدكتور محمد محمد حسنين.

(310)
الطعن رقم 1646 لسنة 39 القضائية

( أ ) استيراد. جريمة. "أركانها". "الجريمة التامة. الشروع فيها". شروع. عقوبة. "تطبيقها".
جريمة استيراد السلع من الخارج قبل الحصول على ترخيص من وزارة الاقتصاد. تمامها بمجرد وصول السلع أحد جمارك الجمهورية. لا أثر لتسليمها في قيام الجريمة.
تسوية الشارع في العقاب بين جريمة الاستيراد التامة والشروع فيها.
(ب، ج) حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب". إثبات. "إثبات بوجه عام". محكمة الموضوع. "سلطتها في تكوين عقيدتها".
(ب) اشتراط أن تكون الأدلة التي يعتمد عليها الحكم ينبئ كل منها ويقطع في كل جزئية من جزئيات الدعوى. غير لازم. تساند الأدلة في المواد الجنائية.
(ج) لمحكمة الموضوع تكوين عقيدتها مما تطمئن إليه من أدلة وعناصر في الدعوى.
1 - دل القانون رقم 9 لسنة 1959 في شأن الاستيراد بصريح عبارته في المادتين الأولى والثانية على أن جريمة استيراد السلع من خارج الجمهورية قبل الحصول على ترخيص من وزارة الاقتصاد تتم بمجرد وصول السلع إلى أحد جمارك إقليم مصر ما دامت قد شحنت من الخارج قبل الحصول على الترخيص، ولم يشأ تعليق تمام الجريمة على استلام السلع من الجمارك وسوى في العقاب بين الجريمة التامة والشروع فيها. ومن ثم فإن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعن بالجريمة التامة بعد أن أثبت في حقه أن السلع التي شحنها من الخارج قبل الحصول على ترخيص من وزارة الاقتصاد وصلت إلى جمرك ميناء القاهرة الجوي يكون قد طبق القانون تطبيقاً صحيحاً.
2 - لا يشترط أن تكون الأدلة التي اعتمد عليها الحكم ينبئ كل دليل منها ويقطع في كل جزئية من جزئيات الدعوى. إذ الأدلة في المواد الجنائية متساندة يكمل بعضها بعضاً ومنها مجتمعة تتكون عقيدة القاضي فلا ينظر إلى دليل بعينه لمناقشته على حدة دون باقي الأدلة، بل يكفي أن تكون الأدلة في مجموعها كوحدة مؤدية إلى ما قصده الحكم منها ومنتجة في اكتمال اقتناع المحكمة واطمئنانها إلى ما انتهت إليه.
3 - لمحكمة الموضوع أن تكون عقيدتها مما تطمئن إليه من أدلة وعناصر في الدعوى.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه خلال المدة من 3 إلى 17 نوفمبر سنة 1967 بدائرة الخارج وقسم النزهة بمصر الجديدة: (أولاً) استورد البضائع المبينة بالمحضر "تسعة عشر آلة نسيج تريكو قيمتها ألف ومائة وأربعون جنيهاً مصرياً" قبل الحصول من وزارة الاقتصاد على ترخيص باستيرادها بأن قام بشحنها فرادى من بيروت بأسماء صورية قاصداً من ذلك التحايل على قوانين الاستيراد بأن تظهر هذه الآلات وكأنها واردة في الحدود المسموح بالاستيراد في نطاقها للاستعمال الشخصي. (ثانياً) استورد البضائع سالفة الذكر من خارج الجمهورية بقصد الاتجار فيها حالة كون استيراد السلع بقصد الاتجار مقصوراً على شركات وهيئات القطاع العام. وطلبت عقابه بالمواد 1/ 1 - 2 و7 و10 من القانون 9 لسنة 1959 والمادتين 1 و3/ 1 - 2 من القانون 65 لسنة 1963. ومحكمة الجرائم المالية الجزئية قضت حضورياً عملاً بمواد الاتهام بحبس المتهم ثلاثة أشهر مع الشغل وكفالة ثلاث مائة قرش لوقف التنفيذ مع مصادرة الماكينات المضبوطة وذلك عن التهمة الأولى وبراءته من التهمة الثانية المسندة إليه بلا مصاريف جنائية. فاستأنف المتهم هذا الحكم كما استأنفته النيابة العامة. ومحكمة القاهرة الابتدائية - بهيئة استئنافية - قضت حضورياً بقبول الاستئنافين شكلاً ورفضهما موضوعاً وتأييد الحكم المستأنف بلا مصاريف جنائية. فطعن وكيل المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.


المحكمة

حيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعن بجريمة استيراد بضائع بغير ترخيص قد شابه إخلال بحق الدفاع وقصور في التسبيب وفساد في الاستدلال وأخطأ في تطبيق القانون ذلك بأن الحكم عول في إدانة الطاعن على وجوده ببيروت في الفترة ما بين 3 و16 نوفمبر سن 1967 مع أنه لم يمكث بتلك المدينة إلا في الفترة ما بين 3 و5 نوفمبر سنة 1967 وقد أثار ذلك في دفاعه كما نفى شراءه للبضائع المستوردة وقدم جواز سفره ومستندات رسمية تؤيد دفاعه إلا أن الحكم المطعون فيه التفت عن هذا الدفاع ولم يعن الرد عليه كما استند الحكم في الإدانة إلى وحدة البضاعة ووحدة محطة ووسيلة الشحن وتسلسل بوالص الشحن مع أن كل هذه الأمور لا تؤدي إلى ما رتب عليها. وأخيراً فإن الحكم اعتبر مجرد شراء البضاعة وشحنها يوفر جريمة الاستيراد بغير ترخيص مع أنه يشترط لقيام تلك الجريمة استلام البضاعة المستوردة.
وحيث إن الحكم الابتدائي المؤيد لأسبابه والمكمل بالحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به العناصر القانونية للجريمة التي دان الطاعن بها وأورد على ثبوتها في حقه أدلة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه عليها. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد عرض لدفاع الطاعن ورد عليه في قوله "وحيث إن إجراء صفقات شراء ماكينات التريكو (موضوع الاتهام) لا تتطلب بالضرورة تواجد المتهم لشحنه ببيروت. وحيث إنه يمكن شراؤها باتفاق سابق مع المشترين الواردة أسماؤهم بالفواتير وخاصة فيما يثبت أن المتهم كان موجوداً ببيروت لمدة يومين أو ثلاثة خلال مواعيد شراء هذه الماكينات وبذلك لم تر المحكمة ضرورة لإجابة المتهم لطلبه بضم جواز سفره من السواحل... وأما ما قدمه المتهم من الصور الرسمية كفواتير شراء ماكينات التريكو التسعة عشر (19) بحافظة مستنداته المقدمة منه أخيراً أمام هذه المحكمة والتي يستند عليها في الدفاع عن نفسه على أساس أنها جميعاً بقصد شراء كل ماكينة من هذه الماكينات موضوع الاتهام من شركة سنجر ببيروت بواسطة أشخاص مختلفين يقيمون بلبنان فإن المحكمة ترى أن هذه الفواتير لا تفيد المتهم في دفاعه لأن تواريخها المسلسلة كما أن حصول المتهم على صور هذه الفواتير يدل على وجود صلة بينه وبين شرائها وخاصة إذا أخذت هذه العمومية بباقي المستندات المقدمة في الدعوى......." ولما كان ما أورده الحكم فيما تقدم سائغاً في الرد على دفاع الطاعن، وكان لمحكمة الموضوع أن تكون عقيدتها مما تطمئن إليه من أدلة وعناصر في الدعوى، وكانت المحكمة قد اطمأنت إلى أن الطاعن كان موجوداً في بيروت لمدة يومين أو ثلاثة أيام خلال مواعيد شراء الماكينات وهو ما لا ينازع فيه الطاعن وأنه اتفق على شرائها مع المشترين الواردة أسماؤهم بالفواتير المقدمة منه، وكان لا يشترط أن تكون الأدلة التي اعتمد عليها الحكم ينبئ كل دليل منها ويقطع في كل جزئية من جزئيات الدعوى إذ الأدلة في المواد الجنائية متساندة يكمل بعضها بعضاً ومنها مجتمعة تتكون عقيدة القاضي فلا ينظر إلى دليل بعينه لمناقشته على حدة دون باقي الأدلة بل يكفي أن تكون الأدلة في مجموعها كوحدة مؤدية إلى ما قصده الحكم منها ومنتجة في اكتمال اقتناع المحكمة واطمئنانها إلى ما انتهت إليه كما هو واقع الحال في الدعوى ومن ثم فلا محل لما يثيره الطاعن في صدد استناد المحكمة ضمن ما استندت إليه في إدانة الطاعن إلى وحدة البضاعة ومحطة ووسيلة الشحن وتسلسل بوالص الشحن. لما كان ذلك، وكان القانون رقم 9 لسنة 1959 في شأن الاستيراد قد نص في المادة الأولى منه على أنه "يحظر استيراد السلع من خارج الجمهورية قبل الحصول على ترخيص في الاستيراد من وزارة الاقتصاد وتعتبر هذه التراخيص شخصية ولا يجوز التنازل عنها ويسري هذا الخطر على السلع التي تصل إلى أحد جمارك إقليم مصر وتكون قد شحنت من الخارج قبل الحصول على الترخيص وكذلك على كل زيادة في مقادير السلع المرخص باستيرادها إلا إذا وردت في حدود المهمة المرخص بها وتعتبر التراخيص التي تصدر بناء على مستندات مصطنعة كأن لم تكن" ونصت المادة السابعة من هذا القانون على أنه "يعاقب على كل مخالفة لحكم المادة الأولى أو الشروع فيها بالحبس وبغرامة لا تقل عن مائة جنيه ولا تجاوز ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين ويحكم بطريق التضامن على الفاعلين الأصليين وعلى الشركاء بتعويض يعادل مثل رسوم الاستيراد المقررة حتى ولو كانت السلعة المستوردة من السلع المعفاة من هذه الرسوم وكذلك مثل بقية الرسوم الأخرى المتصلة بالاستيراد وفي جميع الأحوال يحكم بمصادرة السلع موضوع الجريمة أو بتعويض يعادل ثمنها إذا لم يتيسر مصادرتها" فإن القانون المذكور قد دل بصريح عبارته على أن جريمة استيراد السلع من خارج الجمهورية قبل الحصول على ترخيص من وزارة الاقتصاد تتم بمجرد وصول السلع إلى أحد جمارك إقليم مصر ما دامت قد شحنت من الخارج قبل الحصول على الترخيص ولم يشأ تعليق تمام الجريمة على استلام السلع من الجمارك وسوى في العقاب بين الجريمة التامة والشروع فيها ويكون الحكم المطعون فيه إذ أدان الطاعن بالجريمة التامة بعد أن أثبت في حقه أن السلع التي شحنها من الخارج قبل الحصول على ترخيص من وزارة الاقتصاد وصلت إلى جمرك ميناء القاهرة الجوي قد طبق القانون تطبيقاً صحيحاً. ولما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.