أحكام النقض - المكتب الفني - جنائى
السنة الخامسة والعشرين – صـ 80

جلسة 3 من فبراير سنة 1974

برياسة السيد المستشار/ نصر الدين حسن عزام نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: محمود كامل عطيفة، ومصطفى محمود الأسيوطي، وعبد الحميد محمد الشربينى، ومحمد عادل مرزوق.

(19)
الطعن رقم 1266 لسنة 43 القضائية

(1، 2) – قتل خطأ. خطأ. ضرر. رابطة سببية "حكم. تسبيبه. تسبيب غير معيب". جريمة. أركانها. مسئولية جنائية. قصد احتمالى. إثبات "خبرة". نقض. "أسباب الطعن". "ما لا يقبل منها".
(1) إبانة الحكم كافة أركان جريمة القتل الخطأ التى دان بها الطاعن ركنا إلى الأدلة القولية والفنية السائغة التى أوردها والتى ترتد إلى معين صحيح من أوراق الدعوى. مؤداه: عدم جواز المجادلة فى توافر تلك الأركان أو سلامة الاستدلال عليها أمام محكمة النقض. مثال لتسبيب غير معيب فى جريمة قتل خطأ.
(2) الأصل أن المتهم يسأل عن جميع النتائج المحتمل حصولها نتيجة سلوكه الإجرامى ما لم تتداخل عوامل أجنبية غير مألوفة تقطع رابطة السببية بين فعل الجانى والنتيجة. تقدير توافر رابطة السببية بين الفعل والنتيجة أو عدم توافرها هو من المسائل الموضوعية التي تستقل بها محكمة الموضوع بغير معقب ما دام تقديرها سائغا. عدم جواز المجادلة فى ذلك أمام محكمة النقض.
3 ، 4 – دفاع. "الإخلال بحق الدفاع. مالا يوفره". إثبات. شهود. حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". محكمة استئنافية "الإجراءات أمامها" إجراءات المحاكمة.
(3) سماع دفاع المتهم وتحقيقه مناطه أن يكون هذا الدفاع منتجا فى الدعوى. وضوح واقعة الدعوى لدى المحكمة مزداه جواز الالتفات عن تحقيق ذلك الدفاع شريطة أن يبين الحكم سبب عدم إجابته إليه. مثال لتسبيب غير معيب فى جريمة قتل خطأ.
(4) الأصل أن محكمة ثانى درجة إنما تفصل على مقتضى الأوراق ما لم تر لزوما لإجراء تحقيق معين أو سماع شهادة إلا ما كان يجب أن تجريه محكمة أول درجة.
(5، 6، 7) خطأ. ضرر. محكمة الموضوع "سلطتها فى تقدير التعويض" "مسئولية جنائية". مسئولية مدنية. دعوى مدنية. اختصاص "اختصاص المحكمة الجنائية بالفصل فى الدعوى المدنية" حكم تسبيبه "تسبيب غير معيب".
(5) تقدير التعويض من سلطة محكمة الموضوع وحدها حسبما تراه مناسبا وفق ما تتبينه من ظروف الدعوى.
(6) الأصل أن من يشترك فى أعمال البناء والهدم لا يسأل إلا عن نتائج خطئه الشخصي مؤدي ذلك. أن صاحب البناء لا يسأل عن الأضرار الناتجة من تلك الأعمال إلا إذا كانت جارية تحت إشرافه الخاص. قيام مقاول مختص بمثل هذا العمل عادة تحت مسئوليته مؤداه أنه الذي يسأل عن نتائج خطئه فيه "مثال لتسبيب غير معيب".
(7) الضرر الذى يصلح أساسا للمطالبة بتعويض أمام المحكمة الجنائية هو ما يكون ناشئا مباشرة عن الجريمة ومن ذات الواقعة موضوع المحاكمة. الضرر الناتج عن ظرف خارج عن الجريمة ولو متصلا بواقعتها لا يجوز المطالبة بتعويض عنه أمام المحكمة الجنائية. علة ذلك: أن قضاءها فى الدعوى المدنية استثناء لا يقبل التوسع فيه.
المحاكم الجنائية ليس لها ولاية الفصل فى الدعاوي المدنية إذا كانت محمولة علي أسباب غير الجريمة المطروحة أمامها.علة ذلك. وجوب أن يظل القضاء الجنائي بمعزل عن وحدة النزاع المدني وتفاديا للتطرق إلى البحث فى مسائل مدنية صرف "مثال لتسبيب غير معيب فى هذا الخصوص".
8 - إثبات "قوة الأمر المقضى". حكم. "حجيته". قوة الأمر المقضى. تعويض"
الأصل أن الأحكام لا تحوز حجية الأمر المقضي إلا في نزاع قام بين الخصوم أنفسهم دون أن تتغير صفاتهم وتعلق بذات الحق محلا وسببا.
القاضى المدني لا يرتبط بالحكم الجنائي إلا فى الوقائع التى فصل فيها هذا الحكم وكان فصله فيها ضروريا. مؤدي ذلك: أن القضاء بعدم توافر الخطأ فى حق المحكوم عليه من المحكمة الجنائية لا يقيد المحكمة المدنية ولا يمنعها من القضاء ضده بالتعويض بناء علي أسباب قانونية أخرى متى توافرت عناصره.
1 - لما كان الحكم المطعون فيه قد أورد مؤدى التقارير الطبية الموقعة على المجني عليه في قوله " أنه بتشريح جثة المجنى عليه بمعرفة الطبيب الشرعي ثبت وجود كدم رضى بالجانب الأيسر للبطن فى جزئها العلوى بمساحة 10 × 4 سم والإصابة المشاهدة بالجثة حيوية حديثة من طراز رضى حدثت من المصادمة بجسم صلب راض والوفاة إصابية حدثت من نزيف داخلى وصدمة عصبية مصاحبة نتيجة لتهتك الطحال "كما جاء فى تقرير المفتش الفنى بمكتب كبير الأطباء الشرعيين أن إصابة المجنى عليه حدثت من مصادمة راضة وقعت على منطقة الضلوع السفلى اليسرى والجزء العلوى من الجانب الأيسر للبطن وهى جائزة الحصول من سقوط قطعة من الحبس على جانبه الأيسر على النحو الوارد بأقوال الشهود ولا يتسنى حصولها من سقوطه على الأرض بعد وصوله المستشفى – وهذا الذى أورده الحكم كاف فى بيان مؤدى هذا الدليل من أدلة الثبوت بما ينحسر عنه قالة القصور فى البيان، كما أن الحكم بعد أن أثبت خطأ الطاعن مما أورده الدكتور... الأستاذ بكلية الهندسة فى تقريره من أن الطاعن لم يتوخ فى عمل الاحتياطات اللازمة من حلبات وحواجز حول الأجزاء المعرضة للانهيار من المبنى محافظة على سلامة الناس مما ينجم عنه سقوط قطعة الجبس على المجني عليه دليل على توافر رابطة السببية مما استبانه من تقرير الصفة التشريحية وما أورده المفتش الفنى بمكتب كبير الأطباء الشرعيين فى تقريره من أن إصابة المجني عليه حدثت نتيجة سقوط قطعة الجبس علي جانبه الأيسر وأن تسلسل الأعراض التى ظهرت علي المصاب بعد ذلك تدل علي حصول تمزق في الطحال نتيجة للإصابة وينتفي معه القول بحصوله من السقوط علي الأرض بعد وصوله المستشفى وأن الوفاة لم تحدث من تسمم غذائى وإنما هى إصابية نتيجة تمزق الطحال فإن ما ساقة الحكم من تلك الأدلة السائغة يدل على فهم سليم للواقع وتفطن لمجريات الأمور فى الدعوى ولفحص دفاع الطاعن بما تندفع به دعوى الفساد فى الاستدلال.
2 - الأصل أن المتهم يسأل علي جميع النتائج المحتمل حصولها نتيجة سلوكه الإجرامي ما لم تتداخل عوامل أجنبية غير مألوفة تقطع رابطة السببية بين فعل الجاني والنتيجة – كما أن تقدير توافر رابطة السببية بين الفعل والنتيجة أو عدم توافره هو من المسائل الموضوعية التى تفصل فيها محكمة الموضوع بغير معقب ما دام تقديرها سائغا مستندا إلى أدلة مقبولة لها أصلها فى الأوراق، لما كان ذلك، وكانت المحكمة قد أقامت قضاءها علي ما اقتنعت به من أدلة ترتد إلى أصل صحيح في الأوراق واستخلصت فى منطق سائغ خطأ المجنى عليه واتصال هذا الخطأ بالنتيجة اتصال السبب بالمسبب، فإن الحكم بذلك يكون قد أصاب الحق فى تقرير مسئولية الطاعن وما يثيره فى هذا الشأن لا يعدو أن يكون جدلا موضوعيا فى سلطة محكمة الموضوع فى وزن عناصر الدعوي واستنباط معتقدها وهو ما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض.
3 - من المستقر عليه أنه وإن كان القانون قد أوجب سماع ما يبديه المتهم من أوجه دفاع وتحقيقه، إلا أن المحكمة إذا كانت قد وضحت لديها الواقعة أو كان الأمر المطلوب تحقيقه غير منتج فى الدعوى فإن لها أن تعرض عن ذلك بشرط أن تبين سبب عدم إجابتها الطلب. لما كان ذلك، وكانت المحكمة قد بررت التفاتها عن طلب الطاعن مناقشة الأطباء وضم أوراق العلاج وحرز الملابس بأنها لا ترى وجها لإجراء مزيد من التحقيق بعد إذ توصلت إلى حقيقة الأمر فى الدعوى فإنه لا تثريب عليها فيما ارتأته.
4 - الأصل أن المحكمة الاستئنافية تفصل على مقتضى الأوراق ما لم تر هى لزوما لإجراء تحقيق معين أو سماع شهادة شهود إلا ما كان يجب أن تجريه محكمة أول درجة. وإذ كان ذلك، وكان الطاعن يسلم فى طعنه أنه لم يتقدم بطلبه إلى محكمة أول درجة فان المحكمة الاستئنافية تكون غير ملزمة بإجابته أو حتى الرد عليه.
5 - تقدير مبلغ التعويض من سلطة محكمة الموضوع وحدها حسبما تراه مناسبا وفق ما تتبينه هى من ظروف الدعوى ولا يقبل من الطاعن منازعته فى سلامة هذا التقدير ما دام قد اكتمل للحكم بالتعويض عناصره القانونية.
6 - الأصل أن من يشترك فى أعمال الهدم والبناء لا يسأل إلا عن نتائج خطئه الشخصى فصاحب البناء لا يعتبر مسئولا جنائيا أو مدنيا عما يصيب الناس من الأضرار عن هدم البناء بسبب عدم اتخاذ الاحتياطات المعقولة، إلا إذا كان العمل جاريا تحت ملاحظته وإشرافه الخاص، فاذا عهد به كله أو بعضه إلى مقاول مختص يقوم بمثل هذا العمل عادة تحت مسئوليته فهو الذى يسأل عن نتائج خطئه. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد أثبت بالأدلة السائغة التي أوردها أن أعمال الترميمات في العقار محل الحادث كانت تجري تحت إشراف وملاحظة المهندس المحكوم عليه وانتهى إلى مساءلته وحده دون باقي المطعون ضدهم (ملاك العقار) وقضى برفض الدعوى المدنية قبلهم تبعا لانتفاء مسئوليتهم فانه يكون قد أصاب صحيح القانون.
7 - الضرر الذى يصلح أساسا للمطالبة بتعويض أمام المحكمة الجنائية يجب أن يكون ناشئا مباشرة عن الجريمة ومن ذات الواقعة المطروحة علي المحكمة والمطلوب المحاكمة عنها، فاذا كان نتيجة لظرف خارج عن الجريمة ولو متصلا بواقعتها فلا يجوز المطالبة بتعويض عنه أمام تلك المحكمة لأن قضاءها فى الدعوي المدنية استثناء لا يقبل التوسع، ومؤدي ذلك أن المحاكم الجنائية لا يكون لها ولاية الفصل فى الدعاوي المدنية إذا كانت محمولة علي أسباب غير الجريمة المطروحة أمامها حتى يظل القضاء الجنائي بمعزل عن وحدة النزاع المدنى وتفاديا من التطرق إلى البحث فى مسائل مدنية صرف وترتيبا على ذلك فانه لا محل لما يرمي به الطاعنان الحكم المطعون فيه من القصور فى التسبيب لعدم تصديه لبحث مدى مسئولية المطعون ضدهم طبقا لقواعد المسئولية الشيئية ومسئولية المتبوع عن أعمال تابعه باعتبار أنها من الدعامات التى أقاما عليها دعواهما المدينة. 8- من المقرر قانونا أن الأحكام لاتحوز حجية الأمر المقضى إلا فى نزاع قام بين الخصوم أنفسهم دون أن تتغير صفاتهم وتعلق بذات الحق محلا وسببا وان القاضي المدني لا يرتبط بالحكم الجنائي إلا في الوقائع التي فصل فيها هذا الحكم وكان فصله فيها ضروريا، ومن ثم فان قضاء الحكم المطعون فيه بعدم توافر الخطأ فى حق المطعون ضدهم لايقيد المحكمة المدنية ولا يمنعها من القضاء للطاعنين بالتعويض بناء على أسباب قانونية أخرى متى توافرت عناصره


الوقائع

إتهمت النيابة العامة الطاعن وآخرين......... و......... و.........بأنهم فى يوم3 من أغسطس سنة 1964بدائرة قسم مينا البصل محافظة الإسكندرية تسببوا خطأ في موت......... وكان ذلك ناشئا عن إهمالهم وعدم احترازهم بأن سوفت المتهمة الأولي في القيام بإصلاح عقارها وأغفل المتهم الثاني (الطاعن) وهو المشرف علي عمليات الإصلاح رغم علمهم بمدى تصدع العقار واتخاذ الاحتياطات اللازمة للمحافظة على سلامة الجمهور فلم يضعوا حواجز حول الأجزاء المعرضة للإنهيار فسقطت منه قطعة حجر أصابت المجنى عليه الذى حدثت به الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتى أودت بحياته. وطلبت معاقبتهم بالمادة 238 من قانون العقوبات. وادعى كل من........... و......... مدنيا قبل المتهمين متضامنين بمبلغ خمسة آلاف جنيه مناصفة بينهما. ومحكمة جنح مينا البصل الجزئية قضت بتاريخ 22 ديسمبر سنة 1970 أولا – بانقضاء الدعوى الجنائية بالنسبة للمتهمة الأولى لوفاتها ثانيا – حضوريا للمتهم الثانى (الطاعن) والسادس وغيابيا لباقى المتهمين عملا بمادة الإتهام بالنسبة للمتهم الثانى بتغريمه مبلغ خمسين جنيها وبراءة باقى المتهمين مما نسب إليهم. ثالثا – بإلزام المدعى عليهم بالحقوق المدنية بأن يؤدوا متضامنين للمدعين بالحقوق المدنية مبلغ خمسة آلاف جنيه مناصفة بينهما وألزمتهم بمصروفات الدعوى المدنية ومبلغ مائتى قرش مقابل أتعاب المحاماة. فاستأنف المتهم الثانى المحكوم عليه (الطاعن) كما استأنف المتهم الخامس عن نفسه وعن باقى المتهمين بالنسبة للدعوى المدنية. ومحكمة الاسكندرية الابتدائية – بهيئة استئنافية – قضت بتاريخ 19 من أبريل سنة 1972 أولا - فى الدعوى الجنائية بقبول الاستئناف شكلا وفى الموضوع برفضه وتأييد الحكم المستأنف. ثانيا – فى الدعوى المدنية (أ) بعدم قبول الاستئناف المقرر به بالنسبة......... و........... و......... شكلا لرفعه من غير ذى صفة (ب) قبول الاستئناف المقرر به من...... و.......... و......... شكلا وفي الموضوع بالغاء الحكم المستأنف فيما قضي به من إلزامهم بالتعويض وبرفض الدعوي قبلهم وإلزام المدعين بالحقوق المدنية والمصاريف المدنية عن هذا الشق عن الدرجتين ومبلغ خمسمائة قرش مقابل أتعاب المحاماة. (جـ) قبول الاستئناف المقرر به من.......... شكلا وفى الموضوع بتعديل الحكم المستأنف إلى إلزامه بأن يدفع للمدعيين بالحقوق المدنية مناصفة بينهما مبلغ ألفى جنيه والمصاريف المدنية المناسبة لما قضي عليه به عن الدرجتين والمدعيين بالحقوق المدنية باقى المصاريف مع المقاصة فى أتعاب المحاماة. فطعن المحكوم عليه والمدعيان بالحقوق المدنية فى هذا الحكم بطريق النقض...الخ.


المحكمة

حيث إن مبنى الطعن المقدم من المحكوم عليه هو أن الحكم المطعون فيه إذ دانه بجريمة القتل الخطأ قد أخطأ فى تطبيق القانون وشابه القصور في التسبيب وفساد في الاستدلال وانطوى على إخلال بحق الدفاع، ذلك بأن الحكم لم يورد فى بيان كاف مؤدى التقارير الطبية التى اعتمد عليها في قضائه، وأخطأ فهم واقعة الدعوى حين استخلص رابطة السببية بين خطأ الطاعن ووفاة المجنى عليه فلم يفطن إلى انتفاء تلك الرابطة على ما يبين من معاينة النيابة لملابس المجنى عليه وثبوت واقعة سقوطه على الأرض بعد وصوله إلى المستشفى وما كان لها من أثر فى تهتك الطحال حسبما أثبته التقرير الطبى الاستشارى ومن الخطأ الذى تردى فيه أطباء المستشفى بتركهم المجنى عليه بالقسم الباطنى بها حتى وفاته وذلك نتيجة تشخيصهم الحالة بأنها تسمم غذائى مما ينبئ بأن المحكمة لم تمحص الدعوى ولم تستقر فى ذهنها إلي الحد الذي يؤمن به الخطأ فى فهم حقيقتها. وقد تمسك الطاعن أمام المحكمة الاستئنافية بطلب مناقشة طبيب الاستقبال بالمستشفى والدكتور......... المفتش الفني بمكتب كبير الأطباء الشرعيين وضم أوراق العلاج وحرز ملابس المجني عليه إلا أن المحكمة التفتت عن هذا الطلب وردت عليه ردا غير سائغ وساءلت الطاعن عن النتائج المحتمله للحادث ولم تراع عند تقديرها للتعويض ما ساهم به خطأ المجني عليه نفسه وخطأ أطباء المستشفى فى حصول الوفاة مما يكشف عن اختلال فكرة الحكم من ناحيته الجنائية والمدنية مما يعيبه ويستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية لجريمة القتل الخطأ التى دان الطاعن بها، وأقام عليها في حقه أدلة مستقاة من أقوال شهود الإثبات ومن تقرير المهندس الفني ومن التقارير الطبية الشرعية، وهى أدلة سائغة تؤدى إلي ما رتبه الحكم عليها. لما كان ذلك، وكان الحكم قد أورد مؤدي التقارير الطبية في قوله أنه "بتشريح جثة المجنى عليه بمعرفة الطبيب الشرعى ثبت وجود كدم رضى بالجانب الأيسر للبطن في جزئها العلوى بمساحة 10 × 4 سم. والإصابة المشاهدة بالجثة حيوية حديثة من طراز رضى حدثت من المصادمة بجسم صلب راض. والوفاة إصابية حدثت من نزيف داخلي وصدمة عصبية مصاحبة نتيجة لتهتك الطحال، كما جاء في تقرير الدكتور......... المفتش الفني بمكتب كبير الأطباء الشرعيين أن إصابة المجني عليه حدثت من مصادمة راضة وقعت علي منطقة الضلوع السفلي اليسرى والجزء العلوي من الجانب الأيسر للبطن وهى جائزة الحصول من سقوط قطعة من الجبس على جانبه الأيسر على النحو الوارد بأقوال الشهود ولا يتسنى حصولها من سقوطه على الأرض بعد وصوله المستشفى وهذا الذي أورده الحكم كاف فى بيان مؤدى هذا الدليل من أدلة الثبوت بما ينحسر عنه قالة القصور في البيان. لما كان ذلك، وكان الحكم بعد أن أثبت خطأ الطاعن مما أورده الدكتور....... الأستاذ بكلية الهندسة فى تقريره من أن الطاعن لم يتوخ عمل الاحتياطات اللازمة من عمل حلبات وحواجز حول الأجزاء المعرضة للانهيار من المبنى محافظة علي سلامة الناس مما نجم عنه سقوط قطعة الجبس علي المجني عليه دليل علي توافر رابطة السببية مما استبان من تقرير الصفة التشريحية وما أورده الدكتور....... في تقريره من أن إصابة المجني عليه حدثت نتيجة سقوط قطعة الجبس علي جانبه الأيسر وأن تسلسل الأعراض التي ظهرت علي المصاب بعد ذلك تدل علي حصول تمزق في الطحال نتيجة للإصابة وينتفي معه القول بحصوله من السقوط علي الأرض بعد وصوله المستشفى وأن الوفاة لم تحدث من تسمم غذائى وإنما هي إصابية نتيجة تمزق الطحال، فإن ما ساقه الحكم من تلك الأدلة السائغة يدل علي فهم سليم للواقع وتفطن لمجريات الأمور فى الدعوي ولفحوى دفاع الطاعن بما تندفع به دعوى الفساد في الاستدلال. ولما كان الأصل أن المتهم يسأل عن جميع النتائج المحتمل حصولها نتيجة سلوكه الإجرامي ما لم تتداخل عوامل أجنبية غير مألوفة تقطع رابطة السببية بين فعل الجانى والنتيجة، وكان تقدير توافر رابطة السببية بين الفعل والنتيجة أو عدم توافره هو من المسائل الموضوعية التي تفصل فيها محكمة الموضوع بغير معقب ما دام تقديرها سائغا مستندا إلي أدلة مقبولة لها أصلها في الأوراق، وكانت المحكمة قد أقامت قضاءها علي ما اقتنعت به من أدلة ترتد إلي أصل صحيح فى الأوراق واستخلصت في منطق سائغ خطأ المجنى عليه واتصال هذا الخطأ بالنتيجة اتصال السبب بالمسبب، فإن الحكم بذلك يكون قد أصاب الحق فى تقرير مسئولية الطاعن وما يثيره فى هذا الشأن لا يعدو أن يكون جدلا موضوعيا فى سلطة محكمة الموضوع في وزن عناصر الدعوي واستنباط معتقدها وهو ما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض. لما كان ذلك, وكانت المحكمة قد بررت التفاتها عن طلب الطاعن مناقشة الأطباء وضم أوراق العلاج وحرز الملابس بأنها لا ترى وجها لإجراء مزيد من التحقيق بعد أن توصلت إلى حقيقة الأمر فى الدعوى، فإنه لا تثريب عليها فيما ارتأته، ذلك أن من المستقر عليه أنه وإن كان القانون قد أوجب سماع ما يبديه المتهم من أوجه دفاع وتحقيقه إلا أن المحكمة إذا كانت قد وضحت لديها الواقعة أو كان الأمر المطلوب تحقيقه غير منتج في الدعوى فإن لها أن تعرض عن ذلك بشرط أن تبين سبب عدم إجابتها الطلب. هذا فضلا عن أن الأصل أن المحكمة الاستئنافية تفصل علي مقتضي الأوراق ما لم تر هي لزوما لإجراء تحقيق معين أو سماع شهادة شهود إلا ما كان يجب أن تجريه محكمة أول درجة. وإذ كان الطاعن يسلم فى طعنه أنه لم يتقدم بطلبه إلي محكمة أول درجة فإن المحكمة الإستئنافية تكون غير ملزمة بإجابته أو حتى الرد عليه. لما كان ذلك، وكان تقدير مبلغ التعويض من سلطة محكمة الموضوع وحدها حسبما تراه مناسبا وفق ما تبينته هي من ظروف الدعوي فانه لا يقبل من الطاعن منازعته في سلامة هذا التقدير ما دام قد اكتمل للحكم بالتعويض عناصره القانونية. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون علي غير أساس متعينا رفضه موضوعا ومصادرة الكفالة.
وحيث إن مبنى الطعن المقدم من المدعيين بالحقوق المدنية هو أن الحكم المطعون فيه إذ قضى برفض الدعوى المدنية قبل باقى المطعون ضدهم قد أخطأ فى تطبيق القانون وشابه قصور في التسبيب، ذلك بأن الطاعنين علي ما يبين من المذكرات المقدمة منهما لم يقصرا أساس دعواهما المدنية علي إهمال المطعون ضدهم في صيانة العقار بل بنيا أيضا تلك الدعوي علي دعامتين الأولى أنهم بصفتهم الشخصية وبوصفهم ورثة لوالدتهم مسئولين عن حراسة العقار محل الحادث مسئولية مفترضة طبقا لقواعد المسئولية الشيئية والثانية أنهم مسئولين مسئولية المتبوع عن أعمال تابعه بوصف أن والدتهم كانت تدير ذلك العقار والمملوك لهم علي الشيوع بصفتها وكيلة عنهم، وإذ نفى الحكم المطعون فيه مسئوليتهم الجنائية وبالتالى مسئوليتهم المدنية طبقا لقواعد المسئولية التقصرية فإنه لم يعرض لبحث باقى الدعامات التي قامت عليها دعواهما ولم يقل كلمته فيها بما يعيبه ويستوجب نقضه.
وحيث إن الأصل المقرر في القانون أن من يشترك فى أعمال الهدم والبناء لا يسأل إلا عن نتائج خطئه الشخصي، فصاحب البناء لا يعتبر مسئولا جنائيا أو مدنيا عما يصيب الناس من الأضرار عن هدم البناء بسبب عدم اتخاذ الاحتياطات المعقولة إلا إذا كان العمل جاريا تحت ملاحظته وإشرافه الخاص، فإذا عهد به كله أو بعضه إلى مقاول مختص يقوم بمثل هذا العمل عادة تحت مسئوليته فهو الذى يسأل عن نتائج خطئه. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد أثبت بالأدلة السائغة التي أوردها أن أعمال الترميمات في العقار محل الحادث كانت تجري تحت إشراف وملاحظة المهندس المحكوم عليه وانتهي إلي مساءلته وحده دون باقي المطعون ضدهم (ملاك العقار) وقضي برفض الدعوى المدنية قبلهم تبعا لانتفاء مسئوليتهم الجنائية , فإنه يكون قد أصاب صحيح القانون. ولا محل لما يرمي به الطاعنان الحكم المطعون فيه من القصور في التسبيب لعدم تصديه المتبوع عن أعمال تابعه باعتبار أنها من الدعامات التى أقاما عليها دعواهما المدنية ذلك أن قضاء هذه المحكمة قد جري علي أن الضرر الذى يصلح أساسا للمطالبة بتعويض أمام المحكمة الجنائية يجب أن يكون ناشئا مباشرة عن الجريمة ومن ذات الواقعة المطروحة علي المحكمة والمطلوب المحاكمة عنها، فإذا كان نتيجة لظرف خارج عن الجريمة ولو متصلا بواقعتها فلا يجوز المطالبة بتعويض عنه أمام تلك المحكمة لأن قضاءها فى الدعوى المدنية استثناء لا يقبل التوسع. ومؤدى هذا القضاء أن المحاكم الجنائية لا يكون لها ولاية الفصل فى الدعاوى المدنية إذا كانت محمولة على أسباب غير الجريمة المطروحة أمامها حتى يظل القضاء الجنائى بمعزول عن وحدة النزاع المدني وتفاديا من التطرق إلي البحث في مسائل مدنية صرف. وإذ التزم الحكم المطعون فيه هذا النظر وقضي علي موجبه فإنه لا يكون قد خالف القانون ويكون المدعيان بالحقوق المدنية وشأنهما في المطالبة بحقهما أمام المحكمة المدنية. ولما كان من المقرر قانونا أن الأحكام لاتحوز حجية الأمر المقضى إلا فى نزاع قام بين الخصوم أنفسهم دون أن تتغير صفاتهم وتتعلق بذات الحق محلا وسببا، وأن القاضي المدني لا يرتبط بالحكم الجنائي إلا في الوقائع التي فصل فيها هذا الحكم، وكان فصله فيها ضروريا فإن قضاء الحكم المطعون فيه بعدم توافر الخطأ فى حق المطعون ضدهم لا يقيد المحكمة المدنية ولا يمنعها من القضاء للطاعنين بالتعويض بناء على أسباب قانونية أخرى متى توافرت عناصره. لما كان ما تقدم فان الطعن يكون على غير أساس متعينا رفضه موضوعا وإلزام الطاعنين المصاريف ومصادرة الكفالة.