أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثاني - السنة الثانية - صـ 778

جلسة 19 من مارس سنة 1951
(295)
القضية رقم 1797 سنة 20 القضائية

برياسة حضرة صاحب السعادة أحمد فهمي إبراهيم بك وكيل المحكمة، وبحضور حضرات أصحاب العزة: أحمد حسني بك وحسن إسماعيل الهضيبي بك وإبراهيم خليل بك ومحمد أحمد غنيم بك المستشارين.
( أ ) رأفة. ملاحظة موجبات الرأفة. غير لازم على القاضي. استعمال الرأفة مع الصغير متروك للقاضي.
(ب) إثبات. تقدير شهادة الشهود. موضوعي.
1 - إن المادة 72 من قانون العقوبات إذ نصت على أنه "لا يحكم بالإعدام ولا بالأشغال الشاقة المؤبدة أو المؤقتة على المتهم الذي زاد عمره على خمس عشرة سنة ولم يبلغ سبع عشرة سنة, وفي هذه الحالة يجب على القاضي أن يبين أولاً العقوبة الواجب تطبيقها بقطع النظر عن هذا النص مع ملاحظة موجبات الرأفة إن وجدت, فإن كانت تلك العقوبة هي الإعدام أو الأشغال الشاقة المؤبدة يحكم بالسجن مدة لا تنقص عن عشر سنوات, وإن كانت الأشغال الشاقة المؤقتة يحكم بالسجن" - إن هذه المادة إذ نصت على ما تقدم فإنها لم توجب على القضاة بصفة عامة مطلقة, عند تقدير العقوبة الواجب تطبيقها بقطع النظر عن نصها, ملاحظة موجبات الرأفة, بل إنها جعلت بيد القاضي زمام استعمال الرأفة بدليل قولها "مع ملاحظة موجبات الرأفة إن وجدت" ولو كان صحيحاً القول بوجوب استعمال الرأفة مع الصغير في جميع الأحوال لما كانت عقوبة الإعدام بعد تطبيق المادة 17, من بين العقوبات التي تقضي المادة 72 بإبدالها بعقوبة السجن.
2 - لمحكمة الموضوع مطلق الحرية في تقدير شهادة الشهود فتأخذ ما تطمئن إليه منها وتترك ما لا تطمئن إليه, كما أن لها كامل السلطة في الأخذ بما يقرره الشاهد في التحقيقات الأولية وإطراح ما يقرره نفس الشاهد أمامها.


الوقائع

اتهمت النيابة الطاعنين بأنهما بدائرة مركز أبنوب مديرية أسيوط - أولاً - المتهم الأول: - قتل منسي حنا الله بشارة عمداً بأن أطلق عليه عياراً نارياً قاصداً قتله فأحدث به الإصابات المبينة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته. ثانياً - المتهم الثاني: اشترك مع المتهم الأول بطريق التحريض في قتل المجني عليه بأن طلب منه إحضار البندقية وإطلاق النار فتمت الجريمة بناءً على هذا التحريض, وطلبت من قاضي الإحالة إحالتهما إلى محكمة الجنايات لمحاكمتها بالمواد 40 - 1 و41 و234 - 1 عقوبات فقرر إحالتهما إليها لمحاكمتهما بالمواد المذكورة. ومحكمة جنايات أسيوط قضت عملاً بمواد الاتهام مع تطبيق المادة 72 للأول والمادة 17 للثاني بمعاقبة المتهم الأول يوسف محمد يوسف بالسجن لمدة عشر سنوات ومعاقبة المتهم الثاني محمد يوسف عبد العواض بالسجن لمدة خمس سنوات فطعن الطاعنان في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.


المحكمة

... حيث إن الوجه الأول من أوجه الطعن يتحصل في قول الطاعن إنه لما كانت سنه وقت ارتكاب الحادثة لم تبلغ خمس عشرة سنة ولم تجاوز السادسة عشرة فقد عامله الحكم المطعون فيه بأحكام المادة 72 من قانون العقوبات في حين إنه كان الواجب معاملته بأحكام المادة 17 من القانون المذكور ذلك أن المادة 234 من هذا القانون والتي حوكم بمقتضاها تقضي بعقبة الأشغال الشاقة المؤبدة أو المؤقتة وإذا كانت هذه العقبة هي مما لا يجيز القانون توقيعه على الصغير فقد كان تطبيق المادة 17 من شأنه أن ينزل بهذه العقوبة إلى السجن الذي تجوز معاقبة الصغير به وإذن فلم يكن ثمة محل لتطبيق المادة 72 في واقعة هذه الدعوى على الطاعن هذا بخلاف ما إذا كان الفعل قتلاً عمداً مع سبق الإصرار حيث تكون العقوبة بحكم المادة 230 هي الإعدام وحيث لا ينزل بها تطبيقاً للمادة 17 لأكثر من عقوبة الأشغال الشاقة المؤبدة أو المؤقتة مما لا يجوز توقيعه على الصغير - فإنه في هذه الحالة - يكون من المتعين علاوة على تطبيق المادة 17 معاملة الصغير بأحكام المادة 72 لإمكان الوصول عن طريقها إلى تطبيق عقوبة السجن المقررة في القانون على الصغير.
وحيث إن المادة 72 من قانون العقوبات إذ نصت على أنه "لا يحكم بالإعدام ولا بالأشغال الشاقة المؤبدة أو المؤقتة على المتهم الذي زاد عمره على خمس عشرة سنة ولم يبلغ سبع عشرة سنة وفي هذه الحالة يجب على القاضي أن يبين أولاً العقوبة الواجب تطبيقها بقطع النظر عن هذا النص مع ملاحظة موجبات الرأفة إن وجدت, فإن كانت تلك العقوبة هي الإعدام أو الأشغال الشاقة المؤبدة يحكم بالسجن مدة لا تنقص عن عشر سنوات وإن كانت الأشغال الشاقة المؤقتة يحكم بالسجن". إذ نصت هذه المادة على ما تقدم فإنها لم توجب على القضاة بصفة عامة مطلقة, عند تقدير العقوبة الواجب تطبيقها بقطع النظر عن نصها ملاحظة موجبات الرأفة, بل إنها جعلت بيد القاضي زمام استعمال الرأفة بدليل قولها "مع ملاحظة موجبات الرأفة إن وجدت" ولو أنه كان صحيحاً ما يقول به الطاعن من وجوب استعمال الرأفة مع الصغير في جميع الأحوال. لما كانت عقوبة الإعدام, بعد تطبيق المادة 17, من بين العقوبات التي تقضي المادة 72 بإبدالها بعقوبة السجن.
وحيث إنه يبين من الاطلاع على الحكم المطعون فيه أن أحوال الجريمة المقامة من أجلها الدعوى العمومية لم تقتضِ من المحكمة تطبيق المادة 17 من قانون العقوبات رأفة بالطاعن وأن المحكمة قد اكتفت في واقعة الدعوى "بمعاملة المتهم طبقاً لأحكام المادة 72 من القانون المذكور واستبدلت عقوبة السجن بعقوبة الأشغال الشاقة المقررة أصلاً في المادة 234 من قانون العقوبات" فإنه لا يكون ثمة محل من القانون لما يثيره الطاعن الأول في هذا الوجه من طعنه.
وحيث إن الوجهين الثاني والثالث يتحصلان في القول بأن الدفاع قد تمسك بالنسبة إلى الطاعن الأول المنسوب إليه إطلاق العيار بطلب مناقشة كبير الأطباء الشرعيين في كيفية هذا الإطلاق وذلك للتحقق مما إذا كان قد حصل بفعل الطاعن أو أن العيار كما يقول به الطاعن قد انطلق قضاء وقدراً نتيجة للتماسك. ولكن المحكمة قد أغفلت هذا الطلب ولم ترد في حكمها عليه مما يعتبر إخلالاً بحق الدفاع وخصوصاً أن رواية الشهود قد تضاربت في موقف الضارب من المضروب هذا إلى اعتماد المحكمة في إدانة الطاعن الثاني بالاشتراك في القتل بطريق التحريض على ما جاء بمحضر البوليس من أنه كان موجوداً في مكان الحادث على حين أن الثابت بالمحضر المذكور أنه لم يدلِ بأقوال في هذا المحضر ولم يستوجب به وزيادة على ما تقدم فإن هذا الطاعن قد أنكر ما نسب إليه من وجوده بمحل الحادثة وأيده في ذلك شاهدا نفيه في تحقيق النيابة وأمام المحكمة بالجلسة كما لم يقل شاهد الإثبات الأول وهو شقيق المجني عليه إن الطاعن الثاني أمر ابنه بإطلاق النار وكذلك فإن شهود الإثبات قد قرروا الحقيقة أمام المحكمة بقولهم إن الطاعن المذكور لم يكن موجوداً ولم يحرض الطاعن الأول على إطلاق النار.
وحيث إن الحكم المطعون فيه قد بين واقعة الدعوى بما يتوافر فيه جميع العناصر القانونية للجريمة التي دان الطاعنين بها وتعرض لدفاع الطاعن الأول عن طريقة إطلاق النار على المجني عليه ورد عليه بما يفنده واستند في كل ذلك إلى الأسباب التي قام عليها والتي من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه عليها من ثبوت القتل العمد على الطاعن الأول والاشتراك فيه بطريق التحريض على الطاعن الثاني ومن إطراح طلب استدعاء كبير الأطباء الشرعيين لمناقشته في كيفية إصابة المجني عليه من العيار الناري. لما كان ذلك. ولم يكن مما أخذ به الحكم وعول عليه في إدانة الطاعن الثاني أقوال أدلى بها هذا الطاعن في محضر البوليس بالذات, وكان لمحكمة الموضوع مطلق الحرية في تقدير شهادة الشهود فتأخذ ما تطمئن إليه منها وتترك ما لا تطمئن إليه كما أن لها كامل السلطة في الأخذ بما يقرره الشاهد في التحقيقات الأولية وإطراح ما يقرره نفس الشاهد أمامها. لما كان كل ذلك, فإن ما يقوله الطاعنان في هذين الوجهين لا يكون في واقعة إلا جدلاً في موضوع الدعوى ومناقشته لأدلتها مما لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض.
وحيث إنه لما تقدم يكون الحكم المطعون فيه سليماً ويكون الطعن بكافة أوجهه على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.