أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثاني - السنة 14 - صـ 392

جلسة 13 من مايو سنة 1963

برياسة السيد المستشار/ محمد متولي عتلم نائب رئيس المحكمة، وبحضور السادة المستشارين: توفيق الخشن، وأديب نصر، وحسين السركي، وأحمد موافي.

(77)
الطعن رقم 2821 لسنة 32 القضائية

( أ ) محاكمة. "إجراءاتها". دفاع. " الإخلال بحق الدفاع". "ما لا يوفره".
الأصل أن تجرى المحاكمة باللغة العربية. ما لم يتعذر ذلك دون الاستعانة بوسيط يقوم بالترجمة، أو يطلب المتهم ذلك. هذا الطلب خاضع لتقدير المحكمة.
سكوت المتهم والمدافع عنه عن طلب الاستعانة بوسيط. تقدير المحكمة عدم الحاجة إليه. أمر موضوعي موكول إليها بلا معقب عليها. مثال.
(ب) حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
لا يلزم لاستخلاص الحقائق القانونية أن يكون مبنى هذا الاستخلاص أدلة صريحة ومباشرة. للمحكمة أن تركن في سبيل تكوين عقيدتها إلى ما تستخلصه من جماع الأدلة المطروحة عليها بطريق الاستنتاج والاستقراء وكافة الممكنات العقلية. ما دام استخلاصها سليماً لا يخرج عن الاقتضاء العقلي والمنطقي. مثال.
(ج) إثبات. "اعتراف". محكمة الموضوع.
لمحكمة الموضوع سلطة مطلقة في الأخذ باعتراف المتهم على نفسه وعلى غيره من المتهمين - في أي دور من أدوار التحقيق - وإن عدل عنه بعد ذلك. متى اطمأنت إلى صحة الاعتراف ومطابقته للحقيقة والواقع. المجادلة في ذلك. اتصالها بتقدير المحكمة ومحاولة مصادرتها في عقيدتها.
1- الأصل أن تجرى المحاكمة باللغة الرسمية للدولة - وهى اللغة العربية - ما لم يتعذر على إحدى سلطتي التحقيق أو المحاكمة مباشرة إجراءات ذلك التحقيق دون الاستعانة بوسيط يقوم بالترجمة أو يطلب منها المتهم ذلك، ويكون طلبه خاضعاً لتقديرها. ولما كان الثابت أن الطاعن أو المدافع عنه لم يطلب من المحكمة الاستعانة بوسيط، وكان مثل هذا الطلب يتعلق بمصلحة خاصة به ولم ينبه إليها، فإنه لا يقبل منه النعي على المحكمة أنها سارت في إجراءات محاكمته دون أن تستعين بوسيط ما دام أنها لم تر من ناحيتها محلاً لذلك، وهو أمر موضوعي يرجع إليها وحدها في تقدير الحاجة إليه بلا معقب عليها في ذلك، كما أن حضور محام يتولى الدفاع عن الطاعن فيه ما يكفى لكفالة الدفاع عنه، فهو الذي يتتبع إجراءات المحاكمة ويقدم ما يشاء من أوجه الدفاع التي لم تمنعه المحكمة من إبدائها، ومن ثم فإن عدم استعانة المحكمة بمترجم ليس من شأنه أن يبطل إجراءات المحاكمة.
2- من المقرر أنه لا يلزم لاستخلاص الحقائق القانونية أن يكون مبنى ذلك الاستخلاص أدلة صريحة ومباشرة، بل للمحكمة أن تركن في سبيل تكون عقيدتها إلى ما تستخلصه من جماع الأدلة المطروحة عليها بطريق الاستنتاج والاستقراء وكافة الممكنات العقلية ما دام ما تخلص إليه من ذلك سليماً لا يخرج عن الاقتضاء العقلي والمنطقي، فلا ينال من سلامة الحكم أنه في حديثه عن تهمة ترويج العملة لم يدلل عليها بدليل مباشر، ويكون النعي على الحكم بالقصور من هذه الناحية غير سديد.
3 - من المقرر أن لمحكمة الموضوع سلطة مطلقة في الأخذ باعتراف المتهم في حق نفسه وعلى غيره من المتهمين - في أي دور من أدوار التحقيق - وإن عدل عنه بعد ذلك، متى اطمأنت إلى صحة اعترافه ومطابقته للحقيقة والواقع. ومن ثم فلا يقبل من الطاعن ما يثيره في طعنه في أمر يتصل بتقدير محكمة الموضوع ومحاولة مصادرتها في عقيدتها.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن وآخرين بأنهم في يوم 19/ 5/ 1959 بدائرة قسم شبرا محافظة القاهرة: المتهمان الأول والثاني - 1 - زيفا عملة معدنية متداولة قانوناً في الإقليم الجنوبي من الجمهورية العربية المتحدة بأن اصطنعا بطريق الصب قطعاً معدنية من فئة القرش والخمسة قروش والعشرة قروش على غرار القطع الصحيحة. 2 - روجا القطع المعدنية سالفة الذكر مع علمهما بتزييفها بأن دفعاها إلى التعامل على أنها صحيحة. 3 - حازا بغير مسوغ الأدوات المبينة الوصف والقيمة بالمحضر والتي تستعمل في تزييف العملة المعدنية والمتهم الثالث - روج قطعا معدنية من فئة الخمسة قروش والعشرة قروش مزيفة مع علمه بتزييفها بأن دفعها إلى التعامل على إنها صحيحة. والمتهم الرابع - روج قطعاً معدنية من فئة العشرة قروش مزيفة مع علمه بتزييفها بأن دفعها إلى التعامل على أنها صحيحة. وطلبت عقابهم بالمواد 202/ 1 و203/ 2 و204/ 2 مكرر من قانون العقوبات. فصدر الأمر بالإحالة إلى محكمة الجنايات. وأثناء نظر الدعوى أمام محكمة جنايات القاهرة دفع الحاضر مع المتهم الثاني ببطلان إذن التفتيش بمقولة عدم جدية التحريات. ثم قضت المحكمة المذكورة حضورياً بتاريخ 22/ 10/ 1961 عملاً بالمواد 45 و46 و202/ 1 و203/ 2 و204 مكرر من قانون العقوبات بالنسبة للمتهم الأول والمواد 40/ 2 - 3 و41 و45 و56 و202/ 1 و203/ 1 و204 مكرر من قانون العقوبات بالنسبة للمتهم الثاني (الطاعن) وذلك مع تطبيق المادة 32 من نفس القانون بالنسبة لكليهما. والمادة 203/ 1 من قانون العقوبات مع تطبيق المادة 17 من نفس القانون بالنسبة للمتهم الثالث. أولاً - بمعاقبة كل من المتهمين الأول والثاني (الطاعن) بالأشغال الشاقة لمدة عشر سنوات. وردت على الدفع قائلة إنه في غير محله. ثانياً - بمعاقبة المتهم الثالث بالحبس مع الشغل لمدة سنة واحدة. ثالثاً - ببراءة المتهم الرابع مما اسند إليه. رابعاً - بمصادرة النقود المزيفة والأدوات والآلات المضبوطة. فطعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض.... الخ.


المحكمة

حيث إن مبنى أوجه الطعن بطلان في الإجراءات وخطأ في القانون وفساد في الاستدلال وإخلال بحق الدفاع، ذلك أن التحقيق مع الطاعن ومحاكمته قد تمت دون الاستعانة بمترجم إذ أنه يجهل اللغة العربية وقد خلا التحقيق من إثبات ذلك وحاول الدفاع عنه بجلسة المحاكمة أن يلفت نظر المحكمة إلى ذلك إلا أنها اكتفت بسؤال الطاعن عن التهمة فأجاب بإيماءة من رأسه بالنفي مع أن القانون يوجب أن يكون التحقيق والمحاكمة مع مثله بالاستعانة بمترجم فإغفال ذلك يبطل إجراءات المحاكمة كما يبطل الحكم - كما أن الحكم المطعون فيه انتهى إلى رفض الدفع ببطلان إذن التفتيش بمقولة إن التحريات كانت جدية مع أن الطاعن أسس دفعه على أن التحريات لم تتضمن علمه بحصول التزييف في مسكنه ويكون رد الحكم على الدفع منطوياً على فهم خاطئ لمبناه. هذا إلى أن الحكم دان الطاعن دون قيام دليل ما على ثبوت الوقائع التي دانه من أجلها فلم يثبت أنه اصطنع القطع المعدنية أو أنه قام بترويجها وركن الحكم في إثبات حيازة الطاعن للأدوات المضبوطة إلى كونه مستأجرا للمسكن الذي ضبطت فيه تلك الأدوات مع أن حيازته للمسكن حيازة عارضة لا تصح قانوناً أن تكون أساساً للعلم بما يحدث بالمسكن وقد نفى الطاعن علمه بذلك وعدل المتهم الأول عن اعترافه الذي عولت عليه المحكمة كما التفتت المحكمة عن إجابة ما طلبه الطاعن من تحقيق دفاع المتهم الأول الذي يستفيد منه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه حصل واقعة الدعوى في أن مدير المكتب المركزي لمكافحة التزييف تحقق من التحريات والمراقبة أن الطاعن وآخر - هو المتهم الأول "كرياكو طناش بلاخوس" يقومان بتزييف العملة الفضية، ويمارسان أفعالهما في شقة أرشده إليها مرشده السري فاستصدر إذناً من النيابة بالضبط والتفتيش، وانتقل إلى هذه الشقة ترافقه قوة من الشرطة - فوجد بها المتهم الأول، وعثر داخل حجرتها الوحيدة على صندوق خشبي تعلوه سبائك متعددة وعديد من النقود المعدنية المزيفة من فئة العشرة قروش والقرش الصاغ وقطعة واحدة من فئة الخمسة قروش وملعقة بها سبيكة مصهورة مما يستعمل في التزييف وأدوات مختلفة للتزييف في وضع يكشف عن أن التزييف كان جارياً قبيل دخول رجال الشرطة للضبط والتفتيش. وإذ سأل الضابط المتهم الأول اعترف بالجرم موضحا أنه يقوم بالتزييف لحساب الطاعن وبالأدوات التي أحضرها له وفى مسكنه، وأن الطاعن كان موجوداً بالمسكن وقت القيام بالتزييف وانصرف قبل قدوم الشرطة بحوالي الساعة - وأورد الحكم على ثبوت هذه الواقعة في حق الطاعن ومن دانهما معه أدلة مستمدة من أقوال المقدم عادل حافظ غانم مدير المكتب المركزي لمكافحة التزييف والنقيب علي محمود علي وهبه والملازم أول عبد الحليم مصطفى المحلاوي ورجلي الشرطة السرية محمدي المليجي بيومي وإبراهيم عبد الهادي عبد الفتاح، ومن اعتراف المتهم الأول بتحقيقات النيابة ومما دل عليه تقرير قسم أبحاث التزييف والتزوير بمصلحة الطب الشرعي. وهى أدلة سائغة مؤدية للنتيجة التي انتهى إليها الحكم - ويبين من الاطلاع على محضر جلسة المحاكمة أن المحكمة واجهت الطاعن بالتهمة المسندة إليه فأومأ برأسه نافياً مقارفتها ولم يدع أنه لم يفهم مضمون ما واجهته المحكمة به كما أنه التزم في رده الإنكار دون أن يبدى أية أقوال حتى يحق له ردها إلى عدم فهمه بحقيقة سؤال المحكمة أو مرماه ولم يثر الطاعن ولا المدافع عنه شيئاً عن صحة أو بطلان إجراءات التحقيق الابتدائي أمام محكمة الموضوع فلا يقبل منه إثارة شيء من ذلك لأول مرة أمام محكمة النقض. و إذا كان الأصل أن تجرى المحاكمة باللغة الرسمية للدولة - وهى اللغة العربية. ما لم يتعذر على إحدى سلطتي التحقيق أو المحاكمة مباشرة إجراءات ذلك التحقيق دون الاستعانة بوسيط يقوم بالترجمة أو يطلب منها المتهم ذلك ويكون طلبه خاضعاً لتقديرها - وطالما كان الثابت أن الطاعن أو المدافع عنه لم يطلب من المحكمة ذلك وكان مثل هذا الطلب يتعلق بمصلحة خاصة به ولم ينبه إليها فإنه لا يقبل منه النعي على المحكمة أنها سارت في إجراءات محاكمته دون أن تستعين بوسيط ما دام أنها لم تر من ناحيتها محلاً لذلك وقد تبينت مدلول رد الطاعن على ما وجهته إليه وهو أمر موضوعي يرجع إليها وحدها في تقدير الحاجة إليه بلا معقب عليها في ذلك. ذلك إلى أن حضور محام يتولى الدفاع عن الطاعن فيه ما يكفى لكفالة الدفاع عنه فهو الذي يتتبع إجراءات المحاكمة ويقدم ما يشاء من أوجه الدفاع التي لم تمنعه المحكمة من إبدائها، لما كان ذلك، فإن عدم استعانة المحكمة بمترجم ليس من شأنه أن يبطل إجراءات المحاكمة، أما النعي على الحكم بالخطأ في القانون والفساد في الاستدلال فمردود بأن الحكم قد عرض للدفع ببطلان إذن التفتيش فقال "وحيث إن هذا الدفع غير سديد إذ أنه يكفى لصحة إذن النيابة بالتفتيش أن يكون رجل الضبطية القضائية قد علم من تحرياته واستدلالاته أن جريمة وقعت وأن هناك دلائل وأمارات قوية ضد من يطلب الإذن بتفتيشه أو تفتيش مسكنه دون اشتراط زمن معين ولا أدل على جدية التحريات من أن رجال المكتب المركزي لمكافحة تزييف وتزوير العملة بعد أن أبلغهم المرشد قاموا بتحريات واسعة ومراقبات انتهت بضبط أدوات التزييف والمتهم الأول يباشر نشاطه الإجرامي، ومن ثم يكون هذا الدفع على غير أساس ومتعين الرفض". لما كان ذلك، فإنه لا يجدي الطاعن ما يتمسك به من أن دفعه كان مؤسساً على أن التحريات لم تسفر عن علمه بحصول التزييف في مسكنه. وقد أفصحت المحكمة في ردها - دون معقب عليها - عن اطمئنانها إلى جدية التحريات وكفايتها في تسويغ ما أمرت النيابة به من ضبط للواقعة وتفتيش للمسكن ذلك إلى أن الحكم حصل مضمون التحريات في أنها أسفرت عن أن الطاعن يقوم مع المتهم الأول بتزييف العملة وقد دانه الحكم عن اشتراكه مع هذا المتهم في التزييف بطريق الإنفاق والمساعدة مما لا يجدي معه الادعاء بأن التحريات لم تسفر عن علمه بما يجرى في مسكنه - لما كان ذلك، وكان الثابت من مجموع ما أورده الحكم أنه استمد دليل ثبوت ما دان الطاعن به من اعتراف المتهم الأول تفصيلاً في تحقيق النيابة، ومن أن الطاعن هو مستأجر المسكن الذي كانت تباشر فيه أعمال التزييف وضبطت به أدواته والعملات المزيفة، واطمأن الحكم إلى ما ثبت لديه من أن عملية التزييف جرت في حضور الطاعن وقبيل مداهمة الشرطة للمسكن، وكلها عناصر صحيحة وسائغة ومؤدية إلى ما رتب عليها. وإذ كان من المقرر أنه لا يلزم لاستخلاص الحقائق القانونية أن يكون مبنى ذلك الاستخلاص أدلة صريحة ومباشرة، بل للمحكمة أن تركن في سبيل تكوين عقيدتها إلى ما تستخلصه من جماع الأدلة المطروحة عليها بطريق الاستنتاج والاستقراء وكافة الممكنات العقلية ما دام ما تخلص إليه من ذلك سليماً لا يخرج عن الاقتضاء العقلي والمنطقي، فلا ينال من سلامة الحكم أنه في حديثه عن الترويج لم يدلل عليه بدليل مباشر ويكون ما يزعمه الطاعن من قصور الحكم من هذه الناحية غير سديد. وأما عن حيازة أدوات التزييف فإن الحكم قد عرض لعلم الطاعن بأمرها وبما يجرى في مسكنه من أفعال التزييف وأثبت علم الطاعن بذلك على نحو يكشف عن مساهمته فيها بالاتفاق والمساعدة مما لا محل معه للخوض فيما إذا كانت حيازة الطاعن للمسكن تعتبر حيازة عارضة أم أنها حيازة دائمة ما دام الحكم قد دلل على العلم تدليلاً كافياً وسليماً - ولما كان من المقرر أن لمحكمة الموضوع سلطة مطلقة في الأخذ باعتراف المتهم في حق نفسه وعلى غيره من المتهمين - في أي دور من أدوار التحقيق وإن عدل عنه بعد ذلك متى اطمأنت إلى صحة اعترافه ومطابقته للحقيقة والواقع فلا يقبل من الطاعن ما يثيره في طعنه في أمر يتصل بتقدير محكمة الموضوع ومحاولة مصادرتها في عقيدتها - أما النعي على الحكم بدعوى الإخلال بحق الدفاع لأن المحكمة التفتت عن إجابة ما طلبه الطاعن من تحقيق دفاع المتهم الأول الذي يستفيد منه فإن الثابت من محضر جلسة المحاكمة أن أياً من محاميي الطاعن أو المتهم الأول لم يطلب من المحكمة إجراء تحقيق معين - ذلك إلى أن ما يثيره الطاعن من هذه الناحية في أسباب طعنه جاء مجهلاً وقاصراً عن بيان ماهية الطلب الذي ينعى على المحكمة التفاتها عن تحقيقه، لما كان ما تقدم، فإن ما يثيره الطاعن لا يكون له محل ويكون الطعن برمته على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.