أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثاني - السنة 14 - صـ 438

جلسة 21 من مايو سنة 1963

برياسة السيد المستشار/ السيد أحمد عفيفي، وبحضور السادة المستشارين: عادل يونس، وتوفيق الخشن، وأديب نصر، وحسين السركي.

(85)
الطعن رقم 2610 لسنة 32 القضائية

( أ ) إثبات. إقرار. "إقرار غير قضائي". محكمة الموضوع.
الإقرار الصادر من شخص في مذكرة أحوال مذيلة بتوقيعه. ماهيته: إقرار غير قضائي. خضوعه من حيث قوته التدليلية لتقدير قاضى الموضوع. له أن يتخذ منه حجة في الإثبات إذا اطمأن إليه. كما أن له أن يجرده من تلك الحجية. لا رقابة لمحكمة النقض عليه. متى كان تقديره سائغاً.
(ب) حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
لا تلتزم الأحكام أن تورد من أقوال الشهود إلا ما تقيم عليها قضاءها.
عدم إيراد الحكم أقوال بعض الشهود. مفاده: إطراح هذه الأقوال أخذا بأدلة الثبوت التي بينها.
(جـ) محكمة الموضوع. نقض "أسبابه. ما لا يقبل من الأسباب".
الجدل الموضوعي في تقدير أدلة الثبوت. استقلال محكمة الموضوع به.
1 - الإقرار الصادر من الطاعن في مذكرة الأحوال المذيلة بتوقيعه، يعتبر إقراراً غير قضائي يخضع من حيث قوته التدليلية لتقدير قاضى الموضوع، فله أن يتخذ منه حجة في الإثبات إذا اطمأن إليه، كما أن له أن يجرده من تلك الحجية دون أن يخضع في شيء من ذلك لرقابة محكمة النقض متى كان تقديره سائغاً.
2 - الأصل أن الأحكام لا تلتزم بأن تورد من أقوال الشهود إلا ما تقيم عليها قضاءها. ومن ثم فإن ما يعيبه الطاعن على الحكم المطعون فيه من القصور في إيراد أقوال الشهود الذين سمعتهم محكمة ثاني درجة مردود بأن ذلك يعتبر إطراحاً لأقوالهم أخذاً بأدلة الثبوت التي بينها.
3 - الجدل الموضوعي في تقدير أدلة الثبوت مما تستقل به محكمة الموضوع.


الوقائع

أقام المدعى بالحق المدني هذه الدعوى بالطريق المباشر أمام محكمة الفيوم الجزئية ضد الطاعن بوصف أنه في خلال الفترة من 16 مايو سنة 1958 إلى أكتوبر سنة 1959 بدائرة بندر الفيوم "بدد عقد البيع الصادر من عزيز شنوده إلى ملاك عيد كامل (والمتضمن شراء هذا الأخير 12 قيراطاً و9 أسهم أطياناً زراعياً بأن سلمه لملاك عيد كامل) وكان قد استلمه من المدعي بالحق المدني على وجه الوديعة إضراراً بمالكه". وطلب عقابه بالمادة 341 من قانون العقوبات وإلزامه بأن يدفع له مبلغ قرش صاغ على سبيل التعويض المؤقت مع المصاريف المدنية. والمحكمة المذكورة قضت حضورياً بتاريخ 11 يونيه سنة 1960 عملاً بمادة الاتهام بحبس المتهم شهرين مع الشغل وكفالة 300 قرش لوقف التنفيذ وإلزامه بأن يدفع للمدعى بالحق المدني مبلغ قرش صاغ على سبيل التعويض المؤقت والمصاريف المدنية. فاستأنف المتهم هذا الحكم. ومحكمة الفيوم الابتدائية - بهيئة استئنافية - قضت حضورياً بتاريخ 31 مايو سنة 1961 بقبول الاستئناف شكلاً وفى الموضوع برفضه وتأييد الحكم المستأنف وإلزام المتهم المصاريف المدنية. فطعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض.... إلخ.


المحكمة

حيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون والقصور في التسبيب، وبياناً لذلك يقول إنه كان قد دفع أمام محكمة أول درجة بعدم جواز إثبات عقد الأمانة موضوع الاتهام بالبينة إذ أن قيمته تجاوزت العشرة جنيهات فقضت المحكمة برفض هذا الدفع استناداً إلى مذكرة الأحوال المقدمة صورتها بالملف والتي أقر فيها الطاعن بتسلمه العقد وتعهد برده في خلال يومين، وقالت عن هذه المذكرة إنها ورقة رسمية تعتبر حجة بما دون فيها ولا يقبل إثبات عكس ما ورد بها إلا بدليل كتابي أو بالأقل في حالة وجود مبدأ ثبوت بالكتابة تعززه البينة والقرائن - وهذا الذي قاله الحكم الابتدائي وأخذ به الحكم الاستئنافى المطعون فيه لا يتفق وصحيح القانون. ذلك لأن المحاضر التي يحررها رجال الضبط القضائي بكل ما تحويه من بيانات لا تعدو أن تكون من عناصر الإثبات التي تطرح على بساط البحث أمام المحكمة وتقبل الجدل والمناقشة ولأطراف الخصوم الطعن فيها دون سلوك سبيل الطعن بالتزوير بما لا حاجة معه إلى استلزام الدليل الكتابي لنفى ما ورد بهذه المذكرة هذا إلى أن إقرار الطاعن المشار إليه لا يعتبر إقراراً قضائياً يصح التعويل عليه وحده في إثبات عقد الأمانة لمجرد توقيع الطاعن عليه بل إنه من الجائز اعتباره مبدأ ثبوت بالكتابة يصح تكملته بالبينة. وفضلاً عما تقدم فقد استخلصت المحكمة قيام المانع الأدبي استخلاصاً غير سائغ فالثابت من الأوراق أن هناك خصومة بين المطعون ضده (المدعي المدني) وشقيقته زوجة الطاعن لا يمكن القول معها بوجود هذا المانع. وقد أغفلت المحكمة دفاع الطاعن في هذا الخصوص ولم ترد عليه. كما أن الحكم عول على أقوال المدعي المدني وحده في إثبات عقد الوديعة مع أنها إخبار يحق لنفسه على غيره فلا يعتبر شهادة يصح الاعتماد عليها وبذلك يكون الحكم قد خالف القواعد المقررة قانوناً في الإثبات. أثار الطاعن كل ذلك أمام محكمة ثاني درجة التي سمعت الشهود في الدعوى وانتهت إلى تأييد الحكم المستأنف دون أن تناقش أقوال هؤلاء الشهود فجاء حكمها معيباً بالقصور فضلاً عما انطوى عليه من خطأ في القانون.
وحيث إن الحكم الابتدائي المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه وإن تحدث عن قيام المانع الأدبي الذي منع المدعي المدني من الحصول على كتابة مثبتة لإيداع العقد موضوع الاتهام لدى الطاعن وعن حق المطعون ضده في إثبات الإيداع بالبينة إلا أنه عقب على ذلك بالإسناد إلى الإقرار الصادر من الطاعن في مذكرة الأحوال فقال ".... إلا أن المتهم وقد أقر في مذكرة الأحوال المحررة في 10/ 10/ 1959 ببندر الفيوم والمقدمة صورتها الرسمية من المدعى بالحق المدني بواقعة استلامه منه العقد موضوع الاتهام وتعهده برده إليه وتسوية النزاع في خلال يومين ولم ينكر المتهم صحة ما ورد بهذه الصورة ومطابقتها للأصل ومن ثم فهي تعتبر حجة عليه (مادة 392 مدني) ولا ترى المحكمة موجباً لضم الأصل ومفاد ذلك أن الحكم قد عول بصفة أساسية في إثبات عقد الأمانة على إقرار الطاعن في مذكرة الأحوال المحررة بقسم شرطة بندر الفيوم في 10/ 10/ 1959 بتسلمه عقد البيع موضوع الاتهام من المدعي بالحق المدني ووعده برده. واعتبر هذا الإقرار دليلاً كاملاً في إثبات قيام ذلك العقد. لما كان ذلك، وكان الإقرار الصادر من الطاعن في مذكرة الأحوال المذيلة بتوقيعه يعتبر إقراراً غير قضائي يخضع من حيث قوته التدليلية لتقدير قاضى الموضوع فله أن يتخذ منه حجة في الإثبات إذا اطمأن إليه كما أن له أن يجرده من تلك الحجية دون أن يخضع في شيء من ذلك لرقابة محكمة النقض متى كان تقديره سائغاً. لما كان ما تقدم، وكان الحكم لم يخطئ التقدير فيما انتهى إليه فإن ما ينعاه الطاعن عليه من الخطأ وفساد استدلاله على قيام المانع الأدبي بسبب الخصومة بينه وبين شقيقة زوجة الطاعن لا يجديه. ولما كان ما يعيبه الطاعن على الحكم المطعون فيه من القصور في إيراد أقوال الشهود الذين سمعتهم محكمة ثاني درجة مردوداً بأن ذلك يعتبر اطراحاً لأقوالهم أخذا بأدلة الثبوت التي بينها فضلاً عن أن الأصل أن الأحكام لا تلتزم بأن تورد من أقوال الشهود إلا ما تقيم عليه قضاءها. وأما باقي ما يثيره الطاعن فلا يخرج عن كونه جدلاً موضوعياً في تقدير أدلة الثبوت مما تستقل به محكمة الموضوع. لما كان كل ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد بين واقعة الدعوى بما تتوافر به العناصر القانونية لجريمة خيانة الأمانة التي دان الطاعن بها وأورد على ثبوتها في حقه أدلة سائغة تؤدى إلى ما رتبه عليها فإن ما يثيره الطاعن في طعنه لا يكون مقبولاً ويتعين لذلك رفض الطعن موضوعاً.