أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثاني - السنة الثانية - صـ 814

جلسة 21 من مارس سنة 1951
(308)
القضية رقم 1616 سنة 20 القضائية

برياسة حضرة صاحب العزة أحمد فهمي إبراهيم بك وكيل المحكمة، وبحضور حضرات أصحاب العزة: أحمد حسني بك وحسن إسماعيل الهضيبي بك وإبراهيم خليل بك ومحمد أحمد غنيم بك المستشارين.
أ - طعن. طعن لا مصلحة منه. لا يقبل.
ب - تهديد مصحوب بطلب. القصد الجنائي. قصد تنفيذ التهديد بالفعل أو تعرف الأثر الفعلي للتهديد في نفس المجني عليه. لا يهم.
ج - تهديد مصحوب بطلب حق للمتهم. لا تحميه المادة 60 من قانون العقوبات.
1 - من حكم له بما طلب لا يقبل منه الطعن في هذا الحكم لانتفاء مصلحته من الطعن.
2 - القصد الجنائي في جريمة التهديد المصحوب بطلب يتوافر متى ثبت لدى المحكمة أن الجاني ارتكب التهديد وهو يدرك أثره من حيث إيقاع الرعب في نفس المجني عليه وأنه يريد تحقيق ذلك الأثر بما قد يترتب عليه أن يذعن المجني عليه راغماً إلى إجابة الطلب. وذلك بغض النظر عما إذا كان الجاني قد قصد إلى تنفيذ التهديد فعلاً ومن غير حاجة إلى تعرف الأثر الفعلي الذي أحدثه التهديد في نفس المجني عليه.
3 - التهديد بالتبليغ عن جرائم تتضمن نسبة أمور خادشة للشرف في سبيل الحصول على حق لا تحميه المادة 60 من قانون العقوبات. [(1)]


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه بدائرة قسم العطارين محافظة الإسكندرية أولاً: هدد إدوار كورمي كتابة بإفشاء ونسبة أمور مخدشة بشرفه وكان التهديد مصحوباً بطلب بأن أرسل إليه كتاباً بالبريد يهدده فيه بإبلاغ النائب العام لدى المحاكم المختلطة بإفلاسه في 5/ 12/ 1932 وما وقع منه من ضروب الحيل التدليس بقصد الحصول على الثروة بالباطل وذلك إن لم يدفع له مبالغ من المال فصلها في كتابه. ثانياً: قذف في حق إدوار كورمي بأن أسند إليه علناً ارتكاب الجرائم الآتية: 1 - التهرب من أداء الضرائب الواجبة قانوناً بإخفاء رباحه متلاعباً في دفاتره تحقيقاً لهذا الغرض. و2 - إفلاسه بالتدليس في سنتي 1932, 1940. و3 - اختلاسه أموال المتهم. و4 - وضعه عمداً النار في "خيش" بالدائرة الجمركية. و5 - محاولته الاستيلاء بطريق الاحتيال على أموال لشركة نترات الصودا الشيلي. و6 - تقديمه رشوة إلى موظف عمومي هو الأستاذ مصطفى جلال رفاعي مراقب التثمينات بمصلحة الجمارك لأداء عمل من أعمال وظيفته. ثالثاً: قذف في حق جون موريس بأن أسند إليه علناً الاشتراك بطريق الاتفاق مع إدوار كورمي في إحداث الحريق ورشوة الأستاذ مصطفى جلال وهما الجريمتان سالفتا الذكر في التهمة السابقة. رابعاً: قذف في حق الأستاذ مصطفى جلال أن أسند إليه باعتباره موظفاً عمومياً مراقب التثمينات بمصلحة الجمارك قبوله رشوة لأداء عمل من أعمال وظيفته. خامساً: أخبر حكاماً قضائيين وإداريين بأمور كاذبة نسبها إلى إدوار كمورمي وجون موريس والأستاذ مصطفى جلال وكان ذلك من سوء القصد بأن قدم ضدهم الشكاوى المبينة بالتحقيقات. سادساً: سب علناً إدوار كورمي وجون موريس بأن وجه إليهما العبارات التي تضمنها التحقيق. وطلبت عقابه بالمواد 327 - 1, 171, 302, 303 و305, و306 من قانون العقوبات. وقد ادعى كل من إدوار كورمي وجون موريس (وقد حلت محله بعد وفاته زوجته مدام وسبينا موريس) ومصطفى جلال بك بحق مدني قدره 51 جنيهاً على سبيل التعويض المؤقت قبل المتهم. ومحكمة العطارين قضت عملاً بالمادة 172 من قانون تحقيق الجنايات ببراءة المتهم مما أسند إليه ورفض الدعوى المدنية قبله مع إلزام رافعها بمصروفاتها المدنية ومبلغ 500 قرش أتعاب المحاماة. فاستأنف المدعون بالحق المدني كما استأنفته النيابة ومحكمة إسكندرية الابتدائية قضت أولاً: وفي الدعوى العمومية بإلغاء الحكم المستأنف بالنسبة لتهمتي التهديد والسب وبحبس المتهم ثلاثة أشهر مع الشغل عنهما وأمرت بوقف تنفيذ العقوبة لمدة خمس سنوات تبدأ من اليوم وتأييده فيما قضى به عن باقي التهم. وثانياً: وفي الدعوى المدنية بإلغاء الحكم المستأنف بالنسبة لإدوار كورمي ومدام وسبينا موريس وبإلزام المتهم أن يدفع لكل منهما مبلغ 51 جنيهاً والمصاريف المدنية ومبلغ ألف قرش مقابل أتعاب المحاماة عن الدرجتين وتأييده فيما عدا ذلك. فطعنت النيابة وجرجس سليمان جرجس في هذا الحكم بطريق النقض كما طعن فيه أيضاً الأستاذ فتحي البوريني الوكيل عن الطاعنين الأول والثالث (إدوار كورمي ومصطفي جلال بك المدعين بالحق المدني) ولم تقرر المدعية بالحق المدني الطعن بالنقض... إلخ.


المحكمة

... من حيث إن مدام وسبينا موريس أحد المدعين بالحقوق المدنية قدمت أسباباً للطعن مع المدعين الآخرين إلا أنها لم تقرر بالطعن فإن طعنها يكون غير مقبول شكلاً.
وحيث إنه بالنسبة إلى إدوار كورمي أحد المدعين بالحقوق المدنية فإنه يبين من الاطلاع على أوراق الدعوى أنه طلب القضاء له بتعويض قدره 51 جنيهاً وقد قضى الحكم المطعون فيه له بهذا المبلغ كاملاً. ومن ثم فلا يجوز له الطعن على الحكم لانتفاء المصلحة ويتعين الحكم بعدم جواز الطعن المقدم منه.
وحيث إنه بالنسبة إلى النيابة العمومية ومصطفى جلال بك المدعي بالحقوق المدنية الثالث وجرجس سليمان جرجس (المتهم) فإن الطعن قد استوفى الشكل المقرر بالقانون.
وحيث إن أوجه الطعن المقدمة من النيابة العمومية ومصطفى بك جلال أحد المدعين بالحقوق المدنية تتحصل في القول أولاً: أن المحكمة أخطأت في تطبيق المادة 32 من قانون العقوبات على اعتبار أن جريمتي التهديد والسب اللتين دين بهما الطاعن (جرجس سليمان جرجس) مرتبطتان ارتباطاً لا يقبل التجزئة لصدورهما عن فكرة إجرامية واحدة مع أن الواقع أن لا ارتباط للخلاف الزمني بين الجريمتين ولانفراد أحد المدعين بتهمة التهديد دون المدعي الآخر وإن اتحدا في جريمة السب. كما أخطأ الحكم في تأسيس براءة الطاعن من تهمة القذف على ثبوت براءته من تهمة البلاغ الكاذب ارتكاناً إلى المادة 304 من قانون العقوبات وأن الطاعن لم يكن ينتوي العلانية بل رمى إلى تحقيق الوقائع التي ضمنها البلاغات المقدمة منه ذلك لأن جريمة القذف تتوافر أركانها بمجرد إسناد وقائع معينة لو صحت لأوجبت مسئولية من أسندت إليه أو احتقاره بشرط توافر العلانية في هذا الإسناد. ولا يترتب على الحكم بالبراءة من تهمة البلاغ الكاذب أن تنهار هذه الجريمة بطريق اللزوم القانوني بل هي تتوافر حتى لو اتضح أن الوقائع المسندة صحيحة ولا محل هنا لتطبيق المادة 304 من قانون العقوبات التي أشار إليها الحكم كما أن ركن العلانية متوافر بتداول البلاغات بين كثيرين مما يتحقق معه قصد الإذاعة. ثانياً: شاب الحكم المطعون فيه قصور إذ مع إدانة الطاعن بتهمة السب وهي تتطلب توافر ركن العلانية فإنه أيد حكم محكمة أول درجة الذي قضى ببراءته من تهمة القذف لعدم توافر العلانية واعتمد في ذلك إلى أسباب ذلك الحكم وهذا تناقض يعيبه - كذلك استند في الاستدلال على عدم ثبوت جريمة البلاغ الكاذب إلى غير الثابت بالأوراق وإلى القول بأن التحقيق الرئيسي لم يتم إلا بناءً على بلاغ من المدعين مع أن الثابت أن جزءاً كبيراً منه أجرى بناءً على بلاغ الطاعن (جرجس سليمان جرجس) ويضيف المدعي المدني (مصطفى جلال بك) أن الحكم قضى برفض دعواه عن تهمتي البلاغ الكاذب والقذف بمقولة إن حكم البراءة يهدم الدعوى المدنية وهذا غير صحيح في القانون لأن الحكم بالبراءة لعدم توافر أركان الجريمة لا يمنع من القضاء بالتعويض المدني.
وحيث إن أوجه الطاعن المقدمة من الطاعن (جرجس سليمان جرجس) تتحصل في القول أولاً: بأن المحكمة أخطأت في تطبيق القانون إذ دانته بجريمة التهديد تأسيساً على أن القصد الجنائي يتوافر في تلك الجريمة بإقدام الجاني على توجيه التهديد وهو مدرك لأثره من إيقاع الرعب والفزع في نفس المجني عليه بصرف النظر عن الأثر الفعلي الذي يحدث به نتيجة لهذا التهديد إذ لابد أن يكون التهديد جدياً وأن يكون من شأنه التأثير في نفس المجني عليه وأن يكون المهدد عالماً مبلغ هذا التأثير فيه والحكم المطعون فيه لم يعن ببحث ذلك كما أخطأ في إطراحه دفاع الطاعن بأن التهديد بالتبليغ عن جرائم في سبيل الحصول على حق هو فعل لا جريمة فيه طبقاً للمادة 60 من قانون العقوبات التي تعفي من العقاب كل من ارتكب فعلاً بنية سليمة عملاً بحق مقرر بمقتضى القانون فمن باب أولى يكون الإعفاء لمن ارتكب التهديد بإتيان هذا الفعل وهو في واقعة الدعوى التبليغ عن جرائم اعتقد الطاعن بحسن نية أن المدعين بالحقوق المدنية ارتكبوها فعلاً والطلب الذي صاحب التهديد هو تكليفهم بدفع ما يستحقه من مبالغ طرفهم وليس في كلا الأمرين جريمة. ثانياً: جاء الحكم المطعون فيه مشوباً بالتناقض إذ دان الطاعن بتهمة التهديد وبرأه من تهمة البلاغ الكاذب والقذف على أساس أنه لم يقم دليل على كذب الوقائع وأن من حق كل إنسان أن يبلغ السلطات المختصة عما يعتقد وقوعه من جرائم ومفاد ذلك أنه عوقب على مجرد إظهار العزم على التبليغ وبرئ من العمل الذي نفذ به هذا العزم وأخيراً يضيف الطاعن أن الحكم وقع في تناقض آخر إذ دانه بتهمة السب وبرأه من تهمة القذف مع ارتباط وقائع هاتين التهمتين ارتباطاً لا يقبل التجزئة ولأنه مع تأييده حكم محكمة أول درجة عن البراءة من تهمة القذف لعدم توافر العلانية اعتبرها متوافرة عن تهمة السب فضلاً عن أن المحكمة لم تواجه الطاعن بالعبارات التي اعتبرتها سباً حتى كان يستطيع أن يبدي دفاعه بشأنها.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى عن تهمة التهديد المصحوب بطلب التي دان بها الطاعن بما تتوافر فيه جميع العناصر القانونية لتلك الجريمة ولا محل لما ينعاه الطاعن (جرجس سليمان جرجس) من إغفال الحكم التحدث عن أثر التهديد في نفس المدعين بالحقوق المدنية إذ يتوافر القصد الجنائي في تلك الجريمة متى ثبت لدى المحكمة أن الجاني ارتكب التهديد وهو يدرك أثره من حيث إيقاع الرعب في نفس المجني عليه وأنه يريد تحقيق ذلك الأثر بما قد يترتب عليه أن يذعن المجني عليه راغماً إلى إجابة الطلب وذلك بغض النظر عما إذا كان الجاني قد قصد إلى تنفيذ التهديد فعلاً ومن غير حاجة إلى تعرف الأثر الفعلي الذي أحدثه التهديد في نفس المجني عليه, لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد تعرض لدفاع الطاعن المذكور من استناده إلى المادة 60 من قانون العقوبات ففنده إذ قال "وحيث إن ما قال به المتهم في درء تهمة التهديد عن نفسه استناداً إلى أنه حق مخول له استعمله في حدود المادة 60 من قانون العقوبات وأنه لا محل لتطبيق المادة 327 - 1 ع إلا في حدود ونطاق المادة 60 ع فإن هذا القول يتنافى ويتجافى مع القواعد القانونية ذلك لأنه إذا كان المسلم به أن من حق كل إنسان أن يبلغ عن جرائم وأن من حق كل إنسان أن يطالب آخر بما له من ديون أو مبالغ فإنه لا يمكن البتة أن يتولد من بين هذين الحقين أن يباح له ارتكاب جرائم يعاقب عليها القانون في سبيل الوصول إليها فلا ينكر عليه أحد أن يبلغ عما نمى إلى علمه من جرائم ولا ينكر عليه أحد أن يطالب بما له من حقوق على الغير ولكن المحرم عليه قانوناً أن يربط هذين الحقين ويخلق منهما جريمة يعاقب عليها القانون وهي التهديد بالإبلاغ إن لم يبلغ للمتهم ما يزعمه من حقوق وفي هذا كله نسبة أمور للمجني عليه مخدشة بشرفه. وحيث إنه فيما يتعلق بتطبيق المادة 60 ع لبيان مدى انطباقها على واقعة الدعوى فإنما المادة المذكورة شرعت أصلاً لتحمي حقوقاً اكتسبها الأفراد بمقتضى قوانين خاصة وفي استعمال هذه الحقوق شبهة الجريمة التي تنطوي تحت ظل قانون العقوبات فأراد الشارع حماية مرتكبها إذا وقعت في حدود القوانين الخاصة كحق تأديب الزوج على زوجته أو الإصابات التي تقع من شخص على آخر في الألعاب الرياضية ولم يقل أحد بأن التهديد حق حماه أي قانون خاص". ولما كان هذا الذي قاله الحكم صحيحاً في القانون فلا محل لما يثيره الطاعن في هذا الشأن.
وحيث إنه فيما يتعلق بتهمة البلاغ الكاذب فقد تبين من الاطلاع على المفردات التي أمرت المحكمة بضمها تحقيقاً لهذا الوجه من الطعن أن ما تدعيه الطاعنة من خطأ في الإسناد إنما هو مجرد استخلاص سائغ من مجموع الوقائع الثابتة في التحقيق كما تبين أيضاً أن الطاعن (جرجس سليمان جرجس) قدم أوراقاً لإثبات عكس ما قال به المدعون فإذا كانت المحكمة لم تعن بالرد عليها كما تقول النيابة العمومية فإن هذا القول مردود بأن المحكمة غير ملزمة قانوناً بمتابعة الخصوم والرد على كل جزئية من جزئيات دفاعهم.
وحيث إنه عن تهمتي القذف والسب فإن الثابت من الحكم المطعون فيه أن هذا الطاعن قد ضمن بلاغاته بعض الوقائع التي نسبها إلى المدعين بالحقوق المدنية وأنه لم يقم الدليل على أن ما جاء بهذه البلاغات من وقائع القذف والسب كانت كاذبة ومن ثم كان القصد الجنائي في هاتين الجريمتين غير متوافر ويكون الحكم المطعون فيه إذ قضى ببراءته من تهمة القذف لا يكون قد أخطأ. أما ما ذهب إليه الحكم المطعون فيه من قيام جريمة السب فإن الثابت مما جاء بالحكم عن عبارات السب التي تضمنتها البلاغات ودين بها الطاعن في خصوصية هذه الدعوى لا تخرج عن معنى عبارات القذف إذ هي - في خصوص هذه الدعوى - ترديد لمعنى عبارات القذف التي برئ الطاعن منها, لما كان ذلك فإن الحكم المطعون فيه وقد قضى بإدانته بجريمة السب يكون قد أخطأ ويتعين نقضه بالنسبة إلى هذه التهمة وبراءته منها. أما ما جاء بطعن مصطفى جلال بك أحد المدعين بالحقوق المدنية من القول بخطأ الحكم برفض دعواه المدنية تأسيساً على عدم ثبوت تهمة البلاغ الكاذب فمردود بأن الحكم المطعون فيه قد بين أن واقعة القذف التي أسندها المتهم إلى المدعي المذكور لم يثبت كذبها بوجه قاطع فإذا كان الحكم قد رتب على ذلك رفض دعوى التعويض فإنه لا يكون قد أخطأ.
وحيث إنه لما تقدم يتعين نقض الحكم فيما قضى به من إدانة عن تهمة السب وبراءة الطاعن (جرجس سليمان جرجس) منها ورفضه فيما عدا ذلك.


[(1)] هذه هي قاعدة الحكم المطعون فيه وقد أقرتها محكمة النقض.