أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثاني - السنة 14 - صـ 451

جلسة 27 من مايو سنة 1963

برياسة السيد المستشار/ محمود حلمي خاطر، وبحضور السادة المستشارين: عبد الحليم البيطاش، ومختار رضوان، ومحمد صبري وأحمد موافي.

(88)
الطعن رقم 2950 لسنة 32 القضائية

( أ ) حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب". "ما لا يعيب الحكم في نطاق التدليل". شهود. محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير الدليل".
اختلاف الشهود في تفصيلات معينة. أمر لا يعيب الحكم. شرط ذلك: أن يكون قد حصل أقوالهم بما لا تناقض فيه، ولم يورد هذه التفصيلات أو يستند إليها في تكوين عقيدته. علة ذلك: لمحكمة الموضوع في سبيل تكوين عقيدتها السلطة المطلقة في تقدير الدليل. لها أن تأخذ بما تطمئن إليه من أقوال الشاهد وتطرح ما عداها، دون أن تكون ملزمة ببيان العلة. الأمر مرجعه إلى اقتناعها هي وحدها. عدم إيراد الحكم لتلك التفصيلات يفيد اطراحها.
(ب، جـ) حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب". سبق إصرار. مسئولية جنائية.
(ب) استظهار الحكم أن الضغينة ولدت في نفس الطاعنين أثراً دفعهما إلى ارتكاب الجريمة بعد تفكير وروية وتدبير. استخلاصه توافر سبق الإصرار. استخلاص سليم وصحيح في القانون.
(جـ) سبق الإصرار المبنى على ثبوت اتفاق المتهمين على ضرب المجني عليه. أثره: مساءلة كل منهم عن نتيجة الضرب الذي حصل الاتفاق عليه. سواء ما وقع منه أو من زملائه. إدانة الحكم كلاً من الطاعنين بجناية العاهة التي تخلفت للمجني عليه من جراء إحدى الضربات. صحيح.
1 - من المقرر أنه لا يعيب الحكم اختلاف الشهود في تفصيلات معينة ما دام قد حصل أقوالهم بما لا تناقض فيه، ولم يورد هذه التفصيلات أو يستند إليها في تكوين عقيدته، ذلك أن لمحكمة الموضوع في سبيل تكوين عقيدتها السلطة المطلقة في تقدير الدليل، فلها أن تعتمد على ما تطمئن إليه من أقوال الشاهد وأن تطرح ما عداها، وهى إذ تفعل ذلك لا تكون ملزمة ببيان العلة، لأن الأمر مرجعه إلى اقتناعها هي وحدها، وفى عدم إيراد الحكم لهذه التفصيلات ما يفيد اطراحها.
2- متى كان المستفاد من الحكم أن استظهر أن الضغينة ولدت في نفس الطاعنين أثراً دفعهما إلى ارتكاب الجريمة بعد تفكير وروية وتدبير، فإن استخلاصه لظرف سبق الإصرار يكون سليماً وصحيحاً في القانون.
3 - من المقرر أن سبق الإصرار المبنى على ثبوت اتفاق المتهمين على ضرب المجني عليه يجعل كلاً منهم مسئولاً عن نتيجة الضرب الذي حصل الاتفاق عليه، سواء ما وقع منه أو من زملائه. ومن ثم فإن الحكم إذ دان الطاعنين كليهما بجناية العاهة التي تخلفت للمجني عليه من جراء إحدى الضربات، يكون صحيحاً.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعنين بأنهما في يوم 18 نوفمبر سنة 1960 بدائرة مركز المحلة الكبرى محافظة الغربية: أولاً - أحدثا "بالسيد (محمد شلبي) الإصابات الموصوفة بالتقرير الطبي الشرعي والتي نشأت عن إحداها عاهة مستديمة يستحيل برؤها هي فقد جزء من عظام الجدارية اليمنى لا ينتظر ملؤه ه بالعظام ولكن يملأ بنسيج ليفي مما يفقد المخ جزءاً من وقايته الطبيعية ضد التغيرات الجوية والإصابات البسيطة مما يجعله عرضه للإصابات بضربات الشمس والتهابات السجايا وخراريج المخ والصرع وتقدر بحوالي 12% وكان ذلك عن سبق إصرار. ثانياً - أحدثا (بيومي أحمد بسيوني) الإصابات المبنية بالتقرير الطبي والتي تقرر لعلاجها مدة لا تزيد على عشرين يوماً وكان ذلك مع سبق إصرار. وطلبت من غرفة الاتهام إحالة المتهمين إلى محكمة الجنايات لمحاكمتهما طبقاً لنص المادتين 240/ 1 - 2 و242/ 1 - 2 من قانون العقوبات. فقررت الغرفة ذلك. ومحكمة جنايات طنطا قضت حضورياً بتاريخ 8 نوفمبر سنة 1961 عملاً بمادتي الاتهام مع تطبيق المادتين 32 و17 من قانون العقوبات بمعاقبة كل من الطاعنين بالسجن لمدة ثلاث سنين. فطعن الطاعنان في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.


المحكمة

حيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعنين بأنهما أحدثا عمداً إصابات بالمجني عليهما تخلف عن إصابة منها بأحدهما عاهة مستديمة قد انطوى على تناقض وقصور في التسبيب وخطأ في تطبيق القانون ذلك أنه حصل واقعة الدعوى في أن الطاعنين اعتديا على المجني عليهما فأحدثا بأحدهما وهو السيد محمد شلبي جروحاً رضية بالرأس وكسراً منخسفاً بعظم الجدارية اليمنى تخلفت عنه عاهة وهو ما يخالف أقوال هذا المجني عليه في تحقيق النيابة وما حصله الحكم من أقواله من أن الضارب له على رأسه هو الطاعن الأول وأن الطاعن الثاني ضربه على ذراعه كما أورد الحكم أقوال شاهدي الإثبات عبد الصادق عبد الله وتهامي البدراوي على أنهما نقلاً عن المجني عليهما اتهام المتهمين بالاعتداء عليهما مع أنهما اختلفا في وقائع جوهرية فقد ذكر أولهما أن الحادث وقع في الظلام وهو ما ينفى استطاعة المجني عليهما رؤية الطاعنين في حين أن المجني عليه بيومي محمد البسيونى ذكر أن ثمة ضوءاً كان ينبعث من نار مشتعلة مكنه من الرؤية وهو قول يختلف مع ما رواه الشاهد في هذا الصدد، كذلك أغفل الحكم أقوال الشاهد إبراهيم مكاوي الذي شهد أنه سمع من المجني عليهما أن المعتدين أربعة أشخاص وكان يتعين على المحكمة أن تقول كلمتها في هذا التناقض. كما استند الحكم في القول بتوافر ظرف سبق الإصرار إلى أقوال المجني عليهما مع أن المجني عليه بيومي أحمد بسيونى والشهود نور الدين مرسى عمران وعبد المعطى فوده وعمدة البلدة شهدوا أن النزاع القديم قد انتهى صلحاً فضلاً عن أن هذا النزاع بذاته لا ينتج ضغينة تدعو لتدبير أو إصرار وبانتفاء ظرف سبق الإصرار تكون التهمة شائعة وبفرض أن المجني عليه نسب العاهة إلى الطاعن الأول فإن الطاعن الثاني يكون غير مسئول عنها وتكون العقوبة المتعين توقيعها عليه هي عقوبة الضرب البسيط.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما مؤداه أن الطاعنين انهالا على المجني عليه السيد محمد شلبي ضرباً بالعصي الغليظة على رأسه وجسمه كما ضربا المجني عليه الثاني أيضاً ولما كان هذا القول لا يناقض ما حصله الحكم من أقوال المجني عليه الأول من أن الطاعن الأول ضربه على رأسه وأن الطاعن الثاني ضربه على ذراعه وكان الحكم قد عرض لأقوال المجني عليهما من رؤيتهما للطاعنين يعتديان عليهما ورد على دفاع الطاعنين في هذا الشأن بأن المحكمة مطمئنة لأقوال المجني عليهما لما أكداه من تعرفهما على الطاعنين أثناء الحادث لأنهما كانا ملتصقين بهما وقت الاعتداء فلم يحل ظلام الليل دون تحققهما منهما، وكان ما أورده الحكم في هذا الشأن سائغاً وسليماً وكان من المقرر أنه لا يعيب الحكم اختلاف الشهود في تفصيلات معينة ما دام قد حصل أقوالهم بما لا تناقض فيه ولو يورد هذه التفصيلات أو يستند إليها في تكوين عقيدته ذلك أن لمحكمة الموضوع في سبيل تكوين عقيدتها أن تعتمد على ما تطمئن إليه من أقوال الشاهد وأن تطرح ما عداها وفى عدم إيراد الحكم لهذه التفصيلات ما يفيد اطراحها، وكان يبين من الحكم المطعون فيه أنه لم يستند إلى أقوال إبراهيم مكاوي. وكان من المقرر أن لمحكمة الموضوع السلطة المطلقة في تقدير الدليل فلها أن تأخذ بما تطمئن إليه من أقوال الشهود المختلفة وتطرح أقوال من لا تثق فيه ولا تطمئن إلى صحة روايته وهى إذ تفعل ذلك لا تكون ملزمة ببيان العلة لأن الأمر مرجعه إلى اقتناعها هي وحدها، لما كان ذلك، فإن الحكم المطعون فيه لا يعيبه عدم الرد على ما أدلى به الشاهد السالف الذكر من أقوال تناقض أقوال باقي الشهود بفرض صحة هذه الواقعة ما دام قد اطرح هذه الأقوال برمتها. ومن ثم يكون ما أثاره الطاعنان في هذا الصدد غير سديد. ولما كان الحكم قد استخلص ظرف سبق الإصرار بقوله "وحيث إنه واضح من ظروف الحادث وقيام الباعث عليه على ما شهد به المجني عليهما وما اعترف به المتهم الأول (الطاعن الأول) أن المتهمين دبرا أمر الاعتداء الذي وقع منهما وأعدا له عدته فحملا العصي الغليظة وانتهزا فرصة وجود المجني عليهما منفردين في الحقل فتسللا إليهما تحت جنح الظلام وانقضا معاً عليهما وأوسعاهما ضرباً بالعصي ومن ثم فقد كان اقترافهما الجريمة عن إصرار سابق ويعتبران معاً مسئولين عن نتيجتها وهى إصابة المجني عليه محمد السيد شلبي بالعاهة وإصابة زميله بيومي أحمد بسيونى بإصابات عولج من أجلها مدة تقل عن العشرين يوماً" كما حصل الحكم الضغينة عندما أورد أقوال المجني عليه الأول السيد محمد شلبي بأنه ضبط الطاعن الأول منذ يومين سابقين على الحادث متلبساً بسرقة ذرة فأبلغ العمدة ضده فاغتاظ منه - وكان المستفاد من الحكم أنه استظهر أن الضغينة ولدت في نفس الطاعنين أثراً دفعهما إلى ارتكاب الجريمة بعد تفكير وروية وتدبير فإن استخلاصه لظرف سبق الإصرار يكون سليماً وصحيحاً في القانون، ولما كان من المقرر أن سبق الإصرار المبنى على ثبوت اتفاق المتهمين على ضرب المجني عليه يجعل كلاً منهم مسئولاً عن نتيجة الضرب الذي حصل الاتفاق عليه سواء ما وقع منه أو من زملائه. لما كان ذلك، فإن الحكم إذا دان الطاعنين كليهما بجناية العاهة يكون صحيحاً.
وحيث إنه لما تقدم يكون الطعن برمته في موضوعه على غير أساس ويتعين رفضه.