أحكام النقض - المكتب الفني - جنائى
العدد الأول - السنة 8 - صـ 33

جلسة 14 من يناير سنة 1957

برياسة السيد حسن داود المستشار، وبحضور السادة: محمود إبراهيم إسماعيل، ومحمود محمد مجاهد، ومحمد محمد حسنين، وأحمد زكى كامل المستشارين.

(9)
القضية رقم 1354 سنة 26 القضائية

(أ) إثبات. خبير. قتل. عدم تقيد المحكمة بما قد يعرض له الطبيب فى تقريره من توفر نية القتل.
(ب) إثبات. شهادة. سماع شهادة المتهم فى جنحة بعد فصلها عن الجناية مع تحليفه اليمين. جائز.
1 - للمحكمة فى حدود ما لها من حق استظهار عناصر الجريمة ألا تتقيد بما قد يعرض له الطبيب فى تقريره من توفر نية القتل إذ أن مأموريته قاصرة على حد ابداء رأيه الفنى فى وصف الإصابات وسبب القتل.
2 - لا يوجد فى القانون ما يحول دون سماع شهادة المتهم فى جنحة مع تحليفه اليمين - بعد أن قررت محكمة الجنايات فصلها عن الجناية - مادام هذا الشاهد لم يكن عند أدائه الشهادة أمام المحكمة مرفوعة عليه الدعوى الجنائية كمتهم فى ذات الواقعة محل المحاكمة.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة كلا من: 1 - ليلى محمد عبده الشهيرة بفاطمة صرصر 2 - وجيدة عبد العزيز عبد الوهاب بأنهما وآخرين قررت محكمة الجنايات بجلسة المحاكمة فصل تهم الجنح المسندة إليهما عن تهم الجناية وقصر نظر الدعوى على تهم الجناية والجنحة المنسوبتين للمتهمتين الأولى والثانية. أولا: قتلتا عمدا نعيمة مصطفى حمدى بأن ضغطتا على عنقها وكتمتا أنفاسها قاصدتين من ذلك قتلها فأحدثتا بها الإصابات المبينة بتقرير الصفة التشريحية والتى أودت بحياتها وثانيا بأنهما والآخرين الذين قررت المحكمة فصل تهم الجنح المسندة إليهم أخفوا جثة المجنى عليها سالفة الذكر بأن نقلوها داخل سيارة المتهم عبد الحميد عبد الغنى وألقوا بها عند مقابر قايتباى وطلبت من غرفة الاتهام إحالتهما إلى محكمة الجنايات لمعاقبتهما بالمادتين 234/ 1 و239 من قانون العقوبات فقررت بذلك ومحكمة جنايات القاهرة قضت حضوريا عملا بالمواد 236/ 1 و239 و32 من قانون العقوبات بالنسبة للمتهمة الأولى والمادتين 304/ 1 و381/ 1 من قانون الإجراءات الجنائية بالنسبة للمتهمة الثانية عن التهمة الأولى والمادة 239 من قانون العقوبات بالنسبة للمتهمة الثانية بمعاقبة ليلى محمد عبده الشهيرة بفاطمة صرصر بالسجن لمدة ثلاث سنين وبمعاقبة وجيدة عبد العزيز عبد الوهاب بالحبس مع الشغل لمدة ستة شهور عن التهمة الثانية وببراءتها من التهمة الأولى المنسوبة إليها وذلك على اعتبار أن الواقعة الأولى المسندة للمتهمة الأولى وهى ضرب أفضى إلى الموت. فطعنت الطاعنة فى هذا الحكم بطريق النقض فى 16 من يناير سنة 1956 وحصلت على شهادة بعدم ختم الحكم وإيداعه فى 23 من الشهر المذكور ولما أعلنت بإيداعه فى 8 من فبراير سنة 1956 قدم الأستاذ عبد المنعم الحكيم المحامى عنها تقريرا بالأسباب فى 16 من الشهر المذكور.
وبجلسة اليوم سمعت المرافعة على ما هو مبين بمحضر الجلسة.


المحكمة

من حيث إن الطعن قد استوفى الشكل المقرر بالقانون.
وحيث إن مبنى الوجهين الأول والرابع من الطعن. هو أن الحكم المطعون فيه أخل بحق الطاعنة فى الدفاع وشابه التناقض وذلك بأن الحاضر معها طلب من المحكمة استدعاء كبير الأطباء الشرعيين لمناقشته فيما جاء بتقريرى الطبيبين الشرعيين وفى التقرير المقدم من الطبيب الاستشارى ليبدى رأيه فيما إذا كانت الأوصاف المبينة بتقرير الصفة التشريحية يمكن أن تظهر فى حالة القتل غير العمد. ولكن المحكمة رفضت إجابته إلى هذا الطلب وردت عليه فى محضر الجلسة " بأن الطبيبين الشرعيين ردا على التقرير وأوفيا الموضوع مناقشة" وهو رد غير سديد هذا إلى أنه كان يتعين على المحكمة بعد أن رفضت هذا الطلب أن تأخذ برأى الطبيبين الشرعيين ولكنها استبعدت القتل العمد الذى انتهيا إليه فى تقريرها. ثم هى لم تأخذ من ناحية أخرى برأى الطبيب الاستشارى الذى خالفهما فى الرأى كما أنها لم تحقق الطلب الذى تقدمت به الطاعنة لإجراء معاينة عن منزلها لإثبات أن الوفاة لم تحدث به وأنه يتعذر إنزال جثة المجنى عليها منه لوقوعه فى شارع يطرقه المارة ليلا ونهارا.
وحيث إنه يبين من الاطلاع على محضر جلسة المحاكمة فى 14 من يناير سنة 1956 أن الحاضر عن الطاعنة طلب استدعاء كبير الأطباء الشرعيين والطبيب الاستشارى لمناقشتهما فى التقارير المقدمة وقد ردت المحكمة على هذا الطلب بمحضر الجلسة " بأنها لاحظت أن الطبيبين الشرعيين ردا على التقارير وأوفيا الموضوع مناقشة" ثم ترافع المدافع عنهما بعد ذلك دون أن يتمسك بطلبه هذا أو يصر عليه مما يدل على تنازله ضمنا عنه أما عن طلب المعاينة فالثابت من محضر الجلسة أنه أبدى بالصيغة الآتية " أن الدفاع يطلب أن تجرى المحكمة معاينة إذا ظهر لزومها بعد السير فى التحقيق" وفى إبداء الطلب على هذا الوجه ما يستفاد معه تفويض المحكمة فى إجراء المعاينة إن رأت داعيا لذلك. ومن ثم فليس للطاعنة أن تنعى على المحكمة أنها أغفلت إجراء لم يبده الدفاع عنها بطريقة جازمة. لما كان ذلك وكان من المقرر أن لمحكمة الموضوع فى حدود سلطتها التقديرية كامل الحرية فى الأخذ بما تطمئن إليه من التقارير الفنية والالتفات عما لا تطمئن إليه منها، وكان ادعاء الطاعنة بأن المحكمة لم تعول على تقرير الطبيب الشرعى مخالفا للواقع فقد أوردت المحكمة فى حكمها وأخذت بما انتهى إليه هذا التقرير من أن وفاة المجنى عليها حدثت باسفكسيا الخنق ثم استبعدت نية الطاعنة فى إزهاق روح المجنى عليها وذلك فى حدود ما لها من حق استظهار عناصر الجريمة دون أن تكون مقيدة فى ذلك بما قد يعرض له الطبيب فى تقريره من توفر هذه النية إذ أن مأموريته قاصرة على حد إبداء رأيه الفنى فى وصف الإصابات وسبب القتل، ومن ثم لا يجوز للطاعنة والأمر كذلك أن تعيب على الحكم استناده فى الإدانة إلى تقرير طبى دون آخر أو وأن ما استخلصته المحكمة من التقرير الذى عولت عليه لا يؤدى إلى ما انتهت إليه فى حكمها ويكون ما جاء بهذا الوجه من الطعن على غير أساس.
وحيث إن محصل الوجهين الثانى والثالث هو أن الحكم المطعون فيه أخطأ فى الإسناد وشابه فساد الاستدلال إذ نسب إلى العسكرى عبد الظاهر الصاوى أنه قرر أنه سمع أنينا مع أن حقيقة ما شهد به هو أنه سمع صوت سيدة ثم رتبت خطأ على أقواله هذه أن الطاعنة كانت تحاول إجهاض المجنى عليها ولما أن خشيت افتضاح أمرها ضغطت على عنقها وهى تحاول إسكاتها ومنعها من الصراخ فماتت كما أن الحكم استند إلى ما أثبته الصاغ محمد سعيد حجازى فى محضره من أنه وجد مثيلا لريش الحمام الذى وجد بالملاءة التى دثرت بها جثة المجنى عليها وذلك فى منزل الطاعنة ثم رتبت المحكمة على هذه الواقعة أن الغرارة والملاءة التى لفت بهما الجثة ملك للطاعنة وأن عملية الخنق تمت بمنزلها مع أن ما أثبته الضابط بمحضره لا يؤدى إلى تلك النتيجة إذ ليس ثمة ما يمنع من أن تكون الوفاة قد حدثت بمنزل المتهمة الأخرى سيما وأن الطاعنة لا تنكر واقعة اشتراكها فى نقل جثة المجنى عليها التى ماتت قضاءا وقدرا.
وحيث إن المحكمة حين عرضت لشهادة العسكرى عبد الظاهر الصاوى فى سردها واقعة الدعوى فى حكمها قالت " وشهد العسكرى عبد الظاهر الصاوى فى التحقيق وأمام المحكمة بأنه تسلم داوريته أمام محل السرجانى حيث تقطن المتهمة الأولى فى أعلاه وفى الساعة 11 و45 دقيقة من مساء يوم الثلاثاء سمع صوت " صراخ رفيع واطى " من امرأة صرخت مرتين وفى الثالثة انقطعت الصرخة ولم تتم ولم يسمع شيئا بعدها فلفت نظر الخفير بمحل السرجانى فأخبره بأنه لابد أن واحدة تلد عند الداية ثم قالت المحكمة فى موضع آخر من الحكم وهى بصدد استخلاص الدليل " وحيث إنه يبين من كل ما تقدم أنه لا نزاع فى أن المتهمة الأولى (الطاعنة) كان تحاول اجهاض المجنى عليها وكانت تئن أنينا موجعا - وخشيت افتضاح أمرها فحاولت إسكاتها وضغطت على عنقها لتمنعها من الصراخ فماتت باسفكسيا الخنق يؤيد هذا ما شهد به العسكرى عبد الظاهر الصاوى من أنه سمع الأنين ينبعث من منزل المتهمة الأولى (الطاعنة) ولم يلبث أن انقطع قبل أن تتم الأنة الثالثة" ومؤدى شهادته بالجلسة أنه سمع استغاثة فى الساعة 11 و30 دقيقة مساء فسأل الخفير الذى أجابه بأن سيدة فى حالة وضع وأنه سمع صوتا لسيدة صرخت مرتين ثم سكتت فى المرة الثالثة. وأن هذا الصراخ كان منبعثا من المسكن الواقع فوق محل السرجانى. ولما كانت روايات هذا الشاهد سواء منها ما أورده الحكم منسوبا إليه أو ما شهد به بالجلسة لا تنطوى على خلاف فى جوهر الواقعة التى انصبت شهادته عليها إذ أن مؤداها جميعا أنه سمع صوت سيدة تصرخ مرتين ولم تتم الصرخة الثالثة وكانت هذه الصرخات منبعثة من مسكن الطاعنة الواقع فوق محل السرجانى وبالمنطقة المكلف بحراستها. وبفرض أن المحكمة وصفت الصوت أو الصراخ بالأنين فإن هذا لا يعدو أن يكون تزيدا منها لا يعيب الحكم ولا يؤثر فى سلامته. لما كان ذلك وكان ما انتهى إليه الحكم من أن الطاعنة وهى تحاول إجهاض المجنى عليها قد ضغطت على عنقها لتمنعها من الصراخ فماتت باسفكسيا الخنق لم يكن مستخلصا من شهادة العسكرى عبد الظاهر الصاوى وحدها كما تدعى الطاعنة وإنما من جماع الأدلة المطروحة على بساط البحث أمام المحكمة والتى أوردها الحكم ومن بينها ما جاء بتقرير الصاغ محمد سعيد حجازى وما أثبت بتقرير الصفة التشريحية من أن المجنى عليها كانت حاملا بجنين أنثى فى حوالى الشهر الخامس الرحمى وأن الجنين توفى تبعا لوفاة أمه، وليس بلازم أن يكون الدليل مباشرا وقائما بذاته ودالا بنفسه على الواقعة المراد إثباتها إنما يكفى أن يكون استخلاص ثبوت الواقعة عن طريق الاستنتاج، فما تثيره الطاعنة بصدد شهادة الشاهد عبد الظاهر الصاوى وما استنتجته المحكمة من ظروف الواقعة وملابساتها لا محل له طالما أن ما استخلصته المحكمة كان سائغا مسندا إلى أدلة مقبولة لها أصولها فى الأوراق وتؤدى فى العقل والمنطق إلى ما رتبه الحكم عليها. لما كان ما تقدم كله كان ما تثيره الطاعنة بصدد ما استخلصته المحكمة مما أثبته الصاغ سعيد حجازى فى محضره من أنه عثر بمنزل الطاعنة على ريش حمام يماثل الريش الذى عثر عليه بالملاءة الملفوفة بها جثة المجنى عليها لا يعدو أن يكون مجادلة منها فى الدليل الذى استندت إليه المحكمة وهو ما لا يجوز التحدث عنه أمام محكمة النقض لتعلقه بموضوع الدعوى وأدلتها، فإن ما جاء بهذين الوجهين من الطن غير سديد.
وحيث إن مبنى الوجه الخامس من الطعن هو أن الحكم شابه بطلان فى الإجراءات إذ حلفت المحكمة المتهمين الخامس والسادس المشتركين فى واقعة الدعوى اليمين القانونية. واستندت إلى أقوالها كشاهدين.
وحيث إنه يبين من مراجعة محاضر جلسات المحاكمة أن المحكمة فصلت الجنحة على الجناية ثم سمعت شهادة عبد الحميد عبد الغنى المتهم السادس فى الجنحة بعد تحليفه اليمين - أما المتهم الخامس فعلى خلاف ما تقول به الطاعنة قد استندت المحكمة إلى أقواله التى أدلى بها فى التحقيق دون أن تحلفه اليمين. ولما كان لا يوجد فى القانون ما يحول دون سماع شهادة المتهم السادس مع تحليفه اليمين مادام هذا الشاهد لم يكن عند أدائه الشهادة أمام المحكمة مرفوعة عليه الدعوى الجنائية كمتهم فى ذات الواقعة المسندة إلى الطاعنة. فإن ما تنعاه الطاعنة على الحكم من بطلان فى الإجراءات لا يقوم على أساس.
وحيث إنه من كل ما تقدم يكون الطعن برمته على غير أساس متعينا رفضه موضوعا.