أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثالث - السنة الثانية - صـ 886

جلسة 2 من إبريل سنة 1951
(328)
القضية رقم 1909 سنة 20 القضائية

برياسة حضرة صاحب السعادة أحمد محمد حسن باشا رئيس المحكمة، وبحضور حضرات أصحاب العزة: أحمد فهمي إبراهيم بك وكيل المحكمة وحسن إسماعيل الهضيبي بك وفهيم إبراهيم عوض بك وإبراهيم خليل بك المستشارين.
دفاع شرعي. تسليم الحكم بقيام هذه الحالة واعتباره المتهم متجاوزاً حد الدفاع مع ما هو ثابت من أنه لم يعتدِ على المجني عليه في سبيل ذلك إلا بضربة واحدة. خطأ. لا عقاب على هذه الواقعة.
إذا كان الظاهر مما أثبته الحكم أن الطاعن شاهد المجنى عليه وآخر يخرجان من منزله ليلاً وفي الظلام, والمجني عليه يحمل جوالاً من الأرز سرقه من منزله فنادى الطاعن عليهما فلم يلبيا نداءه فبادر المتقدم منهما وهو المجني عليه بضربة واحدة من عصا تصادف أنه كان يحملها, فلما سقط بما يحمل تركه وضبط السارق الآخر واستغاث، وكان الحكم مع تسليمه بقيام حالة الدفاع الشرعي لدى الطاعن قد ذهب إلى أنه تجاوز حدود هذا الدفاع مع ما هو ثابت من أنه لم يعتدِ على المجني عليه في سبيل الدفاع عن نفسه وعن ماله إلا بضربة واحدة من عصا تصادف حملها، مما لا يصح معه القول بتجاوز حدود الدفاع الشرعي، فهذا الحكم يكون قد أخطأ، إذ الواقعة كما صار إثباتها فيه لا يعاقب عليها القانون.


الوقائع

اتهمت النيابة العمومية الطاعن بأنه بالكوم الطويل مركز بيلا قتل سليمان علي فرحات عمداً ومع سبق الإصرار بأن انتوى قتله وأعد لذلك آلة صلبة راضة واستدرجه لمنزله وضربه على رأسه بتلك الآلة الثقيلة فأحدث به الإصابة المبينة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته وطلبت إلى قاضي الإحالة إحالته إلى محكمة الجنايات لمحاكمته بالمادتين 230 و231 من قانون العقوبات فقرر بذلك وقد ادعى علي فرحات والد القتيل بحق مدني قبل المتهم وطلب القضاء له عليه بمبلغ مائتي جنيه بصفة تعويض ومحكمة جنايات كفر الشيخ قضت عملاً بالمادة 251 من قانون العقوبات بمعاقبة محمد أحمد السيد حواش بالسجن مع الشغل لمدة سنتين ورفض الدعوى المدنية وذلك على اعتبار أن المتهم ضرب سليمان علي فرحات عمداً بعصا فأحدث به الإصابة المبينة بتقرير الصفة التشريحية ولم يقصد من هذا الضرب قتلاً ولكنه أفضى إلى موته. فطعن المتهم في هذا الحكم بطريق النقض إلخ.


المحكمة

... حيث إن مبنى وجه الطعن هو أن الواقعة كما أوردها الحكم المطعون فيه لا عقاب عليها في القانون ذلك لأن المتهم كان في حالة دفاع شرعي عن نفسه وماله ومع تسليم الحكم بقيام حالة الدفاع الشرعي فإنه اعتبر الطاعن متجاوزاً حدود الدفاع ودانه بجريمة الضرب الذي أفضى إلى وفاة المجني عليه وطبق المادة 251 من قانون العقوبات في حين أن أسباب الحكم لا تؤدي إلى النتيجة التي انتهى إليها بل هي تؤدي على الضد من ذلك إلى أن الطاعن كان معذوراً حين ضرب المجني عليه بعصا كان يحملها ضربة واحدة حين فاجأه ومعه آخرون يخرجون من منزله في الظلام وكان المجني عليه يحمل جوالاً من الأرز سرقه من منزل الطاعن.
وحيث إن النيابة قدمت الطاعن لقاضي الإحالة بتهمة أنه قتل المجني عليه عمداً ومع سبق الإصرار فأحاله على محكمة الجنايات بهذه التهمة والمحكمة قضت بالحكم المطعون فيه بإدانة الطاعن بالضرب الذي نشأت عنه وفاة المجني عليه وطبقت المادة 251 من قانون العقوبات على اعتبار أنه كان في حالة دفاع عن نفسه وماله حين ضرب المجني عليه إلا أنه تجاوز حدود ذلك الدفاع وقد بينت واقعة الدعوى في الحكم المطعون فيه في قولها "إنه حوالي الساعة الثامنة من مساء يوم 9/ 12/ 1949 حضر المتهم محمد أحمد السيد خداش (الطاعن) من حقله إلى منزله ولما اقترب من الباب شاهد في الظلام شخصاً يحمل جوالاً ويهم بالخروج ويتبعه آخر فنادى عليهما ولما لم يتلقَ جواباً على ندائه بادر المتقدم منهما بضربه بعصا كان يحملها فسقط على الأرض تاركاً الكيس الذي كان يحمله على عتبة الباب وعند ذلك تمكن المتهم من القبض على الشخص الآخر وتبين أنه عبده عبد الحي أبو شعيشع وصاح مستغيثاًَ فأغاثه الجيران وبعض رواد مقهى قريب من المنزل وقد أخبرهم المتهم بأنه ضبط هذين الشخصين يسرقان أرزاً من منزله وأنه ضرب أحدهما وتبين له أنه سليمان علي فرحات وكان هذا الأخير مسجى على الأرض فاقد الوعي من أثر إصابة برأسه ورآه الشهود على هذه الحال", كما رأوا محمد أحمد خداش ممسكاً بعبده عبد الحي بردهة الدار وكيس الأرز ملقى على عتبتها وأبلغ محمد أحمد السيد خداش نائب عمدة الكوم الطويل بالحادث وذكر في بلاغه أسماء بعض الشهود الذين بادروا بالحضور على استغاثته وتولى نائب العمدة بدوره إبلاغ نقطة بوليس سيدي غازي فباشر ضابطها التحقيق وكان المصاب سليمان علي قد نقل إلى المستشفى لخطورة حالته بناءً على إشارة مفتش الصحة الذي كشف عليه ووجده في حالة إغماء تقتضي السرعة في إسعافه وسئل المتهم فقرر أنه وهو قادم إلى داره مساءً شاهد هذين الشخصين يحملان أرزاً من داخل المنزل وبادر أحدهما بضربه عصا فسقط على الأرض ولم يكن يعرفه من قبل حتى تبين شخصيته بعد حضور الشهود وإضاءة مكان الحادث بالمصابيح وذكر أنه إنما اعتدى على المصاب ليحول بينه وبين الهرب بما سرق ولما عاين محقق البوليس مكان الحادث وجد الكيس المسروق بجوار عتبة الباب من الخارج كما وجد أربعة أكياس مماثلة وملأى بالأرز بداخل الصالة مرصوصة بجوار جدارها البحري وسمعت أقوال الشهود فاتفقت روايتهم على أنهم سمعوا استغاثة المتهم صادرة من منزله فهرعوا يستطلعون ما حدث فوجدوا لدى الباب وعلى عتبته كيس الأرز ملقى والمصاب سليمان علي فرحات في حالة غيبوبة بداخل ردهة المنزل كما شاهدوا زميله عبده عبد الحي في يد المبلغ قابضاً عليه وأخبرهما أنهما كان يسرقان أرزاً وأنه تمكن من ضبطهما بعد أن أصاب أولهما فعطله عن الفرار وأمسك بالآخر بداخل صالة المنزل وقد استمر المصاب سليمان علي فرحات عديم النطق وفي حالة إغماء حتى توفي ظهر يوم 20/ 12/ 1949 فأخطرت النيابة بوفاته وتولت التحقيق وندبت الطبيب الشرعي لتشريح الجثة كما قامت النيابة بمعانية مكان الحادث وسألت المتهم فاعترف بما كان من أمر اقتحام المصاب وزميله لمنزله واعتدائه على سليمان علي فرحات بضربة عصا من الخيزران لتخوفه منه ولمنعه من الفرار وبعد أن تحدث الحكم عن أقوال الشهود وما ثبت من المعاينة من وجود جوال الأرز المسروق على عتبة باب منزل الطاعن وأنه وجدت بصالة هذا المنزل جوالات أخرى من هذا الأرز عرض لتقرير الصفة التشريحية الذي ثبت منه إصابة المجني عليه بجرح واحد بفروة الرأس شوهدت تحته كسور بعظام الرأس مما أدى إلى وفاته وانتهى الطبيب الشرعي إلى أن ذلك المجني عليه أصيب إصابة واحدة من المصادمة الشديدة بجسم صلب راض كالعصا ثم عرض الحكم لنية القتل وسبق الإصرار فنفى توفرهما لدى الطاعن.
وحيث إنه يبين من ذلك أن الطاعن شاهد المجني عليه ومعه آخر يخرجان من منزله ليلاً وفي الظلام وكان المجني عليه يحمل جوالاً من الأرز سرقه من منزله فنادى الطاعن على السارقين فلم يلبيا نداءه فبادر المتقدم منهما وهو المجني عليه بضربة واحدة من عصا تصادف أنه كان يحملها فلما سقط بما يحمل تركه وضبط السارق الآخر واستغاث ولما كان الطاعن قد دفع أمام المحكمة بأنه حين ضرب المجني عليه كان يستعمل حقاً خوله له القانون وهو الدفاع عن نفسه لتخوفه من الجناة وعن ماله الذي رآه محمولاً على كتف المجني عليه وكان الحكم المطعون فيه قد سلم بقيام حالة الدفاع الشرعي لديه إلا أنه ذهب إلى أن الطاعن قد تجاوز حدود هذا الدفاع مع أن الثابت أن الطاعن لم يعتدِ على المجني عليه في سبيل الدفاع عن نفسه وماله إلا بضربة واحدة من عصا تصادف حملها مما لا يصح معه القول بتجاوز الطاعن حدود الدفاع الشرعي وتكون الواقعة كما صار إثباتها في الحكم لا يعاقب عليها القانون ويتعين إذن نقض الحكم والقضاء ببراءة الطاعن.
وحيث إنه لما تقدم يتعين قبول الطعن ونقض الحكم وبراءة الطاعن.